حل الكنيست الإسرائيلي الثالث والعشرون نفسه، بعدما فشل نوابه في إقرار الميزانية، وبالتالي انهار الائتلاف الحاكم، الذي لم يصمد سوى سبعة أشهر، بين “الليكود” بزعامة بنيامين نتنياهو و “أزرق أبيض” بقيادة بيني غانتس، لتصبح إسرائيل على مشارف انتخابات جديدة في الثالث والعشرين من مارس 2021 لتكون الرابعة خلال عامين.
وفي ضوء المعطيات الأخيرة، تصبح الحياة السياسية الإسرائيلية خاصة الحزبية في صراع من نوع جديد، حيث من المقرر أن تظهر أحزاب جديدة، ويأفل نجم أحزاب أخرى، ليظل المشهد الإسرائيلي ضبابيًا إلى حد بعيد.
كواليس حل الكنيست
نتنياهو
الكنيست فى إحدى جلساته – أرشيفية
جاء حل الكنيست بعد عدة أزمات عاصفة داخل الائتلاف الحاكم بين نتنياهو وغانتس، ولم تنجح كافة المحاولات للإبقاء على حكومة الوحدة، وكانت أبرز الملفات الخلافية هو ملف التعيينات في المناصب الحكومية الحساسة، خاصة في وزارة العدل. ولم يسلم الائتلاف من انتقاد نفسه، فكان الليكود يهاجم أزرق أبيض والعكس أثناء الشهور السبعة الماضية.
وفي النهاية، لم ينجح الائتلاف في تمرير الميزانية. حتى المفاوضات الأخيرة، لم تسفر عن إنهاء الجدل بشأن تبادل بعض الحقائب الوزارية، ومن أبرز الأمثلة على ذلك: إصرار الليكود على أخذ حقيبة العدل من أزرق أبيض مقابل إعطائهم حقيبة المالية، وكانت هذه هي آخر محاولات التفاوض التي باءت بالفشل أيضا، وفي النهاية، تم حل الكنيست بسبب عدم وجود موائمات بين الائتلاف الحاكم.
سيناريوهات الحياة الحزبية وموقف الليكود
الليكود وفرصه
في الليلة التي حل الكنيست فيها نفسه، بدأ على الفور بنيامين نتنياهو بالدعاية لليكود في الانتخابات المقبلة، وحمّل غانتس أسباب فشل الائتلاف الحاكم، وفشل الحكومة الإسرائيلية في الاستمرار وتمرير الميزانية، وشدد نتنياهو على أن حزبه سيحسم الانتخابات المقبلة، متفاخرًا بالاقتصاد القوي في ظل قيادته لإسرائيل، وكذلك ملفي اللقاحات والتطبيع مع عدة دول عربية.
كما يرى نتنياهو أن فوزه في الانتخابات القادمة له سبب آخر، وهو عدم وجود سياسيين قادرين على تشكيل حكومة دون اللجوء إلى زعيم حزب “يش عاتيد، هناك مستقبل” بزعامة يائير لابيد، وأحزاب اليسار الأخرى، بالتالي الأمل في تشكيل حكومة يمينية في وجهة نظر نتنياهو له مسلك واحد: وهو التصويت لحزب الليكود فقط، دون أحزاب اليمين الأخرى.
وحاول نتنياهو بشتى الطرق تبرئة حزبه من اتهام إفشال الائتلاف، وأكد أنه لم يرغب في حل الائتلاف، بينما رد غانتس على نتنياهو في تغريدة على تويتر، بأن نتنياهو أراد هذا السيناريو، لأنه أراد الإفلات من المحاكمة. لكن إصرار نتنياهو على أن تكون الميزانية لعام، وإصرار غانتس أن تكون لعامين أدى بالنهاية لعدم تمريرها، وبالتالي سقط الائتلاف الحاكم، وتم حل الكنيست.
الخريطة الحزبية ومستقبل الليكود
رغم أن بنيامين نتنياهو أكد في أول خطاب له بعد حل الكنيست، أن الإسرائيليين عليهم التصويت لليكود، وأنه واثق من الفوز، لكن ثمة ظروف ومستجدات طرأت على الوضع الحالي للحزب، تجعل الحديث عن حسمه للانتخابات القامة واستمرار نتنياهو في الحكم، أمرًا يحتاج إلى رؤية ودراسة للمتغيرات الحالية.
