د/ مروة إبراهيم

تتطرق الصحف الإثيوبية الموالية للحكومة والمعارضة، خلال منتصف شهر سبتمبر، إلى التحديات والأزمات الجسيمة التي تسبق انتخابات إثيوبيا المقبلة على المستويين الداخلي والخارجي، بالإضافة إلى موقف إثيوبيا من شكوى مصر.

أولا – على المستوى الداخلي

أ- اجتماعيًا

1- قلق واسع بشأن تردي الأوضاع الداخلية في إثيوبيا

تواجه إثيوبيا حاليًا ضغطًا دبلوماسيًا متزايدًا، ودعوة صريحة ومحددة لاتخاذ إجراءات ملموسة لإنهاء الانتهاكات في مناطق النزاع، وضمان المساءلة عن الجرائم المرتكبة، نظرًا لاقتراب العملية الانتخابية المقبلة في عام 2026م، مما يؤثر على نزاهتها ويضع الكرة في ملعب الحكومة الإثيوبية للرد على هذه المخاوف وإثبات التزامها بتحسين الأوضاع الداخلية، ولا سيما المرتبطة بحقوق الإنسان.

في هذا السياق أعربت صحف المعارضة عن قلق دولي واسع النطاق، نحو صحيفة “أديس استاندرد” (17-9) فنشرت بيانًا عن اثنتين وأربعين دولة موجهاً إلى الأمم المتحدة، أعربوا فيه عن قلقهم بشأن وضع حقوق الإنسان في إثيوبيا، والانتهاكات الجسيمة التي تشهدها، ولا سيما للأطفال، من قتل واختطاف، كذلك القيود المفروضة على الحريات الأساسية على الحق في حرية التعبير، والتجمعات السلمية، وتكوين الجمعيات، من قبل الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية، والمطالبةً بإجراء تحقيقات شفافة في مثل هذه الحوادث.

ب- اقتصاديًا

1- تحذير صارخ بشأن التوقعات الاقتصادية المتفاقمة لإثيوبيا

علقت صحف المعارضة على تردي الأوضاع الاقتصادية التي تشهدها إثيوبيا حاليًا، نحو ما نشرته صحيفة “أديس أستاندرد” (19-9) حول هاش تاج (ديون إثيوبيا “غير مستدامة”) على صفحتها على موقع الفيس بوك، كما نشرت خبرًا حول بيان البنك الدولي وصندوق النقد الدولي من إثيوبيا  عن ضائقة الديون، ووجها تحذيرًا صريخًا بشأن التوقعات الاقتصادية، وأعلنا أن الدين الخارجي للبلاد “غير مستدام”، مما يعكس وضع الحكومة الحالي في تراكم الديون. وسلطت الصحيفة الضوء على أن مخاطر سداد إثيوبيا لديونها تتفاقم بفعل “تراكم خدمة الديون في الأجلين القريب والمتوسط”، وبسبب الانخفاض الحاد في التمويل الخارجي خلال وبعد حرب تيجراي. ونشرت الصحيفة نفسها خبر آخر (20-9 ) عن تصريح البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بأن إثيوبيا تواجه “قدرة غير مستدامة على الاقتراض وخدمة الدين، ووصفت اقتصادها بالغارق في الديون منذ ديسمبر 2023م.

وفي المقابل أشارت الصحف الموالية للحكومة نحو صحيفة “أديس أدماس” الأمهرية (22-9) إلى قيام وفد برئاسة محافظ البنك الوطني الجديد بزيارة عمل إلى الصين لمناقشة إعادة هيكلة الديون وتعزيز التعاون الاقتصادي. وفي السياق نفسه نشرت خبرًا آخر حول طلب هيئة الإيرادات في مدينة أديس أبابا من مجلس المحاسبة والتدقيق الإثيوبي إلغاء التراخيص المهنية لعشرة محاسبين ومدققين ارتكبوا أخطاء محاسبية خطيرة، من شأنها أن تقلل من إيرادات الحكومة. كما نشرت صحيفة “إينا” (20-9) إعلان رئيس الوزراء محافظ جديد لبنك اثيوبيا ورئيس خدمة الإتصالات الحكومية، وفي خبر آخر (22-9) عن أن المخابرات المالية جمّدت الحسابات البنكية لـ123 متورط في عمليات تداول غير قانونية للعملات الأجنبية في إطار تحقيق موسع.

جـ- أمنيًا

تشهد إثيوبيا وضعاً أمنياً متقلباً ومعقداً، حيث لا تزال هناك عدة بؤر توتر وصراعات مسلحة تؤثر على مناطق مختلفة من البلاد، بالإضافة إلى قضايا أمنية أخرى أشارت إليها تقارير منظمات حقوقية مثل “هيومن رايتس ووتش” إلى وقوع اعتقالات تعسفية واحتجازات واسعة النطاق، خاصةً للصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام. وقد أشارت صحيفة “أديس أستاندرد” في خبر بتاريخ 19-9 أن ما يقرب من نصف الأطفال في منطقة تيغراي غير ملتحقين بالمدارس؛ حيث تستمر آثار الحرب والنزاعات والنزوح علاوة على الكوارث الطبيعية. في مقابل هذا أفادت صحيفة “إينا” الموالية للحكومة في خبر بتاريخ 22-9 تأكيد المشير برهانو: “استعداد الجيش لحماية كيان ومصالح الدولة، وحذّر أن لإثيوبيا أعداءً يسعون لمنعها من استغلال مواردها الطبيعية، الذي يعمل من خلال العصابات ويستغل الانقسامات الداخلية، ويسعى جاهداً لزعزعة استقرار الأمة.”

