تمر إسرائيل بأزمة داخلية كبرى، لم تشهد مثلها منذ سنوات طويلة، وتتمثل في مشروع قانون الإصلاحات القضائية، وهو ما تسبب في حرج كبير للمؤسسات الإسرائيلية كافة، بما فيها المؤسسة العسكرية والأمنية، بسبب الرفض الواسع لتمرير مشروع القانون في الكنيست، والتهديد بالامتناع عن العمل في كثير من المجالات والمؤسسات، والمطالبة بإقاله حكومة نتنياهو وحل الكنيست والدعوة لعقد انتخابات جديدة.

ويأتي الجيش الإسرائيلي على رأس المؤسسات المتضررة من أزمة مشروع الإصلاحات القضائية في تل أبيب، والذي تريد تمريره حكومه بنيامين نتنياهو، وهو ما يلقي بظلاله على آليات عمل المؤسسة العسكرية في إسرائيل، وبدأت ملامح أزمة الجيش تتشكل في إعلان عدد من العسكريين والطيارين الإسرائيليين، خاصة قوات الاحتياط، العزوف عن الخدمة العسكرية في الجيش ورفض المشاركة في التدريبات، وأنهم لن يعودوا للجيش في ظل مشروع الإصلاحات القضائية.

تفاقمت أزمة الجيش الإسرائيلي بشكل كبير بعد إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إقاله وزير دفاعه يوآف جالانت من منصبه على خلفية رفضه التصويت لصالح تمرير مشروع الإصلاحات القضائية، ويأتي رفض جالانت للمشروع لأنه يرى فيه خطرا كبيرا على عمل المؤسسة العسكرية، ويهدد أمن إسرائيل القومي.

وعلى الرغم من إعلان نتنياهو تأجيل التصويت على تمرير مشروع الإصلاحات القضائية في إسرائيل لدورة الكنيست القادمة، إلا أن حالة الجدل ما زالت قائمة في إسرائيل، وسط مطالبات بعودة وزير الدفاع المُقال إلى منصبه، لما يشكله ذلك من تهديد للمؤسسة العسكرية. وفي السياق ذاته رحب عدد من العسكريين وقادتهم بقرار نتنياهو بالتأجيل، محذرين من أن عودة نتنياهو للتصويت لصالح مشروع القانون مرة أخرى ستدفعهم لترك الخدمة في الجيش، خاصة قوات الاحتياط منهم.

الصدام بين التيارات المتشددة في الائتلاف الحاكم والجيش   

شكلت أزمة الإصلاحات القضائية حالة صدام كبرى بين التيارات المتشددة في الائتلاف الحاكم ومؤسسات الدولة كافة، حيث يرجع دعم مشروع القرار إلى وزراء المستوطنين في الحكومة الإسرائيلية وأعضاء الكنيست المتطرفين، وعلى رأسهم زير الأمن الداخلي إيتمار بن جفير ووزير المالية- الوزير الثاني في وزارة الدفاع الإسرائيلية- بتسلئيليل سموتريتش، والذين يدعمون تمرير مشروع القرار بقوة، مهددين بالإنسحاب من ائتلاف نتنياهو الحاكم في حالة التراجع عن تمرير مشروع القرار.

كذلك يخشى المجتمع العلماني في إسرائيل من تعاظم قوة المتشديين، خاصة في ظل تواجد بن جفير وسموتريتش في الحكومة، حيث يرون أن ذلك يشكل تهديدا حقيقيا للمجتمع الإسرائيلي، ويحول إسرائيل لدولة دينية في المقام الأول، ويغيب دور المؤسسات في الدولة.

 كذلك وقع صدام بين التيارات المتشددة والمؤسسة العسكرية والأمنية، التي تخشى تمرير مشروع الإصلاحات القضائية لما يشكله من خطر على آلية عمل الجيش وتهديد للأمن القومي، وهو ما أشار إليه وزير الدفاع المُقال “يوآف جالانت”، ورئيس أركانه “هيرتس هاليفي” في تصريحاتهما، وهو ما أثار غضب الوزراء المتطرفين في الحكومة، وعلى رأسهم بن جفير الذي طالب نتنياهو وأكد عليه بضرورة إقاله جالانت من منصبه، وحينما أصدر قرار الإقالة دعم إتخاذ هذا القرار ورحب به.

