أدى انتشار فيروس كورونا في جميع أنحاء العالم إلى ازمات اقتصادية واجتماعية وسياسية فأصبح عالم ما بعد الكورونا غير عالم ما قبله، وقد أعلن صندوق النقد الدولي أن النمو الاقتصادي العالمي لعام 2020 الذي كان من المتوقع أن يكون 3.4% في بداية العام سيكون أقل من  2.9% .

من المستحيل ألا تؤثر هذه اللوحة السلبية المتوقعة للتنمية العالمية على الاقتصاد التركي. ووفقاً للبيانات التي بين أيدينا فاعتباراً من إعلان منظمة الصحة العالمية أن كورونا “وباء عالمي” بات من المتوقع أن تنخفض التنمية الاقتصادية التركية لعام 2020 بمقدار كبير عن نسبة 5% التي يهدف إليها البرنامج الاقتصادي الجديد، وعن 4% التي تتوقعها الأسواق.

بالأخذ في عين الاعتبار الدول التي تأثرت من الوباء، من المفترض أن  يتراجع النشاط الاقتصادي لفترة تتراوح ما بين 12 إلى 16 أسبوع على الأقل، وأن تتوقف بعض القطاعات، بحيث يستغرق استجماعها بعد ذلك فترة طويلة تصل إلى ستة شهور. ونتيجة للتدابير التي سيتم اتخاذها بشكل يكاد يشبه حظر تجوال، من المتوقع أن تكون هناك خسائر في قطاع السياحة، والقطاعات الخدمية وذلك باستثناء الصناعات الغذائية والأدوية ومستلزمات النظافة.

في التجارة الخارجية: بسبب كساد سلسلة الإمداد العالمي ونقص الطلبيات من المتوقع أن يصل التراجع في الصادرات التركية إلى نسبة 35%، ونتيجة لذلك فمن الممكن حدوث تراجع بمقدار 53 مليار دولار سنوياً.  أما من ناحية الواردات؛ فمن المعتقد أن يزداد مستوى الانخفاض حتى يصل إلى 40 مليار دولار بسبب دعم فواتير الطاقة المتراجعة.

في مجال السياحة: كان من المنتظر أن يصل الدخل الذي بلغ 34.5 مليار دولار عام 2019 إلى 40 مليار دولار. وعلى عكس هذه التوقعات، من المنتظر أن يظل دخل السياحة بأكملها بالكاد عند 5 مليار دولار.

في النقل والطيران:

لقد قامت تركيا بافتتاح واحد من أكبر المطارات الدولية” مطار إسطنبول  بشراكة يابانية لنقل واستيعاب حركة الطيران بين شرق آسيا وأوروبا ليصل حجم الطيران والركاب “ترانزيت” إلى معدلات مرتفعة، قد تستحوذ تركيا على نسبة 25% من حجم الطيران والركاب بين شرق آسيا وأوروبا، إلا أن كورونا جعلت هذا المطار أحد أهم عوامل انتشار الوباء بتركيا حيث تأخرت حكومة انقرة في اتخاذ قرار الغلق التام عن باقي دول العالم ومن المتوقع  حدوث 

خسائر جادة في الربعين الثاني والثالث تفوق 80% سنوياً لاسيما مع تأثر الربع الثالث الذي يُعد الموسم العالي لقطاع الطيران. 

في القطاع المالي: يجب ألا نغض الطرف عن التأثيرات الهامة التي من الممكن أن تحدث في الفترة التي نعيشها حالياً. بينما ينبغي على قطاع البنوك تجديد الموارد الخارجية التي تبلغ 8% (61 مليار دولار) من الدخل القومي فإن هذه النسبة تبلغ 10% (74 مليار دولار)  . ومن المعتقد أن الاضطراب الاستثنائي الذي تشهده الأسواق المالية والتأثير على علاوات المخاطر وقواعد الدولة التي تعيشها تركيا، من الممكن أن يخلق مشكلات في إمكانية دفع ديون شركاتنا على وجه الخصوص.

