هل تبدو إسرائيل على فوهة حرب أهلية فى ظل أزمة غير مسبوقة، ومتغيرات اجتماعية على كل المستويات،  ومناورات سياسية يحاول نتنياهو من خلالها تفادى أزماته الشخصية؟  المشهد الإسرائيلى تتصدره تداعيات  الثقة المفقودة بين الحكومة والمواطن، الحكومة التى من المفترض أن يكون هدفها فى هذه الفترة الحرجة الدفاع عن المواطنين والمحافظة على حقوقهم والاهتمام باحتياجاتهم، وأبسطها منظومة صحية قوية وإعادة التوازن لاقتصاد منهار.

أخفق نتنياهو هذه المرة حين سعى بكل ما أوتى من قوة لإخراج قانون تقييد المظاهرات ما اعتبر وقودًا للشارع المشتعل ، وركيزة للمعارضة التى تعمل على استبداله دون إسقاط الحكومة، أو حتى التلميح بذلك ؛ حيث لاتحتمل اسرائيل الذهاب لانتخابات جديدة.

 

الشارع الإسرائيلى و”قانون منع الاحتجاجات” ..

 

انتقلت إسرائيل من مرحلة التوعية بمخاطر الموجة الثانية من انتشار فيروس كورونا إلى مرحلة الحظر الكامل الممتد، وفرض الغرامات المالية للحد من الإصابات والتى وصلت لأعداد غير مسبوقة بالنسبة لعدد سكان وبالنسبة لأعداد الإصابة اليومية فى الموجة الأولى من انتشار الفيروس ، حيث  أظهر تقرير وزارة الصحة الاسرائيلية ليوم 5 أكتوبر 2020 أن إجمالى عدد الوفيات 1749 حالة ومجموع عدد الحالات حوالى 72 ألف حالة.                                                                                                                                                                                                                                                          

تشير التقديرات فى إسرائيل إلى أن أزمة تفشى فيروس كورونا فى موجته الثانية قد تستمر لنهاية عام 2021 ولن يتوفر اللقاح قبل يوليو من العام المقبل. قد يؤدى الحظر الكامل إلى تراجع فى أعداد الإصابات الإيجابية إلا أنه غير مجدِ في كبحه تمامًا، كما أن قرارات كابينت الكورونا “مجلس الوزراء المصغر لشؤون الكورونا”وأبرزها قانون تقييد الاحتجاجات الذي تم سنه مؤخرًا؛ يتم اتخاذها بشكل غير موضوعى من وجهة نظر رجل الشارع  الذى تجدد خروجه احتجاجًا غير عابئ بالإجراءات الوقائية ولا بقانون يستهدفه،وكما ينتشر الفيروس بصورة عشوائية وكبيرة، تظاهر الإسرائيليون بشكل متفرق وممتد تتزعمهم حركتا “الأعلام السوداء و”إيين متساف”، زاد عدد المحتجين إلى 100 ألف شخص فى جميع أحياء ومدن إسرائيل مثل: “تل أفيف، القدس، نتانيا، رمات جان، حولون  وحيفا “، استخدمت الشرطة العنف واعتقلت الكثيرين منهم بدعوى انتهاك القانون فيما يخص إجراءات الكورونا، أو حتى إعاقة حركة المرور وإغلاق الطرق ، كما فرضت الغرامات المالية على آخرين مما دعاهم إلى اللجوء للعنف المضاد تجاه الشرطة التى يجتهد مسؤولوها فى قمع المظاهرات لمغازلة “أمير أوحانا” رجل نتنياهو الوفى طمعًا فى منصب مفتش الشرطة .

 

تقييد الاحتجاجات – قانون  مُسيس 

صادق الكنيست  بالقراءتين الثانية والثالثة على قانون فرض القيود على الاحتجاجات المنتشرة فى الشارع الإسرائيلى؛ كأحد الإجراءات للحد من انتشار فيروس كورونا فى موجته الثانية، بموجب القانون تحظر مشاركة أكثر من 20 شخص فى تجمع احتجاجي ، وتكون فى مكان لايبعد أكثر من 1000 متر عن منزل المشترك فى التجمع ، مع مد فترة الحظر الكامل حتى يوم 14 أكتوبر وفرض غرامات مالية حال انتهاك هذه التعليمات، كما يمكن للحكومة تجديد هذه الإجراءات ومد فترة الحظر.

