يحتفل العالم يوم 18 ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للاجئين، وتشير الأرقام الموثقة من قبل الأمم المتحدة إلى أن عدد المهاجرين الدوليين في عام 2020 بلغ 281 مليونا، ومثلوا نسبة 3.6% من سكان العالم، فبلغ عدد المهاجرين فى عام ٢٠١٩على مستوى العالم 272 مليون شخص، بزيادة وصلت إلى 51 مليون شخص عن عام 2010.

وعلى مدى عقود، كانت أزمة اللاجئين والنازحين في أفريقيا، ولا تزال ‏إحدى المشكلات الرئيسة في القارة، وقاسمًا مشتركًا بين ‏معظم الدول الأفريقية، لاسيما وأن لها تأثيراتها الإقليمية التي تتجاوز حدود كل دولة أفريقية، ونتناول في هذا التقرير أزمة اللاجئين في أفريقيا وأبعادها، و رؤية مصر لإيجاد حلول لأزمة اللاجئين في أفريقيا.

أرشيفية

أزمة اللاجئين في إفريقيا، الملامح والأبعاد:

تعَد القارة الأفريقية أكبر قارات العالم من حيث عدد اللاجئين والنازحين، حيث تضم النسبة الأكبر من اللاجئين في العالم.. فرغم أن سكان أفريقيا لا يمثلون سوى حوالي 12% من سكان العالم؛ فإن من بينهم ثلث اللاجئين والنازحين في العالم، وبين الدول العشرين التي تحتل قمة الدول المصدرة للاجئين، هناك 8 دول أفريقية يزيد عدد لاجئ كل واحدة في الخارج عن 100 ألف لاجئ.

فالقارة الأفريقية تحتضن وحدها قرابة 15 مليون نازح داخلي، وأكثر من ٦مليون لاجئ، أي قرابة 37% من لاجئي العالم، وذلك وفقا لتقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين اشار إلى أن النصف الأول من عام ٢٠٢١ شهد نزوح ثلاثة مليون شخص من 5 دول أفريقية هي (نيجيريا، جنوب السودان، الكونغو الديمقراطية، أفريقيا الوسطى، والصومال)، وذلك نتيجة ظروف النزاعات المسلحة وانتهاكات حقوق الإنسان في تلك الدول.

وحذر التقرير من المخاطر والتهديدات التي تواجه النازحين والفارين من مناطق النزاعات المسلحة أو بسبب الجفاف ونقص الغذاء، في ظل احتمالات تعرضهم للاستغلال الجسدي والانتهاكات الإنسانية من قبل شبكات الاتجار بالبشر، فضلا عن عدم حصولهم على الخدمات الأساسية، لاسيما النازحين من النساء والأطفال، الذين يشكلون نسبة كبيرة من إجمالي اللاجئين والنازحين في بعض المناطق.

أرشيفية

وترتبط مشكلة اللاجئين في إفريقيا بصراعات وحروب، معظمها ذات طبيعة ممتدة تؤدي إلى استمرارها والعجز عن الوصول إلى تسويات سياسية متكاملة ومقبولة ومستديمة لها، وسواء كانت هذه ‏الصراعات والحروب عرقية، تنشب بين الدولة وجماعات لغوية أو عرقية أو دينية، أو غير عرقية، وهي التي تدور بسبب الاختلافات الطبقية والإقليمية والإيديولوجية أو الصراع على السلطة بين الحكومة والمعارضة، فإنها تؤدي إلى فرار الملايين من اللاجئين من الدولة، أو على الأقل إجبارهم على الانتقال إلى أماكن أخري يقل فيها حدّة الصراع داخل الدولة نفسها، لذلك فظاهرة اللاجئين في إفريقيا ترتبط بأزمة الاندماج الوطني التي تعيشها العديد من دول القارة منذ الاستقلال، والتي أخفقت أنظمة الحكم الإفريقية في التعامل معها.

