شارك الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الأوكراني فوليدمير زيلنيسكي في قمة جامعة الدول العربية الـ32 بمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، فبينما عادت سوريا الأسد للمشاركة في أعمال الجامعة العربية بعد غياب 12 عامًا بعد تعليق عضويتها، حل زيلنيسكي ضيفًا على القمة بدعوة من المملكة، حيث عُقدت القمة العربية الـ32 وسط ظروف إقليمية ودولية معقدة، على رأسها الحرب الروسية الأوكرانية، والملف الإسرائيلي الفلسطيني المشتعل والمتجدد على مدار عقود، ووسط صراعات متعددة في مناطق متفرقة من العالم.

وحظيت هذه القمة باهتمام كبير إقليميًا ودوليًا، لأنها جمعت أطرافا متعددة ومتناحرة ووجهات نظر متباعدة، وبعثت برسائل قوية للمنطقة والعالم، كان أبرزها ما يتعلق بإسرائيل، والتي تابعت وحللت القمة وما يتعلق بها بدقة متناهية، مركزة على مشاركة الأسد وزيلنيسكي بها.

الرؤية الإسرائيلية لمشاركة الأسد وزيلنيسكي في أعمال القمة العربية والملف الفلسطيني

أثارت مشاركة الأسد وزيلنيسكي في أعمال القمة العربية حالة من الجدل في إسرائيل، بسبب عودة دمشق للجامعة العربية بعد غياب طويل، الأمر الذي أربك حسابات تل أبيب في المنطقة، والأمر نفسه حول مشاركة زيلنيسكي في القمة، والزخم والاهتمام الكبير الذي حظيت به القضية الفلسطينية من قبل القادة العرب خلال أعمال القمة.

فحلل مركز القدس للشئون الاستراتيجية العامة مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في القمة العربية، فأشار إلى إن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية تضفي الشرعية على الرئيس بشار الأسد، الذي يعرض مصالح إسرائيل للخطر، وتمثل عودة دمشق تعزيزًا لمصالح إيران، التي أصبحت دولة تقترب من العتبة النووية، وتوفر مظلة واقية لمحور المقاومة الذي يعمل على تدمير إسرائيل، وأن إسرائيل تابعت وتتابع بقلق عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وهي خطوة  تدلل على ضعف السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وتقوي المحور الروسي الصيني. وقد تؤدي هذه الخطوة إلى خلق حالة توازن جديدة تعمل على تحقيق الردع في الشرق الأوسط، أي أن إيران ستفرضه على إسرائيل، ولم يكن في مقدور تل أبيب تغييره، وبالتالي يصبح محور المقاومة الذي تقوده إيران محميًا بمظلة نووية إيرانية، ويكون قادرًا على العمل بحرية أكبر لما تسميه  أدبياتها “تدمير إسرائيل”، من خلال الإشارة  إلى استراتيجية قاسم سليماني  التي تهدف إلى شل إسرائيل بإطلاق مئات الآلاف من الصواريخ والطائرات بدون طيار. من هنا بعثت إسرائيل رسالة واضحة إلى عدة دول في المجتمع الدولي، وعلى رأسها الولايات المتحدة، مفادها أن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية لن تمنعها من مهاجمة أي مكان يشكل خطرا على تل أبيب.  (1)

وقد أشارت صحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية إلى أحداث قمة جدة، مركزة على الاستقبال الحار للرئيس السوري بشار الأسد من قبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بعد أن دعاه للحضور، ولم يرحب بعض القادة بوصول بشار إلى جدة، فقد غادر أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني القمة في جدة قبل بدء خطاب الأسد. ومن ناحية أخرى تناولت الصحيفة مشاركة زيلنيسكي في القمة،  الذي تحدث عن الوضع في أوكرانيا، مؤكدة على أن الدول العربية لم تدعم حتى الآن أحد الطرفين، وإنما فضلت بعضها لعب دور الوساطة في صفقات الأسرى بين الجانبين.  كما تناولت الصحيفة الملف الفلسطيني، والذي كان حاضرا بقوة في أعمال القمة، والذي لم يطغ عليه حضور الأسد وزيلينسكي. فقد احتلت القضية الفلسطينية معظم الخطابات في القمة. وقد أكد رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن في كلمته إن مأساة الشعب الفلسطيني مازالت مستمرة منذ نكبة 1948، والاحتلال يواصل جرائمه وتوسعه الاستيطاني، مطالبا المجتمع الدولي بمحاسبة الاحتلال على جرائمه، وتنفيذ قرارات الامم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية. (2)

