تتمتع أفغانستان بموقع جيوسياسي مهم بالنسبة لمصر ومصالحها القومية؛ خاصة أنها مثلت مدخلا لمصر إلى آسيا الوسطى بديلا عن إيران وتركيا اللتين ناصبتا القاهرة العداء بسبب رفضها حلف بغداد عام 1955م، كما أنها مثلت محور ارتكاز مصري لمنع إسرائيل من التسلل إلى قارة آسيا. وقد ارتبطت أفغانستان بمصر ارتباطا وثيقا، وتبنت مواقف سياسية مساندة لمواقف القاهرة على مر عقد كامل، فقد اعترفت باستقلال مصر فور اعلانه عام 1923م، وساندتها في إلغاء معاهدة 1936م، ورحبت بقيام الجامعة العربية بزعامة مصر، واعترفت بثورة يوليو 1952م، وقيام النظام الجمهوري، وأيدتها في قرار تأميم القناة عام 1956م، وآزرتها أثناء العدوان الثلاثي، ووقف بجانبها أثناء وقوع نكسة 1967م، وشاركتها فرحة نصر أكتوبر المجيد عام 1973م، ورحبت بمبادرة الرئيس السادات الجريئة بزيارة القدس عام 1979م، لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي. ناهيك عن أنها رفضت رفضا باتا الاعتراف بإسرائيل، على عكس إيران التي بادرت بالاعتراف الواقعي بها عام 1960م، كما ساندت القضايا والحقوق العربية على طول الخط؛ فقد ساندت القضية الفلسطينية وثورة التحرير الجزائرية، واعترفت باستقلال جميع الدول العربية.

وتخصيصا سوف نلقي الضوء فقط على موقف أفغانستان من تطورات أزمة السويس بدءا من قرار الزعيم عبد الناصر بتأميم القناة، وصولا إلى انتهاء العدوان الثلاثي على مصر، واحتفال مصر بانتصار إرادتها بعيد النصر الموافق يوم  23 ديسمبر من كل عام

أرشيفية

تأييد قرار تأميم القناة

كانت أفغانستان في مقدمة الدول التي أيدت حق مصر المشروع في تأميم قناة السويس؛ الذي أعلنه الرئيس جمال عبد الناصر، يوم 26 يوليو 1956م، وقد ذكر القائم بالأعمال المصري بالنيابة بالسفارة المصرية كابل في ذلك الوقت «عبد الوهاب خالد داود» ما يفيد ذلك في تقريره إلى الخارجية المصرية، جاء فيه: «أجمعت كافة الدوائر الرسمية والأوساط الشعبية في أفغانستان على تأييد مصر في تأميمها لشركة القناة واستنكار ما لجأت إليه إنجلترا وفرنسا من أساليب الضغط والتهديد، فجاء في خطاب الملك محمد ظاهر شاه الذي ألقاه يوم 24 أغسطس بمناسبة عيد الاستقلال الأفغاني أن أفغانستان عبّرت عن تأييدها التام لإرادة الشعب المصري الحرة بتأميم شركة القناة، وعن أملها في أن تحترم الدول الكبرى حقوق الشعوب والمبادئ الدولية وميثاق الأمم المتحدة واعتبارات السلام الدولي، وأن تنتهج مسلكا في احترام حقوق الشعب المصري».

كما ذكر القائم بالأعمال أن رئيس الوزراء سردار «محمد داود خان» قال في كلمته في ذات المناسبة، عبر إذاعة كابل: «إن قرار التأميم الذي أصدرته حكومة الشعب المصري الشقيق قد قوبل برد فعل غير مناسب وغير متوقع، وأن أفغانستان تشارك مصر في شعورها، وتؤيد حقها في اتخاذ هذا القرار المحقق لآمال شعب مصر. وتأمل أن تحترم الدول الغربية حقوق الشعب المصري التي لا جدال فيها، وألا تسمح بأن يؤدي هذا الإجراء إلى نتائج سيئة بإقدامها على استخدام القوة بدون وجه حق وبغير سند شرعي».

