ظلّت المنظومة التشريعية في إسرائيل محور الاهتمام، داخليًا وخارجيًا خلال ما يقُرب من سبعة أشهر مضت، هي عمر حكومة نتنياهو السابعة، وكان النشاط التشريعي للكنيست، الخاص بطرح مقترحات بشأن بعض النِقاط القانونية الخِلافية للمصادقة عليها، والتي يرى داعموها أنها مجرد “تعديلات” ووصفوها بالـ”الإصلاح القضائي”، واعتبرها المعارضون ديكتاتورية، وانقلابًا على السلطة القضائية في إسرائيل، وقد تسبب ذلك في موجة من الاحتجاجات الواسعة امتدت لنحو 31 أسبوعًا، إضافة لإعلان الإضرابات في مختلف القطاعات.

تتضمن خطة التغييرات القضائية عدة نقاط، أهمها:

– إلغاء أو تقليص حجة المعقولية، وتعني إلغاء قدرة قضاة المحكمة العليا في إسرائيل على التدخل لإلغاء قرارات الحكومة ووزرائها والسلطات التابعة لهما، دون سند قانوني، على أساس أن هذه القررات (غير معقولة)، وهذه القدرة غير محدودة وغير مسبوقة في العالم، ويتضمن الاقتراح أن تُصبح صلاحية مراجعة قرارات الحكومة ووزرائها والسلطات التابعة لهما، للكنيست فقط.

تغيير طريقة تعيين القضاة، يبلغ عدد أعضاء لجنة تعيين القضاة 5 من 9 قضاة، بينهم قضاة ومحامون، ويلزم للحصول على الأغلبية للتعيين، عدد 7 من 9 قضاة؛ بما يسمح باستخدام حق النقض للقضاة وتعيين أنفسهم بأنفسهم، حال الحصول على الإجماع اللازم. ويتضمن الاقتراح زيادة عدد أعضاء اللجنة إلى 11عضوًا، وأن يكون التمثيل بالتساوي لكل من السلطات الثلاث: 3 قضاة، 3 وزراء، 3 أعضاء في الكنيست، بينهم رئيس لجنة القضاء والتشريع في الكنيست، إضافة إلى تمكين وزير العدل من تعيين ممثلين عامين، للحصول على الموازنة والتنوع المطلوبين في النظام القضائي.

– إلغاء قوانين أساس وفقرة التغلُب، حيث يمكن للمحكمة العليا إبطال القوانين التي سنّها الكنيست، حتى بلغ عددها وفقًا لآخر التقارير حوالي 22 قانون، ويتضمن الاقتراح أن يتم ذلك وفقًا لخطة موضوعة، بحيث لا تتمكن المحكمة العليا من إلغاء قوانين الأساس المحورية (التي تُعتبر بمثابة دستور)، ويُسمح للمحكمة العليا بإبطال القوانين العادية التي لا تتعارض مع قوانين الأساس، ويُشترط أن تكون تشكيلة المحكمة العليا مكتملة بعدد 15 قاضيًا، وأن يحصل القرار على أغلبية لاتقل عن 12 قاضيًا، ويُمكن للكنيست إعادة سن قانون أبطلته المحكمة العليا بأغلبية 61 عضوًا، ويكون القانون ساري المفعول لمدة 4 سنوات، أو لعام واحد، من بداية الدورة التالية للكنيست أيهما أقرب.

– تعيين المستشارين القانونيين، حيث يُقترح تمكين الوزراء من تعيين المستشارين القانونيين في الوزارات المختلفة على أساس الثقة فقط، ويتبع المستشار القانوني الوزير مباشرة، وليس للمستشار القانوني للحكومة، ورأيه استشاري غير مُلزم للحكومة؛ فلا يستطيع تحديد أو تغيير أي وضع قانوني، بعد ان كان رأيه مُلزماً، لما رأي واضعو الاقتراحات لما في ذلك من تهديد لقدرة الحكومة ووزرائها على تطبيق السياسة التي تم انتخابهم من أجلها. فإذا أخذنا في الاعتبار أن هذه الاقتراحات بدأت بالتصديق على إلغاء قانون التعذُر، الذي يُحدد آلية الإعلان عن عدم أهلية رئيس الحكومة لأداء مهامه بنفسه، أو بواسطة الحكومة، ليتضمن التعديل اقتصار  ذلك على أسباب صحية نفسية أو جسمانية مُعلنة، وتصلح لأن تكون حُجة واضحة لعدم أهليته.