 ونشر معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي دراسة حول حالة الصراع غير المسبوقة التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي الآن بين مختلف طوائفه، محذرًا من تداعيات ملف الإصلاح القضائي على الجيش الإسرائيلي وقدرة تل أبيب في التعامل مع أعدائها، وكذلك التأثير على ترابط وقوة المجتمع وعلاقات إسرائيل الخارجية واقتصادها.

 وأوضح المعهد، أن إسرائيل تواجه مجموعة من التهديدات الخطيرة التي تمس أمنها القومي، منها تدهور اقتصادها في ظل الأزمة العالمية، وضعف علاقتها مع الولايات المتحدة، إضافة إلى الصراع الداخلي غير المسبوق الذي يعيشه المجتمع الإسرائيلي، وهو ما يفاقم التهديدات ويحد من القدرة على التعامل معها. (1)

وأشارت مجلة “إسرائيل ديفينس” العسكرية، إلى أن الأحداث الدائرة وحالة الصراع الكبرى بين طوائف المجمتع الإسرائيلي تضر بالجيش الإسرائيلي، وآلية عمله، وممارسة مهامة كجيش قومي لكل الإسرائيليين.(2)

 موقف المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من مشروع الإصلاحات القضائية

رفضت المؤسسة العسكرية في إسرائيل مشروع قرار الإصلاحات القضائية منذ الإعلان عنه من قبل وزير العدل الإسرائيلي ياريف ليفين، محذرة من خطورة هذا الأمر على الجيش والأمن القومي للبلاد.

حيث أثار مشروع قانون الإصلاحات القضائية حالة من الجدل الكبرى بين ضباط وجنود الجيش، خاصة قوات الاحتياط منهم، وهو ما ظهر من خلال إعلان عدد منهم رفض الخدمة في الجيش على خلفية مشروع هذا القانون. وعبر منتدى قوات الاحتياط، الرافض لمشروع قانون التعديلات القضائية، عن خطورة هذا الأمر، مؤكدا أنه إذا تم تمرير مشروع القانون فلن يكون هناك وجود لجيش الشعب الإسرائيلي.

 

أبرز حالات رفض الخدمة في الجيش الإسرائيلي

أعلن الكثير من العسكريين الإسرائيليين رفضهم العودة للخدمة في الجيش، والمشاركة في التدريبات على خلفية مشروع هذا القانون، خاصة قوات الاحتياط، في عدد من التشكيلات والأفرع في الجيش، أبرزها جنود احتياط القوات الجوية، الذراع الأقوى في نظر الإسرائيليين في الجيش.

 فقد أعلن نحو 180 متطوعا للخدمة من قوات الاحتياط في وحدة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي 8200 رفضهم للخدمة، بحسب ما أشارت إليه صحيفة معاريف العبرية.  وبحسب الصحيفة، أرسل عدد 236 جنديا وضابط من قوات الاحتياط في القوات الجوية، رسالة إلى رئيس الأركان وقائد سلاح الجو مفادها أنه إضا ما تم تمرير مشروع الإصلاحات القضائية فأنهم لن يعودوا للخدمة في وحداتهم مجددا. (3)

كما وقع 450 ضابطا وجنديا من قوات العمليات الخاصة على عريضة تفيد بأنهم لن يستمروا في الخدمة العسكرية إذا تم تمرير مشروع القرار، وفي ذات السياق وقع 200 جندي وضابط من الوحدات الإلكترونية في الجيش على عريضة مماثلة. وفي مطلع شهر مارس أعلن عدد من خريجي وحدة الاستخبارات العسكرية 9900 أنهم لن يستمروا في الخدمة إذا تم تمرير مشروع القانون، وأعلن 37 طيارا احتياطيا من سرب المقاتلات رقم 69 في سلاح الجو أنهم لن يحضروا التدريبات احتجاجا على خطة الإصلاح القضائي. وقبل أيام نشر نحو 1000 طيار سابق في القوات الجوية الإسرائيلية رسالة تفيد بتأيدهم قرار الطيارين الاحتياطيين في الجيش تجميد خدمتهم على خلفية ملف الإصلاحات القضائية. (4)