ومن زاوية أخرى، تناولت صحيفة هآرتس العبرية الكيفية التي استطاع بها محمد بن سلمان الجمع بين الرئيس السوري بشار الأسد، حلف روسيا في الشرق الأوسط، ونظيره الأوكراني، حليف أمريكا، الذي يخوض حربًا ضارية ضد موسكو. وجاء في تقرير الصحيفة أن الاقتران الغريب بين الزعيمين في نفس القمة نتيجة  ماتسميه “الدبلوماسية العبقرية” لولي العهد السعودي، الذي يسعى إلى التقارب الإقليمي والتعاون الدولي بنشاط كبير.  وقد رحب بن سلمان بكل من الأسد وزيلينسكي في جدة، معربًا عن دعمه لكل ما يساعد في تخفيف الأزمة بين روسيا وأوكرانيا. وتشير بعض المصادر إلى أن استراتيجية المملكة العربية السعودية الجديدة في الشرق الأوسط تؤثر بالسلب على إسرائيل، خاصة بعد إعادة بشار للجامعة العربية. (3)

ومن جانبها، علقت صحيفة يديعوت أحرونوت  على دعوة زيلنيسكي للمشاركة في القمة العربية، مشيرة إلى أن زيلينسكي يعتزم مناقشة مبادرة سلام من شأنها إنهاء الحرب ضد روسيا، وحماية الجالية المسلمة في أوكرانيا، وإعادة السجناء السياسيين من شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا في عام 2014. (٤)  كما علق موقع “كان حدشوت” على مشاركة زيلنيسكي والأسد في القمة العربية، فاشارت إلى الترحيب الحارالذي ابداه ولي العهد السعودي الأمير بن سلمان. (5)

وجاء في موقع دڤار أيضًا، أن زيلينسكي يأمل في إقناع أعضاء أحد أقوى التحالفات في العالم باختيار الجانب الأوكراني، أو على الأقل إدراك مشاكل التحالف مع روسيا. (6) وتناول موقع زمن يسرائيل أيضًا أحداث القمة العربية بجدة، متحدثا عن انعقاد القمة العربية على خلفية عملية المصالحات الإقليمية الدراماتيكية والمهمة، وعلى رأسها استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، وعودة سوريا ونظام الأسد إلى حضن العالم العربي، وأثر ذلك على الحد من المخاطر واستعادة الاستقرار في الساحات العربية التي كانت تنزف منذ سنوات عديدة في سوريا واليمن والسودان وغيرها. (7)

التعليق:  

جاءت القمة العربية الأخيرة في جدة مليئة بالزخم، نتيجة للأحداث الكبيرة التي شهدتها، وظهرت من خلال الإعلان الختامي للقمة، ومن أبرز النقاط التي تم التركيز عليها وأثارت حالة من الجدل في إسرئيل القضية الفلسطينية. فقد تم التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة للدول العربية بوصفها من العوامل الرئيسة المؤثرة على الاستقرار في المنطقة. وقد عبر عدد من القادة العرب عن استنكارهم للإجراءات المتخذة ضد الشعب الفلسطيني، داعيين إلى استئناف الجهود لتحقيق تسوية حل شامل وعادلة تقوم على أساس حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة على خطوط 67 وعاصمتها القدس الشرقية وفق القرارات الدولية ومبادرة السلام العربية، وكذلك اعتبار القدس مرجعية مركزية بالنسبة للمسلمين، حيث دعا إعلان جدة إلى حماية القدس والمقدسات الإسلامية في مواجهة محاولات إسرائيل تغيير التركيبة السكانية والهوية والتاريخ والوضع القانوني الراهن.

وقد أزعج إسرائيل في هذه القمة أن محورها الأساسي الاهتمام الكبير بالقضية الفلسطينية، وهو ما ظهر بوضوح في كلمات القادة العرب، وتأكد بشكل قاطع في إعلان جدة، الذي أوضح عدم رضا القادة العرب عن سياسة تل أبيب ضد الفلسطينين، وحمل رسالة تحذير لها بضرورة الحد من ممارساتها ضد الشعب الفلسطيني، لأنها تقوض عملية السلام في المنطقة، وتدفع نحو مزيد من العنف والتصعيد الخطير الذي يهدد مصير الإقليم بأكمله.