واستطرد القائم بالأعمال بقوله إن رئيس الوزراء الأفغاني «طلب إلى السردار نعيم وزير الخارجية عقب قرار التأميم أن أطلعه أولا بأول على كل ما يجدّ من تطورات في هذا الشأن، مُبديا أنه لما كانت الحكومة الأفغانية تؤيد قرار مصر بتأميم شركة القناة وتنتهج الخطة المصرية الموافِقة لوجهة النظر المصرية في هذا الخصوص؛ فيهمه لذلك أن يطلع على موقف مصر حيال مؤتمر لندن وما قد يحدّ من اجتماعات دولية لبحث موضوع القناة حتى يتخذ الخطوات التي تؤدي إلى نُصرة مصر في هذه القضية». ثم أردف قائلا: «وقد آليت إطلاع سيادته على تطورات الموقف وأوضحت له وجهة النظر المصرية»

وكان وزير الخارجية سردار «محمد نعيم» قد أصدر بدوره بيانا يوم 2 أغسطس 1956م، أعرب فيه «عن تأييد الحكومة الأفغانية لتأميم شركة القناة؛ باعتباره عملا داخل في نطاق ممارسة مصر لحقوق سيادتها، وعن الأمل في أن تراعي الدول الكبرى تقديم اعتبارات المحافظة على السلام على كل ما عاداه من المصالح وأن تُدرك أنه قد حان الوقت لأن تعنى بتفهم مطالب الدول الصغيرة، وأن تمتنع عن استعمال أساليب القوة والضغط». وقد أكد الوزير الأفغاني موقف بلاده الداعم للموقف المصري، أثناء لقاء رسمي مع القائم بالأعمال المصري، أكد خلاله على «تأييد أفغانستان حكومة وشعبا لموقف مصر الحازم في هذه المسألة» وقال أيضا «إنه لا يشك في أن بريطانيا وفرنسا ترميان بسياستهما إلى إعادة فرض نفوذهما الاستعماري على الدول العربية. وأنه لو قدر لهما النجاح في ذلك ـ لا سمح الله ـ لأصيب استقلال وحرية جميع دول الشرق الأوسط بضربة قاصمة ولوقعت هذه الدول تحت رحمتها». وفي ظل هذا الاهتمام الأفغاني بمساندة الموقف المصري من التأميم؛ قال القائم بالأعمال المصري إنه التقى الملك «محمد ظاهر شاه» وأن جلالته أفضى إليه «بأن أفغانستان عانت كثيرا في تاريخها الحديث من المستعمرين ومؤامراتهم وهي لهذا تقدر موقف مصر ومؤازرتها مؤازرة تامة وتترقب كل فرصة ممكنة للقيام بدور إيجابي فعال لنصرتها في مسالة التأميم»

وبنفس القدر، فقد عارضت أفغانستان جميع المحاولات الاستعمارية التي كانت ترمي إلى السيطرة على قناة السويس بتدويلها أو الإشراف عليها؛ واستنكرت دعوة بريطانيا وفرنسا وأمريكا إلى عقد مؤتمر لندن المعروف، بغرض محاولة العودة إلى قناة السويس تحت ستار التدويل أو تحت الإشراف عليها. فقد أكدت مرة أخرى على حق مصر الكامل في إدارة قناة السويس والإشراف عليها وحدها، وأن حق الدول الأخرى فهو ينحصر فقط في المرور عبر هذا الممر المائي المفتوح أمام التجارة العالمية. حيث أدلى نائب رئيس الوزراء «علي محمد خان» بتصريح قال فيه: «إن تأليف جمعية المنتفعين بقناة السويس هو تدخل سافر في شئون مصر، وعدوان على حقوقها وسيادتها». و «إن هذا العمل معناه تحدي مصر والتحرش بها للانتقاص من حقوقها الوطنية”. وأعرب نائب رئيس الوزراء عن أمله في حل هذه القضية بطرق سلمية تكفل حق مصر في تفادي الوسائل التي تؤدي إلى نتائج خطيرة ووخيمة»

مؤازرة مصر أثناء العدوان الثلاثي:

كان للعدوان البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر 29 أكتوبر 1956م، صدى كبيرا في أوساط الشعب الأفغاني؛ فقد أعلنت أفغانستان حكومة وشعبا استنكارها الشديد لهذا العدوان الثلاثي الصارخ على الشعب المصري الآثم الذي لم يسبق له مثيل في أي بلد إسلامي آخر. وقد أدارت الحكومة الأفغانية أزمة العدوان الثلاثي داخليا وخارجيا بكفاءة اتسقت مع موقفها الثابت من تأييد حق مصر في تأميم قناتها. فعلى المستوى الداخلي، استنفرت الشعب الأفغاني بأكمله لمساندة مصر، معلنة إدانتها الكاملة للعدوان ومساندة مصر التامة.

