تزامنًا مع احتفال إسرائيل بيوم الكرامة لمعاقى الجيش[1] فى إبريل 2021م، وخلال وقفة احتجاجية لمجموعة منهم ، تعبيرًا عن تردى أوضاعهم المادية والاجتماعية واحتجاجًا على تقاعس الحكومة فى توفير الرعاية اللازمة لهم ، حاول جندى الجيش الإسرائيلى المتقاعد “ايتسيك سعيديان” الانتحار بإشعال النيران فى نفسه، لشعوره بالإحباط إزاء الظلم الذى تعرض له من قِبل اللجنة المسؤولة عن تحديد نسبة العجز والتابعة لوزارة الدفاع ، حيث قررت له نسبة أقل لا تتلائم مع حالته المعروفة باضطراب ما بعد الصدمة، التى أصيب به بعد عملية الجُرف الصامد عام 2014، لم تكن هذه هي الحالة الوحيدة ولكنها الأشهر والأخطر، إذا حاول خمسة جنود آخرون الانتحار خلال شهر مايو من نفس العام .
احتجاجات ومطالبات
استمرت الوقفات الاحتجاجية بعد الحادث ، ورفع المحتجون لافتات التضامن مع “ايتسيك” ، وضجت وسائل التواصل الاجتماعى بالشكاوى والمطالبات ، والتى تركزت بشكل كبير على التقدير المعنوى المُفتقد فى ظل إهمال وتقاعس أجهزة الدولة، حيث يشير المحتجون إلى أن ذلك يُعد اختبارًا حقيقيًا للحكومة الإسرائيلية [2]، ورغم زيارة وزير الدفاع “بني جانتس” للمكان الذى شهد الواقعة فى “بتاح تكفا”، لإحدى خيمات المتظاهرين أمام قسم إعادة التأهيل، وتعهده باتخاذ خطوات عاجلة، إلا أن الاحتجاجات لم تتوقف لأنه ركز على استحقاقات أصحاب الإصابات بالقتالية على أرض المعركة فقط [3].
رغم انحسار العمليات القتالية – لماذا يتزايد عدد معاقى الجيش الإسرائيلى ؟
وفقا لتقارير مراقب الدولة[4] ووزارة الدفاع ، يتزايد عدد معاقى الجيش الإسرائيلى باطراد، على الرغم من تراجع عدد العمليات القتالية[5] ، وهناك أكثر من 100 ألف شخص مصنفون كمعاقى الجيش .
يبدأ استحقاق من يتم تصنيفه علاجيًا عند نسبة إعاقة 20 ٪ ، أو 10٪ ، لا يتلقى جميعهم الرعاية من قسم إعادة التأهيل، وغير المستوفى للمعايير يتم تحويله جزئياً إلى التأمين الصحى ، لذلك فإن حوالي نصف هذا العدد فقط يتلقى الرعاية من قِبل قسم إعادة التأهيل التابع لوزارة الدفاع، أما حقيقة الزيادة فى الأعداد ، فتكمُن فى مفهوم الإعاقة …
مفهوم الإعاقة وفقًا لقانون معاقى الجيش الإسرائيلى
تُعرف الإعاقة وفقا للقانون : بأنها فقدان القدرة على أداء العمل الطبيعى بدنيًا أو نفسيًا أو عقليًا، ويشمل ذلك ضعف الإدراك ، مما يحدث للجندى النظامى أو المُسرّح من الخدمة والاحتياط ، نتيجة إصابة حدثت له خلال فترة خدمته أو بعدها، وتُعد بالنسبة له إصابة أثناء الخدمة أو نتيجة الإصابة بمرض أو تدهور صحى مرضى حدث فى فترة خدمته أو بعدها نتيجة لخدمته .
لأسباب سياسية، طرأت بعض التعديلات التشريعية تدريجيًا وسُنت قوانين جديدة لتصنيف بعض الفئات الأخرى كمعاقى الجيش الإسرائيلى مثل: رجال الشرطة، خدمة السجون، خدمة وحراسة الكنيست وساحاته ، العسكريين في جنون لبنان وأسرهم، معلمو مساقات التأهيل للخدمة العسكرية ، مدربو الإعداد خدمات التنسيقات الأمنية العسكرية ، وضحايا حركات المقاومة والحركات السرية من أجل استقلال الدولة، حتى أنها شملت من لحقت به إعاقة أثناء فترة خدمته وإن لم تكن بسبب الخدمة وأسرهم[6] ، ثم أصبح وفقًا لنص المادة 8 من قانون تعويض ضحايا الأعمال العدائية، يجب معاملة ضحايا الأعمال العدائية كمعاقين في جيش الدفاع الإسرائيلي[7].
