جرت يوم الثلاثاء الأول من نوفمبر 2022 الجولة الخامسة من الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، والتيى أتت بعد أربع جولات متعاقبة دون حسم لأحد معسكري اليمين واليسار، ودون تحقيق الاستقرار السياسي في الدولة العبرية. وبعد فشل نتنياهو المتعاقب في تشكيل ائتلاف حكومي مستقر فإنه بات أمام جولة فارقة واستثنائية، فإما أن يفوز فيها ليتزعم الحكومة مرة أخرى، وإما أن يعجز عن ذلك، ليفقد زعامة حزب الليكود وزعامة المعارضة ليتم إقصاؤه من المشهد السياسي، ولن يتوقف الأمر عند ذلك بل سيواجه مصيره المحتوم أمام قضايا الفساد الموجهة ضده. ولذا فقد خاض نتنياهو تلك الجولة الانتخابية وهو مدفوع بالخوف من السجن إذا لم يحقق الفوز.

بين التحديات والفرص:

في ظل المشهد السياسي المضطرب والمعقد، فقد واجه نتنياهو عدة تحديات كادت أن تعوق عودته للحكم من جديد، لكنه أيضا كان يمتلك بعض الفرص والمؤشرات التي ساعدته على الفوز وتحقيق أغلبية واسعه  – “64 ” مقعدا – تُمَكِّنه من تشكيل الائتلاف الحكومي القادم.

 

وفيما يتعلق بالتحديات، فإن زعيم المعارضة نتنياهو واجه العديد منها ولولا تغلبه عليها لفشل في الانتخابات ولأنهى مستقبله السياسي للأبد، ومن بين تلك التحديات:

1- أنه خاض انتخابات الجولة الخامسه وهو لأول مرة في خندق المعارضة، بعد اثني عشر عاما متتالية قضاها رئيسا للحكومة، وتحديدا منذ 2009 وحتى 2021. بعدها أصبح نتنياهو في وضع لايُحسد عليه لأنه فقد السلطة والأجهزة السيادية التي كانت تساعده في حسم الانتخابات. ولو كان الأمر بيده لأشعل حربا ضد إيران وقلب الطاولة على المعسكر الآخر للبقاء في الحكم. لكنه أصبح قليل الحيلة في تلك الانتخابات لأنه بات محرومًا من إصدار القرارات ومصادر التمويل والسيطرة على الأجهزة الأمنية.

2- المعادلة الصفرية بين الائتلاف والمعارضة: حيث اختلف نمط الصراع بين الائتلاف الحالى والمعارضة، بعدما حصر نتنياهو كل خياراته على الحريديم والصهيونية الدينية بزعامة المتطرفين: سموتريتش وبن جفير، وأيضا بعدما تمسك معسكر الائتلاف برفض نتنياهو وأحزاب معسكره من المتطرفين اليهود. وعليه أصبح الناخب الإسرائيلي في تلك الجولة الانتخابية أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما حكومة “يمينية – دينية” يتزعمها نتنياهو وتضم أحزاب الليكود والصهيونية الدينية وشاس ويهدوت هتوراه، وإما حكومة من الوسط واليسار يقودها لبيد وتضم أحزاب: “يش عتيد” و”تكفا حداشا” و”يسرائيل بيتينو” و”العمل” و”ميرتس” مع الاعتماد على القائمتين العربيتين: الموحدة والمشتركة. ويعني ذلك أن الجولة الانتخابية الحالية جرت لأول مرة، وفق المعادلة الصفرية، فإما اليمين بقيادة نتنياهو وإما اليسار بقيادة لبيد، الأمر الذي قد يمنع نتنياهو من ضم أحزاب من المعسكر الآخر لائتلافه الحكومي المنتظر.

 

3- تحالف العرب مع اليسار ضد نتنياهو: لعل الخطوة الإيجابية الوحيدة التي اتخذها نتنياهو خلال فترة حكمه السابقة، تكمن في أنه أضفى الشرعية على مشاركة أعضاء الكنيست العرب في الائتلاف الحكومي، رغم أنه فشل في إشراكهم بسبب رفض زعيم حزب الصهيونية الدينية سموتريتش وهو ما أفقده السلطة في النهاية. لكن السحر انقلب على الساحر، فبعد أن فقد نتنياهو السلطة تشكلت حكومة التغيير بقيادة “بينيت- لبد” واستغلت ما خطط له نتنياهو فأشركت حزب القائمة الموحدة بزعامة منصور عباس في الائتلاف الحاكم.

لكن الأمر لم يقتصر على إشراك القائمة الموحدة ضمن الائتلاف، بل إن حكومة التغيير استعانت في كثير من الأحيان بحزب القائمة المشتركة. ولم تكن الامتيازات التي قدمتها حكومة بينيت- لبيد لمنصور عباس تهدف فقط لتحقيق الاستقرار للائتلاف الحاكم في أيامه الأخيرة، بل كانت تهدف أيضًا لإرساء مشروع سياسي مستقبلي جديد، يتمثل في اعتماد معسكر اليسار على دعم الأحزاب العربية. وبذلك بات معسكر اليسار يمتلك حصيلة مقاعد الأحزاب العربية، وهذا بالطبع ما شكَّل كابوسا سياسيا لنتنياهو.

