تعيش تركيا هذه الأيام على صفيح ساخن، عقب فيديوهات سادات بكر زعيم المافيا التركي التي هزت أوساط الحياة السياسية في تركيا، إذ وضعت مجموعة من أبرز الشخصيات في الحكومة التركية في مرمي تهم الفساد والقتل والاغتصاب وتهريب المخدرات، الأمر الذي دفع بعض المحللين إلى القول بأن الشريك الثالث لتحالف الجمهور (المكون من الحركة القومية والعدالة والتنمية) هو المافيا. لكن ما قصة زعيم المافيا التي حظيت طيلة الثلاثة أسابيع الماضية بمشاهدات فاقت المسلسلات التاريخية التركية المليئة بقصص مؤامرات القصر والحرملك والتنظيمات الإجرامية؟ والتي تجاوز عدد المشاهدين على في يوتيوب 30 مليون مشاهدة رغم عدم مرور شهر على إنشائها.
بكر
سادات بكر – أرشيفية
زعيم المافيا سادات بكر
أحد رجال المافيا ذائعي الصيت في تركيا، ولد في سكاريا عام 1971، حكم عليه بالسجن 14 عامًا عام 2007، بتهم تشكيل وقيادة منظمة إجرامية والسرقة والتزوير، وفي عام 2013، حُكم على بكر بالسجن لمدة عشر سنوات كجزء من محاكمات تنظيم “أرجنكون”، ومع ذلك تم إطلاق سراحه في وقت لاحق. كان عضوًا في حزب الطريق القويم، قبل أن ينضم لحزب العدالة والتنمية، واشتهر عنه علاقته الجيدة بالرئيس التركي أردوغان حتى أنه قال في أحد مقاطع الفيديو عن أردوغان “نحن نلقبه بالأخ الكبير”، كما نظم العديد من المسيرات واللقاءات الجماهيرية لجمع أصوات الناخبين لصالح حزب العدالة والتنمية، بل سبق أن هدد زعيم المافيا باسم أردوغان المعارضين له من أتباع فتح الله كولن قائلًا: “سنُسيل دماءهم مثل الأنهار ونعلق أجسادهم على أعمدة الإنارة في الشوارع”.
المتورطون بتهم الفساد
بدأ بكر مؤخرًا بنشر فيديوهات مثيرة للجدل عبر اليوتيوب، يدّعي فيها تورط سياسيين أتراك سابقين وحاليين في أعمال خارجة عن القانون، كما تناول في مقاطعه انتقادات للحكومة التركية، وتوعد بنشر معلومات سرية، وعلى رأس الذي ادعى سادات بكر تورطهم في أعمال منافية للقانون:
وزير الداخلية الأسبق “محمد أغار” ونجله _ أرشيفية
محمد أغار ونجله
كان ضابطًا في الشرطة التركية، ثم عضوًا في البرلمان، وعُيّن وزيرًا للداخلية في الفترة من 26 يونيو 1996 إلى 8 نوفمبر 1996، وتمت إقالته عقب حادثة “سوسورلوك” التي أسفرت لأول مرة عن افتضاح العلاقات القذرة بين الدولة والسياسة والمافيا، ليتم إيداعه السجن لفترة بتهمة الصلة مع كيانات المافيا، لكنه خرج من السجن في عهد أردوغان (2013) فيما قيل حينها أنها اتفاقية سرية.
وصف سادات بكر محمد أغار بأنه رئيس الدولة العميقة، واتهمه هو والضابط العسكري التركي السابق والعامل في جهاز الاستخبارات الوطنية، كوركوت أكان، بأنهما المسؤولان عن مقتل الصحفي كوتلو أدالي الذي تم اغتياله في جمهورية شمال قبرص التركية في عام 1996.
كما اتهمه بالاستيلاء بصورة غير قانونية على شركات رجل الأعمال التركي الآذري الأصل، مبارز مانسيموف قربان أوغلو، الذي يعتبر رجل الأعمال رقم واحد في مجال البترول والغاز بين تركيا وأذربيجان، وتابع بكر أن استيلاء وزير الداخلية الأسبق على تلك الشركات جاء من خلال إلصاقه تهمة “الانتماء إلى جماعة فتح الله كولن” برجل الأعمال قربان أوغلو. كما أمه قام بالاستيلاء على ميناء مارينا ومنتجع بودروم المملوكين له لأوغلو، وذلك من أجل تأمين طريق وحركة مرور المخدرات والكوكايين، وادعى سادات بكر أن محمد أغار يدير أعمال ميناء إزمير، وأنه صاحب 5 أطنان من الكوكايين التي تم ضبطها.بينما كانت تتوجه إلى مصنع كيماوي في مدينة إزمير لؤلؤة بحر إيجه.
واتهم كذلك محمد أغار بأنه وراء مقتل بائع مخدرات في بلدة “عطاء شهير” بمدينة إسطنبول بسبب أموال قيمتها 50 مليون يورو، بعد أن كشف في فيديوهاته السابقة أن ابنه النائب تولجا أغار هو من قتل الطالبة القرغيزية الدارسة في تركيا يلدانا كهرمان، بعد أن أوشكت على رفع شكوى ضده تتهمه باغتصابها، وقدم الحادثة للرأي العام حينها على أنه انتحار.