هل انهار الليكود؟
بنيامين نتنياهو – صورة أرشيفية
الوضع الحالي يؤكد أن الحزب الحاكم ليس كما كان بعدما انشق عنه الرجل القوي _جدعون ساعر_ وأعلن تدشين حزبه “الأمل الجديد”، والذي تشير الاستطلاعات إلى أنه سيحصل على 18 مقعدًا في الانتخابات المقبلة، كما انضم له وزير المياه والتعليم العالي زئيف إلكين، بعدما انشق عن الليكود، وهو من المقربين لنتنياهو، كما انشقت العضوات الثلاثة من الليكود وهن: ميخال شير ويفعات شاشا بيطون وشيران هسكل، ليصبح إجمالي المنشقين عن الليكود حتى الآن خمسة أعضاء، أضافوا قوة كبيرة لحزب ساعر الجديد.
وهنا سيصبح نتنياهو في ورطة كبيرة في الانتخابات المقبلة، بسبب تراجع شعبية وحظوظ الليكود، والذي بحسب كافة الاستطلاعات لن يتجاوز الثلاثين مقعدًا، وباتت فكرة تشكيل حكومة برئاسة الليكود تحتاج إلى سيناريوهات أخرى معقدة.
بالطبع لم ينهار الليكود حتى اللحظة، فتاريخ نتنياهو في الانتخابات والعمل السياسي يجعله قادرًا على إدارة التحالفات حتى في اللحظات الأخيرة، ليبقى السؤال الأهم، هل سينجح هذه المرة أيضًا في عمل موائمات حزبية؟ أم ينجح ساعر في تشكيل أوسع، أى حكومة يمينية بدون الليكود؟ في ظل السيناريوهات الحالية التي يتم تجهيزها للإطاحة بنتنياهو.
ويرى “يوفال كارني” المحلل الإسرائيلي المشهور أن نتنياهو لن ينجح في تشكيل حكومة بدون ساعر، أو بدون زعيم تحالف أحزاب اليمين “يمينا” نفتالي بينيت، لذا فهو يرى أن حكم اليمين بات في خطر، لكن ليس من اليسار هذه المرة، بل من اليمين نفسه.
والخلاصة في مستقبل الليكود وزعيمه هو تراجع الحزب بشكل كبير، بسبب القضايا التي يحاكم فيها نتنياهو، والتي تحتم عليه المثول أسبوعيا أمام المحكمة لسماع أقواله، وكذلك انشقاق العديد من أعضاء الحزب وأهمهم ساعر وإلكين، مع اشتداد عود أحزاب يمينا بزعامة نفتالي بينيت، وكذلك قوة ساعر الصاعدة بدون توقف. كل هذه المعطيات تؤكد أن مستقبل الليكود ونتنياهو في خطر كبير.
ساعر .. نجم اليمين الصاعد
جدعون ساعر – صورة أرشيفية
بالإشارة إلى السيناريو السابق، فإن ساعر في طريقه إلى أحد أمرين، إما أن يكون رئيس الوزراء القادم، والقادرعلى تشكيل حكومة من خلال حزبه “الأمل الجديد”، مع تحالف كافة أطياف اليمين دون الليكود، لكن ساعرسيكون في حاجة إلى 61 مقعدًا لتحقيق هذا السيناريو.
ووفقًا لاستطلاع حول المقاعد القادمة في الكنيست أجرته القناة الــ 12 الإسرائيلية، فإن ساعر سيحصل على  18 مقعدًا، بينما سيحصل تحالف “يمينا” على 13 مقعدًا، وحزب شاس على 8 مقاعد، وكتلة “يهوديت هتوراة” على 8 مقاعد، وحزب “إسرائيل بيتنا” على 7 مقاعد، ومجموع ذلك 54 مقعدًا، وبالتالي فإن ساعر أمامه تحدي السبعة مقاعد لو صدق الاستطلاع.
والرهان في هذه الحالة، سيكون على انضمام حزب “هناك مستقبل” بزعامة يائير لابيد، مع احتمال حصوله على 16 مقعد، وقتها يحسم ساعر المنافسة، وإن كان انضمام لابيد لليمين أمرًا صعب الحدوث، لكن هناك فرصة أخرى وهي العمل على المقاعد التي سيفقدها بيني غانتس، حيث ترددت أقاويل عن اعتزاله الحياة السياسية مع غابي أشكنازي _شريكه في أزرق أبيض_ وعليه فقد يسعى ساعر لجذب المنشقين من أزرق أبيض لزيادة حصيلته.
ونؤكد أن هذه الأرقام تختلف من استطلاع لآخر، والدليل هو استطلاع آخر أجراه راديو 103 الإسرائيلي، أظهر حصول ساعر على 22 مقعدًا، والليكود على 25 مقعد فقط، وحصول ائتلاف أحزاب يمينا على 15 مقعد، بعدما أعلن رئيس الحزب نيته السباق على رئاسة الحكومة.