وبالنظر إلى الإصرار على تمرير مقترح إلغاء حجة المعقولية بهذه السرعة وقبل العطلة الصيفية للكنيست، كرد فعل على إبطال تعيين” آرييه درعي” رئيس حزب شاس، وزيرًا في حكومة “نتنياهو” بحجة أن قرار التعيين، به (انعدام شديد للمعقولية)، وبفحص باق المُقترحات،  يُمكننا القول بأنها تتضمن الكثير من الخلط بين مفردات المنظومة القضائية، والتوجهات السياسية، ما يُخالف دعوى إسرائيل “الديمقراطية” التي تحترم الفصل بين السلطات[1].

التغييرات القضائية في الشارع الإسرائيلي

أظهرت مُعظم قياسات الرأي العام، أن 1 من كل 4 إسرائيليين فقط، يؤيديون التغييرات القضائية؛ وأن حوالي29٪ فقط يؤيدونها ويعتبرونها إصلاحًا يتوافق مع السياسات الحكومية، ويؤيدها بشدة 14٪، بينما يعارضها حوالي41٪، وامتنع أو لم يُحدد موقفه تجاهها حوالي 30٪؛ أي أن دعم التغييرات القضائية منخفضً إلى حد ما، كما أن معارضته ليست كبيرة. وأشار غالبية المستطلع آرائهم إلى أن القضايا الاقتصادية (تكلفة المعيشة والإسكان) والقضايا الأمنية (العنف والأمن الشخصي والإرهاب) هي أكثر المشاكل إلحاحًا، والتي يجب على الحكومة سرعة التعامل معها، واعتبر30٪ منهم أن رغبتهم المُلحة في تعامل الحكومة مع التصدُعات الاجتماعية الناتجة من التشريعات الأساسية، وليس من المنظومة القضائية نفسها.

أرشيفية

لاتنصب اهتمامات رجل الشارع على خطة التغييرات القضائية، لذا قرر حوالي 40٪ من المستطلعة آراؤهم، أنها ستضر بوضعهم الاقتصادي، وتوقع أكثر من ثلث الجمهور أنها ستؤثر بشكل سلبي على المجتمع، ويخشى من انتشار العنف، وتراجع الأمن ومستويات التعليم، وعلى الحياة اليومية بشكل عام، بينما رأى حوالي 20٪ أنها ستُحسن الأوضاع قليلًا ولكنهم وجدوا صعوبة في تقييم هذا التأثير المتوقع على حياتهم. وقدرت نسبة عالية جدا أن هذه الخطة ستزيد من تردي أوضاع الأقليات في المجتمع. ويعتقد ما بين 42٪ و52٪ أن التشريع سيكون له تأثير سلبي على حالة المجتمع الاقتصادية ككل، والطبقة الوسطى، والشرائح الأضعف بشكل خاص، وعلى فلسطيني الداخل، والنساء وغير المتدينيين، والشباب؛ إذ لم يتم النظر فى التأثير الاجتماعى والاقتصادى لهذه الخطة على الأجيال القادمة. ويخشى 38٪ من تدهور أوضاع مجتمع الـمِثليين، وينظر حوالي 45٪ إلى أن القطاع الوحيد المستفيد من هذه الخُطة هم المستوطنون والحريديم. ويشعر الجمهور الإسرائيلي بأن الدفع قدمًا بهذه الخطة هو الهدف الرئيس لحكومة “نتنياهو، كما يعتقد في فشل هذه الحكومة في معالجة قضاياهم الأساسية؛ ويرى حوالي 29٪ ضرورة التغييرات ولكن بالتوافق بين أطياف المجتمع وبين الائتلاف والمعارضة، بينما يرى 36٪، ضرورة إيقاف هذه الخُطة على الفور، وسلم 25٪ بمواصلتها إذا ما حظيت بأغلبية ائتلافية في الكنيست، وكانت الأحزاب الدينية (شاس ويهدوت هتورا و”الصهيونية الدينية”)، هي الداعم الأكبر للخطة، وتفوقت نسبة دعمها على نسبة الدعم في الليكود التي بلغت 36٪؛ إذ بلغ  من يؤيد التغييرات التشريعية من مصوتي هذه الأحزاب حوالي 50٪. كما أظهرت الاستطلاعات أن مستقبل الديمقراطية يبدو قاتما للغاية، وبلغت نسبة المتشائمين بشأن تداعيتها حوالي 44٪، معظمهم من أحزاب المعارضة، بينما كانت نسبة التشاؤم والقلق على مستقبل الديمقراطية في إسرائيل بين أحزاب الائتلاف الحكومي حوالي 30٪[2].

