عقدت وحدة الدراسات الإسرائيلية بمركز الدراسات الاستراتيجية وتنمية القيم يوم السبت 21 / 10 / 2023 ندوة بعنوان “طوفان الأقصى: التوقيت والتداعيات الإقليمية والدولية”، بمقره بالقاهرة، شارك فيها مجموعة متميزة من الباحثين من الجامعات المصرية والمراكز البحثية والهئيات والجهات الإعلامية المختلفة.
جاءت الندوة في خمسة محاور رئيسة، تغطي عملية “طوفان الأقصى” و “السيوف الحديدية” وتداعياتهما الجيوسياسية على المنطقة والتفاعلات الإقليمية والدولية وأثارها على المنطقة، حيث تركزت الأوراق البحثية التي قدمت في هذه الندوة على تغطية تلك المحاور. وقد أدار الندوة أ.د.محمد أحمد صالح مدير وحدة الدراسات الإسرائيلية بالمركز.
بدأت فعاليات الندوة بكلمة سيادة اللواء محمد عبد المقصود رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية وتنمية القيم، أشار فيها سيادته على أهمية عقد هذه الندوة بالتزامن مع مؤتمر القاهرة للسلام الذي تحضرة 31 دولة عربية وإسلامية وأفريقية وأوربية وأمريكية، وثلاث منظمات أقليمية وفعلية ، مؤكدًا أهمية بلورة موقف عربي موحد خلف قيادة موحدة ومركزية لتلقى بثقلها لحل هذه المشكلة الكبرى ، مشيرًا إلى أهمية هذه الندوة في رسم مسارات تحدد حركة مصر خلال هذه الأزمة، حيث تضمنت كلمة رئيس المركز ما يلي:
(أ) الإشارة إلى نجاح فصائل المقاومة في تحقيق المفاجأة في تنفيذ العملية البرية والبحرية والجوية والتي أسفرت عن مقتل حوالي 1400 إسرائيلي، وإصابة حوالي 4000 آخرين، فضلًا عن أسر ما يقرب من 200 إسرائيلي، بما يعكس مدى الفشل الاستخاراتي الذي اتسم به أداء كافة المؤسسات الاستخباراتية والأمنية والعسكرية.
(ب) تعرض المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لإهانة بالغة وصدمة كبيرة أربكت أجهزة القيادة والسيطرة، مع فشلها في التدخل في العمليات العسكرية التي نفذتها حركة حماس نتيجة تحييد القوات الجوية الإسرائيلية، مع اضطراب أداء القوات الإسرائيلية المكلفة بالدفاع عن المستوطنات.
(ج) لجوء الجيش الإسرائيلي للاستخدام المفرط للقوة ضد كافة أشكال التواجد الفلسطيني بقطاع غزة لتدمير البيئة التحتية للقطاع، واجبار سكانه سواء على النزوح الجماعي داخل القطاع، أو تشجيعهم على تجاوز الحدود المصرية مع القطاع.
(د) إسهام التدخلات الخارجية من بعض القوى الأقليمية والدولية في تصعيد حدة الصراع، وتوفير مظلة شرعية للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بدعوة القضاء على قيادات وكوادر حركة حماس وفصائل المقاومة ، في الوقت الذي تسعى فيه القوى الكبري للمزايدة على مواقف الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني لتعزيز نفوذهم في منطقة الشرق الأوسط.
وفيما يتعلق بتداعيات تلك الأزمة على الأمن القومي المصري والعربي فقد أكد اللواء محمد عبدالمقصود على أهمية الإصطفاف خلف القيادة السياسية لمواجهة المخاطر والتهديدات السياسية والاقتصادية والأمنية التي يمكن أن يتعرض لها الإقليم سواء لمحاولات إسرائيل إلغاء حل الدولتين وإحياء أفكار الوطن البديل للفلسطينيين سواء بمصر أو الأردن، أو لتوسيع نطاق العمليات العسكرية وانضمام أطراف إقليمية ودولية إليها بما يعكس سلبياته على مناخ الإستقرار الإقليمي ويؤثر على حركة التجارة بين الشرق والغرب، وسلاسل الإمداد الرئيسية، والتأثير على قناة السويس.