أما السيناريو الثاني الذي ينتظر جدعون ساعر وحزبه “الأمل الجديد”، هو أنه في حال عدم قدرته على تشكيل الحكومة والوصول إلى 61 مقعدا، فقد يتكرر سيناريو الحكومة الحالية المنتهية ولايتها، لكن بشكل مختلف، حيث سيكون اقتسام الحكم بين اليمين فقط، ولا وجود لأزرق أبيض أو اتجاه آخر غير اتجاه اليمين.
فقد يتم تشكيل حكومة يمينية واسعة جدا، بانضمام ساعر إلى الليكود، وكذلك باقي أحزاب اليمين، ووقتها قد يتكرر مشهد اقتسام الحكم، لكن لا نعتقد أن نتنياهو سيكون البادئ في حكم إسرائيل هذه المرة.
الخلاصة في مستقبل اليمين
• نتنياهو لن يستطيع تشكيل الحكومة القادمة بدون ساعر وليبرمان.
• انضمام ائتلاف يمينا بقيادة بينيت لنتنياهو لن يُمكِّن نتنياهو أيضا من تشكيل الحكومة.
• حظوظ ساعر أعلى في تشكيل الحكومة حال انضمام بينيت وليبرمان إليه.
• حظوظ ساعر تظل قائمة حتى لو لم ينضم بينيت للائتلاف بحسبة الأرقام.
• حزبان سيحسمان هوية رئيس الوزراء القادم، وهما: “هناك مستقبل” و”إسرائيل بيتنا”.
• حال فشل نتنياهو في حسم مقعد رئاسة الحكومة، لن يفلت من السجن.
• نتنياهو سينجح في تشكيل الحكومة حال رفض ساعر، لكن بشرط انضمام هناك مستقبل وائتلاف يمينا وإسرائيل بيتنا.
مستقبل اليسار في ضوء المستجدات الأخيرة
بينى غانتس – صورة أرشيفية
أزرق أبيض
زاد الحديث عن نية زعيم ائتلاف أزرق أبيض _بيني غانتس_ اعتزال الحياة السياسية بعد فشل الائتلاف الحالي الحاكم وانهيار الكنيست، وكذلك الأمر بخصوص حليفه وشريكه في الائتلاف، غابي أشكنازي.
بحسب القناة الــ 13 العبرية، لم يصمد جنرالات الجيش الإسرائيلى أمام الداهية السياسية نتنياهو، الذي نجح في تهميش أزرق أبيض والقضاء عليه، بعدما كان المنافس المباشر له، وعليه بات ظهور أشكنازي وغانتس في المعترك القادم أمر مشكوك فيه. ولو قررا استكمال الوجود في الحياة السياسية، ففي ضوء المعطيات الحالية، لن يتمكنا من المنافسة أمام الليكود، أو غيره، وستصبح حظوظهما مثل الأحزاب الصغيرة، التي لا تتجاوز خمسة مقاعد، في وقت حصل فيه الائتلاف في الكنيست الثالث والعشرين على 33 مقعدًا.
مستقبل حزب العمل وجيشر وميرتس
عمير بيرتس – صورة أرشيفية
أعلن “عمير بيرتس” رئيس حزب العمل عدم قيادته للحزب في الانتخابات المقبلة، وكتب على تويتر أن الحزب عليه أن يختار رئيسًا جديدًا له، وقد حصل الحزب في الانتخابات السابقة على 7 مقاعد.
بشكل عام وضع حزب العمل بحسب الاستطلاعات الأخيرة لن يتغير، لكن قد تنقص حصته إلى خمسة مقاعد أو أربعة مقاعد، وبشكل عام، احتفاظ حزب العمل بحصته الحالية أمر محال.
هناك تعويل كبير على مستقبل الحكومة القادمة بسبب حزب ميرتس، والذي قد ينضم للائتلاف المناهض لنتنياهو، وهنا لا نستطيع حسم شكل انضمام ميرتس، هل سيكون لصالح ساعر؟ أم لصالح نفتالي بينت؟ لو قرر كما أعلن خوض الانتخابات على رئاسة الحكومة. بشكل عام فإن انضمام ميرتس لأي معسكر يميني، سيساهم بشكل كبير في حسم المستقبل السياسي للحياة الحزبية والسياسية الإسرائيلية المقبلة.
هل للقائمة العربية المشتركة دور؟
ستتراجع حظوظ القائمة العربية المشتركة في الانتخابات القادمة المقرر إجراؤها في نهاية مارس المقبل، ومن المتوقع أن تحصل القائمة على 11 مقعدا فقط، ولن يكون لها دور في تشكيل الحكومة اليمينية المقبلة، فكل المعطيات تؤكد يمينية الحكومة، أيًا كان، سواء برئاسة ساعر أو نتنياهو أو بينيت أو حتى بالتناوب بينهم، لو قرروا تشكيل حكومة يمينية موسعة، لذلك هناك تراجع كبير لمستقبل القائمة في الانتخابات المقبلة.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version