 يخرج الجمهور الإسرائيلي في احتجاجات أسبوعية امتدت نحو 31 أسبوعًا، وشارك فيها جميع أطياف الجمهور اليهودي (غير المتشدد دينيًا)، وكل من يدين للمحكمة العليا بالفضل في الاعتراف بحقه، رافضين أن يسلبها منهم (متطرفون يمنيون) يريدون تغيير هوية المجتمع، وتبديل ولاؤه القومي. ومن المتوقع أن تؤثر التغييرات القضائية بشكل مباشر على قدرة المواطن، على سبيل المثال، على الطعن في قرارات لجان التخطيط والبناء، والفصل التعسفي من الوظائف المختلفة، ودعاوى العنف على خلفية قومية. كما أن هذه التغييرات تتعارض وروح مايسمى بـ”وثيقة الاستقلال التأسيسية لإسرائيل”، وتقتضي بأن يكون القضاء مقيدًا، ما يؤدي إلى إضعاف المحكمة العليا، وبالتالي ستُغل يدها عن التصرف لصالح المواطن البسيط، وفلسطيني الداخل الذين يعتبرونها ملاذهم الأخير، رغم عدم مشاركته الفعالة في الاحتجاجات، حمل الجميع لافتات تدين (الانقلاب) كما أسموه، وهتفوا بأن هذا اعتداء على إسرائيل، وعلى الديمقراطية، وسمعت أصوات ودعوات الهجرة العكسية أو النزوح عند اليهود، الذين يرون أن إسرائيل خطفتها عناصر متطرفة، لتصبح كيانًا ضعيفًا منقسمًا، وفلسطينيو الداخل الذين تداعت عليهم الأزمات، وزاد معدل العنف والجريمة، وعدد غير مسبوق من القتلى، بلغ 130 قتيلا في النصف الأول من العام فقط.

ويُلاحظ أن مستوى معرفة جمهور المتظاهرين بتفاصيل التغييرات القضائية محدود للغاية، وانصب اهتمامهم على تقييد قدرات القضاء في تشكيل لجنة تعيين القضاة، وعلى قدرة المحكمة على إلغاء تشريعات الكنيست. وعكست مظاهرات السبت من كل أسبوع في “ميدان كابلان” كل المشاكل الاجتماعية العامة التي يُعاني منها المجتمع الإسرائيلي؛ فخرجت هذه الأعداد الهائلة اعتراضًا ليس فقط عل خطة التغييرات القضائية، ولكن على ارتفاع الأسعار، وغلاء المعيشة، وتضاؤل فرص العمل، وفجوات الأجور، وأزمات الجهاز الطبي، والكثير من القلق من تسييس تعيين القضاة، والتغيير في ميزان القوى بين المحكمة العليا والحكومة، والانقسامات والنزاعات التي ستحدث حتمًا على إثر ذلك[3].