ثانيا- على المستوى الخارجي

أ- عواقب الصراعات الحدودية بين إثيوبيا وكينيا

على الرغم من أن هناك بعض علاقات تعاون بين إثيوبيا وكينيا في بعض المجالات، إلا أن هناك قضايا حدودية رئيسة تشكل مصدر توتر، وتتعلق بشكل أساسي بالموارد الطبيعية وأمن الحدود. وقد علقت صحيفة “أديس أستاندرد” (16-9) حول “مقتل شخص ونهب أكثر من 2000 رأس ماشية في هجوم على منطقة داسينيش، يُزعم أن منفذيه “مهاجمون من قبيلة توركانا الكينية”. وأوضح أحد السكان المحليين أن المهاجمين حاولوا أيضًا شن غارة مماثلة يوم الاثنين الماضي، لكن القوات الأمنية المحلية تصدت لهم.

ثالثا- أخبار متعلقة بمصر

أ- مخاوف إثيوبيا من التدخل المصري في جوبالاند

علقت صحيفة “أديس أستاندرد” (20-9) على احتمال نشر عسكريين مصريين قريبًا في منطقة جيدو بولاية جوبالاند، يفسر مخاوف جدية بشأن تداعياتها المحتملة على منطقة القرن الأفريقي، حيث تُمثل جيدو واحدة من أكثر المناطق استقرارًا في جنوب الصومال، حيث تقوم بتأمينها قوات الدفاع الوطني الإثيوبية، التي أطلقت قبل أسبوعين فقط، بالتعاون مع قوات جوبالاند عملية واسعة النطاق في بلدة دولو والمناطق المحيطة بالقرب من الحدود الإثيوبية، وهدفت العملية إلى مواجهة التهديدات التي يشكلها مسلحو حركة الشباب وحماية المدنيين. وتساءلت الصحيفة عن الهدف الحقيقي لمصر من استهداف جيدو الذي يشير إلى أجندة مختلفة قد تعكس رؤية جيوسياسية مصرية تقع إثيوبيا في قلب معادلتها، فعقبت بأن استقرار جوبالاند يرتبط بشكل مباشر بأمن إثيوبيا، من خلال حدودهما الطويلة مع المنطقة الصومالية في إثيوبيا، وأي زعزعة للاستقرار في إحداهما لا بد أن ينتقل إلى الأخرى. وعقبت الصحيفة على التوجه السياسي للحكومة الصومالية الذي رأت أنه “يتطلب إعادة نظر حذرة، بالمحاولات الموازنة بين إثيوبيا من جهة، وفاعلين بعيدين مثل مصر من جهة أخرى، تخلق حالة من عدم اليقين في وقت تشتد فيه الحاجة إلى الوضوح”.

ب- موقف إثيوبيا من شكوى مصر

تأمل إثيوبيا الآن، عقب اكتمال سد النهضة، أن ترى الحرب المائية أمراً من الماضي، ولم يعُد محور صراع، بل يصبح واقعًا جديدًا، يجب على جميع الأطراف تخطيط استراتيجياتهم على أساسه. وذكرت صحيفة “أديس أستاندرد” (20-9) أن إثيوبيا قدمت توضيحًا وافيًا لمجلس الأمن بشأن شكوى مصر عن للسد، يؤكد مشروعية طلب إثيوبيا ومطالبها. وقال نبيات جيتاشو، المتحدث باسم وزارة الخارجية “إن بناء سد النهضة غيّر خطاب الاستخدام الجائر للمياه، وحوّلها لاستخدام أكثر عدالة، مضيفا أن السد سيزيد من قدرة إثيوبيا الدبلوماسية ونفوذها”. وفي سياق متصل تشرت صحيفة “ذا ريبورتر” الأمهرية خبرًا (23-9) حول وصف شكوى مصر بأنها تهديدات مصرية لإثيوبيا، واعتبرتها استمرارًا لسياستها في زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي. كما أشار الخبر إلى الخطاب الذي أرسلته إثيوبيا إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، جاء فيه: “أن موقف مصر بشأن سد النهضة يمثل أجندة متعمدة ومدروسة لتقويض إثيوبيا، علنًا وسرا”. ووصف سلوك مصر بأنه عدواني، وقد أضاف محللون في سياق الخبر “أن مصر لا تملك أي أساس قانوني لادعاء سيادتها على حوض النيل من منابعه”.