أركان يلدريم
هو نجل رئيس الوزراء التركي الأسبق ابن علي يلدريم. أسس أركان يلدريم مع شقيقته بهار بشرى يلدريم، في بداية عام 2002، -العام الذي وصل فيه حزب العدالة والتنمية إلى الحكم-شركة “درين دنيجيليك” لنقل السفن والتجارة المحدودة. يلدريم البالغ من العمر وقتها 37 عامًا، اشترى عام 2003م أول سفينة له مقابل 445 ألف يورو دفعها بالكامل، ما تسبب في إثارة الجدل في ذلك الوقت، لكنه ردَّ على الشكوك التي أثيرت حوله بقوله، إنه جمع بعض المال بنفسه والباقي حصيلة بيع تذاكر الركاب للوكالات مقدمًا.
في الفيديو السابع من سلسلة فيديوهاته استهدف بكر أركان يلدريم قائلاً: “سأكشف لكم تفاصيل تجارة الكوكايين. أتعرفون من ذهب إلى فنزويلا لتوفير مصدر جديد للمخدرات؟ إنه أركان يلدريم نجل بن علي يلدرم. مكث هناك 4 أيام خلال شهر يناير/ كانون الثاني وأربعة أيام أخرى في فبراير/ شباط”
من جانبه نفى بن علي يلدريم هذه الادعاءات، مؤكدًا أن اتهام عائلته بالإتجار في المخدرات أكبر إهانة يمكن أن تلحق بهم، مشيرا إلى أن كل ما قاله بكر افتراء وكذب.
سليمان صويلو
اتهامات بكر طالت كذلك وزير الداخلية الحالي سليمان صويلو، بعد أن عجز عن تحقيق وعوده لبكر بحمايته وتأمين طريق عودته إلى تركيا وإيقاف القضايا المرفوعة ضده.
وقال بكر: “إن سليمان صويلو قد وفّر له الحماية الأمنية، وأنه من سرب له معلومة سرية مفادها أن القضاء فتح تحقيقًا بحقه هو ورجاله، ليتمكن من الهروب من تركيا عبر المطار، رغم محاولات وزير الخزانة والمالية السابق، برات ألبيرق، صهر أردوغان، منع انطلاق طائرته في 2020.
كما ذكر بكر أن صويلو يراقب ويتنصت على المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالين، ومدير مكتب الرئيس، حسن دوغان. بل وقال كذلك إن أنغين صويلو، نجل وزير الداخلية متورط في تجارة المخدرات. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل اتهمه بترتيب انقلاب على أردوغان في أبريل الماضي وتعيين نفسه رئيسًا للجمهورية.
عائلة أردوغان في مرمى الهدف
تعهد زعيم المافيا في تلك الفيديوهات بأنه سيزيح الستار عن “الأعمال القذرة” التي أقدمت عليها مجموعة “البجع” الإعلامية التابعة لعائلة أردوغان، مثل تجارة الأسلحة في مناطق الصراع، وعلى رأسها سوريا، لكنه تجنب ذكر اسم أردوغان بشكل صريح.
أردوغان يفقد ثقة شعبه – أرشيفية
أردوغان يفقد ثقة شعبه
في البداية بدا أردوغان مستخدمًا قانون “السكوت”، فيما بدا أن مساومات ما كانت تتم في الخفاء، لكنه ومع تعالي الأصوات المطالبة له بالخروج للحديث، علق خلال اجتماع الأربعاء الماضي مع تكتل نواب حزب العدالة والتنمية قائلًا: “إن الهدف ليس وزير الداخلية وإنما هو عرقلة بناء تركيا الكبرى والقوية”.
لكن ما أصداء تلك النار المشتعلة لدى الناخب التركي؟ وهل سيكون لها أثر في اهتزاز ثقة الناخب التركي برئيسه؟ هذا ما أجاب عنه أحدث استطلاعين للرأي في تركيا، أحدهما: كان عن مدى تصديق المواطن التركي لزعيم المافيا سادات بكر، وقد أجراه مركز أبحاث العمليات الاجتماعية، بمشاركة 3140 شخصًا، وجاءت نتائجه أن 52.6 % من المشاركين، يعتقدون أن تصريحات سادات بكر بخصوص بعض السياسيين صحيحة، بينما قال 22.5% إنهم يعتقدون أن بكر يوجه اتهامات غير واقعية لبعض السياسيين لمصلحته الخاصة. كما كشفت النتائج أن 68.9% من المشاركين على يقين بأن هناك علاقة بين عصابات المافيا والحكومة في تركيا في الوقت الحالي، مثلما كان الوضع في الماضي.
الاستطلاع الثاني: كان خلال شهر مايو الجاري أجراه مركز Yöneylem للدراسات الاجتماعية وكان بعنوان “الخريطة السياسية لتركيا”، وقد شارك فيه 3 آلاف و140 شخصا من 27 مدينة تركية.
الاستطلاع كان يحوي العديد من الأسئلة، وفيما يتعلق بالجزء الأهم في الاستطلاع، قال 39.6 في المئة من المشاركين أنهم سيصوتون لصالح أردوغان بالانتخابات الرئاسية القادمة، في حين ذكر 50.5 في المئة من المشاركين أنهم لن يمنحوه أصواتهم وأفاد 2 في المئة من المشاركين أنهم سيقاطعون الانتخابات.
يبدو أن الأيام القادمة كما يرى العديد من المحللين حُبلى بالعديد من المفاجئات التي قد تهز أركان الحكم في تركيا، إذ أنها وكما جاء في مقال تحليلي لمجلة الجارديان البريطانية جاءت في توقيت مدمر بالنسبة لأردوغان، بسبب تراجع شعبية الحزب الحاكم، وفق استطلاعات الرأي بسبب الأزمة الاقتصادية وعدم إدارة أزمة وباء كورونا بشكل جيد.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version