تداعيات الاستمرار في التغييرات القضائية على الجيش الإسرائيلي

في ضوء ارفض خطة التعديلات القضائية وقّع 1142 ضابط وجندي في الخدمة العسكرية الاحتياطية على رسالة موجهة للكنيست ورئيس الأركان وقائد سلاح الجو الإسرائيلي، يرفضون فيها هذه الخطة؛ لأنها ستؤدي للعمل بمنطق اللامعقول، وبشكل يحمل الكثير من التطرف، معلنين أن الأصرار عليها سيضطرهم لتعليق التطوع في الخدمة العسكرية، وذكروا أن هدفهم هو إنقاذ إسرائيل من الهاوية، مطالبين بمرونة في التفكير والتراجع عن القررات الخاطئة بعد تحديدها، وتوحيد المعايير. لذا وصفت وسائل إعلام إسرائيلية الرسالة بأنها “زلزال يضرب الجيش”[4]، وقد سبقتها دعوات بوقف الخطة نفسها من قِبل جنود الاحتياط في وحدات أخرى، وامتدت لوحدات مهمة، خاصة في القوات الجوية والوحدات الخاصة، ووحدات النخبة والاستخبارات العسكرية، والقوات البرية، كما أعلن العشرات من ضباط نُظم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عن توقفهم عن التطوع للخدمة الاحتياطية، وأعلن المئات من أعضاء السلك الطبي في قوات الاحتياط (الأطباء والمسعفون ومعالجو الصحة العقلية والنفسية)، أنهم بصدد إرسال رسائل إلى المسؤولين بشأن إنهاء تطوعهم، كما أبلغ  القائد السابق للسرب الثالث عشر، عميد احتياط “نيفو إيريز” قيادة الجيش الإسرائيلي أنه يعلق خدمته في الاحتياط احتجاجًا على هذا الانقلاب، وأنه منضم إلى المئات من مقاتلي الاحتياط في القوات البحرية، الذين أبلغوا عن توقفهم عن الخدمة حتى يتم إيقاف ما أسموه “بالانقلاب القضائي”[5].

أرشيفية

ورغم أن الاحتجاجات في الجيش الإسرائيلي، مقتصرة (حتى الآن) على قوات الاحتياط، ولم تمتد إلى القوات النظامية، إلا أن تأثير التغييرات القضائية على الجيش الإسرائيلي، يُمكن وصفه بالصدع الأكبر في بنية المجتمع الذي يوصف بأنه (جيش الشعب)، ويصفه المحللون السياسيون والخطاب العام بالسُم الخطير، الذي سيؤدي سريانه إلى قدرات الجيش بشكل عام وسلاح الجو بشكل خاص، فيقود إلى الانقسام في جسد إسرائيل، حتى إذا تم إيقاف هذه الخطة على الفور، فإن إصلاح ما أصابها من ضرر بالغ سوف يستغرق وقتًا طويلاً، وقد يُضعف ذلك قدرة الجيش وفقًا للمعايير العسكرية المعروفة، فلا يعود إلى ما كان عليه قبلها؛ لأن أهم ما لم يأخذه دعاة وداعمو هذه التغييرات في اعتبارهم، هو مدى تأثيرها على صورة إسرائيل في عيون مواطنيها، ومدى استعداد المجتمع لمواصلة خدمته في الخدمة النظامية والاحتياطية ضمن جيشها؛ أي أن هذه الأزمة قد تؤثر على المدى الطويل؛ فتؤدي إلى تراجع الدافعية الجماعية والشخصية وروح التطوع في الخدمة العسكرية، وقد تقتصر على جزء محدود فقط من السكان، الأمر الذ يحدث تغيرًا كبيرًا في الطابع القومي والاجتماعي لإسرائيل؛ وتنخفض على إثره قدرتها الدفاعية في مواجهة تحديات أمنية كبيرة ومعقدة، أبسطها الحفاظ على الأمن اليومي في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولن يتمكن الجيش الإسرائيلي من حماية مواطنيه أو تنفيذ مهامه، حال حدوث حرب متعددة الجبهات، يحتاج فيها إلى أكثر من عشر فرق احتياط، حتى لا يتم اختراق  حاجز الأمن الإسرائيلي. كما أن عدم رغبة الكثيرين في الاستمرار في الخدمة العسكرية بشكل عام، يُمكن أن يؤدي إلى فوضى، قد تفقد إسرائيل السيطرة عليها[6].

