تزايدت حالة التوتر فى كوت ديفوار مع إقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية يوم 31 أكتوبر 2020، فى ظل إمكانية تسببها فى تفجر أزمة سياسية جديدة على خلفية دعوة عدد من زعماء المعارضة خاصة هنرى كونان بيدى _ رئيس الحزب الديمقراطى الإيفوارى _ إلى العصيان المدنى والمطالبة بتأجيل الانتخابات الرئاسية، وحل كل من اللجنة الانتخابية المستقلة والمجلس الدستورى.
جاء ذلك فى أعقاب إعلان الرئيس الحسن واتارا (تولى رئاسة البلاد فى 2011 وفاز بولاية ثانية فى 2015) إعتزامه الترشح، رغم أن القانون الإيفوارى ينص على فترتين رئاسيتين كحد أقصى وهو ما يمنع ترشح الرئيس الحسن واتارا، إلا أن المجلس الدستورى يرى أن التعديل الدستورى الأخير الذى أجرى عام 2016 يتيح للرئيس الحسن واتارا الترشح لفترتين إضافيتين.
لافتة تأييد للرئيس واتارا - صورة أرشيفية
لافتة تأييد للرئيس واتارا - صورة أرشيفية
وقد أعادت الأزمة السياسية المتوقعة للأذهان سلسلة الأزمات التى بدأت بوفاة الرئيس فيليكس هوفويت بوانيى عام 1993 والمستمرة على فترات حتى الأن، فى ظل إستمرار المنافسة التقليدية على السلطة بين الشخصيات الثلاث الحسن واتارا وهنرى كونان بيدى ولوران غباغبو وأنصارهم منذ ما يقرب من ثلاثة عقود.
تلك المنافسة التى أدت إلى وقوع إنقلاب عسكرى عام 1999، وإندلاع مواجهة مسلحة فى أعقاب إنتخابات 2010 التى أعلن كل من واتارا وغباغبو الفوز بنتائجها والتى خلفت نحو 3000 قتيل، بجانب تقسيم البلاد إلى شمال وجنوب نتيجة سيطرة كل معسكر على مناطق نفوذه لفترة ليست بالقصيرة، ومع إعادة ظهور هذه الخلافات من المرجح أن تشهد الانتخابات الرئاسية القادمة حلقة جديدة من العنف قد تصل لحرب أهلية.
رئيس الوزراء السابق كوليبالى – صورة أرشيفية
بداية الأزمة
رغم سابق إعلان الرئيس الحالى الحسن واتارا إنسحابه من المشهد السياسى، إلا أن الوفاة المفاجئة لرئيس الوزراء أمادو غون كوليبالى مرشح الحزب الحاكم “تجمع أنصار هوفويت للديموقراطية والسلام” فى يوليو 2020، قد ساهم فى تعديل واتارا لتوجهاته وإعلان إعتزامه الترشح لولاية رئاسية ثالثة، وهو ما تسبب فى تعدد المواجهات فيما بين المعارضة والقوات الأمنية أسفرت عن مقتل حوالى 15 شخص نتيجة أعمال العنف.
خاصة فى أعقاب إصدار المجلس الدستورى اللائحة النهائية للمرشحين المؤهلين للمشاركة فى الانتخابات وإقصاءه كل من الرئيس السابق لوران غباغبو إستناداً للحكم الغيابى الذى صدر بحقه بالسجن 20 سنة لإتهامه بالسطو على مقر البنك المركزى لتجمع دول غرب أفريقيا “إيكواس” وبالتالى عدم تمتعه بممارسة حقوقه المدنية، فى الوقت الذى لا يزال غباغبو يخضع للإقامة الجبرية فى بروكسل رغم تبرئة المحكمة الجنائية الدولية له بعد قضائه عدة سنوات فى السجن، ورئيس الحكومة الأسبق غيوم سورو الذى صدر بحقه فى أبريل الماضى حكماً مماثلاً فى قضية فساد إدارى ومالى ومازال فى المنفى بباريس.
وتجدر الإشارة إلى رفض السلطات الإيفوارية التى يسيطر عليها الرئيس الحسن واتارا تنفيذ حكم المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب بإلزام كل من المجلس الدستورى ولجنة الانتخابات المستقلة بالسماح سواء للرئيس السابق غباغبو أو لرئيس الوزراء السابق سورو بالمشاركة فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، بل وإنسحبت أبيدجان من المحكمة الإفريقية ورفضت قرارها وإعتبرته تدخلاً غير مقبول فى شئون البلاد.
 
الرئيس السابق هنرى كونان بيدى – صورة أرشيفية
دعوات العصيان المدنى
إستثمر الرئيس السابق هنرى كونان بيدى – الذى نجح فى الحصول على بطاقة الترشح من المجلس الدستورى ويعد أبرز منافسى الرئيس غباغبو فى الجولة القادمة – تصاعد حالة الإحتقان الداخلى ودعا يوم 20/9/2020 مختلف القوى الوطنية إلى العصيان المدنى ومقاطعة الانتخابات، وهو ما أيدته غالبية أحزاب المعارضة، كما وجهت عدد من أحزاب المعارضة الرئيسية الأخرى إتهامات للجنة الإنتخابات المستقلة بعدم الإستقلالية والشرعية وتحيزها للرئيس الحسن واتارا.
 
 
موقف الأطراف الدولية والإقليمية
بتقييم موقف سواء القوى الدولية المعنية – خاصة فرنسا – أو الإقليمية مثل كل من الإتحاد الإفريقى وتجمع دول غرب إفريقيا “إيكواس”، نجد أنها إكتفت بالإعراب عن قلقها الشديد والتحسب من تسبب تلك التطورات فى إندلاع موجة عنف جديدة فى البلاد، فى حين لم تتقدم أى من تلك القوى بأى مبادرة لنزع فتيل المواجهة الشعبية المتوقعة.
على الرغم من إمكانية إستعانة كل من النظام والمعارضة بمؤيديهم المسلحين لتعزيز وضعيتهم، بما يعكس قناعة باريس – التى تحتفظ بقاعدة عسكرية لها فى أبيدجان – بقدرة الحسن واتارا على تحقيق مصالحها والحفاظ على خصوصية العلاقة فيما بين البلدين فى مواجهة المساعى الصينية الحثيثة للنفاذ للسوق الإيفوارى الواعد من جهة، وتفضيل المنظمات الإفريقية سواء القارية أو الإقليمية إرجاء التدخل لحين إجراء الانتخابات المحسومة نتائجها بشكل كبير لصالح الرئيس الحالى الحسن واتارا.
وذلك فى ظل إستبعاد بعض المنافسين ومقاطعة البعض الأخر من جهة أخرى، فى الوقت الذى يتوقع معه تزايد دور القوى الإقليمية والدولية عقب إجراء العملية الانتخابية وحال إعلان المعارضة عدم دستورية نتائجها وعدم إعترافها بالرئيس القادم وإندلاع أعمال العنف، لتجنب تحول الصراع السياسى إلى عرقى وإثنى وما قد يستتبعه من تدخل الجيش.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version