حسين محمود التلاوي

كان لافتتاح سد النهضة الإثيوبي صدى كبير في الحسابات الإفريقية على وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث وردت أخبار تتناول هذا الحدث اللافت، فكانت هناك ردود أفعال متنوعة، لكنها أوضحت الاستراتيجية الإثيوبية في الترويج لسرديتها بخصوص سد النهضة.

حلم إفريقي

نشرت صفحة African Report Files على  فيسبوك تقريرا عن افتتاح السد باعتباره خطوة كبيرة على طريق التنمية في إفريقيا؛ فأشار إلى أن افتتاح السد يؤشر إلى انتقال المبادرة التنموية في إفريقيا إلى يد بلدان القارة وأبنائها. انعكست هذه الرؤية في التعليقات؛ فجاءت أغلب التعليقات تؤيد بناء السد باعتباره خطوة تنموية كبيرة، وتبارك لإثيوبيا هذا “الانتصار التنموي”. وعلى الرغم من أن بعض التعليقات أشارت إلى ضرورة ألا تكون هذه الخطوة التنموية على حساب الأطراف الأخرى المشاركة في النهر، عارض ردود كثيرة التعليق هذا التحفظ، بل أن بعضها زعم أن مصر تستند في معارضتها لسد النهضة إلى بعض المواثيق من بقايا الماضي الاستعماري الذي تحاول القارة الفكاك منه من خلال مشروعات مثل سد النهضة.

شمال إفريقيا يدخل على الخط

لم تكن صفحات التواصل الاجتماعي في شمال إفريقيا ببعيدة عن تناول المشروع الإثيوبي، وإن كان ذلك قد جاء في إطار التجاذب المزمن بين المغرب والجزائر؛ حيث راحت الصفحات المغربية تشير إلى “خروج الجزائر عن الإجماع العربي”؛ لأنها والصومال هما الدولتان العربيتان الوحيدتان اللتان حضرتا حفل افتتاح السد، حيث حضر السفير الجزائري في أديس أبابا الافتتاح ممثلًا عن بلاده.

وبعيدًا عن التعليقات التي تناولت الموضوع من زاوية الخلاف المغربي الجزائري، جاءت بعض تعليقات الرواد الجزائريين شديدة العملية من حيث علاقة الجزائر بإثيوبيا؛ فذكرت أن حضور الجزائر حفل الافتتاح يأتي في إطار العلاقات الثنائية التي تشهد تحسنًا، في إطار مساعي الجزائر إلى تحسين علاقاتها مع الدول الإفريقية؛ حيث يمثل ذلك محورًا مهمًّا من محاور الدبلوماسية الجزائرية حاليًّا.

الساحل والصحراء.. موريتانيا.. كوت ديفوار

وبمتابعة صفحات بوركينا فاسو، سواءً الإخبارية أو المنوعة، نجدها نشرت أخبارا عن افتتاح سد النهضة، والخلاف الإثيوبي مع مصر والسودان حول السد وتداعياته على البلدين؛ فكانت التعليقات منقسمة؛ حيث رأى معلقون أن إثيوبيا تنفذ أجندة خارجية للضغط على مصر من الجنوب بمياه النيل لحساب أطراف خارجية، إلى جانب الأجندة التنموية الإثيوبية، لكن عددًا آخر من المعلقين رأى أن لإثيوبيا الحق في استغلال مياه النيل دون التنسيق مع بلدي المصب؛ وهما مصر والسودان.

تعليقات وملاحظات

من هذا الاستعراض السريع لتعليقات بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي في مناطق مختلفة من القارة الإفريقية، يمكن رسم اتجاهات هذه الآراء:

1- فيما يخص التعليقات الواردة من الشمال الإفريقي، نجد أن هناك حملة معلنة غير خافية على مصر من أفرع تنظيم الإخوان المسلمين في بلدان الشمال الإفريقي؛ حيث يتمتع التنظيم هناك بحرية حركة نسبية؛ لأن هذه المنطقة هي المنطقة الوحيدة في العالم العربي التي لا يزال يتمتع فيها التنظيم بحرية حركة. فقد دأبت أذرع التنظيم الإعلامية في هذه البلدان على شن حملات ضد مصر؛ إستناداً إلى الملف الفلسطيني، ولا يمكن فصل تعليقات أنصار الجماعة في تلك البلدان بخصوص سد النهضة عن هذه الحملة الممنهجة ضد مصر؛ وهي الحملة التي تصل في بعض الأحيان إلى التحريض ضد الشعب المصري نفسه.