الاقتصاد الإسرائيلي في ظل خطة التغييرات القضائية

تم الربط بين خطة التغييرات القضائية والاقتصاد في إسرائيل، للمرة الأولى في شهر فبراير2023م، عندما ارتفع سعر صرف الدولار بنسبة 2٪ بالتزامن مع التصويت على بعض التغييرات القضائية بالقراءة الأولى، وحذرت بنوك عالمية من تأثير هذه الخطة، ووصفها محافظ بنك إسرائيل بالمنحدر الزلق الذي سيسقط الحكومة، وطالب أحد كبار الاقتصاديين، وزارة المالية بضرورة إزالة الخطر عن الاقتصاد الإسرائيلي، والذي يتمثل في زيادة سعر الفائدة مرة أخرى، وارتفاع معدلات التضخم. وأشار محللون اقتصاديون إلى أن موقف الشيكل سيتعزز أمام الدولار، عندما تبتعد خطة التغييرات القضائية عن المشهد.

انخفض في شهر مارس سعر صرف الدولار بنسبة 2٪، تزامنًا مع تمرير الميزانية في إسرائيل، مما عزز موقف الشيكل قليلاً، ولكن سرعان ما خسر مكانته مرة أخرى، في الشهر نفسه، مع إقالة وزير الدفاع “يوآف جالانت”، لأن كل التقديرات أجمعت على أن إصلاح ما ستفسده التغييرات القضائية سيتأخر كثيرًا، وتوالت الأحداث وارتبطت بالاقتصاد، حتى أصبح الشيكل يقفز أمام الدولار صباحًا بشكل كبير، ويعود سريعًا في المساء، ولذلك ارتفع سعر استيراد مختلف المنتجات إلى إسرائيل، وهذا يغذي التضخم وأسعار الفائدة. كما هاجمت “شيرا جرينبيرج”، كبيرة الاقتصاديين في مؤتمر معهد آرون التابع لجامعة رايخمان، التغييرات القضائية، وحذرت من صعوبة تأثيرها على الاقتصاد الإسرائيلي[7].

ومن المتوقع أن يؤدي الضرر الذي سيلحق بترتيب إسرائيل على مؤشرات الديمقراطية، إلى انخفاض هيكلي في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 0.8 % سنويًا، وستبلغ نسبة إجمالي الخسارة في الإنتاج العام بحوالي 270 مليار شيكل، وستنخفض إيرادات الدولة بنحو 70 مليار شيكل؛ على مدى خمس سنوات قادمة، وسيُقدر الإثر السلبي، بشكل تراكمي على إيرادات الدولة بعد عقد من الزمن، بنحو 385 مليار شيكل.