جاء المحور الأول في الندوة عن التداعيات على مصر، فقدم د.محمد عبود، أستاذ الدراسات العبرية والإسرائيلية بجامعة عين شمس، ورقة بحثية عنوانها “تداعيات عملية “طوفان الأقصى” على مصر”، تحدث فيها عن مقدمات سير العملية، والفشل الإسرائيلي على مستوى الاستخبارات، والارتبارك في إدارة المعركة من قبل المؤسسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية. كما أشار إلى سينايوهات التعامل مع سيناء، بعدما تكشفت أقتعة الأطماع الإسرائيلية فيها من خلال تهجير الفلسطينيين وترحيلهم إليها، معددا الأدوات التي تملكها مصر في التعامل مع هذه القضية، مؤكدا على أهمية مخاطبة الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
وتطرق المحور الثاني على تاثيرات هذه العملية وتداعياتها على الوضع في إسرائيل، وتضمن هذا المحور عددا من الأوراق، أولها بعنوان “تداعيات عملية طوفان الأقصى على الحياة السياسية في إسرائيل” قدمها د.عبده رمضان، كبير المذيعين والباحثين في الإذاعة العبرية الموجهه باللغة العبرية (كول كاهير)، تحدث فيها عن طبيعة الخريطة السياسية الحزبية في إسرائيل وسماتها المتغيرة والمتقلبة، مشيرا إلى استطلاع راي أجرته صحيفة معاريف عن شكل الكنيست لو أجريت انتخابات في الوقت الراهن، فيشير ألى أحزاب تحافظ على مكانتها دون أن تخسر شيئا مثل الأحزاب الدينية، وأحزاب تخسر كثيرا مثل حزب الليكود، وأحزاب تحقق مكاسب كبيرة مثل حزب المعسكر القومي برئاسة بني جانتس، الذي بدى حاميًّا الآن للدولة من الانهيار. والمثير في هذا الاستطلاع هو روح التشاؤم التي شعر بها 25% من المستطلعين.
وتطرقت د.وفاء ابو المكارم الباحثة في مركز الدراسات الاستراتيجية في ورقتها “التداعيات الاقتصادية لعملية طوفان الأقصى على إسرائيل” إلى التداعيات الاقتصادية لهذه العملية فركزت على عدة مستويات، منها الأمن الغذائي، والبورصة وسوق المال، وموارد الطاقة، وخفض التصنيف الائتماني.
وعلى المستوى الإعلامي في هذا المحور تحدثت د.رانيا فوزي، الباحثة في الهيثة العامة للاستعلامات ومركز الدراسات الاستراتيجية، في ورقتها المعنونة بـ” فشل الجيش الإسرئيلي في المعالجة الإعلامية لعملية طوفان الأقصى”، فتطرقت إلى ثلاثة محاور رئيسة، خطة الخداع الاستراتيجي التي اتبعتها المقاومة الفلسطينية والفشل الاستخباراتي الإسرائيلي، وإخفاق الخطاب الإعلامي للساسة الإسرائيليين، وفشل الإعلام الرسمي للمؤسسة العسكرية والأمنية في إسرائيل.
وعالجت ا.نيفين أبو حمدة، الباحثة في مركز الدراسات الاستراتيجية، في ورقتها المعنونة بـ”المجتمع الإسرائيلي تحت وطأة الحرب”، مظاهر الأزمة الاجتماعية ومآلاتها على أرض الواقع، ليتسم المشهد الاجتماعي بالارتباط والاضطراب، ليكشف عن فشل الجهاز الإداري في الدولة لحالة الطوارئ، بما في ذلك المنظومة الصحية والجهاز الأمني بل والعسكري، لتسود حالة من التشاؤم والإحباط على المجتمع.
أما الباحثة ولاء عبد المرضي، الباحثة في مركز الدراسات الاستراتيجية، فقد عالجت قضية حيوية للغاية وهي كيف تعاملت الأحزاب الدينية مع هذه العملية وكيف اثرت هذه العملية عليها، فأكدت على أن هذه الجماعات الدينية والأحزاب التي تمثلها ترى أن الأحزاب الأخرى تتحمل مسئولية هذا الفشل الاستخباراتي والأمني والعسكري، خاصة وأن قطاعا كبيرا من المتدينين لايشارك في الحياة العسكرية؛ حيث يرون أن الانغلاق والاعتكاف على دراسة التوراة لا يقل أهمية عن الجندي في أرض المعركة بل من هذا الاعتكاف يمكن تغيير مسار الحرب كامةً.
