يتصاعد مؤشر مصابي الكورونا  بصورة سريعة وغير متوقعة، إذ وصل إلى 1758 مريض خلال 24 ساعة ،  460 خلال 6 ساعات بإجمالى 50035 مريض بينهم254 فى حالة خطيرة، 380 حالة وفاة  يوم 19 يوليو 2020 ، كما تتصاعد حدة الاحتجاجات فى الشارع الإسرائيلى غير عابئة بالتباعد اجتماعى أو الإجراءات الإحترازية؛ تطالب ” نتنياهو” بالرحيل من منصبه رافعين شعار لا للفساد هاتفين ” لقد استيقظ الشعب “، وتارة أخرى تطالب  بحل حذري لمشاكلهم الاقتصادية الناجمة من الغلق الكامل الذى فرضته الحكومة الإسرائيلية لمواجهة فيروس كورونا خلال موجته الأولى ، خاصة أصحاب الأعمال الخاصة ، العمال ، المعاقين وكبار السن. ثم انتقلت الاحتجاجات للجهاز الطبى حيث أعلنت نقابة الممرضين فى إسرائيل بالإضراب عن العمل بدءًا من مساء يوم الأحد القادم اعتراضًا على تردى أوضاعهم المادية وعدم الاستجابة لمطالبهم المقدمة للحكومة من قبل جائحة الكورونا . لم تفلح منح نتنياهو والوزير كاتس فى امتصاص غضب الجماهير ؛إذ أنها بالإضافة إلى انها منحًا للمرة الواحدة فهى غير كافية لسد احتياجات الإسرائيلى الذى يعانى من البطالة وغلاء الأسعار واستئثار السياسيين بالقررات التى تعكس صراعهم على السلطة دون النظر لمصلحة المواطن.

“نتنياهو ارحل “، “استيقظ الشعب”؛ هتافان رئيسيان رددهما المتظاهرون الإسرائيليون أمام مقر إقامة “نتنياهو” الرئيسى فى شارع بلفور بالقدس (عرفت هذه المظاهرات باحتجاجات بلفور)، كان المحرك الأساسي لها تلك الانتقادات الواسعة التى وجهت للحكومة بسبب التداعيات الاقتصادية الناتجة عن أزمة  فيروس كورونا وعدم وفاء الحكومة بوعودها لإنعاش الاقتصاد وتقديم المساعدات للمتضررين.

تواصلت الاحتجاجات لثمانية أيام ولم تتوقف حتى وقت كتابة هذا التقرير، تظاهر خلالها  الآلاف من الإسرائيليين  فى ميدان  بلفور وشارع بتسلئيل فى  القدس وأشهر ميادين تل أبيب  ” رابين وروتشيلد”  مطالبين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالاستقالة على خلفية الاتهامات الموجهة له بالفساد والاحتيال وخيانة الأمانة، إضافة لهجومه على النائب العام، ووسائل الإعلام، والقضاء خلال محاولته نفي التهم الموجهة إليه كما طالبوه بتعيين مسؤولين قادرين على التعامل مع أزمة الكورونا صحيًا واقتصاديًا وحكوميًا .

هتف المحتجون ” بيبى ..إلى بيتك” ورفعوا لافتات كتب عليها ” حكومة العبث” و”وباء الكذب والخوف والأنانية”وعبر الإسرائيليون عن أزمة الثقة  بينهم وبين الحكومة التى انتخبوها والتى فجرتها أزمة كورونا، كما كشفت تلك الاحتجاجات حقيقة اهتزاز ثقتهم فى المنظومة الصحية والمالية، خاصة بعد بدء الموجة الثانية من الكورونا والتى تعالت معها الأصوات التى تطالب المؤسسات الأمنية وعلى رأسها الجيش الإسرائيلى بالتعاطى مع الأزمة.

 على الرغم من إغلاق جميع الشوارع المحيطة بأماكن التظاهرات  إلا إنها سرعان ما انتقلت إلى مدن أخرى منها جفعاتيم وهرتسيليا والجليل الأعلى وغيرها، تواجدت طواقم من البلديات الاسرائيلية وكان وجود الشرطة الإسرائيلية مكثفًا إلا أنها انتهجت العنف واشتبكت مع المحتجين ؛ فحاولت تفريقهم وإخلاء وإزالة خيماتهم بالقوة واعتقلوا أعدادا  منهم وأصيب آخرون ، وبعد إطلاق خراطيم المياه فى وجوههم اتجهوا لميدان ” هابيما ” ليتسع نطاق الاحتجاجات وينضم لها عدد أكبر من رافعى شعار ” أيها الفاسدون ..ألم تتعبوا؟”.