وعندما يتعلق الأمر بهيكل الاقتصاد الإسرائيلي، فإن التأثير السلبي لخطة التغيرات القضائية يظهر على النمو الاقتصادي على المدى الطويل، عندما يتعلق الأمر بالتمويل الدولي وتوظيف العمالة الماهرة، خاصة في مجال التكنولوجيا الفائقة (هاي تك)، والتي يعتمد عليها هيكل الاقتصاد الإسرائيلي إلى حد كبير، ويتعلق أيضا بالنمو الاقتصادي؛ إذ يشكل هذا المجال حوالي 17٪ من إجمالي الناتج المحلي، و50٪ من الصادرات، و25٪ من الأجور.  وقد بلغ إجمالي استثمارات رأس المال الأجنبي في هذا القطاع حوالي 12 مليار دولار، في عام 2022م فقط. ورغم ذلك تُشير الاستطلاعات إلى نية انتقال النشاط في قطاع التكنولوجيا الفائقة إلى خارج إسرائيل، وتقليص الاستثمارات الأجنبية والدعم المالي الأجنبي الموجه إلى إسرائيل، إضافة إلى تزايد الأحاديث والدعوات والمقالات حول هروب (رأس المال البشري)، أي هروب العقول البشرية في هذا القطاع في ظل خطة التغييرات القضائية؛ ما يعني أن التأثير السلبي المتوقع على الاقتصاد الإسرائيلي سيكون قويًا وطويل المدي، كما أن هذا القطاع موجه نحو الاستثمار، وتأثيره المتزايد تسبقه سنوات من متابعة مؤشرات الديمقراطية، والنمو الاقتصادي ومدى الثقة في صلاحية البيئة التي سيعمل بها. وستكون المخاطر الرئيسة التي سيتعرض لها هذا القطاع مرتبطة بالصلة بين استقلال مؤسسات الدولة ومدى الحفاظ على التوازنات مع النمو الاقتصادي طويل الأجل، والعلاقة بين مستوى تطبيق الديمقراطية والاستثمارات الحكومية والأجنبية، إضافة لمؤشرات الفساد، وهو ظاهرة لها آثار اقتصادية سلبية كبيرة على هذا القطاع.

لذلك يطالب الخبراء الحكومة بالتدخل في مواجهة الضرر الذي يلحق بالاقتصاد والتكنولوجيا الفائقة، وطرح حلول تمويلية من جهتها. ولكن الحل الحقيقي هو إزالة حالة الشك وعدم الثقة الناتجين عن التغييرات القضائية، لتعزيز الصناعة والاستثمار في هذا القطاع[8]. كما يُخشي أيضا من التأثير السلبي لخطة التغييرات القضائية على التصنيف الائتماني لإسرائيل، وما يتعلق بقضايا جودة المؤسسات الحكومية، وفصل السلطات، وقوة القانون واستقلاله. كما سيكون من المتوقع زيادة تكلفة التوظيف ومعدلات الدين الحكومي، والذي سيتطلب بالتالي تخفيض النفقات الحكومية، وكذلك يتوقع زيادات في ميزانية الدولة، وفرض المزيد من الضرائب، تزامنًا مع خضوع التصنيف الائتماني لإسرائيل للتغييرات القضائية المقترحة. وكذلك ينعكس تأثير هذه التغييرات على سوق الأوراق المالية، التي تعكس أسعار الأصول فيها، توقعات المستثمرين فيما يتعلق بالنشاط الاقتصادي في المستقبل، وبالمعطيات والتقديرات الحالية، وبالتالي فلا يُمكن عزل هذا النشاط الاقتصادي، عن االتغييرات القانونية المقترحة تمامًا، وخاصة بالطريقة التي يُقيم بها المستثمرون الماليون التغيرات المتوقعة في الاقتصاد الإسرائيلي أثناء وضع تقييمهم؛ حيث أظهرت بعض المؤشرات إلى زيادة ملحوظة في نسبة المخاطر اعتبارًا من مارس 2023م، مع انخفاض مؤشر الأسهم بنحو 6٪ دفعة واحدة، وانخفاض سعر صرف الشيكل أمام العملات الأخرى، ونشرت شركات البنوك إسرائيلية وبنوك استثمارية أجنبية مذكرات تحذيرية عما قد يحدث بشكل غير مباشر، حال تمرير هذه الخطة، الأمر الذي سيلحق إضرارا بنشاطها التجاري، وسيكون له تأثير سلبي على البيئة المالية، واستقرار الأسواق المالية والتصنيف الائتماني، وقرارات المستثمرين بالاستثمار والاستمرار في إسرائيل، بسبب هيكل الاقتصاد الإسرائيلي.