صرح “نتنياهو” قبل هذه القرارات بأن إسرائيل فى  شبه حرب للحفاظ على الحياة والاقتصاد، وأن الحظر الكامل  للحد من تفشى الفيروس قد يستغرق  شهرًا آخر وربما فترة أطول بكثير، وأن الخروج من حالة الحظر سيكون تدريجيًا يمكن أن يستمر ما بين 6 أشهر حتى سنة.

يرى الإسرائيليون “باستثناء مؤيدو نتنياهو” عدم موضوعية هذه القرارات، وأنها تستهدف الحد من المظاهرات التي تتجدد مساء السبت من كل أسبوع ضد نتنياهو وسياساته، والإدارة السيئة لأزمة الكورونا وتبعاتها من أزمات اقتصادية وبطالة، ويظهر ذلك فى عدم امتثال للتعليمات والخروج للشوارع وانتقال المظاهرات لأماكن أخرى فى جميع أنحاء إسرائيل،  واندلاع موجات من العنف بين المحتجين بمختلف انتماءاتهم والشرطة الإسرائيلية، وعدم التزام ملحوظ بالتعليمات؛ فتم تسجيل حوالى  7000 مخالفة انتهاك للتعليمات، منها حوالي 5100 مخالفة خروج من المنزل فى غير ضرورة أو عدم وضع كمامات.

 

تشابكت الإجراءات الاحترازية ضد انتشار الفيروس مع الإجراءات السياسية لإنقاذ نتنياهو وتخبط السياسيين على حساب رجل الشارع ؛ يظهر ذلك فى دعوة بعض  السياسيين من حزب “كحول لافان” للمواطنين بعدم الامتثال للتعليمات الخاصة بالتجمعات الاحتجاجية بحجة الحفاظ على المظهر الديمقراطي فى إسرائيل، والدعوة لتقديم طلب قضائى برفع الغرامات الموقعة على البعض منهم، ولم يتحدث أي منهم على سبيل المثال عن القدرة الاستيعابية للمحاكم فى ظل إجراءات التباعد الاجتماعي وتزايد حالات الاصابة بالفيروس، وإنما كان هدفهم الوحيد هو الإبقاء على الاحتجاجات لاستعادة مكانتهم فى الشارع الإسرائيلى حال سقوط نتنياهو بفعل الاحتجاجات أو تقديمه الموشك  للمحاكمة .

مثال على ذلك، استقالة وزير السياحة الإسرائيلى”عساف زمير” من منصبه وإعلانه عدم الثقة فى قيادة نتنياهو لإسرائيل ووصفه لقراراته بأنها دائما لمصلحته الشخصية حتى فى أحلك الظروف، وتصريحاته بأن ضميره لا يسمح له بالبقاء فى حكومة تقيد الاحتجاجات،محذرًا من انهيار موشك لإسرائيل .

كان هذا الحراك محفزًا لكل من “إيهود أولمرت “و”أفيجدور ليبرمان” لمتابعة سياساتهما التي تتميز بالخصومة الواضحة والانتقاد الدائمين لنتنياهو وسياساته ؛ ليعلنا معارضتهما التامة لفرض القيود على الاحتجاجات حيث اتبع ليبرمان ذات النهج فى مهاجمة الأحزاب اليمينية والدينية المتطرفة واصفًا إياها بأنها السبب المباشر فيما وصلت له البلاد نتيجة الضغوط التى تمارسها كونهم أعضاء فى الحكومة قائلًا: “ طالما أن شاس ويهدوت هتوراة عضوان فى الائتلاف لا يمكن التغلب على الفيروس”. ، وأما “أولمرت” فقد حمّل نتنياهو وعصابته “كما أسماهم” مسؤولية هدم القيم والقواعد الديمقراطية نتيجة انفراده بالحكم بالقوة، الذي يتجاهل الفلسطينيين فى الداخل كما يتجاهل المواطن الاسرائيلى على حد سواء، واصفًأ قيادة نتنياهو بأنها فوضوية .

