استعرض معهد دراسات الأمن القومي الاسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب تعاطي تركيا مع فيروس كورونا من خلال تقرير يصف الوضع بعنوان ” تركيا ومكافحة الفيروس كورونا : تحدٍ كبير ، استجابة جزئية” وقبل أن نستعرض خلاصة هذا التقرير يمكننا أن نصف الوضع في تركيا بأنه صعب من ناحية التعاطي مع الازمة رغم امتلاكها أدوات تمكنها من أن تتعامل مع هذه الأزمة بطريقة أفضل بخسائر أقل ولكن نتيجة للخلافات الداخلية بين أردوغان وحزب الشعب الجمهوري حدث تعطيل لكثير من الإجراءات الخاصة بالمكافحة خصوصا في المدن التي يديرها احزاب من المعارضة وعلى راسها بلدية اسطنبول والتي يعتبرها اردوغان تهديدا مباشرا لحكمه لما تتمتع به هذه المدينة من ثقل اقتصادي وسياسي في تركيا .

وقد أشار تقرير المعهد إلى التأخر في الإعلان عن أول اصابة بكورونا مقارنة بدول اخرى رغم انها تعتبر من ضمن الاقتصادات العشرين الاوائل بالعالم فبعد أن أبلغت عن أول حالة إصابة في 11 مارس وأول حالة وفاة في 17 مارس الا ان التسارع الغير مسبوق في الإصابات والوفيات والتي وضع تركيا في مركز متقدم ضمن العشر دول الأولى الأكثر إصابة بالفيروس، وأرجع التقرير السبب في التأخر هو لعاملين أولهما محاولة حماية صناعة السياحة والثاني هي محاولة لحماية الاقتصاد التركي بعد الانتعاشة الهشة التي اجتازها الاقتصاد التركي خلال العامين الماضيين .

وقد كان ملاحظا منذ البداية هو محاولة اردوغان افشال ادارة بلدية اسطنبول ومحاولة تخريب الجهود لمكافحة هذا الفيروس مرة عبر اخفاء اعداد المصابين والذي تبين ان 60 % منهم من اسطنبول والمرة الثانية هي معاكسة الإجراءات التي تتخذها البلدية وقد ظهر  واضحا عند محاولة فرض الإغلاق لمنع التفشي .

ومن واقع تجربتنا كعرب ومسلمين مع أي نظام حكم إسلامي عند تعاطيه مع الأزمات لا يشكل بالنسبة له أي فارق عدد الضحايا طالما هو يحقق أهدافه الحزبية .

وبالعودة الى التقرير كانت هناك اشارات هامة وموضوعية عن النظام الصحي في تركيا والتي تمتلك نظاما يمتلك عدد من الاسرة والمستشفيات افضل من دول أوروبية مثل إيطاليا وألمانيا ، يوجد في تركيا عدد كبير من أسرة العناية المركزة للفرد (46 سريرًا لكل 100.000 شخص ، مقارنة بـ 29 في ألمانيا و 12 في إيطاليا ، على سبيل المثال) ، إلا أن الثغرة الحقيقية في هذا النظام أمران أن 40% من هذه الاسرة تمتلكها مستشفيات خاصة ورغم وضعها تحت تصرف الدولة إلا أن العجز ظهر في عدد الأطباء والذي يعتبر الأقل وأرجع التقرير السبب في هذا الى تبعات التطهير السياسي الذي مورس بعد الانقلاب الفاشل في 2016 والذي تسبب في هجرة كبيرة للكوادر الطبية والعقول ، هذا بالاضافة الى منع النقد حتى لو كان في إطار علمي (داخل وزارة الصحة) حتى لا يعتبر ذلك في إطار محاربة النظام .

وفي الحقيقة ربما لم يتجن التقرير في هذا الجانب نظرا لهذه العقلية والتي تعتبر اي نقد هو يستهدف الحكم وهذا بالتأكيد سيضع تركيا في موقف صعب صحيا نظرا لأنها لن تستفيد من النقلة النوعية التي حدثت في تطوير النظام الصحي منذ عام 2002 .

وفي جزء آخر من التقرير كانت هناك إشارات للازمة الاقتصادية المصاحبة لكورونا بالتزامن مع خسارة قطاعات اقتصادية كبيرة نتيجة للازمة العالمية وهذا سيؤثر على قدرة تركيا على مواجهة الازمة الاقتصادية  وستشهد الليرة التركية مزيدا من الانخفاض إذا طالت هذه الأزمة .

وفي هذه الجزئية يجدر الاشارة الى ان هذه الازمة افشلت محاولة أردوغان ابتزاز أوروبا في موضوع اللاجئين نظرا لان اوروبا أغلقت حدودها ولن تقدم أي مساعدات في هذه الظروف مما جعل موضوع اللاجئين اصبح عبئا على اردوغان وقد تعالت مؤخرا اصوات تندد بالمبالغ التي تم صرفها على اللاجئين السوريين في حين ان تركيا تحتاجها لمواجهة ازمة كورونا .

على الجانب الاخر اشار التقرير لدبلوماسية كورونا التي انتهجها اردوغان عبر ارسال مساعدات للصين وايران ووصل العدد الى 30 دولة منها ايطاليا واسبانيا .

ولم يقدم التقرير اشارة الى محاولته ابتزاز اسرائيل بدعوى مساعدة الفلسطينيين ورد نتنياهو الرافض لهذا الابتزاز عندما ربط توريد معدات طبية لاسرائيل بالمساعدة للفلسطينيين مستغلا هذا الموضوع داخليا واضطر الى التوريد دون ربط الموضوع بمساعدة الفلسطينيين ، وبالنظر إلى التوتر في العلاقات التركية الإسرائيلية ، لا يبدو أن هناك تنسيقًا مستمرًا بين البلدين بشأن التعامل مع كورونا . وهذا على النقيض ، على سبيل المثال ، من خلال المحادثات الهاتفية التي أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس من خلال المناقشات مع قادة إضافيين وعلى المستوى الثنائي.

واشار التقرير الى انه بالرغم من أن غالبية عواقب أزمة كورونا سلبية بالنسبة لتركيا إلا أن هناك ربما بعض الايجابية ساهم فيها انخفاض أسعار الطاقة والتي تعتبر تركيا من أهم المستوردين لها .

وحسب التقرير لا تزال الاعتبارات الاقتصادية تتفوق على تلك التي تركز على معالجة ازمة الفيروس بشكل أكثر فاعلية ، على الرغم من أنه من المفهوم في البلدان الأخرى أن الاقتصاد سوف يتضرر بشكل خطير دون السيطرة على مدى المرض. بالإضافة إلى ذلك ، فإن الاعتبارات السياسية الداخلية ، ولا سيما محاولات عرقلة أحزاب المعارضة ، تقوض أيضًا فعالية الرد التركي. وإزاء هذه الخلفية ، فإن تصريحات مثل تلك التي أدلى بها أردوغان في 25 مارس – بأن تركيا ستكون قادرة على التغلب على الفيروس في غضون أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع – تبدو لا أساس لها وتثير مخاوف من عدم كفاية الاستجابة للأزمة. من المتوقع أن تكون العواقب الاقتصادية والاجتماعية لوباء الفيروس التاجي واسعة النطاق.

ورغم أن كل المؤشرات السابقة حسب قراءة معهد الامن القومي الاسرائيلي تؤشر على صعوبة الأوضاع في تركيا الا انه انتهاء الازمة مع ابتعاد الانتخابات الى 2023 ربما يعطي مدى كاف لأردوغان لاصلاح الاضرار والرهان على نسيان الفشل من الجماهير .

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version