دعا لتنظيم الاحتجاجات مجموعة منظمات نشطة فى المجتمع الإسرائيلى مثل  حركة أصحاب الراية السوداء ومنظمة “هجاج”( السقف ) لرعاية المعاقين فى اسرائيل ، وحركة مراقبة جودة الحكومة ومجلس الأمل الذى وحد المنظمات المستقلة بعد رفض الشرطة طلبهم بالحصول على تصريحات للتظاهر بدعوى عدم محافظتهم على التباعد الاجتماعى .

قال “يانيف سيجال” واحد  من قادة حركة “الشباب  البعلبتيم”(أصحاب البيوت)  وهى حركة لرعاية الأيتام المشردين عن سبب احتجاجهم ومواصلتها على مدار أيام : “نحن هنا لأننا استيقظنا وأدركنا أنه لا أحد في أروقة السلطة يهتم بنا ، نحن أيتام”. “لدينا رئيس وزراء منشغل بنفسه ويخدع جميع الأنظمة لصالحه ، وبدلاً من معالجة  أزمة كورونا يلوم الآخرين إنه والوزراء الآخرون  يرمون طينًا على بعضهم البعض  ويتصرفون مثل الأطفال فى صندوق رمل”.

وأضاف : “بيبى( نتنياهو)  يلوم جانتس وجانتس يلتزم الصمت مثل “سمكة” وهو فى الحقيقة عاطل عن العمل مثلنا ، بعضنا جائع ونرى مستقبلنا يدمر أمام أعيننا وبدلاً من اتخاذ الخطوات اللازمة لإخراج هذا الشعب من هذا الوحل الاجتماعى والاقتصادى والصحى؛ “يسموننا فوضويين”.

قال “نيرهيرشمان” أحد المحتجين فى بلدة “موديعين” : “رئيس الوزراء” .. الموجة الثانية من كورونا لم تفاجئ أحدًا، لقد  كنت تعلم أنها قادمة، وأهدرت وقتك في الهراء،ذهبت للحصول على إعفاءات  مالية وضريبية، بينما كان عليك القلق بشأن علم الأوبئة، نظام العدالة، أن تخطط لمحاربة البطالة ، ماذا فعلت؟ لا شيء..  نقول لك فى هذه المرحلة.. إخجل”.

قال الخبير الاقتصادى “يارون زليخا”  وهو أحد المشاركين فى الاحتجاجات : “ماذا تعتقد الحكومة عن نفسها؟ لقد داست على الشباب الذين يعملون لحسابهم الخاص والشركات الصغيرة لأكثر من عقد من الزمان ودمروا الخدمة العامة واستبدلوها بشخصيات  مرتعشة غير كفؤة.

تابع “زليخا” : نتنياهو أن الآن مكشوف، غير قادرعلى الإدارة أو التخطيط ، غير قادر على تسخير الجمهور أو أن تكون قدوة شخصية، والأهم من ذلك ، عدم قدرتك على رؤية أن روح الناس في نهايتها ، ستنهار عشرات الآلاف من الشركات هذا العام بسبب إخفاقاتك ، وسيفقد مئات الآلاف من العاطلين الجدد وظائفهم وسيشعر ملايين المواطنين بقلق مستمر بسبب انعدام الثقة بك”.

(البروفيسور زليخا كان شاهدًا رئيسيًا فى قضية رشوة رئيس الوزراء السابق  إيهود أولمرت  أثناء بيع الأسهم المالية في بنك لئومي وقال أثناء شهادته: أن إسرائيل فاسدة أكثر مما تبدو).