ومن المتوقع أن يكون هناك تأثير سلبي كبير على المستوى المعيشي مرتبط بانخفاض معدل النمو ​​بنسبة 0.8٪، كما سينخفض ​​الناتج المحلي الإجمالي للفرد في عام 2040م، بنحو 13٪[9]. ويُمكن القول أنه في السيناريو الذي تنتقل فيه إسرائيل من تصنيف (الدولة الحرة) إلى (الحرة جزئيًا)، على إثر تطبيق هذه الخطة سيطال الضرر الاقتصادي معدل نمو الاقتصاد، والتصنيف الائتماني، والقدرة على استثمار رؤوس المال، وسيزداد معدل هجرة العقول الاقتصادية والتكنولوجية، وسيزداد مستوى الفساد وستزيد البيروقراطية. أي أن الحكومة “تريد أن تُعلن تدمير الديمقراطية”، كما قال أحد قادة “احتجاج العاملين في مجال التكنولوجيا الفائقة”، المنضمين إلى الاحتجاجات على هذه التغييرات.

ختامًا؛ سيؤدى المضي قدمًا في خطة التغيرات القضائية إلى تراجع الملفات الاجتماعية المهمة من الأولويات الحكومية، مثل ملفات العنف والتعليم وفجوات الأجور، على سبيل المثال، لصالح تنفيذ أجندات المعسكر اليمينى الصهيوني المتدين المتشدد، الذي يسعي لسن قوانين تعزز مكانته وتوجهاته وسياسياته، وتعميم تعليم التوراة؛ وسيتصدع المجتمع الإسرائيلي على كل المستويات، سياسيًا واقتصاديًا؛ وستُتشق الصفوف، وتتزايد معدلات الهجرة العكسية على المدى الطويل، نتيجة الانقسامات غير المسبوقة، والأزمات المتعاقبة، كلما تعمقت الأزمة على المستوى الاجتماعي. وهناك من يعتقد أن الأزمة في إسرائيل ستنتهي بمجرد انتهاء الاحتجاجات وتمرير الإجراءات التي تتخذتها الحكومة، ولكن يجب على هؤلاء الانتباه إلى أن هذه الانقسامات ستُخلف شرخًا عميقًا في هيكل مايسميه البعض “الانتماء الوطني” في إسرائيل، فتضطر إلى مواجهة واقع التغييرات الجديدة في ثوابت الوعي الجمعي لمواطنيها.

[1]) لمزيد من التفاصيل؛ המדריך לרפורמה המשפטית, תנועת אם תרצו, https://savedemocracy.imti.org.il/bagatz, cited in,7Aug,2023,8am

ראה גם: דיון סוער בוועדת החוקה על הרפורמה במערכת המשפט, הכנסת, https://main.knesset.gov.il/News/PressReleases/pages/press11.01.23.aspx, cited in, 7Aug, 2023,10am.

[2]) רותם שטרקמן, 64 מנדטים, 33 שרים, חמישה סגנים — ושישה חודשים של כישלונות, The marker, https://www.themarker.com/news/politics/2023-07-04/ty-article/.premium/00000189-17ee-d7b0-af9f-17ff56020000,cited in,7Agu,2023,9pm.

[3]) لمزيد من التفاصيل؛ حول استطلاعات الرأي الخاصة بالتغييرات القضائية؛  كلية العلوم السياسية، جامعة تل أبيب؛ אלון יקטר מוסד אקדמי: אוניברסיטת תל אביב, מדע המדינה ,סקר “הזירה”, אונברסיטת תל אביב, https://www.hazira.sites.tau.ac.il/post, cited in, Aug2023, 11pm. ؛  ד”ר אור ענבי, סקירה, ניתוח סקרי פברואר-אפריל 2023: פחות משליש מהציבור תומך בביטול עילת הסבירות  https://www.idi.org.il/articles/50075, cited inAug2023,11pm  כל מה שרציתם לדעת על הרפורמה המשפטית, זמן תיקון, הרפורמה לתיקון מערכת המשפט https://legal-reform.org.il, cited inAug2023,11pm, /  הרפורמה המשפטית ואיום התביעה בבית הדין הפלילי הבין-לאומיפורום קוהלת, ריבונות לאומית חירות הפרט, https://kohelet.org.il/wp-content/uploads/2023/07/reform-and-the-threat-of-international, cited in,Aug2023,12am.ת

