أثار الاتفاق المصري اليوناني الموقع في السادس من أغسطس 2020 الجاري حفيظة الدولة التركية وجعلها تطلق موجه من التصريحات السياسية والدبلوماسية تارة، والعسكرية تارة أخرى. فمنذ مساء الخميس 6 أغسطس كانت التصريحات الرسمية  تفيد بأن أنقرة ستحسم أمور التعدي على السيادة التركية في البحر المتوسط بالقوة العسكرية، وأنها ستطلق سفنها البحرية الجاهزة للتنقيب بالبحر المتوسط اعتبارًا من  ذلك اليوم، اعتمادًا على امتلاك تركيا 3 سفن تنقيب وسفينتين للحفر بالمياه العميقة، كما تمتلك اسطول بحري متنوع.

وكانت غالبية الهجوم والردود في تركيا تتجه ناحية اليونان والتفوق التركي العسكري على اليونان إذا حدثت مواجهة مُلحّة. كما قامت تركيا باستدعاء وحداتها البحرية في المناطق البحرية المختلفة، وتجهيزها بذخيرة حية للاشتباك مع أى موقف يوناني بالبحر المتوسط.

وانتشرت القطع البحرية حوالي 16 جزيرة يونانية تدعى تركيا ملكيتها من أصل 23 جزيرة متنازع عليها بين البلدين في بحر إيجة وشرق المتوسط. و قد زادت أهمية تلك الجزر بعد اكتشاف الغاز الطبيعي بها خصوصًا أن عدد سكان تلك الجزر لا يتعدى 500 شخصًا جميعهم يونانيون .

وقد نشرت العديد من الصحف التركية  صورًا جوية لسفن المسح الزلزالي والتنقيب تتجه الى شرق المتوسط وسط حراسة القطع البحرية والبوارج التركية.

عارض كل من الاتحاد الأوروبي واليونان هذا التصعيد من الجانب التركي ،فقامت اليونان بنشر قواتها البحرية، وأسطوليها البحري والجوي، وأصبح الجميع على أهبة الاستعداد تحسبًا لأى اختراق تركي محتمل.

وسط هذا التصعيد العسكري من الجانبين فوجئ الجميع  بتصريحات الرئيس التركي عقب اجتماع مجلس الوزراء التركي في مساء الاثنين 10 أغسطس الجاري بدعوته لجميع  دول شرق المتوسط للاجتماع لتقاسم الثروة النفطية بشرق المتوسط بشكل عادل يضمن حقوق جميع الدول المطلة على البحر المتوسط.

كان هذا التصريح  بمثابة مفاجأة تعكس تغير الموقف التركي تجاه غاز شرق المتوسط،  ومستوى معين من الدبلوماسية المتحفظة على الحل العسكري والداعية الى الاستماع الى صوت العقل  بالحوار والنقاش المفتوح بين جميع الدول

يعطي هذا التصريح دلالات مختلفة:

أولها: احتمال التراجع عن الاتفاق التركي الليبي الخاص بالحدود البحرية

ثانيا: مغازلة إسرائيل الدولة الصديقة والتي لم تحدد حتى الآن موقفها من الاتفاق المصري – اليوناني .

ثالثا: وهو الأهم مغازلة الدولة المصرية وطلب الجلوس معها لأنها صاحبة الضربة القوية بالاتفاق مع اليونان. فلولا مصر ما كان هذا الاتفاق الذي أدى الى تحطم الغرور التركي وطلب الرئيس التركي ذلك .

وتجدر الإشارة إلى أن الدولة المصرية لم ترفض طلب الرئيس التركي للجلوس والتفاوض معها في جميع مراحل خلافها مع تركيا، لأن القيادة المصرية تعاملت مع العداء التركي بالحكمة والصبر المطلق في مختلف القضايا سواء الأمنية منها أو السياسية، إلا أن هذا لا يعني أن تتنازل الدولة المصرية عن الشروط التالية:

1- خروج الأتراك من ليبيا وتسليم ليبيا الى أبناء الشعب الليبي  من خلال إعلان القاهرة في يونيو الماضي.

2- تخلي الدولة التركية عن سياستها التوسعية في الدول العربية وعلى رأسها سوريا والعراق.

3- وضع القواعد العسكرية التركية المنتشرة في الصومال والبحر الأحمر تحت إشراف مصري عربي.

4-وقف الدعم التركي لجماعة الإخوان الهاربة إلى تركيا

بعد تنفيذ أنقرة لهذه الشروط الأربعة، يمكن للدولة المصرية

 التفكير في الجلوس مع الجانب التركي لأن الدولة المصرية بقيادة الرئيس السيسي ليست دولة معتدية ولا داعية إلى حروب أو تجاوزات مع الدول الأخرى بل هي دولة داعية إلى السلام في كل دول الجوار والعالم العربي .

بهذه المحددات  الأربعة، ومع التراجع التركي عنها ستكون الأمور أكثر بعثًا للطمأنينة لدى الجانب المصري وقد يسترد الجانب التركي ثقة الدولة المصرية الحديثة بعد أن فقدها ليقينه في قدرتها على كبح جماح أي قوة إقليمية تحاول السيطرة على نفوذها، لأن لها درع وسيف يستطيع الدفاع عن مقدراتها وحدودها البحرية والبرية في أى وقت وحين. 

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version