كان هذا الغليان السياسي سببًا فى خروج “دان ياتوم” رئيس الموساد السابق عن صمته وتصريحه من ضياع حتمي لإسرائيل إذا ما استمر الحظر وفرض القيود على الديمقراطية المتمثلة فى الاحتجاجات قائلًا:” يجب أن نوقف هذا الجنون، نحن نزحف نحو عصر مظلم” .

 

الوسط  اليهودي “المتدين ” وقانون تقييد الاحتجاجات ..

 

يبدو أن خطيئة عدم الامتثال للتعليمات الحكومية الوقائية ومنها وضع قيود على الاحتجاجات فى الشارع المتدين كان يجب إضافتها لخطايا يوم الغفران (يوم كيبور) التى يحرص اليهود خاصة المتدينون منهم على إحيائه كل عام.

أظهرت إحصاءات وزارة الصحة الإسرائيلية أن مدينة “بنى براك” التى تسكنها أغلبية متدينة “حريدية” بها وحدها 10% من الإصابات الإيجابية بعدوى فيروس الكورونا وأن واحدًا من كل 4 حريديم يحمل الفيروس، وأن معظم المرضى الإيجابيين في الوسط المتديّن “الحريديم” تتراوح أعمارهم بين 17 و 24 عامًا، ما يفسر التفشي السريع للفيروس فى الوسط الحريدي؛بسبب نمط حياتهم الذى يصعب معه كبح جماح الفيروس، فهم عائلات كبيرة العدد، تعيش فى منازل صغيرة نسبيًا، وتتم الدراسة وتناول العلوم الدينية فى أماكن مغلقة “اليشيفوت – المدارس الدينية المشتركة” لعشرات الآلاف والتى تحولت لحاضنة لكورونا ، صلوات جماعية لم تتوقف؛ سلوكيات مضمونها عدم الانصياع للتعليمات ورفض كامل للخروج عن نمط الحياة المعتاد بالنسبة لهم حتى وإن كان ذلك فى مصلحة إسرائيل؛ اتباعًا لتعليمات الأدمور” رئيس الحاخامات” متجاهلين تعليمات وزارة الصحة .

تعهدت الشرطة الإسرائيلية بالتعاون مع بعض قوات حرس الحدود بالعمل “بحزم” ضد “مثل هذا الانتهاك الصارخ” من قِبل الحريديم لإجراءات الحظر الكامل ، إلا أن الصلاة فى الكنيس الرئيسي “للحسيديم”( إحدى الطوائف الدينية المتشددة) فى “بنى براك” استمرت “كتجمع محظور” لساعات على الرغم من محاولات الشرطة لتفريق المصلين، حيث واجهت الشرطة في البداية مئات المتدينين الحسيديم  داخل الكنيس وخارجه، انطلق الحسيديم في الغناء والرقص والهتاف بألفاظ نابية ضد الشرطة ووصفوها بالنازية، ثم انسحبت الشرطة بعد اعتقال 13 منهم.

 

أما حي “مئا شعاريم” فلا يقل اشتعالًا عن سابقه، بعد سير تجمعات للحريديم متوجهة لمداخل الكنس اليهودية وأشهر شوارع الحى “شفتى يسرائيل” وتعمدوا استفزاز الشرطة وأطلقوا غازات مسيلة للدموع فى وجه رجال الشرطة  التى وجدت صعوبة فى تفريقهم حتى بعد استخدام القوة.

يعتبر هذا التمرد على اتباع الإجراءات الوقائية والالتزام بالحظر الكامل ماهو إلا نتيجة خضوع حكومات إسرائيل المتعاقبة  للمجتمع الحريدى المتشدد لسنوات طويلة حتى أصبح دولة داخل الدولة وتوج نتنياهو هذا بالاستقواء بهم استراتيجيًا وسياسيًا لضمان بقائه في الحكم.

استهدفت مطالبات المتشددين دينيًا إحياء الشريعة والحرص على أداء الشعائر اليهودية إلا إنها فى حقيقة الأمر ما هى أداة قد يستغلها نتنياهو مستهدفًا القضاء على الاحتجاجات فى الشارع الإسرائيلى التى لم تتوقف حتى الانتهاء من كتابة هذا التقرير على الرغم من تجديد قرار الإغلاق التام.


     

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version