2. في سياق تعليقات رواد مواقع التواصل في الساحل والصحراء، بينما كانت معظم التعليقات التي أيدت إثيوبيا في الخلاف مع مصر والسودان من موريتانيا، تركزت التعليقات التي تؤكد على وجود أجندة خارجية ضمن أهداف إثيوبيا من سد النهضة في دول الساحل والصحراء، بل كانت هناك تعليقات في هذا المسار من كوت ديفوار.

3. تشير التعليقات إلى أن السردية الإثيوبية في ملف سد النهضة لعبت على وتر ناجح للغاية؛ وهو التنمية الإفريقية والتحرر من قيود الاستعمار؛ حيث كانت هذه النغمة الأبرز في التعليقات التي أيدت السد، خصوصًا في التعليقات الواردة من الجنوب الإفريقي؛ مثل زامبيا، وبلدان جنوب الصحراء؛ مثل الكاميرون. وعلى الرغم من أن المصريين حاضرون بقوة في هذه البلدان من خلال البعثات الدراسية والتنموية، فإن هناك نظرة إلى مصر تضعها في خانة مقاربة إلى خانة “المستعمر”.

4. لكن في المقابل تركزت التعليقات التي تؤيد الرؤية المصرية لملف السد في بلدان الساحل والصحراء التي تتمتع فيها مصر بشعبية كبيرة؛ بالنظر إلى وجود عدد من أبناء هذه البلدان يدرسون في الأزهر، والجامعات المصرية عمومًا، إلى جانب الشعبية الكبيرة للمنتخب المصري لكرة القدم في أوساط تلك الدول؛ وهو ما يظهر في التعليقات على أخبار المنتخب المصري.

خلاصة

هناك تحول في القارة الإفريقية يظهر في تعليقات رواد التواصل الاجتماعي الذين يتسمون بصغر السن في العموم؛ وهي المسألة التي تعني أن كثيرًا منهم لا يعرف الكثير عن الميراث التحرري لمصر في القارة الإفريقية، وينجذب إلى الرواية الإثيوبية باعتبارها نموذج الانطلاق بعيدًا عن أسر القوى الاستعمارية القادمة من الشمال؛ فهل لعب لون البشرة السمراء في إثيوبيا دورًا في إكساب روايتها مصداقية؟! نقطة تستحق الدراسة بكل تأكيد.

لمصر العديد من الأدوات التي يمكن استغلالها في الترويج لروايتها الأكثر تماسكًا ومصداقية من الرواية الإثيوبية؛ ومن بين الأدوات المصرية القدرة على ضخ الاستثمارات في القارة الإفريقية، وتقديم الدعم التقني في العديد من المجالات، وتنفيذ المشروعات التنموية، بدءًا من إرسال الاستشاريين في المجالات المختلفة إلى الشركات العاملة.

وفي هذا السياق لا يمكن أن ننسى دور المؤسات الدينية المصرية؛ وهي الأزهر والكنيسة المصرية الأرثوذكسية؛ خاصة في القرن الإفريقي الذي يضم نسبة كبيرة من المسيحيين الأرثوذكس. ويلعب الأزهر هنا دورًا رائدًا في توضيح أن مصر ليست دولة استعمارية أو ليست وكيلًا عن الاستعمار في الاستيلاء على خيرات القارة الإفريقية، بل دولة تسعى إلى تنمية القارة؛ لأن في التنمية ضمانة لتحقيق الاستقرار والسلام لشعوب القارة.

وعلى الرغم من أن البعض ينظر إلى الرياضة باعتبارها وسيلة هامشية في التقريب بين الشعوب، لكن بالنسبة للقارة الإفريقية ثبت أن كرة القدم تلعب دورًا كبيرًا في العلاقات بين الشعوب؛ حيث يعرف الكثير من الأفارقة مصر عبر منتخبها الوطني صاحب الإنجازات البارزة في القارة.

هذه الأوراق وغيرها يمكن أن تستخدمها الدولة المصرية في الترويج لسرديتها التي تقوم على التمسك بالقانون الدولي، والعلاقات الودية بين الدول والشعوب، بعيدًا عن الإجراءات الأحادية أو الاعتماد على الموروث الاستعماري، وهنا يجب أن نعترف بتقصير بعثاتنا الخارجية ومكاتب التمثيل الثقافى بالقارة السمراء فى دورها التنويرى المدافع عن الحقوق المصيرية للشعب المصرى كأحد أبرز ملفات الأمن القومى المكلفين بها.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version