وفيما يتعلق بسوريا جاءت الرسالة واضحة، فقد رحب جل القادة العرب بتجديد مشاركة دمشق في أعمال جامعة الدول العربية، معربين عن أملهم في أن يسهم ذلك في إعادة الاستقرار إلى البلاد، والحفاظ على وحدة أراضيها ووقف العنف وإحلال السلام والحد من التدخلات الخارجية.  وبالنسبة لإسرائيل، فإن عودة سوريا لجامعة الدول العربية ومشاركة الأسد في أعمال القمة بمثابة تحد جديد في المنطقة، وأن تلك الخطوة من شأنها أن تعزز قوة دمشق وموقعها الإقليمي، خاصة في ظل التقارب العربي مع إيران، وهو ما تخشى عواقبه تل أبيب بشكل كبير، وتسعى جاهدة للحد من تعميق هذه التحالفات، خاصة فيما يتعلق بالملعب السوري الذي يشكل محورًا استراتيجيًا لها خاصة في ظل التواجد الإيراني بالمنطقة، وأن عودة سوريا للجامعة العربية تعتبر تحديًا للإدارة الأميركية أيضًا، في ظل تراجع دورها في المنطقة، وترك الملعب لروسيا، الحلف الأول لدمشق، والصين التي بدأت الدخول على خط المنافسة بشكل كبير في المنطقة.

وكان من المثير للاهتمام ظهور الرئيس الأوكراني فيلاديمير زيلينسكي أمام القمة العربية في جدة، بناء على دعوة من المملكة العربية السعودية، حاضنة القمة، وترحيب القادة العرب بمشاركته، في محاولة لضرورة التوصل لحل الصراع الروسي الأوكراني، ووقف الحرب، وتقديم مبادرة سلام عربية، وإيصال رسالة بالدور العربي الذي يتعاظم يومًا بعد يوم.

وبالنسبة لإسرائيل، فهي ترى أن السعودية أرادت تحقيق نوعا من التوازن، بعد المصالحة العربية مع بشار الأسد وعودة دمشق لأحضان الجامعة العربية بما يسترضي موسكو وطهران، فكان من الضروري استرضاء واشنطن والحلفاء الأوروبيين، من هنا أتت دعوة الرئيس الأوكراني لحضور القمة العربية، وربما تكون الدعوة أتت بناءً على طلب واشنطن. وهذه خطوة مهمة للغاية من وجهة نظر زيلينسكي في محاولة لكسب حلفاء جدد، لكنها في ذات الوقت تخشى من إتجاه زيلنيسكي للعرب الحلفاء الأقوياء مع الروس أيضًا، خاصة وأن تل أبيب حاولت لعب دور الوسيط لحل الصراع الأوكراني الروسي منذ بداية الأزمة العام الماضي.

وعلى المستوى الدولي أبرزت القمة العربية اتجاها آخر من الصراع الروسي الصيني مع الولايات المتحدة الأمريكية، فعلى الرغم من التنبؤات التي أشارت إلى أن زيلنيسكي كان ممثلًا للأمريكان في القمة، ونقل رسالتهم مقابل تمثيل الأسد لروسيا وإيصال رسالتها كنوع من التنازع بالوكالة بين الطرفين، الا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينج بعثا برسالة إلى القادة العرب في أعقاب القمة مباشرة، مؤكدين على أهمية التعاون والتشاور للتوصل لحلول لكافة القضايا ذات الاهتمام المشترك، بينما لم تحرك أمريكا ساكنًا، حيث لم تبعث بأي رسالة للقادة العرب، في إشارة إلى حالة عدم الرضا التي تعم واشنطن في ظل تراجع دورها في الإقليم المشتعل.

توثيق المراجع:

١_ تقرير مركز القدس للشئون الاستراتيجية العامة:

https://jcpa.org/iran-infiltrated-the-arab-league/

٢_ تقرير صحيفة إسرائيل اليوم العبرية:

https://www.israelhayom.co.il/news/world-news/middle-east/article/14104739

٣_ تقرير صحيفة هآرتس العبرية:

https://www.haaretz.com/middle-east-news/2023-05-19/ty-article/syrias-assad-calls-to-reject-external-interference-at-arab-summit/00000188-352c-d805-a7c9-fded245c0000

٤_ تقرير صحيفية يديعوت أحرونوت العبرية:

https://www.ynet.co.il/news/article/sj4q1rvr2

٥_ تعليق موقع كان حدشوت العبري عبر تويتر:

https://twitter.com/kann_news/status/1659650537833242647

٦_ تقرير موقع دڤار العبري:

https://www.davar1.co.il/434372/

 

٧_ تقرير موقع زمن يسرائيل العبري:

https://www.zman.co.il/395538/popup/

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version