محاولات لاحتواء الأزمة

لم تتغير المطالبات ولم تتوقف الاحتجاجات على الرغم  من محاولات  “نتنياهو” حيال ذلك، إذ خرج بالجزء الأول من خطته الاقتصادية الطارئة التى تقضى بمنح أصحاب الأعمال الخاصة والعمال المتضررين من أزمة الكورونا ما قدره 7500 شيكل لكل منهم ، وكانت ردود الأفعال غير متوقعة بالنسبة له؛ فالمبلغ يُمنح لمرة واحدة واعتبره الجمهور غير كاف لسداد ديونهم فقط فما بال احتياجاتهم الأساسية الشهرية واليومية، ثم خرج بالأمس القريب بما أُطلق عليه خطة “بيبى – كاتس ” الاقتصادية الطارئة لدفع عجلة الاقتصاد  والقاضية بمنح الأسرة مبالغ مالية حسب عدد أطفالها تترواح ما بين 2000 إلى 3500 شيكل وفيما عدا ذلك يمنح الفرد 750 شيكلاً؛ الأمر الذي تسبب فى خلافات شديدة فى الحكومة وداخل حزب الليكود حول آلية تنفيذ تلك الخطة والتى رأى المعترضون أنها ستدمر الاقتصاد الإسرائيلى تمامًا إذ تبلغ تكلفة الوفاء بها 6مليارات شيكل، وظهر هذا واضحًا فى رفض بينى جانتس حضور مؤتمر نتنياهو الصحفى والذى أعلن فيه عن جملة هذه القرارات، وفى ظل هذه الخلافات اجتمع نتنياهو مع وزير المالية يسرائيل كاتس، ووزير الدفاع بينى جانتس ووزير الاقتصاد عامير بيرتس، واتفقوا على توزيع تلك المنح بصورة تفاضلية وليست دفعة واحدة؛  كل عائلة أوفرد بحسب أولويتها ووفقًا لوضعها الاقتصادى .

بالتوازى مع خلافات الميزانية؛ هناك خلافات فى الحكومة حول التعليمات التى فرضتها الحكومة بشأن الموجة الثانية للكورونا؛ حيث ترتفع الحالات يوميًا ، تنتشر بسرعة فى أماكن كثيرة ومتفرقة؛ كما كشفت تقاريرالحالات ارتفاع حالات الإصابة بين الأطفال والشباب مالم يحدث فى الموجة الأولى كما أن غالبية المرضى لا يعرفون أين أصيبوا بالعدوى على وجه التحديد ولا مصدرها،  كما إن الاصابات في الموجة الأولى توزعت على ثمان وسبعين بلدة، والآن على أكثر من مائتين؛ رغم ذلك هناك تضارب شديد فى قرارات الحكومة وصلت إلى الإعلان عن رغبة نتنياهو فى إقالة “شاشا بيتون” رئيسة لجنة الكورونا فى اسرائيل لمعارضتها قررات الحكومة بهذا الشأن حيث رفضت إغلاق المطاعم والصالات الرياضية والمسابح للحد من انتشار الفيروس، وتطالب باسم  اللجنة بإلغاء إغلاق شواطئ البحر والمسابح  فى إجازة  نهاية الأسبوع، والسماح للمطاعم بمواصلة العمل في الأماكن المفتوحة، ونسبة حجز 35% فى  الأماكن المغلقة، كما هو الحال فى الفنادق وقالت أن السؤال ليس ما إذا كنا سنفتح الاقتصاد، ولكن كيف سنفتح،  القيود ليست  هى الحل الصحيح والكامل في الوقت الذى نحن فيه”.

ستتجه اسرائيل نحو إغلاق شامل تسبقه قرارات وقعها على الشارع الإسرائيلى أشد قسوة من تلك التى اتخذت خلال الموجة الأولى حال عدم توقف الاحتجاجات وتصاعد مؤشر حالات الإصابة بالفيروس ، فى ظل خلافات حكومية ونزاع على الصلاحيات بين المسؤولين بغض النظر عما هو منتشر فى وسائل الإعلام أو كيف يحاول السياسيون تصوير تلك الاحتجاجات على أنها فوضى نظمها اليساريون أوالأناركيون ؛ فهؤلاء هم الأجيال الجديدة المنفصلة عن قناعات الأباء والأجداد الباحثون عن هوية خاصة بهم ،والمطالبون بالتغيير الجاد فى السياسات وفى المجتمع بشكل عام .(نسبة الأجيال الشابة في أوساط المحتجين مرتفعة جداً وتبلغ نسبة طالبي العمل بينهم أكثر من 50%).

وأما العنف والغضب والإصرار على عدم مغادرة الشارع إلا بعد تحقيق مطالبهم، إلى جانب العدد الكبير لحالات الإصابة بالفيروس، فيعتبر مؤشرًا لأزمة مرتقبة ستتفاقم بمرور الوقت بين الإسرائيليين والمسؤولين  خاصة وأن إدارة تلك الأزمة لاتتم وفقاً لاحتياجاتهم الحقيقية مما تسبب فى ترسخ شعورهم بعدم صلاحية تلك القيادات ووجوب تغييرها، فما يحدث على عكس قناعة السياسيين فى إسرائيل الذين يعتقدون أن ذاكرة الإسرائيلى قصيرة المدى أو أنه مضطر لانتظار الانتخابات ربما يتمكن من هذا التغيير . 

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version