يعد مشروع “حرب أكتوبر في الوثائق الإسرائيلية” واحدًا من أكبر المشروعات لترجمة وثائق عسكرية على مستوى العالم. حيث من المفترض أن يكتمل أغلب المشروع مع نشر الجزء الثاني عشر. ويتراوح حجم صفحات كل جزء من أجزاء المشروع بين 800 صفحة و300 صفحة من الوثائق السرية، حسب حجم الوثائق التي يتضمنها. صدر من هذا المشروع بالفعل 4 أجزاء، وهناك 4 أجزاء أخرى تعد للطباعة، ولا تزال الأجزاء الأربعة الباقية قيد الترجمة، ونتمنى أن تصدر تباعًا.

بداية المشروع

كانت بداية هذا المشروع وترجمة أغلب أجزائه على أيدي الراحل الكريم أ.د. إبراهيم البحراوي رحمه الله، الذي كان شديد الإيمان بأهمية هذه الوثائق للأمن القومي المصري، وطرق أبوابًا كثيرة يعرض عليها المشروع، ولم يلق استجابة في البداية. وبالتالي قرر أن يبدأ في المشروع بتمويل ذاتي على نفقته الشخصية. فقام بدفع أجور فريق عمل كامل؛ كان من بين أعضائه متخصصون في الكمبيوتر والإنترنت، تمكنوا من إحضار أغلب الوثائق المفرج عنها من الأرشيف الإسرائيلي ومن أرشيف الجيش الإسرائيلي. ومنهم فريق عمل في الترجمة من أفضل المترجمين وبالطبع أعلاهم أجرًا. وكان منهم فريق تحرير ومراجعة وفنيو طباعة وتنسيق، واتفق معهم على أجور دفعها بالكامل من ماله الخاص حتى يتمكن من بدء المشروع. وإلى أن تبنى المركز القومي للترجمة المشروع كان رحمه الله قد دفع من ماله حوالي سبعين ألف جنيه.

والحمد لله بعد أن اكتمل الجزء الأول تقريبا تبنى المركز القومي للترجمة المشروع بتوجيه من وزير الثقافة في حينه الذي آمن بأهمية الوثائق فله الشكر على هذا، ولصاحب المشروع د. إبراهيم البحراوي رحمه الله كل التقدير والعرفان على ما بذله من مال وجهد في حب مصر.

آلية العمل

رغم الشرح الوافي لأهمية الوثائق وأسلوب العمل، كانت هناك صعوبة شديدة في إقناع المترجمين- وهم من أكفأ مترجمي العبرية في مصر- بعدم التدخل في السياق، وبالتالي لقي د. البحراوي رحمه الله صعوبة شديدة في عمليات المراجعة.

مشكلات الترجمة

كانت هناك مشكلات في عملية الترجمة تمثلت فيما يلي:

  • عدم وضوح الوثائق نفسها .
  • قدم اللغة المستخدمة بما جعل كثيرًا من الشباب الذين يتعلمون الآن لغة عبرية مختلفة إلى حد كبير، بل وبعض الأساتذة الذين يتباهون بأنهم من أفضل المترجمين يلقون صعوبة في فهم مدلولات النص القديم. 
  • وجود مصطلحات غير شائعة.
  • وجود اختصارات قديمة لم تعد مستخدمة واختصارات مرتجلة ليست مدرجة في قواميس.
  • تسمية الأماكن والشخصيات بأسماء شفرية.
  • استخدام شفرة معينة في الحديث في الوثائق التي تتضمن تفريغ أحاديث اللاسلكي.
  • وجود مواضع حذف كثيرة تجعل السياق غير واضح في بعض الأحيان.

هذه المشكلات كانت تمثل عائقا أمام العمل.