وعلى نحو مواز نشرت صحيفة “أديس أستاندرد” (17-9) تحليلًا حول موقف مصر التي وصفتها “بأنها مشغولة” بالحرب المدمرة في غزة، وأن الخيار العسكري لم يعد مطروحاً على الطاولة، وأنها أدركت هذا الواقع، وتتجه بهدوء نحو حلول بديلة لأمنها المائي، مثل مشاريع تحلية المياه الضخمة، وتزعم أن التحالف التقليدي لدول المصب (مصر والسودان) قد انهار بسبب الحرب الأهلية في السودان- التي وصفتها- “بأن أيديها مكسورة وتتناقض مصالحه مع مصر”، مما ترك مصر معزولة دبلوماسياً. ثم ذكرت الصحيفة أنه في مقابل هذا، تحاول مصر بناء تحالف جديد مع الصومال وإريتريا، وتصفه “بأنه هش وغير مستقر، بسبب المصالح المتعارضة لأعضائه.” وعلقت الصحيفة “بالرغم من قبول الرئيس الصومالي الدعم العسكري المصري، فإن الأمن الداخلي لبلاده يرتبط ارتباطاً وثيقاً باستمرار وجود آلاف الجنود الإثيوبيين، هذه القوات تعمل بقدرتين مزدوجتين: بعضها جزء من بعثة الاتحاد الأفريقي الرسمية، ولكن هناك قوة أكبر منتشرة بموجب اتفاقيات ثنائية منفصلة. ولذلك، فإن أىة قطيعة دائمة مع أديس أبابا من شأنها أن تتسبب في كارثة أمنية، مما سيخلق فراغاً تستغله حركة الشباب على الفور. ولهذا السبب، وفي خطوة فاجأت المراقبين، سافر الرئيس محمود إلى إثيوبيا ليتم تصويره وهو يضحك ويعانق رئيس الوزراء آبي في حفل افتتاح سد النهضة. وكان عرضه للتوسط في نزاع النيل هو الإشارة الأخيرة والواضحة، فعلى الرغم من أن التوترات مع أرض الصومال لا تزال قائمة، وأن المحادثات بوساطة تركيا قد تعثرت، فإن الصومال يتصرف كوسيط سلام محايد، وليس وكيلا لمصر. ثم أشارت الصحيفة إلى دول أخرى في المنبع وحوض النيل تقوم بحسابات مماثلة، مثل كينيا، وهي زبون للكهرباء الإثيوبية، أما جنوب السودان فوصفتها بأنها “دولة هشة يسعى الطرفان لاستمالتها، فتجد نفسها توازن بين روابطها التاريخية مع مصر، والتى تعد أيضاً مصدر للدعم الدبلوماسي والمساعدات الإنسانية القيمة، وبين جاذبية جارتها الغنية بالطاقة الآن المولدة من سد النهضة.

ثم تناقضت الصحيفة في تحليل ما سبق متسائلة عن موقف إثيوبيا، التي تحدت جيرانها وحققت حلماً عمره عقود ببناء السد، فهل ستستغل السد لتحقيق اندماج إقليمي حقيقي، كما يوحي خطاب آبي عن “الفرص المشتركة”، أم أنها ستستسلم لإغراءات التوسع القومي، التي يغذيها تعهد رئيس الوزراء بتصحيح “الخطأ التاريخي” المتمثل في فقدان منفذ على البحر الأحمر، وتدخل القرن الأفريقي في دورة جديدة وأكثر تدميراً من الصراع؟!

جـ- سد النهضة بين الإشادة والنقد الدولي

في الوقت الذي أشاد فيه البعض بسد النهضة، بوصفه رمزا لقدرة إثيوبيا على تحقيق التنمية، كما أشارت إليه صحيفة “إينا” (22-9) بمدح صحفيين من كينيا، وخبر آخر متصل بثناء رئيس المعهد الاثيوبي بسد النهضة، بقدرته على تزويد الدول المجاورة بالطاقة الكهربائية النظيفة. والملاحظ أنه في خطابه عقد مقارنة بين سد النهضة والسد العالي، مشيرًا إلى سعة الأخير تتيح تجميع 160 مليار متر مكعب أي ضعف سد النهضة وله إحتياطي يكفى 4-5 سنوات. وكشف على استنتاجه “أن بناء سد النهضة أسهم فى أن تفكر دول المصب فى إيجاد بدائل فى سن قوانين وقرارات فى ترشيد استخدام المياه لانه كان هناك هدر للمياه.

وفي المقابل أبرز البعض سد النهضة، كما أوردت صحيفة “أديس استاندر” و”أديس أدماس” الأمهرية وغيرهما (22-9)  من خلال التركيز على نقد ترامب مجددًا للسد، حين قال في خطابه “إن تأثير السد على مياه النيل سيخلق “مشكلة كبيرة” لمصر، لقد بنوا سدًا صغيرًا في إثيوبيا، يُوصف بأنه أكبر سد في العالم، غير أنه سيؤثر على تدفق المياه إلى نهر النيل” وقد ربط ترامب سد النهضة بالأزمات الدولية الأخرى، بما في ذلك التوترات بين الهند وباكستان، وتايلاند وكمبوديا، وأرمينيا وأذربيجان، وكوسوفو وصربيا، وإسرائيل وإيران”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version