وأشارت صحيفة يديعوت أحرونوت في تقرير لها إلى انخفاض نسبة قوات الاحتياط المشاركة في تدريبات عدد من الوحدات بشكل غير مسبوق خلال الأيام الماضية، منها لواء المظللين في قاعدة تساليم، وسرب القوات الجوية الـ 13، والألوية المدرعة، وسرب العمليات الفائقة في القوات الجوية، والوحدات السيبرانية، ووحدات تحكم الطيران، ووحدات الطائرات الهليكوبتر.

وأشار موقع واللا العبري، إلى أن هناك أكثر من 100 ضابط طبيب احتياط من مختلف وحدات الجيش الإسرائيلي أعلنوا أنهم بصدد إنهاء خدمتهم في الجيش بشكل فوري بسبب خطة الإصلاحات القضائية، إضافة إلى أكثر من 270 فردا من أطقم وحدات القوات الجوية. وشارك نحو 40 عسكريًا إسرائيليًا من القوات النظامية في فيديو تم نشره على مجموعة مشتركة لهم على تطبيق تيلجرام، للتعبير عن رفضهم لمشروع الإصلاحات القضائية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت. (5)

وبحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، فأن الجيش الإسرائيلي يرفض الإفصاح عن الإحصائيات الكاملة للعسكريين الرافضين للخدمة في ظل مشروع الإصلاحات القضائية، والتي تشير إلى انخفاض عدد قوات الاحتياط في الجيش بشكل كبير. لهذا يعرب كبار قادة الجيش  عن خشيتهم من حدوث ذلك في القوات النظامية في الجيش. (6)

 رفض وزير الدفاع خطة الإصلاح القضائي وإقالته  

أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت رفضه صراحة لمشروع قانون الإصلاحات القضائية، معلنا أنه لن يصوت لصالح مشروع القرار في الكنيست، مما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإقالته من منصبه. وقدم جالانت- بالمشاركة مع كبار قادة الجيش- تقديرات موقف حول خطورة الوضع في الجيش في حالة استمرار مشروع الإصلاحات القضائية، وأن الوضع في الجيش سيزداد سوءًا.

وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن تراجع نتنياهو وتأجيله التصويت على مشروع القرار في اللحظة الأخيرة، يرجع في الأساس إلى تحذيرات أمنية تشير إلى خطورة الوضع الأمني، حيث ظهرت الأزمة العميقة في قوات الاحتياط والقوات الجوية في الجيش، حيث بدأ الطيارون بالفعل في تعليق رحلاتهم وطلعاتهم الجوية.

وقال جالانت في تصريحاته: “بصفتي وزير دفاع إسرائيل أقولها بصراحة أن الانقسام المتزايد في المجتمع يتغلغل في الجيش والأجهزة الأمنية، وهذا خطر واضح وملموس على الأمن القومي، ولن أشارك في هذا الأمر”. وحسب صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، فقد أيد 15 جنرال من كبار قادة الجيش السابقين، من بينهم وزراء دفاع ورؤساء أركان، رفض جالانت تمرير خطة الإصلاحات القضائية لما تشكله من خطر على الجيش. (7)

مظاهر تأثير مشروع الإصلاحات القضائية على الجيش الإسرائيلي

ألقى مشروع قانون الإصلاحات القضائية بظلاله على الجيش الإسرائيلي بشكل كبير، مما تسبب في الكثير من التأثيرات على الجيش وأبرز مظاهرها هي:

أ- أعلن عدد كبير من جنود وضباط قوات الاحتياط رفض الخدمة، وهو مايتسبب في حالة رفض كبرى وعلى نطاق واسع للخدمة في الجيش مع إقبال الكثيريين على ذلك، خاصة وأن إسرائيل تعاني في الأساس من إنخفاض نسب التجنيد بين الشباب، وهو ما يخلق أزمة حقيقة في الجيش.