أما فيما يتعلق بالفرص والمؤشرات التي أتاحت لنتنياهو إمكانية الفوز والعودة للحكم فنذكر منها:

1-      تماسك معسكر المعارضة: فلقد استطاع نتنياهو توحيد صفوف أحزاب معسكره، بعد أن قام بإنهاء الخلافات بين حزبي الصهيونية الدينية وعوتسما يهوديت وإقناعهما بخوض الانتخابات ضم قائمة موحدة، كما تدخل في الوقت المناسب لإنهاء الأزمة بين الحزبين الحريدين: ديجل هتورا وأجودات يسرائيل، وهي الأزمة التي كادت تفتت أصوات اليمين. كما قامت كل الأحزاب في معسكر نتنياهو بالتوقيع على اتفاقيات فائض الأصوات. وأكثر ما كان يطمئن نتنياهو قبل الانتخابات أن جميع القوائم الحزبية التابعة لمعسكره لم تكن مهددة على الإطلاق بنسبة الحسم، حسبما أشارت كل الاستطلاعات.

أضف إلى ذلك أن نتنياهو لم يواجه أي منافسة من قادة الأحزاب المتحالفة معه، بخلاف لبيد الذي واجه منافسة شرسة من جانب بيني جانتس الذي حاول تقليل الفارق معه لمنافسته على تشكيل الحكومة الجديدة.

 

2-    تراجع نسبة التصويت في الوسط العربي: لقد كان السيناريو الأقرب في ظل تراجع نسبة تصويت الوسط العربي يتمثل في فوز نتنياهو وحلفائه المتطرفين. وفي ظل ذلك السيناريو الخطير كان يتوجب على القادة السياسيين في الوسط العربي السعي الحثيث لحشد أكبر قدر من الأصوات والزحف إلى صناديق الاقتراع لدعم الأحزاب العربية ورفع نسبة تمثيلها البرلماني ومنع اليمين المتطرف من العودة للحكم والإمعان في ممارسة العنصرية والتمييز ضد الواطنين العرب. لكن  الناخب العربي لم يدرك أنه أمام مرحلة فاصلة في تاريخه وأن مشاركته في الانتخابات هذه المرة ستدفع عنه كثيرا من الأذى، وستضمن له على الأقل الحد الأدنى من الحقوق، لا سيما في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية وتراجع دور السلطة الفلسطينية، وما تعانيه الدول العربية من أزمات وتحديات.

 

3- هشاشة معظم الأحزاب المنضمة لمعسكر لبيد، فباستثناء قوائم حزب المستقبل والمعسكر الرسمي وإسرائيل بيتنا، كانت هناك خمس قوائم أخرى لأحزاب: العمل وميرتس والقائمة العربية الموحد والقائمة المشتركة والتجمع الوطني الديمقراطي تصارع جميعها من أجل تخطي نسبة الحسم.  وبالفعل فقد فشل حزبا ميرتس والتجمع في تجاوز نسبة الحسم، وهو ما أدى إلى سقوط معسكر لبيد وفوز معسكر نتنياهو.

 

خلاصة القول إن زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو، بما يمتلك من خبرة ودهاء سياسي، استطاع العودة من جديد ليتصدر المشهد السياسي، وهو الآن يجرى مشاوراته مع التيار الحريدي والفاشية الدينة لتشكيل الائتلاف الحكومي القادم. وفي حقيقة الامر فإن مسؤولية فوز نتنياهو ومعسكر اليمين المتطرف تقع على عاتق رئيس الحكومة المؤقتة لبيد وكذلك على الناخبين العرب، حيث فشل لبيد فى توحيد صفوف معسكره ولم يتدخل لمنع انشقاق القائمة العربية المشتركة. أما العرب فلم يتعلموا الدرس من الانتخابات السابقة حيث انقسمت الأحزاب العربية إلى ثلاث قوائم وهو ما أضعف من فرص حصولها على المزيد من المقاعد. كما أن نسبة التصويت في الوسط العربي كانت أقل من نسبة التصويت في الوسط اليهودي بقرابة 20% وهو فارق كبير يؤثر سلبًا على التمثيل النسبي للعرب في البرلمان الإسرائيلي. وسوف يدفع العرب ثمن تراجع نسبة التصويت لديهم، لا سيما بعدما حقق جزب الصيهودية الدينية نجاحا كبيرا بحصوله على 14 مقعدا، وهو أكثر الأحزاب كراهيةً للعرب ودعمًا للمستوطنين ومطالبةً بالتعدي على حرمة القدس والمسجد الأقصى.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version