ركز المحور الثالث على تداعيات هذه العملية على الجانب الفلسطيني، ليعالج أ.سعد عبد العزيز، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية، في ورقته المعنونة بـ”تداعيات عملية طوفان الأقصى على الواقع الفلسطيني”، فيتطرق إلى حجم الصدمة التي شكلتها العملية على الواقع الإسرائيلي، مع معالجة الدوافع والتداعيات، خاصة على فلسطيني 48، والتحريض عليهم.
وفي إطار المحور نفسه قدمت الباحثة في مركز الدراسات الاستراتيجية مروة كيلاني ورقة بعنوان “الموقف من حركة حماس عالميا”، مشيرة إلى الموقف السلبي، فتعدد الدول التي تتخذ منها موقفا سلبيا والدوافع لذلك، والموقف المحايد فتعدد الدول التي تتخذ منها موقفا محايدا والدوافع لذلك، على مستوى الغرب والشرق.
وفي المحور نفسه قدم الباحث حسن رامي، في مركز الدراسات الاستراتيجية، ورقة بعنوان “أسباب نجاح المقاومة الفلسطينية في عملية طوفان الاقصى”، تحدث فيها عن مظاهر نجاح عملية المقاومة الفلسطينية، مثل السرية والمفاجأة واختيار التوقيت، وتطور السلحة مثل المسيرات والصواريخ ومداها والتكتيكات العسكرية، وفي المقابل نجد فشلا استخباراتيا وعسكريا وأمنيا.
عالج المحور الرابع تداعيات العملية على المستوى الإقليمي، فقدم أ.سعد عبد العزيز ورقة بعنوان “الحرب على غزة وتداعياتها الإقليمية”، فاشار إلى إعلان إسرائيل عزمها على تغيير المشهد الجيوسياسي في المنطقة، ونزع سلاح حركات المقاومة الفلسطينية، مؤكدا على أن مصر والأردن من أكثر الأطراف تضررا من تداعيات هذه العملية، كما أنها تهدد إنشاء مشروعات الممرات الاقتصادية أو على الأقل تعرقل تنفيذها على المدى القصير والمتوسط.
وفي سياق المحور نفسه تطرق الباحث محمد جمال، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية، في ورقته المعنونة بـ” التداعيات الإقليمية لعملية “طوفان الأقصى”: محور “إيران – ولبنان – وسوريا”، فتحدث عن محور الهلال الشيعي وأطراف أخرى في العراق واليمن أو مايسمى بأذرع إيران، التي توجه اسلحتها إلى إسرائيل في الشمال الإسرائيلي، أو القواعد الأمريكية في العراق أو البحر الأحمر.
قدمت الباحثة مريم شريف، الباحثه في مركز الدراسات الاستراتيجية، ورقه بعنوان “تداعيات عملية طوفان الأقصى على الأردن”، لتركز كيف عالج الساسة الأردنيون تداعيات هذه الأزمة، خاصة وأن نصف الشعب الأردني من أصول فلسطينية، من هنا وضع الملك عبد الله خطوط حمراء لايجب على الجانب الإسرائيلي تجاوزها، على رأسها ترحيل فلسطيني غزة إلى ألي اي مكان آخر بهدف تصفية القضية الفلسطينية.
تطرق المحور الخامس والأخير إلى التداعيات على المستوى الدولي، فقدمت الباحثة نورهان علي، الباحثه في مركز الدراسات الاستراتيجية، ورقة بعنوان ” التداعيات الدولية لعملية طوفان الأقصى”، لتعالج فيها موقف القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين وروسيا وإنجلترا وبعض الدول الأوربية الأخرى، مشيرة إلى ازدواج المعايير في التعامل مع فلسطيني غزة، ومظاهر الانحيار الأوروبي والأمريكي للجانب الإسرائيلي وتجاهل حقوق الجانب الفلسطيني، مقابل الموقف المتوازن الذي تبنته الصين وروسيا.
وقد أختتمت الندوة باستشراف السيناريوهات المحتملة للصراع على الجبهتين الشمالية والجنوبية، ومدى قدرة إسرائيل على حسم العملية العسكرية ومستقبل مصير الأسرى والرهائن، فضلًا عن تطور مواقف القوى الدولية المؤثرة في ظل إنخراطها في العمليات العسكرية، وتداعيات ذلك على مناخ الاستقرار الإقليمي والأمن القومي المصري، ومستقبل التسوية للقضية الفلسطينية.