ولحل هذه المشكلات، شكل د. ابراهيم مجموعة تشاور من المترجمين تتشاور سواء في كلمات النص غير الواضح أو في ترجمة مصطلحات معينة أو في أسماء الأماكن الشفرية أو في الوثائق المستخدم بها الشفرة بصفة عامة والحمد لله تمكنا من خلال العمل الجماعي بروح الفريق من التغلب على هذه المشكلة. وكان من حسن حظنا تعاون مجموعة من القادة العسكريين معنا وتقديمهم المشورة في الأمور العسكرية، وأذكر منهم اللواء محمود طلحة واللواء محمد عبد المقصود واللواء نادر الأعسر واللواء وائل ربيع

شخصية البحراوي

كان الدكتور إبراهيم رحمه الله قائدا بالسليقة. وكان يتفنن في تشجيع الفريق الذي يعمل معه، وخاصة الشباب منهم، الذين كان يؤمن بقدراتهم إيمانا بلا حدود، وكان يعتقد أنهم قادرون على تطوير أدائهم. وكانت النتيجة الحتمية التي استخلصها من فترة العمل في المشروع هي تبني جيل الشباب ومحاولة نقل خبرات جيل الآباء للجيل الجديد. وبالتالي جاءت فكرة نقل الخبرة من خلال تأسيس مركز الدراسات الاستراتيجية وتنمية القيم الوطنية. وقد بدأ المركز عمله بالفعل بعد رحيله.

الهدف من ترجمة الوثائق

1 – رصد التاريخ من مصادر مختلفة.

2 – توثيق جزء لم يكن ظاهرًا لنا عن الحرب.

3 – تفنيد الادعاء الإسرائيلي حول نتيجة الحرب، وكشف أبعاد الهزيمة الكاملة في ميدان القتال أمام الجيش المصري.

4 – توفير مادة خصبة للدراسة للباحثين العسكريين وصناع القرار على المستوى العسكري والسياسي.

5 – حق الجمهور وخاصة جيل الشباب في المعرفة.

الوثائق المترجمة

يبلغ عدد الوثائق المنشورة حتى إعداد الكتاب 176 وثيقة يتراوح حجم الوثيقة بين صفحة واحدة و400 صفحة. ويمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات: 

المجموعة الأولى: محاضر اجتماعات مجلس الحرب.

المجموعة الثانية: محاضر شهادات المسئولين أمام لجنة أجرانات وتقارير اللجنة عن أسباب الهزيمة.

المجموعة الثالثة:  وثائق متنوعة خاصة بالجيش. وخطابات متبادلة بين الحكومة الإسرائيلية وممثليها بالخارج حول اتصالاتهم مع الإدارة الأمريكية والحكومات الأوربية لطلب مساعدات عسكرية عاجلة وللضغط لإصدار قرار بوقف إطلاق النار.

حتى يومنا هذا لم يكتمل الإفراج عن وثائق الحرب كاملة من الجانب الإسرائيلي، وعلى سبيل المثال فقد تم مؤخرا الإفراج عن وثائق جديدة، وسيكشف نشر مثل هذه الوثائق الهامة النقاب عن جانب آخر هام وغير معروف من الحرب.

مضمون الجزء الرابع

تم تخصيص الجزء الرابع لجزء من تقرير لجنة أجرانات حول أداء القوات الإسرائيلية في خط برليف في المعارك، ومن المفترض أن يستكمل الجزء الخامس المترجم بالفعل وكان المفترض صدوره في السادس من أكتوبر جزءا آخر من تقرير لجنة أجرانات التي تولت التحقيق في الهزيمة التي تعرضت لها إسرائيل في حرب أكتوبر 1973، ونصوص مجموعة من البرقيات السرية المتبادلة بين مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية والسفارة الإسرائيلية بواشنطن.

مصداقية الوثائق

رغم مرور 47 عاما على حرب أكتوبر، يلاحظ المطالع للوثائق المترجمة ميلًا إلى إخفاء أمور بعينها ويتمثل هذا في وجود كلمات وأسماء وأحيانا فقرات وصفحات كاملة حذفت بواسطة الرقابة العسكرية الإسرائيلية من الوثائق المفرج عنها. وقد تُركت مواقع الحذف في الترجمة كما هي في النص الأصلي، أولًا للأمانة العلمية، وثانيا بهدف تمكين الباحثين المصريين في الشئون العسكرية وشئون المخابرات من دراستها لاستشراف الأمور المخفية، وقد ميزنا مواقعها في الترجمة بعبارة (حذف بواسطة الرقابة العسكرية الإسرائيلية).