توصيات البنك المركزي التركي مع بداية الأزمة

  • أوصى البنك المركزي بوجوب اتخاذ التدابير فيما يتعلق بتسهيل شروط الدفع وزيادة مدته والذي سيدفع من صندوق البطالة وذلك ضمانًا لتخفيف خسائر الاستخدام التي ستتكون بسبب الخراب المُحتمل أن تُحدثه الفترة الراهنة في قسم الشركات أو تخفيفًا أيضاً للمشكلات الاجتماعية التي ستواجه العمال الذين مُنحوا إجازة إجبارية بدون أجر.
  • كما أوصى البنك بوجوب تأمين مساعدات اجتماعية عديدة بشكل منظم مع الإدارات المحلية من أجل المحتاجين الذين ليس لديهم أي دخل.
  • وأن يوفر البنك المركزي التركي عملة أجنبية وسيولة تركية للقطاعات المالية من أجل المحافظة على الاستقرار المالي.
  • يجب أن توفر الخزينة إمكانية تأجيل فوائد قروض المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وأن توفر أيضاً إمكانية التقسيط بصورة تربط بين رأس المال والتضخم وذلك في إطار تنظيمات إعادة الإعمار التي يديرها البنك المركزي التركي ومجلس مراقبة البنوك.                      سيتم مشاركة تنفيذ خطة إعادة الإعمار تلك من قبل الدولة عن طريق إخراج الخزينة سندات الدين الداخلي للدولة بترتيب خاص وبدون فائدة للقروض.
  • سيقوم البنك المركزي التركي بمبادرة لتشكيل  علاقة مصرفية متبادلة وذلك بشكل منظم مع البنوك المركزية لمجموعة العشرين   .
  • حتى وإن قلت التطبيقات المخالفة لمعايير إدارة الاحتياطي وسياسة الأموال المحلية والعالمية في السنوات الأخيرة بإمكانية تدخل البنك المركزي التركي بمقياس مهم؛ إلا أنه يجب التدخل الضروري في الموعد المناسب في مقابل الأنشطة التي ستتم في الأسواق في الأيام القادمة.
  • يجب عدم أخذ أقساط التأمين التي يدفعها أصحاب العمل بشرط عدم تقليل عدد العمالة بعين الاعتبار، حتى نشهد إشارات استجماع الأنشطة الاقتصادية، ويجب أيضاً تأمين دعم مادي للقطاعات التي تأثرت من هذه الفترة.
  • يجب تكوين تقويم ضريبي جديد. ويجب تأجيل الضرائب السنوية التي سيدفعها المكلفين المتأثرين سلباً من هذه الفترة في شهر مارس على الأقل إلى نهاية العام كما يجب أيضاً منحهم إمكانية التقسيط. وفي إطار الإعفاء الضريبي يجب تأجيل الدفعات المقسطة والتي حان وقت دفعها.
  • ويجب تأجيل دفع فواتير الغاز الطبيعي والكهرباء التي تمثل عاملاً مهماً من ناحية أموال الإنتاج في القطاعات الحقيقية ويجب أيضاً توفير إمكانية التقسيط.
  • إن أسواق رأس المال أيضاً واحدة من المجالات التي تأثرت سلباً من هذه الأزمة؛ لذلك يجب توفير قروض بشروط مناسبة بالموافقة على تأمين الحصص المفتوحة للشعب لشركاتنا التي تريد شراء هذه الحصص في إطار خطة تقييم معقولة بهدف الحفاظ على قاعدة الاستثمار المقيمة داخل الوطن بصفة مستمرة، ولمنع الخسائر البالغة لشركاتنا التي تعد جزء من ثروتنا القومية والتي تسببت فيها تلك التطورات الاستثنائية والخارجة عن إرادتنا.

إجراءات الحكومة التركية 

تعاملت الحكومة المركزية مع توصيات البنك المركزي بعدم اهتمام كافِ حيث تحركت الحكومة ووزارة المالية برئاسة البيرت البيرق وزير المالية صهر الرئيس التركي بالاعتماد على الدعم القطري للاقتصاد التركي سواء ببيع مساحات كبيرة من الأراضي المطلة على قناة إسطنبول الجديدة ” تحت الإنشاء” او بالاتفاق القطري -التركي 

( SWAP )

والذي يقضى بمبادلة العملة المحلية بالدولار الأمريكي، حيث وقعت كل من تركيا وقطر اتفاق مبادلة 15 مليار دولار لدعم البنك المركزي التركي على أن تخصم من حجم التبادل التجاري بين البلدين كما طالبت تركيا  كلًا من الصين واليابان وإنجلترا وأمريكا بتنفيذ نفس الاتفاقية، إلا أن إنجلترا وأمريكا رفضتا ذلك، واكتفت الصين بالمقايضة بمبلغ 1 مليار دولار يكون ضمن الاتفاق التجاري بين البلدين كما شاركت اليابان بالمشاركة في القطاع الصحي التركي بمبلغ 1 مليار دولار أيضا.

ولكن كل هذه المحاولات لم تنجح في إنقاذ الليرة التركية وتخطيها 7 ليرات أمام الدولار مسجلة بذلك تراجعا قياسيا لم تشهده من قبل خلال شهري يوليو وأغسطس وهو ما وضع الاقتصاد التركي في أزمة كبيرة يشعر بها المواطن من غلاء الأسعار وتضخم الاقتصاد.

وما يحدث حاليا  هو أن البنك المركزي التركي يطبع عملة محلية دون مقابل ويقوم باستبدالها عبر آلية 

(SWAP) 

مع بنوك محلية ودولية لعدة أشهر للحصول على مقابلها بالدولار ثم يقوم ببيع الدولار بالسوق المحلية من أجل إنقاذ الليرة التركية من السقوط أكثر من ذلك.

كل هذه المحاولات تزيد من عدم الثقة في الاقتصاد التركي في المرحلة المقبلة بسبب السياسات الخاطئة لأردوغان وصهره في إدارة ازمة كورونا وتأثيرها على الاقتصاد التركي.

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version