تتحرك عجلات الزمان والتاريخ بين المصريين والأتراك بتوترات وصدامات مختلفة من حين لآخر وفي أزمنة مختلفة ولعل الوضع الليبي فرض علينا عدة تساؤلات هامة، لماذا تتواجد تركيا بليبيا؟ ولماذا تتحدى تركيا مصر بليبيا؟

وأبدأ بالإجابة على السؤال الثاني: –

لماذا تتحدى تركيا مصر بليبيا وتحاول الدخول في المنطقة التي حددها الرئيس السيسي بأنها عمق استراتيجي لمصر وخط أحمر بالنسبة لها، وعندما يتحدث رئيس مصر بهذا اللفظ “خط أحمر” وهو رئيس ذو خلفية عسكرية ومخابراتية كبيرة فهو يدرك أن هذا اللفظ له دلالة واضحة وأنها الحرب في حالة التجاوز.

ولقد تلقت تركيا هذا الكلام وقالت إنها تدرك أهمية ليبيا بالنسبة لمصر ولعمقها الاستراتيجي ولكن هذه التصريحات كانت مغايرة للواقع على الأرض حيث إنها مستمرة في حشد القوات الخاصة بها وقوات الوفاق والمرتزقة السوريين والصوماليين الذين أتوا إلى ليبيا بدعم وإشراف تركي وتمويل قطري

كما أن هناك العشرات من الآليات العسكرية والطائرات المسيرة التي تم حشدها على مشارف منطقة سرت والجفرة.

وفي هذا التطور العسكري على أرض الواقع أجد أن تركيا المدعومة من أمريكا وقطر تريد أن تسجل لنفسها حربًا عسكرية مع مصر، تعكس آمالها في النصر لتمحو من تاريخها الآتي:

– أن مصر بقيادة محمد علي باشا شكّلت جرحًا غائرًا في العقل والتاريخ العثماني، حيث كان لمحمد على باشا مشروع يهدف إلى توحيد مصر والشام وإقامة دولة واحدة تكون مركزًا لباقي الدول العربية مع طرد الحكام والولاة الأتراك من تلك الدول، ولقد تولّى إبراهيم باشا قيادة هذه الحملة التي هزمت في طريقها جميع الأقاليم التي تقع تحت سيطرة الدولة العثمانية والسلطان العثماني محمود الثاني في ذلك الوقت. وكان لسكان وشعوب تلك الأقاليم دور كبير في مساعدة الجيش المصري، وطرد الحكام والولاة العثمانيين في تلك الأقاليم التي مروا بها مثل دمشق وبيروت وفلسطين، ولقد ترك الولاة العثمانيون خلفهم الكثير من العتاد العسكري فارّين إلى الباب العالى في إسطنبول، وما أن أقام إبراهيم باشا قاعدة عسكرية  آمنة بالشام حتى انطلق في اتجاه الأراضي التركية، مرورًا بديار بكر، ومرعش، وأضنه، وجبال طوروس، والتي شهدت معركة حاسمة بين القوات المصرية والتركية، وانتصرت فيها القوات المصرية وفرت أمامها التركية، تاركة خلفها الكثير من المؤن والسلاح والأسرى في يد الجيش المصري .

أمام تلك الهزائم المتعددة، تظاهر الباب العالى بدعوة محمد علي للحوار حول اقتسام الحكم بالدولة العثمانية، وهي في الحقيقة محاولة لكسب الوقت للتوافق بين الدولة العثمانية والأوروبيين لوقف تقدم القوات المصرية التى أصبحت على مشارف أنقرة في انتظار التقدم نحو إسطنبول، التي وصل الفزع والخوف بها من دخول الجيش المصري إلى قلب العاصمة العثمانية، وقد ذكر أحد رجال القصر أن وفاة السلطان محمود الثاني كانت بالصدمة القلبية نتيجة انتصارات وتقدم الجيش المصري إلى إسطنبول. لكن الأتراك وكما هي عاداتهم في الغدر التاريخي ما إن وصل إليهم الدعم من روسيا وألمانيا من أسلحة وضباط حتى شنوا هجومًا على الجيش المصري في معركة نصيبين  في يونيو 1839، ولكن كان الانتصار حليفًا للجيش المصري العظيم، الذى بثّ الرُّعب في باقي الدول الأوروبية التي اجتمعت لوقف تقدم الجيش المصري، وعجّل هذا الانتصار في تحرك الدول الأوروبية التى اجتمعت في لندن، في يوليو 1840 وقررت حشد كل قواتها العسكرية من أجل حماية العثمانيين، والتصدى لتقدم الجيش المصري الذى أصاب الدولة العثمانية في عمق الجغرافيا الخاصة بها، كما سجل ظهور بطولات عسكرية مصرية، وكانت على وشك تغيير شكل العالم العربي والإسلامي، وتستمر العقود والأزمان لتسقط الدولة العثمانية ويتقاسم حدودها وأرضها من اجتمعوا بغرض حمايتها من الجيش المصري.

أما التساؤل الأول لماذا تركيا بليبيا: –

الدولة الليبية دولة غنية بالنفط ذات عدد سكان قليل حوالي 6 إلى 7 مليون نسمة، وتبلغ مساحتها 1.8مليون كم، ذات موقع جغرافي متميز خصوصًا مع الامتداد الأفريقي والدول الأفريقية الحبيسة منها، لذلك ترى تركيا أنها بتوقيع اتفاقية أمنية وبحرية مع حكومة الوفاق فقد وضعت قدمًا في البحر المتوسط لمنافسة مصر واليونان وقبرص، ووضعت –أيضًا- قدمًا داخل القارة الأفريقية لتنهل من خيرات ليبيا والدول الأفريقية الأخرى، خصوصًا بعد الإفصاح عن نيتها بإقامة منطقة صناعية كبرى بليبيا، لتكون بالدولة الليبية مركزًا تركيًا داخل إفريقيا. كما أن القوات التركية أصبحت ذات حصانة دبلوماسية داخل ليبيا.

كما إنها إحدى محاولات أردوغان بالقفز على مشكلاته الاقتصادية الداخلية التي تمس الشعب التركي بالدخول في حروب وصراعات إقليمية؛ من أجل كسب مزيد من ثروات تلك البلاد كما هو الحال بسوريا في محاولة منه لإصلاح وإنعاش اقتصاد بلاده المتدهور.

 لكن التواجد التركي العسكري بليبيا سيتصدى له الليبيون الشرفاء والجيش الوطني الليبي وأبناء قبائل لبيبا الشرفاء، مدعومون من القوات المسلحة المصرية والشعب المصري، غير عابئين بأي مؤامرات دولية تسعي لهدم ليبيا، ولتهديد العمق الاستراتيجي المصري ولتجاوز الخط الأحمر الذي حدده رئيس مصر.

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version