وكما تم الحذف من بعض المواقع قبل النشر فإن هناك مواقع أخرى من المرجح حدوث إضافات فيها إلى نص الوثائق قبل نشرها في الأصل العبري من جانب السلطات الإسرائيلية وهي جديرة أيضا بدراستها واستخلاص الأهداف المحتملة لهذه الإضافات، والتي تقصد إلى إيهامنا بأمور غير صحيحة. ويظهر لنا كباحثين هذا الأمر من خلال اختلاف درجة وضوح صفحات متتالية من نفس الوثائق، بما يوحي بأن بعضها قديم والبعض الآخر تم تصويره للتو.

ماذا نستفيد من الترجمة

اولا: ستكشف دراسة الوثائق لباحثينا العسكريين والمدنيين عن آليات اتخاذ القرار في إسرائيل خلال فترة حرب أكتوبر. 

ثانيا: ستكشف معرفتنا بمضمون الوثائق عن الدروس التي استفادتها إسرائيل والعبر التي استخلصها قادة الجيش الإسرائيلي والتطوير الذي قاموا به لتلافى الأخطاء. أذكر هنا على سبيل المثال قرار إنشاء أكثر من مركز لتقديم وإعداد التقديرات حول احتمالات الحرب بعد أن كان الأمر متروكًا للمخابرات العسكرية (أمان) وحدها حتى حرب أكتوبر، والتي أثبتت فشلها وعميت عن أبصارها حتمية الحرب نتيجة لنجاح خطة الخداع الاستراتيجي المصرية.

أذكر هنا أيضا أن الجانب الإسرائيلي أسس وحدة لنقد تقديرات أجهزة المخابرات أسموها (هفخا مستبرا) أي ماذا لو كان العكس هو الصحيح؛ وظيفتها تلقى التقديرات التي استقرت عليها المخابرات العسكرية والموساد ومركز التقديرات في وزارة الخارجية، ودراسة البدائل العكسية لها لاستقصاء أي موقف من جميع احتمالاته المتناقضة للاستقرار على التقدير الأقرب للصواب. وكان ذلك في إطار الاستنتاجات التي توصلت إليها لجنة أجرانات التي تشكلت للتحقيق في أسباب الهزيمة بعد الحرب.

ثالثا: سيلاحظ القارئ إحساس الصدمة في تقارير القادة العسكريين الإسرائيليين التي قدموها في محاضر اجتماعات القيادة عن نتائج الهجوم المصري والسوري وسيتعرف بالتفصيل على اقتراح وزير الدفاع موشي ديان بالانسحاب أمام الهجوم المصري وإنشاء خط دفاع ثان في منطقة الممرات. وهنا أتمنى أن يراجع باحثونا العسكريون الدروس المستفادة في هذه النقطة. 

رابعا: سنرى إن شهادات القادة الإسرائيليين تفيد أن الطريق إلى الحدود الإسرائيلية كان مفتوحًا أمام القوات المصرية لدرجة أن ديان كان يخشى من أن الحرب ستصل إلى داخل إسرائيل، وكان يؤكد في اجتماعات مجلس الوزراء وفي حديثه أمام الكنيست أن إسرائيل مقبلة على الخراب الثالث. في نفس الوقت تشير شهادات القادة الإسرائيليين إلى إنهم كانوا على علم بأن الخطة المصرية لا تتضمن تطوير الهجوم والاندفاع إلى عمق سيناء وهو ما طمأنهم نسبيًا. أعتقد أننا في حاجة إلى المراجعة لاستخلاص الدروس المطلوبة في مجالي المخابرات والتخطيط العسكري.


            

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version