أبرز أزمات اللاجئين في أفريقيا:

تُعد من أبرز أزمات اللاجئين عالمياً، أزمة اللاجئين في إثيوبيا بسبب الصراع في منطقة تيجراي، حيث تعد السودان هي الوجهة الأولى للفارين من الحرب في تيجراي، وبحسب أحدث تقديرات مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في سبتمبر 2021، فقد فرَّ حوالي 55 ألف إثيوبي من إقليم تيجراي إلى السودان، وتوجَّه حوالي 48 ألفًا منهم إلى ولايتي كسلا والقضارف الحدوديتيْن، وهناك تقديرات تشير إلى أن إجمالي أعداد الإثيوبيين الفارين من الحرب بتيجراي إلى السودان تُقدَّر بحوالي 60 ألف طالب لاجئ إثيوبي في الولايات الواقعة على الحدود الشرقية للسودان مع إثيوبيا، ومن ثمَّ يمكن القول إن الأعداد المعلنة حتى الآن تتراوح ما بين 50 إلى 60 ألف شخص إلى السودان، الأمر الذي يُثقل كاهل السودان بمزيد من الأعباء؛ إذ يستضيف السودان نحو 1.1 مليون لاجئ، وعلاوةً على موجات اللاجئين الإثيوبيين من إقليم تيجراي، هناك ملايين من النازحين داخليًا إثر اندلاع الحرب بالإقليم، والذين تُقدَّر أعدادهم بحوالي 2.1 مليون نازح من إقليم تيجراي، و250 ألف نازح من إقليم أمهرا، و112 ألف نازح من إقليم عفر، وذلك على خلفية انتقال مسرح العمليات العسكرية للأقاليم المجاورة لإقليم تيجراي.

اللاجئين الإثيوبيين فى السودان- أرشيفية

أبعاد مشكلة اللاجئين في القارة:

استمر عدد اللاجئين في الارتفاع خلال النصف الأول من عام 2021، حيث وصل إلى ما يقرب من 21 مليوناً، وينحدر معظم اللاجئين الجدد من خمس بلدان، وهي: جمهورية إفريقيا الوسطى (71,800) وجنوب السودان (61,700) وسوريا (38,800) وأفغانستان (25,200) ونيجيريا (20,300).

وتوجد في أفريقيا دول تعدّ من أكثر دول المنشأ والملجأ في الوقت نفسه، فالكونغو الديمقراطية – على سبيل المثال – هي من أكثر دول الملجأ، حيث يوجد بها حوالي 235 ‏ألف لاجئ ، كما يتعدّى لاجئوها في الدول الأخرى 450 ‏ألف لاجئ، وكذلك السودان التي تستضيف حوالي 138 ‏ألف لاجئ، ويتعدى لاجئوها في الدول الأخرى 900 ‏ألف لاجئ، وكذلك النيجر التي تستضيف الآن أكثر من 380 ألف لاجئ وطالب لجوء من مالي ونيجيريا.

هناك زيادة واضحة في أعداد النازحين، حيث وصل الآن ما يقرب من 51 مليون شخص في عداد النازحين داخلياً، وذلك مع اندلاع الصراعات والعنف في جميع أنحاء العالم خلال النصف الأول من عام 2021، الكثير من حالات النزوح الداخلي الجديد وقعت في إفريقيا، بما في ذلك جمهورية الكونغو الديمقراطية (1.3 مليون) وإثيوبيا (1.2 مليون).

أرشيفية

وقد يرجع ذلك إلى أن الصراعات التي تغلب على القارة الإفريقية هي صراعات داخلية، (وهي الأكثر تسبّباً لحركة النازحين)، في حين أن الصراعات بين الدول المجاورة هي الأكثر تسبّباً في انتقال الأفراد عبر الحدود، وقد تكون الجهود الدولية المركزة على النازحين قد ضخّمت من أعدادهم، أو قد يكون الأفراد قد أدركوا أنه قد أصبح من الصعب عبور الحدود إلى دول أخرى؛ فاضطروا إلى النزوح إلى مناطق أخرى داخل بلادهم.

رؤية مصر لدعم اللاجئين

أكدت وزارة الخارجية المصرية بمناسبة اليوم العالمي للاجئين، حرص مصر على أن تظل أبوابها مفتوحة أمام المهاجرين واللاجئين الذين تركوا بيوتهم وأسرهم للبحث عن حياة أفضل.