معاناة معاقى الجيش الإسرائيلي الحقيقية
تتضح المشكلة الحقيقية لمعاقى الجيش الإسرائيلي في تصنيفهم ، وما يعتبرونه تمييزًا بينهم فى أقسام التأهيل، وأقسام العائلات التابعين لوزارة الدفاع ، وكانا يعملان كوحدة واحدة بموجب ثلاثة قوانين قديمة منذ الخمسينات حتى تقرر فصلهما عام 2005م بغرض تركيز الخدمة وفقًا لاحتياجات مستحقيها.
قرر قسم التأهيل في وزارة الدفاع تخفيف ضغط المعاقين؛ بحيث يتم علاج الشخص الذى يتعرض لإصابة غير ناتجة من عمليات عسكرية فى التأمين الوطنى[8]، ولكن منظمة معاقى الجيش الاسرائيلى رفضت ذلك لأنه سيقلص عدد من تُمثلهم المنظمة من المعاقين ويضر بقوتها ومصالحها.
نشأ نزاع بين قسم إعادة التأهيل ومنظمة معاقى الجيش الإسرائيلي[9]، على الرغم من تخصيص 300 مليون شيقل لصالح علاج وتأهيل معاقى الجيش الإسرائيلي، وتوصل الحكومة إلى برنامج “روح واحدة” التأهيلى[10]، وبموجبه يتم تخصيص حوالي 1 مليار شيكل لعلاجهم وضحايا اضطراب ما بعد الصدمة كميزانية ثابتة اعتبارًا من عام [11]2022م ، وادعت المنظمة انخفاض مستوى الخدمة المقدمة لهم بشكل كبير، على كل المستويات وأن الميزانية المطلوبة كانت 3 أضعاف المخصصة بالفعل .
بعد الحرب الأخيرة على قطاع غزة (مايو 2021 ) ، تقدم المئات من معاقى الجيش الإسرائيلى بشكوى مفادها أن شركة “سوبر فارما” المسؤولة عن توصيل الأدوية للمنازل[12]، لاتزودهم بها كما أنها أبلغتهم بعدم قدرتها على توصيل كميات كبيرة من الأدوية إلى المنازل، بعد أن كانت شركة “تلى فارما” المسؤولة عن ذلك منذ
ما يقرب من 20 عامًا[13].
أزمة فيروس كورونا
لم تكن فئة معاقى الجيش الإسرائيلي أفضل حالًا من غيرها من فئات المجتمع الإسرائيلى ، كان الانهيار الاقتصادى لهم شاهدًا على إهمال إسرائيل لمواطنيها، ويظهر هذا من عدد طلبات الإعانات المالية المقدمة لكل من منظمة معاقى الجيش الإسرائيلى وجمعية أصدقاء المنظمة الذى تضاعف ثلاث مرات مقارنة بالعام الماضى. يديعوت احرونوت
خطوات حكومية بطيئة لحل مشاكل معاقى الجيش
أنشأت لجنة “جورين”[14] منذ أكثر من عشر سنوات لإعادة ترتيب أوراق قضية معاقى الجيش الإسرائيلي، ولم تخرج توصياتها للنور، وهناك من تعمد تأخيرها أو تشوية تلك التوصيات، وفى عام 2012 م تم الاتفاق بين مدير مكتب رئيس الحكومة ومدير وزارة الدفاع ورئيس منظمة معاقى الجيش الاسرائيلى لوضع وتنفيذ بعض التغييرات على توصيات اللجنة بشأن إعادة التأهيل .
في عام 2015 م تم توقيع اتفاق الميزانية بين وزارة الدفاع ووزارة المالية، شملت تنفيذ توصيات اللجنة بعد إضافة تعديلات خاصة بإعادة التأهيل والتشريعات وإنشاء مجالس لتحديد السياسات اللازمة لفصل قسمى التأهيل والعائلات والإشراف على ميزانيتهما، في 2016 م صادق مجلس الوزارء على ملخص ميزانية 2012 –2013 المقررة لهم !!
دخلت التعديلات حيز التنفيذ فى 2017 م ، وخلال عام 2018 م كان من المفترض أن يدرس المسؤولين كيفية فصل ميزانية إعادة التأهيل عن ميزانية العائلات والشروط المطلوبة لذلك – وهو ما لم يحدث حتى الآن على الرغم أن لجنة “جورين” لم تكن تعبأ بزيادة أو نقص ميزانية ولم تنكر حقا لأى فئة في تلقى الرعاية المناسبة، لكنها كانت تطالب بالعدالة والنظام[15]،
مؤخرًا عام 2021 م ، أصدر مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست[16]، وثيقة مفصلة حول إعادة تأهيل المعاقين في جيش الدفاع الإسرائيلي ، توضح الوثيقة عملية التعرف على الإعاقة والاعتراف بها وسببها كمرحلة أولى ، والثانية تحديد نسبة الإعاقة من قبل لجنة طبية[17].