وقد وافى السفير «حسين ثابت كرارة» سفير مصر لدى كابل وزارة الخارجية بتفاصيل وحقائق «صدى الاعتداء على مصر في أفغانستان» فذكر أن بيان أفغاني صدر بتاريخ 5 نوفمبر، جاء فيه: «إن جلالة الملك محمد ظاهر شاه ألقى كلمة في جلسة المجلس الوطني عن العدوان الثلاثي، قال فيه: إن اعتداء إسرائيل على أرض مصر وإلقاء القنابل بلا مبرر من قبل بريطانيا وفرنسا على بلد إسلامي وعلى إخواننا في الدين كان له وقع شديد الأثر في نفسه» وأوضح جلالة الملك أن حكومة بلاده كانت قد أعلنت عن احتجاجها الشديد وسخطها على هذا الاعتداء، فأصدرت يوم الأول من نوفمبر، أي بعد 48 ساعة من بدء العدوان «بيانا استنكرت فيه هذا الاعتداء الآثم» وأعلنت «تأييدها التام لمصر وأهابت بالأمم المتحدة أن تتخذ الإجراءات الكفيلة بوضع حد لهذا العدوان الاستعماري المخالف لمبادئ الميثاق والحرية والعدالة»

كما أدان رئيس الوزراء سردار محمد داود خان، مساء يوم الثاني من نوفمبر 56، العدوان على الشعب المصري الذي تربطه بالشعب الأفغاني روابط الدين والصداقة والود. كما أذاع على الأمة الأفغانية، في 13 نوفمبر، بيانا عبر الإذاعة، جاء فيه: «إن الاعتداء الآثم على مصر المسلمة الشقيقة أحدث أسى عميقا في أفغانستان، وكان له صدى في جميع البلاد الأفغانية؛ وقد شاركت الحكومة الشعب في الإعراب عن شعورها وتأييدها لبطولة الشعب المصري والحكومة المصرية، كما أعلنت ذلك شعوب العالم» ثم استطرد قائلا: «ولما كانت سياسة أفغانستان تسير على قواعد الإنسانية ومبادئ الأمم المتحدة ومقررات باندونج ومقاومة العدوان والاستعمار، فإن الحكومة الأفغانية وعدت بتقديم كل المساعدات لهذه الأمة الشجاعة». ثم «دعا في ختام بيانه جميع طبقات الشعب الأفغاني إلى المساهمة في التبرع للهلال الأحمر لمساعدة ضحايا العدوان على مصر». وختم كلمته بأنه «تلقى طلبات لا حصر لها من جميع أنحاء البلاد يعلن فيها مرسلوها أفرادا وجماعات تطوعهم لمساعدة مصر في تحقيق نصرها، وإنه لمن الضروري أن يتم أداء هذا الواجب على أساس منظم لضمان الوصول إلى الغاية المرجوة … وختاما أسأل الله تعالى أن يؤيد مصر العزيزة بنصره وأن يوفق إخواننا المصريين الأبطال في تحقيق مطالبهم»

ومن ناحية أخرى، كانت وزارة الخارجية المصرية قد بعثت برقية إلى سفارتها في أفغانستان بتاريخ 6 نوفمبر؛ تطلب فيها من السفير «بتوجيه نداء مصر إلى الحكومة الأفغانية بطلب العون من متطوعين وسلاح للدفاع عن كيانها ضد العدوان الآثم» وقد قام السفير بتسليم صورة من هذا النداء في اليوم التالي إلى رئيس الوزراء. وذكر إنه وجد استجابة فورية للنداء المصري؛ حيث استدعاه «عبد الرحمن باجواك» مدير الإدارة السياسية بوزارة الخارجية الأفغانية، عصر نفس اليوم وسلمه ردا من رئيس الوزراء، وأبلغه أيضا أنه أذاع بيانه المذكور سلفا لاستنكار العدوان ودعوة الشعب الأفغاني للتبرع للهلال الأحمر”. وقد جاء نص رد المذكور على النحو التالي:

رئيس وزراء أفغانستان   7 نوفمبر 1956

عزيزي السيد السفير

بادرت الحكومة الأفغانية بمجرد علمها بالعدوان البريطاني الفرنسي الإسرائيلي الظالم على مصر الصديقة الحليفة بالإعراب عن ألمها العميق ومعاضدتها التامة لمصر. وعندما تلقت الحكومة الأفغانية نداء الحكومة المصرية بطلب العون أحست من جانبها بشعور قلبي من المشاركة التامة لمصر لما بين الأمتين الشقيقتين من روابط وثيقة ومستحكمة. وإني إذ أُعرب عن آمال الشعب الأفغاني بتوفيق إخوانه المصريين في كفاحهم. وأن الحكومة الأفغانية لترى في القيام بمعاونة مصر واجبا يحتمه الدين والأخلاق والصداقة. وسنقوم بإبلاغ سيادتكم بالوسائل والطرق العملية لمساعدة مصر بما ستتخذه من إجراءات في هذا السيل بأقرب فرصة ممكنة.

                                                                              محمد داود

وإضافة إلى ذلك، «استدعى رئيس الوزراء الأفغاني السفير المصري، في اليوم التالي، لمقابلته وكرر إبداء عطفه على مصر واستنكاره للعدوان، وأبلغه أنه عقد مجلس الوزراء في جلسة غير عادية لتأكيد البيان الذي أصدرته الحكومة الأفغانية يوم أول نوفمبر، وقال إن أفغانستان حكومة وشعبا تضع نفسها تحت تصرف مصر. ثم قال إنه شخصيا إنه إذا صمدت مصر وقاومت الاعتداء لمدة شهر أو شهرين فإن النتيجة ستكون لصالح مصر»

وقد ذكر السفير حسين كرارة في كتابه إلى الخارجية يوم 20 نوفمبر «أنه على إثر النداء القوي الذي أذاعه رئيس وزراء أفغانستان في الراديو يوم 13 نوفمبر … بدأت حملة دعاية قوية لجمع التبرعات لمصر بواسطة الهلال الأحمر الأفغاني. وقد عقد الكثير من الاجتماعات في جميع مدن أفغانستان وأطلق على يوم الجمعة 16 نوفمبر … يوم مصر. وقد انهالت التبرعات على الهلال الأحمر. وتنشر الصحف، كما يذيع راديو كابل يوميا أسماء المتبرعين لمصر». ثم أضاف أن الشعب الأفغاني «يبدي حماسا كبيرا وتأييدا عظيما لنصرة مصر». وأن مجموع التبرعات قد بلغت «أربعة ملايين أفغاني سلمها رئيس جمعية الهلال الأحمر» إليه، «بشيك قيمته مائتي ألف دولار على أحد البنوك الأمريكية».