حيث إن مصر تقوم باستضافة 6 ملايين شخص ما بين مهاجر ولاجئ، وتحرص على توفير حياة كريمة لهم وكفالة حقوقهم وتعزيز إدماجهم في المجتمع المصري من خلال ضمان تمتعهم بالخدمات الصحية والتعليمية وغيرها من الخدمات الأساسية على قدم المساواة مع المواطنين المصريين.

ولطالما اعتبرت مصر الهجرة ظاهرة إيجابية ووسيلة هامة لتحقيق التنمية في دول المصدر والمقصد، وتسهم في تلاقي الحضارات والثقافات مما يؤدي إلى تعزيز التسامح ونشر ثقافة السلام وفهم وتقبل الآخر.

وتعتمد مصر رؤية شاملة لمعالجة جذور أزمة الهجرة وأبعادها المتعلقة بشكل أساسي بالتنمية والاستقرار الأمني والسياسي، وتحرص على الالتزام بالمواثيق الدولية وتوفير سبل العيش للاجئين عبر عدم عزلهم في مخيمات أو معسكرات إيواء، بل التعامل معهم كمواطنين داخل المجتمع المصري.

أرشيفية

وكان فيليبو جراندى المفوض السامى للأمم المتحدة لشئون اللاجئين قد أشاد بدور مصر على المستويين الإقليمى والدولى في هذا الإطار، معربا عن تقدير المفوضية للجهود التى تقوم بها مصر لاستضافة أعداد كبيرة من اللاجئين من جنسيات مختلفة، وحرصها على معاملتهم كمواطنين وليس كلاجئين، فضلا عن نجاح جهودها في وقف الهجرة غير الشرعية من السواحل المصرية .

وحسب المراقبين، فإن التعامل مع مشكلة اللاجئين والنازحين ‏في أفريقيا يتطلب تعاون العديد من الأطراف والجهات، ومن ضمنها الدول المانحة والمنظمات الدولية ، والتي يجب عليها تحمل مسؤوليتها في دعم الجهود التنموية في القارة، والوساطة في المنازعات، ودعم آليات منع وإدارة الصراعات.

كما ينبغي على الأطراف الدولية عدم تسيس قضية اللاجئين في القارة، والتعامل معها باعتبارها قضية إنسانية في المقام الأول، وتجنب المعايير المزدوجة في النظر إلى تلك القضية من حالة إلى أخرى، كما يحدث حاليا، بهدف الاستغلال السياسي وممارسة الضغوط على الحكومات الأفريقية.

وعلى صعيد التزامات الدول الأفريقية في هذا الملف، فإن مواجهة ومعالجة قضايا النازحين واللاجئين تستوجب التزام حكومات الدول الأفريقية بمبادئ الحكم الرشيد والعدالة، واحترام القواعد القانونية الخاصة بحماية اللاجئين، وعدم إجبارهم على العودة قسرا إلى دولهم، كما عليها بصفة عامة أن تتفهم أوضاع اللاجئين واحتياجاتهم.

مقترحات لحل مشكلة اللاجئين في إفريقيا:

يتضح من الأزمات والصراعات التي خلّفت آلاف اللاجئين والنازحين في إفريقيا، أن معالجة مشكلة اللاجئين لا يعتمد على إدارة المشكلة فقط، إنما على الأساليب الوقائية التي تقضي بمعالجة أسباب الصراعات التي تؤدي إلى موجات الهجرة القسرية.

وهناك بعض المقترحات للتقليل من تلك المشكلة أهمها:

وجود لجنة أو هيئة خاصة لشؤون الأقليات في كلّ دولة إفريقية، تقوم حكومات هذه الدول بإنشائها وضمان استقلالها، وذلك لعلاج مشكلة التهميش السياسي والاقتصادي لبعض الأقليات في الدول الإفريقية؛ باعتبار هذا التهميش أحد أهم أسباب الصراعات، وكذلك الاهتمام بدعم وسائل الاندماج الوطني، سواء عن طريق القواعد الدستورية، أو تفويض السلطة بتحقيق اللامركزية، أو عن طريق النظام الانتخابي الذي لا يكرّس الانتخاب على أساس عرقي أو اثني، فضلا عن الاهتمام بثقافة السلام، وتأكيد نشرها في نظم التعليم ووسائل الإعلام، والسعي إلى تحقيق الرفاهية الاجتماعية، وهو أمر يحتاج تحقيقه إلى مساهمة الدول والمؤسسات المانحة لدعم الجهود التنموية في إفريقيا والاهتمام به.