[4]) بين الموقعين على الرسالة: 422 طيار، 173 مشغلو طائرات بدون طيار، 124 مراقب طيران، 167 من عناصر مقر عمليات سلاح الجو، وضباط وجنود من وحدة الكوماندوز 669؛ לילך שובל, ישראל היום, לוחמי 669 במילואים מתריעים: “נפסיק לשרת אם הרפורמה תעבור ללא הסכמה”, https://www.israelhayom.co.il/news/politics/article/13754977, cited in, Agu2023, 10am

[5]) טל לב רם, לא רק בחיל האוויר: אל”מ במפקדת העומק הצטרף למחאת אנשי המילואים, מעריב,https://www.maariv.co.il/news/military/Article-1024098, cited in, Aug2023,10am.

[6]) لمزيد من التفاصيل؛ עמיחי כהן מחאת המשרתים נגד ההפיכה המשטרית היא סנונית ראשונה לקריסת מודל צבא העם,https://www.idi.org.il/articles/50355, cited in, 8Agu2023,11am. תמיר הימן, עידית שפרן גיטלמן, עפר שלח, אריאל היימן  ההשפעות של החקיקה המוצעת על ארבעה תחומים:  רצון ההתנדבות, עולם המילואים, עולם הסדיר ויחסי צבא וחברה,cited in, 8Agu2023,11am.   https://www.inss.org.il/he/podcast// ؛ לילך שובלבעקבות הרפורמה המשפטית: “אנשי מילואים שיסרבו לשרת – יטופלו פיקודית” https://www.israelhayom.co.il/news/defense/article/14325535 , cited in, 8Agu2023,11am . .؛ טל לב רם 16:00 10/07/2023 שקט מתוח: ככל שמשבר הרפורמה יעמיק, צה”ל עלול להיפגע בדרכים נוספות מעריב הנבחרת,, cited in, 8Agu2023,12am . https://www.maariv.co.il/journalists/Article-1021503؛ ישראל זיו 22/02/2023 10:32 הרפורמה המשפטית עלולה להביא לקץ מודל צבא העם – וישראל לא תוכל לעמוד בזה, cited in, 8Agu2023,11am.  https://www.maariv.co.il/ journalists/opinions/Article-982761

[7]) גל חן, המהפכה המשפטית – ושער הדולר: כך השפיע כל אירוע סביב הרפורמה על הכלכלה, https://www.mako.co.il/news-money/2023_q2/Article-8fa452856bab881026.htm, cited ؛ אורן דורי, הכלכלנית הראשית הפורשת: “צריך להסיר את האיום על הכלכלה מצד הרפורמה המשפטית”https://www.globes.co.il/news/article.aspx?did=1001449416 in.Aug2032,7pm

[8]) משרד האוצר, נייר עמדה שלא גף הכלכלנית הראשית אודות ההשלכות הכלכליות של הרפורמהה משפטית על הכלכלה הישראלית, https://www.gov.il/he/departments/units/department_chief_ economist/ govil-landing-page, cited in,7Aug2023,10pm.

[9]) סקר ההייטק הישראלי–2023, השפעות שומרים על הדמוקרטיה הרפורמה המשפטית ,פורום הכלכלנים, שומרים על הדמוקרטיה, https://economists-for-israeli-democracy.com, cited in,Agu2023,11pm./ ؛ משרד האוצר, נייר עמדה שלא גף הכלכלנית הראשית אודות ההשלכות הכלכליות של

הרפורמהה משפטית על הכלכלה הישראלית, שם.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version