تأثرت مفاوضات سد النهضة كغيرها مثل العديد من القضايا بجائحة “كورونا” بشكل غير مباشر، فبتقييم جهود دول المنبع والعبور والمصّب لنهر النيل فى معالجة واستيعاب تداعيات الأزمة، نجد أن إسلوب مصر المتوازن فى المعالجة قد أسهم حتى الأن فى تجاوز تأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية الحادة مما حافظ على صلابة الدولة خلال جولات التفاوض المتعددة رغم تنوع التهديدات القادمة من الاتجاهات الإستراتيجية المختلفة وتزامنها، فيما لم تنجح المساعدات التركية الأخيرة للسودان لمواجهة التداعيات الداخلية المُلّحة لفيروس كورونا فى التأثير على مواقف الخرطوم وجذبها بعيداً عن الثوابت المصرية فى المباحثات بالنظر  لتقارب الأهداف المصرية/السودانية المتعلقة بذلك الملف، فى الوقت الذى استثمر رئيس الوزراء الإثيوبى ” آبى أحمد” كورونا فى تأجيل أول إنتخابات برلمانية يخوضها منذ وصوله للحكم وقرر إرجاءها لمدة ستة أشهر لاحقة لإعلان منظمة الصحة العالمية رسمياً انتهاء خطر الجائحة فى محاولة لتعزيز وضعيته الداخلية الهشة، مما ساهم فى فصل موعد الإنتخابات عن موعد الملء الأول، وبالتالي قبوله – عقب سابق تصلب موقف أديس أبابا الرافض – توقيع إتفاق ملزم قانونياً بدلاً من الصيغة التوافقية التى كانت تسعى إليها لتسوية أية خلافات مستقبلية بين الدول الثلاث، وذلك رغم الإعتراف بتبني كبار المسئولين بإثيوبيا خطاب إعلامي مزدوج يستلزم معه زيادة حجم الضغوط لضمان تنفيذ نتائج المفاوضات

وفيما يتعلق بتأثير كورونا على الولايات المتحدة – باعتبارها أكثر الجهات الدولية المراقبة للمفاوضات تأثيراً  -فلا شك أن الجائحة قد طرحت تأثيراتها السلبية على وضعية “ترامب” الداخلية عقب تزايد حدة الانتقادات الموجهة لإدارته – رغم تداركه ذلك لاحقاً وتعديله أسلوب معالجته للأزمة واستعادته قدر من شعبيته، وهو ما دفع المراقبين لإعادة تقييم فرص حصوله على فترة رئاسية ثانية، خاصة فى ظل إشارته خلال شهر أغسطس الحالى عن إمكانية تأجيل الإنتخابات، وحتى حال فوزه بولاية جديدة فلا شك أن أولوياته قد تتغير وستفرض على إدارته العديد من التحديات المرتبطة بالسعي لتجاوز الصعوبات والشواغل الداخلية والخارجية المستجدة والعمل على ترميم وتغيير التحالفات للاستمرار على رأس النظام الدولي القادم، وبالتالى عدم استبعاد تأثر حماسة واشنطن الخاصة بمواصلة رعاية مفاوضات سد النهضة وترتيبها داخل برنامج الإدارة الأمريكية القادمة حال نجاحه، وضعاً فى الاعتبار ارتباط الحلحلة النسبية التى تحققت فى جولة المفاوضات التي عقدت على مستوى القمة فى يوليو الماضى باستئناف “ترامب” اتصالاته بأطراف الأزمة

وبالتالى فإن قواعد اللعبة بمفرداتها الجديدة تفرض وجوبية متابعة ورصد مصر -التى تمضى بخطى ثابتة ومتدرجة نحو طىّ مرحلة “كورونا “، بالتوازى مع نجاحها النسبي فى احتواء التهديدات التركية القادمة من الاتجاه الغربي – لكافة تحركات أطراف المفاوضات المباشرين والمراقبين خلال الشهور المتبقية من عام 2020، بما فيها ترقب نتائج الانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة وتشجيع الأخيرة على استئناف دورها الحيوي، بجانب استمرار مصر فى جهودها الدبلوماسية المكثفة الأخرى على كافة المستويات، بالإضافة إلى متابعة مواقف السودان المتذبذبة بما فيها مساعيه المشروعة لاستغلال رعاية واشنطن للمفاوضات لتحقيق أهداف يراها المجلس الإنتقالى أكثر أهمية من سد النهضة، خاصة مع تنفيذ الخرطوم كافة مطالب الإدارة الأمريكية مقابل رفع إسم السودان من قوائم الدول الراعية للإرهاب، مع أهمية ترجمة العديد من المشاريع والأفكار التكاملية والتنموية مع السودان لخطة زمنية عاجلة قابلة للتنفيذ خلال ستة أشهر لربط المصالح الاستراتيجية لكل من الخرطوم والمجلس الانتقالي مع مصر والحفاظ على توازن المعادلة داخل أية مفاوضات قادمة، فضلاً عن إطلاع وإشراك الدول الرئيسية والمعنية بالاتحاد الأوروبى على التطورات الخاصة بالملف باعتبارها أحد الأطراف المستفيدة من الطاقة المتجددة والنظيفة والاقتصادية الناتجة عن السد والتى ستتزايد أهميتها بعد إنقشاع الضباب المصاحب لجائحة كورونا

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version