وفي حالة اندلاع الصراع وتدفق اللاجئين؛ فإن هناك إجراءات يجب اتخاذها لتوفير الحماية الكافية لهم، وحماية اللاجئين تحتاج إلى اقتراب متعدد الأبعاد، يبدأ بالتمييز بين اللاجئين الذين من حقّهم التمتع بالحماية الدولية، وغيرهم من الأفراد المبعدين من مرتكبي جرائم الحرب، أو جرائم ضد الإنسانية، أو غيرهم ممن نصّت عليهم اتفاقية الأمم المتحدة، والذين لا يستحقون هذه الحماية، وهذا الفصل ليس مهماً من الناحية القانونية فقط، ولكنه أيضاً مهمّ لمواجهة المساعي العدائية التي قد يبديها السكان المحليين ضد اللاجئين.

كما تستوجب حماية اللاجئين إنشاء، أو إعادة نقل، معسكرات اللاجئين بعيداً عن الحدود، فعلى الرغم من النصّ الواضح في ‏اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية على أنه على دول الملجأ أن تقيم معسكرات اللاجئين في أماكن بعيدة بشكل مناسب عن حدود دولتهم لتوفير الأمن، فإنّ ذلك لا يحدث على أرض الواقع، ومن ثمّ يصبح على دول الملجأ أن تتعاون مع «مفوضية الأمم المتحدة» لتحديد الواقع المناسب لإقامة اللاجئين.

ومن ناحية أخرى؛ لا بد من تفعيل وسائل للاتصال والتوعية، لكي تتمكن من خلالها دول الملجأ والمنظمات الدولية من تعريف اللاجئين بحقوقهم والتزاماتهم، والقواعد التي تحكم حياتهم الجديدة في دول الملجأ، وفي الوقت نفسه فإن دول الملجأ قد تحتاج إلى تشريعات تمنح لهم الحق في منع وتجريم نشر دعاية تثير الكراهية والعنف ضد اللاجئين، ومن أجل ضمان حكم القانون واستقرار الأمن في معسكرات اللاجئين يجدر بمفوضية الأمم المتحدة، وغيرها من المنظمات الدولية، أن توجه الدعم للنظام القضائي في دول الملجأ، بحيث يمكن التعامل بالقانون مع العناصر الإجرامية، وتوعية الأجهزة القضائية بألا تلتزم بتفسيرات ضيقة للاتفاقيات الدولية بشكل يؤثر في حقوق اللاجئين.

كذلك؛ فإن الأجهزة الأمنية في دول الملجأ بحاجة إلى الدعم المادي والفني للحفاظ على الاستقرار في معسكرات اللاجئين، كما أنها تحتاج إلى توعية بمبادئ حقوق الإنسان وحماية اللاجئين.

الخلاصة:

أنّ التعامل مع مشكلة اللاجئين ‏في إفريقيا يحتاج إلى تعاون عدة أطراف، فعلى الدول المانحة والمنظمات الدولية أن تتحمل مسؤوليتها في دعم الجهود التنموية في القارة، والوساطة في المنازعات، ودعم آليات منع وإدارة الصراعات، كما أن عليها أن تتجنب تسييس قضية اللاجئين، وتنظر إليها باعتبارها قضية إنسانية في المقام الأول.

أما الدول الإفريقية؛ فتحتاج إلى نقل التزامها بمبادئ الحكم الرشيد والعدالة من النصوص القانونية إلى التنفيذ العملي، وعلى دول الملجأ منها أن تحترم القواعد القانونية الخاصة بحماية اللاجئين، وعدم إجبارهم على العودة قسراً إلى دولهم، وعليها بصفة عامة أن تتفهم أوضاع اللاجئين واحتياجاتهم.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version