ومن ناحية أخرى، نذرت الصحافة الأفغانية والإذاعة الوطنية جهدها لنصرة المصريين ضد العدوان، فكانت تنشر تباعا التصريحات الرسمية المصرية وتذيع البيانات الحربية الصادرة عن القاهرة، والتي كانت تُكذب مزاعم المعتدين في شل مقاومة المصريين وفي احتلالهم مصر نهائيا وبالقضاء على الحكومة الوطنية. كما «والت الصحف الأفغانية نشر أنباء العدوان بالتفصيل وأنباء المظاهرات والاجتماعات التي حدثت في كافة نواحي أفغانستان تأييدا لمصر واستنكارا للعدوان الاستعماري الصهيوني عليها وإبداء للرغبة في التطوع للدفاع عنها» حيث «قامت المظاهرات ضد الدول المعتدية، وعقدت الاجتماعات في المساجد والمدارس وغيرها لتأييد مصر واستنكار العدوان الغادر، وحاول المتظاهرون اقتحام مبنى السفارتين الفرنسية والبريطانية، ولكن الشرطة تدخلت لمنعهم. كما زار دار السفارة المصرية كثير من الأفغان إظهارا لعواطفهم وتأييدهم لمصر مُبدين استعدادهم للتطوع للدفاع عنها. كما وصل السفارة عدد من البرقيات والخطابات يبين أصحابها فيها تأييدهم واستعدادهم للتطوع للدفاع عنها». وذلك بعد أن أعلن العلماء الأفغان الجهاد مع مصر ضد الغزاة المعتدين، فتكونت «لجنة الدفاع عن مصر» التي قامت بطبع وتوزيع آلاف المنشورات باللغتين البشتونية والفارسية في جميع أنحاء البلاد ورفعتها على الجدران في الشوارع والمساجد والمدارس والمنتديات. وقد تضمنت هذه المنشورات الإعلان للجهاد الذي هو فريضة على كل مسلم قادر، وحثت فيه على الأخذ بنصرة مصر الشقيقة العزيزة، ومن ثم أقبل الأهالي على التطوع أفواجا وأفرادا، وفيما يلي نص أحد هذه المنشورات:

                                               جهاد

                                  بسم الله الرحمن الرحيم

(وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون( صدق الله العظيم

لقد كان الاعتداء الغاشم الغادر الذي قامت به العصابات التي سُميت إسرائيل والقوات المسلحة البريطانية والفرنسية على إخواننا المصريين المسلمين. أثرا بالغا في نفوس الشعب الأفغاني المسلم المحب للحق والحربة بوجه خاص.

إن الشعب الأفغاني الشهم لعلى أتم استعداد اليوم ليقوم بدوره للدفاع عن حقوق إخوانه المصريين، ضد الغاصبين المعتدين بالنفس والنفيس

يحيا الشعب المصري المسلم الشقيق ـ الموت والخزي لليهود المعتدين

وفي هذا السياق، أشار السفير المصري أيضا إلى أن مدير الإدارة السياسية بالخارجية الأفغانية اجتمع به، «وأبلغه أن أفغانستان تود إرسال متطوعين مسلحين إلى مصر ولكن مركزها الجغرافي يحتم مرور هؤلاء المتطوعين عبر أراضي جيرانها. وقال إن الحكومة الأفغانية تتصل بكل من إيران والعراق وباكستان والهند للحصول على تصريح بمرور هؤلاء المتطوعين» ثم عقب السفير بقوله «وقد أدت التطورات التي حدثت بعد ذلك إلى عدم إرسال متطوعين من الدول الصديقة إلى مصر». ويقصد بها انتهاء العدوان

مساندة مصر في المحافل الدولية:

أدارت أفغانستان أزمة العدوان الثلاثي، على المستوى الخارجي، بكفاءة لا تقل عن إدارتها على المستوى الداخلي، إذ لعبت دورا بارزا في مساندة مصر في جميع المحافل الدولية، فقد «بعث وزير الخارجية الأفغانية إلى السكرتير العام للأمم المتحدة داج همرشولد برقية أبدى فيها قلق أفغانستان البالغ للاعتداء على مصر وطلب منه شخصيا ومن الأمم المتحدة أن يقوم بوقف العدوان الآثم المخالف للميثاق وبالآداب العامة وقواعد القانون الدولي»  كما بعث السردار محمد داود خان رئيس الوزراء برقية مطولة إلى همرشولد، طلب منه إبلاغها إلى جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عبر فيها عن مدى حرص الشعب الأفغاني على إظهار أخلص عواطفه الأخوية نحو الشعب المصري، وتضامنه معه في كفاحه دفاعا عن حقوقه وعن حريته وسيادته، كما أعرب عن استنكاره لأعمال العدوان الوحشية الباغية بوصفها أعمال غير إنسانية ومجافية لجميع القوانين الدولية والضمير الإنساني. وقد جاء في برقية السردار محمد داود خان إلى همرشولد، أيضا:

«إن العدوان المفاجئ وغير المنتظر، الذي قامت به القوات المسلحة البريطانية والفرنسية وقوات ما تُسمى بدولة إسرائيل على الأراضي المصرية، هو في نظر الحكومة الأفغانية عمل استبدادي فاضح وانتهاك للقانون الدولي ومخالفة خطيرة لميثاق الأمم المتحدة. إن هذا العدوان سبّب استياء وألما شديدين لأفغانستان، حكومة وشعبا؛ ذلك أن أفغانستان تظهر بالغ اهتمامها بحرية جميع الشعوب وسيادتها. كما أن بينها وبين مصر وبقية الدول الإسلامية روابط وُثقى من العطف الشديد والمودة الخالصة. إن الشعب الأفغاني لحريص في هذا الظرف العصيب على إظهار أخلص عواطفه الأخوية نحو الشعب المصري الشقيق، وتضامنه معه في كفاحه دفاعا عن حقوقه وعن حريته وسيادته، كما أنه يستنكر أعمال العدوان الوحشية الباغية، التي قامت بها الجيوش البريطانية والفرنسية في مصر، وتعتبرها أعمالا غير إنسانية ومغايرة لجميع القوانين الدولية والضمير الإنساني. إن حكومة أفغانستان لتأمل من هيئة الأمم المتحدة ومن أعضائها المحبين للسلام أن يتخذوا الخطوات الحاسمة الفعالة ضد هذا العمل العدواني الذي يهدد السلام الدولي والأمن بأعظم الأخطار. وأن يُبطلوا الخطط الاستعمارية المعتدية، وذلك بفرض العقوبات الرادعة على المعتدين الباغين طبقا لمبادئ الأمم المتحدة، وليثبتوا للعالم أنهم لن يتسامحوا مع المعتدين الباغين، وإنهم يحترمون حرية جميع الشعوب واستقلالها ويحيطونها بسياج الحماية والضمان»

وقرر همرشولد دعوة مجلس الأمن للانعقاد لكي يتخذ موقفا فعالا في وقف العدوان، وألقى كلمة قال فيها: «إن مبادئ ميثاق الأمم المتحدة أهم بكثير من الأهداف السياسية لأي دولة وأن هذه المبادئ هي مرجعه الأول والأخير فيما يحق له أن يفعله، وليس في إمكان الأمين العام القيام بعمله إلا إذا حافظت كل دوله من الدول الأعضاء على شرف تعهدها باحترام ميثاق الأمم المتحدة…. إن معنى ما قلته واضح للجميع … أما إذا كان للدول الأعضاء وجهة نظر أخرى في واجبات الأمين العام فمن حق هذه الدول، كما أن من حق الأمين العام، أن تتصرف تصرفاً آخر. بما كان يعني إصراره الشديد على أن تُعلن الدول الأعضاء موقفها خلال تلك الجلسة»

وفي ظل هذه الأجواء، «أرسلت وزارة الخارجية الأفغانية تعليماتها إلى وفد أفغانستان الدائم بالأمم المتحدة لتأييد مصر بقوة» ومن ثم ارتفع صوت مندوب أفغانستان في الأمم المتحدة مطالبا برد المعتدين ونصر المصريين بالفعل والعمل لا بالقول والخطب. فطالب بوقف القتال وسحب القوات المعتدية فورا من الأراضي المصرية. كما طالب بالتعويض عن الخسائر التي لحقت مصر جراء هذا الاعتداء.

وفور انتهاء العدوان، بادرت أفغانستان بتهنئة مصر، فقد بعث الملك محمد ظاهر شاه برقية تهنئة إلى الرئيس عبد الناصر؛ فور جلاء القوات المعتدية يوم 23 ديسمبر 1956م، جاء نصها:

«مناسبة انسحاب القوات المعتدية من أرض مصر واستسلام قوى الشر أمام ما أبداه الشعب المصري الباسل من مقاومة صارمة، ودفاع مجيد؛ يسرني أبلغ السرور أن أقدم لسيادتكم أخلص التهاني، راجيا لمصر العزيزة كل تقدم وسعادة».