ب- يعتمد الجيش الإسرائيلي على قوات الاحتياط بشكل كبير في معظم أسلحته وأفرعه بسبب نقص الكوادر البشرية، ومع إعلان الكثيرين منهم رفض الخدمة في الجيش فإن ذلك يؤثر على أداء الجيش وقوته في ظل التهديدات الكبرى التي تعصف بإسرائيل من مختلف الجبهات.

جـ- تسبب مشروع الإصلاحات القضائية في إثارة الشغب بين المؤيدين والمعارضين له من معسكري اليمين واليسار بشكل كبير، وسط تحذيرات من نشوب حرب أهلية، وهو ما يلقي بظلاله على الجيش، لأنه سيكون مجبرا على التدخل للحد من الصراع، وهو ما يستنزف قدرات الجيش وقواته. الأمر الذي حذر منه رئيس الأركان الإسرائيلي قائلًا: “يجب أن يبقى الجيش متماسكا ملتزما بتعليمات قادته، ولكن قد يضطر الجيش للتدخل ليفرق بين المحتجين وحماية البلاد”.

د- قد يدفع نتنياهو نحو تصعيد عسكري جديد مع الفلسطينيين أو مغامرة عسكرية في اتجاه إيران أو لبنان، في محاولة لفرض حالة من التماسك الداخلي بدعوى وجود خطر خارجي يهدد إسرائيل، ويشغل الرأي العام عن ملف الإصلاحات القضائية، وهو ما حذر منه قادة الجيش الإسرائيلي، لما يشكله من خطر على المؤسسة العسكرية، خاصة في ظل حالة الإرتباك القائمة داخل الجيش الآن.

هـ- إضعاف الجيش الإسرائيلي في التعامل مع التهديدات المحيطة بإسرائيل بسبب حالة الحراك الكبرى الدائرة في إسرائيل، وهو ما أشار إليه رئيس الأركان الإسرائيلي في تعليق أبلغه لنتنياهو قائلًا، إن بسبب حالات رفض الخدمة وما تمر به إسرائيل الآن فإن الجيش يتجه نحو تقليص نطاق عملياته، وأن الجيش لن يكون قادرًا على العمل في ظل تفكك الشعب وتقلص قواته الاحتياطية.

ز- تشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن خطر تراجع قوات الاحتياط ورفضهم للخدمة قد يصل في وقت قريب للقوات النظامية العاملة في الجيش بسبب ملف الإصلاحات القضائية، وسيكون هذا الأمر بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، وسيكون الجيش الإسرائيلي حينها في حالة خطر لم يشهدها من قبل.

المصادر:

(1) دراسة معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي

התרעה אסטרטגית: השבר הפנימי בשל קידום הרפורמה מאיים על ביטחונה הלאומי של ישראל

https://www.inss.org.il/he/publication/strategic-alert/

(2) تقرير مجلة إسرائيل ديفينس العبرية

פרשנות | בין משבר חוקתי למונופול על הנשק בישראל

https://www.israeldefense.co.il/node/57698

(3) تقرير صحيفة معاريف العبرية

על רקע סערת הרפורמה: בוגרי 8200 מאיימים – “לא נתנדב למילואים”

https://www.maariv.co.il/news/politics/Article-984323

(4) تقرير صحيفة معاريف العبرية

“מוקיע את הנושא”: מפקד טייסת 69 לשעבר נגד מחאת הטייסים

https://www.maariv.co.il/news/politics/Article-985897

تقرير موقع واللا العبري

כאלף טייסי עבר הביעו תמיכה בטייסי המילואים שהודיעו שלא יתייצבו בשל המהפכה המשפטית

https://news.walla.co.il/item/3567937

(5) تقرير صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية

עשרות מכונאים בחיל האוויר לטייסים מהמחאה: “תבקשו סליחה – או שאל תחזרו”

https://www.ynet.co.il/news/article/s1fwcdbzn#autoplay

(6) تقرير صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية

Israel’s Defense Minister Says Government Should Halt Contentious Judicial Plan

https://www.nytimes.com/2023/03/25/world/middleeast/israel-defense-minister-opposes-judicial-plan.html?searchResultPosition=16

(7) تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي_ صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية

גלנט: חייבים לעצור את החקיקה

https://www.ynet.co.il/news/article/r1szii2x2

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version