ختامًا
بعد أن كانت فئة معاقى الجيش تُحسب على من تعتبرهم إسرائيل بقرتها المقدسة وإحدى الفئات المدللة فى المجتمع الإسرائيلي، أصبحت مطالباتهم تتلخص في التقدير المعنوى والاحترام ، وتسبب اتساع المفهوم الخاص بمعاقى الجيش وتسلل فئات كثيرة له، إضافة للتباطؤ والبيروقراطية، فى احتجاجاتهم المستمرة على تلك الأوضاع التي نراها سياسات خاصة ، ومصالح شخصية يحاول أصحابها الظهور فى الصدراة دائما، تتماشى مع ما أسسته المنظومة السياسية لنفسها من آليات تتسم بالتمييز والعنصرية بشكل عام[18] .
ويتضح مما سبق أن معاقى الجيش الإسرائيلي يفتقرون إلى الثقة فى الدولة ومؤسساتها ، نتيجة ما يقرب من 40 عامًا من التجاهل والإهمال والإساءات، وأما خروجهم للاحتجاج لم يكن ليستهدف الميزانية ، قدر ماهو تعبير عن احتياجاتهم المعنوية، ما يتطلب إصلاح شامل، عميق وسريع ، لأن هذه الفئة تفتقد الشعور بإنصات المؤسسة اليقظة المتفهمة، التى تستطيع حل مشاكلهم ومواجهة تضارب المصالح والبيروقراطية .
[1] פורטל נכי צה”ל, https://www.pnz.co.il, cited in 15.8.2021,3pm.
YNET,ידיעות אחרונות, https://www.ynet.co.il,cited in 15.8.2021,11.30am.
[3] ועדת העבודה, הרווחה והבריאות, https://main.knesset.gov.il, ,10:6p.m cited,13.8.2021
[4] אתר מבקר המדינה, היבטים מנהליים בעבודת הוועדות הרפואיות לקביעת זכויותיהם של נכי צה”ל // 83, cited in 14.8.2021,10am.
[5] تعتبر الحرب لأخيرة لإسرائيل عام 2014م ، في هذا العام بلغ عدد المعاقين في الجيش الإسرائيلي الذين تم علاجهم في قسم إعادة التأهيل 51 ألفًا أو أقل قليلًا ، في عام 2016 كان عددهم حوالي 57 ألفًا، ومنذ منذ ذلك الحين في تزايد مستمر.
[6] משרד הביטחון, אגף השיקום, https://shikum.mod.gov.il/ cited un 13.8.2021,12pm.
[7] היקף הבקשות להכרה בנכי צה”ל ומשך תהליך ההכרה בהן, https://main.knesset.gov.il,cited in 13.8.2021,5pm , הכנסת, תיקון חוק הנכים , https://main.knesset.gov.il/, cited in13.8.2021,5.20pm
[8] بمعنى؛ إذا أصيب أحدهم بمرض السكرى على سبيل المثال فى عمر45 عام، وكان منتميًا للشاباك أو مصلحة السجون يتلقى تقرير إعاقة من قِبل اللجنة ولكن يتوجه للتامين الوطنى لتلقى العلاج.
[9] ארגון נכי צה”ל, https://www.inz.org.il/
מקור ראשון, https://www.makorrishon.co.il, in14.8.2021,6.15pm cited
[11] גלובס, https://www.globes.co.il,cited in 14.8.2021,4pm.
[12] حوالى 14000-15000 معاق في الجيش يتلقون العلاج في المنزل.
נכי צה”ל מתלוננים: סופר-פארם מעכבת אספקת תרופות עד הבית, https://www.calcalist.co.il,cited in 14.8.2021,10.45am.
[14] הועדה ציבורית לבחינת זכאות לסיוע מאגפי השיקום של משרד הביטחון, אגף שיקום נכים ואגף משפחות והנצחה, ועדת גורן , http://www.vaadatgoren.gov.il/ cuted in 13.8.2021,8.10pm.
[15] מרכז המחקר והמידע, https://main.knesset.gov.il, cited,13.8.2021,10.30pm.
[16] ועדת העבודה, הרווחה והבריאות, https://main.knesset.gov.il, , cited,13.8.202110:6p.m
[17] يتحدث المسؤولون عن آلية التعامل مع معاقى الجيش في الولايات المتحدة الأمريكية كنموذج يجب أن يحتذى؛ يتم التصنيف على أساس فئة قرمزية وغير ذلك، وفئة القلب القرمزى هي التي أصيبت في نشاط عملياتى (اثناء الحرب فقط) .
[18] المعاق بنسبة 100٪. يتلقى 2500 شيكل شهريًا من مؤسسة التأمين الوطني وليس لديه أية مزايا أخرى، شخص معاق في الجيش الإسرائيلي بنفس نسبة الإعاقة يتلقى 8000 شيكل شهريًا !!