 كما بعث رئيس الوزراء محمد داود خان برقية مماثلة لنفس المناسبة، جاء نصها:

«في هذه المناسبة السعيدة التي اضطرت فيها القوات الاستعمارية الغاشمة إلى الانسحاب من مصر الشقيقة بعد أن استبان لها الفشل الذريع في مطامعها الاستعمارية، وذلك بفضل من الله وتأييده، وبما أبداه الشعب المصري النبيل من آيات البطولة والتضحية والشجاعة في وقفته الصارمة أمام جحافل بعض الطغاة، ومقاومته الرائعة للمعتدين وتحت تأثير القرارات الحاسمة للأمم المتحدة وتأييد الدول الصديقة المحبة للسلام. يسرني سروراً بالغاً أن أُهنئ سيادتكم والشعب المصري الشقيق راجيا من الله سبحانه وتعالى أن يهيئ السُبل لتحتل مصر العزيزة مكانتها اللائقة بها»

 كما «أذاع راديو كابل في يوم 25 ديسمبر برنامجا خاصا بمناسبة جلاء القوات المعتدية من بورسعيد تضمن إذاعة نص برقيتي التهنئة التي أرسلهما كل من جلالة الملك والصدر الأعظم إلى السيد الرئيس، وكلمة أذاعها كل من سفير مصر ورئيس جمعية الهلال الأحمر، وعرض لبعض المقالات التي كتبتها الصحف بهذه المناسبة». ثم “قامت هذه الصحف «بحملة لإجراء تحقيق دولي عن العدوان الغادر على مصر وتعويض الأضرار التي أصابتها من جرائه، ودبجت المقالات بهذا المعنى»

وفي هذا السياق، ذكر السفير حسين كرارة أنه التقى السردار محمد نعيم وزير الخارجية يوم 14 يناير 1957م، وقدم إليه مفكرة بشأن تأييد طلب مصر في التعويضات عن الخسائر والأرواح والأموال التي نتجت عن الاعتداء الإسرائيلي البريطاني الفرنسي، وأن وزير الخارجية قال له: «إن أفغانستان أيدت وستؤيد مصر دائما في كل ما يتعلق بهذا الاعتداء ونتائجه. وأن وفدها الدائم في الأمم المتحدة على اتصال بوفد مصر وبوفود الكتلة الآسيوية الأفريقية لاتخاذ أي إجراء في هذا الشأن في الجمعية العامة للأمم المتحدة» واستطرد السفير المصري، قائلا: إن «نائب وزير الخارجية أبلغه أن الوزير أرسل برقيا تعليمات إلى وفد أفغانستان الدائم تنص على تأييد مصر بقوة في هذا الشأن». «وفيما يتعلق بإلغاء معاهدة الصداقة بين مصر وبريطانيا الموقعة في أكتوبر 1954 … فقد أبلغني الوزير أن موقف مصر منطقي وقانوني وأنها تصرفت في حدود حقوقها طبقا للقانون الدولي …» خاصة أن هذه المعاهدة «تعتبر مُلغاة من تلقاء نفسها إذا اعتدى أحد أطرافها على الطرف الآخر؛ لأنه قد أهدر باعتدائه أول وأهم عنصر مكون للصداقة». ثم قام نائب وزير الخارجية باستدعاء مراسل وكالة «باختر» الأفغانية مساء 15 يناير وأدلى إليه بحديث … جاء فيه إن أفغانستان تؤيد طلب مصر في التعويضات الكاملة المترتبة على الاعتداء الإنجليزي الفرنسي على سيناء وبور سعيد».

ومن ناحية أخرى، كانت الحكومة الأفغانية قد أعدت قوة لإرسالها للانضمام إلى قوة البوليس الدولي، بعد موافقة مصر على طلبها، وقد اتصلت بحكومة الولايات المتحدة لعمل الترتيبات اللازمة لنقل هذه القوة بطريق الجو. ولكن السفير المصري علم، فيما بعد «أن السبب في عدم إرسال مفرزة الجيش الأفغاني إلى مصر يرجع إلى أن السكرتير العام للأمم المتحدة أبلغ الحكومة الأفغانية أنه إذا احتاج إلى زيادة عدد أفراد قوة الطوارئ الدولية فإنه سيتخذ الإجراء اللازم لنقل القوات الأفغانية إلى مصر»

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version