قراءة في تنصيب رئيس السلطة القضائية ..
يعد غلام حسین محسنی اژهای، الذي أصبح رئيسا للسلطة القضائية في جمهورية إيران الإسلامية، اعتبارا من أول شهر يوليو 2021م، رجل أمن من الطراز الأول، أكثر من كونه فقيها دينيا يحمل لقب حجة إسلام ومسلمين،وحاصل على درجة الدكتوراه في القانون الدولي، وقاضيا يتمتع بسمعة قوية في التصدي بصرامة لجرائم الفساد الكبرى.
يتمتع محسنی اژهای بثقة المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي، بل ومقربا منه، منذ أن نجح في جمع توقيعات الفقهاء وخطابات التزكية التي رجحت كفة خامنئي لخلافة الخميني عام 1989م، فضلا عن أنه يحتفظ بعلاقة وثيقة مع إبراهيم رئيسي. وهذا يعد مصوغا وافيا ومبررا كافيا كي يصبح محسنی اژهای سابع من يتولى رئاسة السلطة الثالثة في البلاد بعد كل من: محمد حسيني بهشتي (1979 ـ 1981) وعبد الكريم موسوي أردبيلي (1981 ـ 1989م) ومحمد يزدي (1989 ـ1999م) وهاشمي شاهرودي (1999 ـ 2009م) وصادق لاريجاني (2009 ـ 2019م) وإبراهيم رئيسي (2019 ـ 2021م) الذي يستعد لتولي رئاسة السلطة التنفيذية عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية مؤخرا.
يبلغ محسنی اژهای من العمر 67 عاما، إذ ولد عام 1956م، بـقرية تسمى اژه Ajeh)) تابعة لمركز جلگه (jalage) بمحافظة أصفهان، في أسرة فقيرة لفلاح بسيط يعول سبعة من الأبناء 4 بنات و3 أولاد. ما لبث أن التحق، شأنه شأن أبناء الأسر الفقيرة بالتعليم الديني، فتلقى دروسه الأولى بمدرسة “حقاني” التي أسسها كل من محمد بهشتي وأحمد جنتي ومحمد تقي مصباح يزدي، وخرجت العديد من الشخصيات والرموز التي ذاع صيتها في ظل نظام الجمهورية الإسلامية، من أمثال: ودري نجف آبادي، وعلي فلاحيان، وبور محمدي. وقد واصل محسنی اژهای دراسته العلمية، بعد ذلك، بالحوزة العلمية بقم، حتى انتقل إلى طهران؛ عشية قيام الثورة الإسلامية عام 1979م لإثبات ولائه لها ونيل جزء من مكتسباتها.
ومن ثم، قضى محسنی اژهای معظم سني عمره منخرطا بالعمل في السلك القضائي، وبأجهزة الأمن والاستخبارات أيضا، بل ومحاضرا بمعهدى الاستخبارات، والقضاء، الأمر الذي عزز لديه حسا أمنيا عال جعله يدرك من تلقاء نفسه طبيعة متطلبات كل مرحلة من مراحل النظام السياسي لجمهورية إيران الإسلامية، كما كرس لديه خبرات متراكمة في مجال بناء وتنظيم الجهاز القضائي. وبالتالي يمكن القول إنه الرجل المناسب بخبراته الوظيفية لتولي السلطة المناسبة، في المرحلة الملائمة.
خبراته الوظيفية
مدير إدارة التوظيف بوزارة الاستخبارات(1984 و1985م).
ممثل السلطة القضائية بوزارة الاستخبارات(1985ـ 1988م).
المدعي الخاص بمحكمة فقهاء طهران(1995 ـ 1998م).
رئيس محاكم التحقيق في جرائم موظفي الدولة، (1998 ـ 2002م).
وزيرا للاستخبارات (14/8/2005 ـ 23/8/2009م).
عضو لجنة التحقيق في التحرش الجنسي بمعتقلي احتجاجات عام 2009م.
النائب العام (2009 ـ 2014م).
عضو بمجمع تشخيص مصلحة النظام.
نائب أول رئيس السلطة القضائية (2014 ـ 2021م).
سمعته القضائية
يتمتع محسنی اژهای بسمعة قضائية صارمة؛ نظرا لمشاركته المبكرة في كشف ملابسات قضايا كبرى، وتصديه بحزم لكثير من القضايا التي أثارت جدلا واسعا داخل المجتمع الإيراني، أهمها:
مشاركته في مقتبل عمره بالتحقيقات الواسعة التي أجريت للكشف عن ملابسات تفجير المقر العام لحزب الجمهورية الإسلامية (28/6/1981م) الذي أودى بحياة آية الله بهشتي أول رئيس للسلطة القضائية، ومعه أكثر من 72 شخصا من كوادر الثورة الإسلامية، ثم التحقيقات التي أجريت أيضا حول تفجير مقر انعقاد مجلس الدفاع الأعلى (30/8/1981م) الذي أودي بحياة محمد علي رجائي رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء محمد جواد باهنر.
مشاركته بالتحقيقات التي أجريت حول أشهر قضية هزت النظام الإيراني بعد الثورة، التي حوكم فيها مهدي هاشمي، صهر آية الله منتظري، بتهمة الخيانة وإفشاء أسرار استراتيجية تتعلق بالتعاون التسليحي والمعلوماتي بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل 1986م، لمجلة الشراع اللبنانية والمعروفة إعلاميا بفضيحة إيران جيت، والتي انتهت بإعدام مهدي هاشمي وعزل منتظري من خلافة آية الله خميني؛ ليتولاها بدلا عنه آية الله خامنئي.
قام بمحاكمة عدد من المسؤولين الحكوميين والشخصيات الإصلاحية، من أمثال: عمدة طهران الأسبق غلام حسين كرباسچي، ووزير الداخلية الأسبق عبد الله نوري رئيس تحرير جريدة خرداد وحجة الإسلام والمسلمين محسن کدیور، وحسن یوسفی اشکوری، وعماد الدين باقي، وأكبر گنجي. فضلا عن ابني الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني فايزة رفسنجاني وشقيقها مهدي.
تولى قضية اختلاس 123 مليار تومان من بنك صادرات، التي تورط فيها مرتضى رفيقدوست، وشقيقه محسن رفيقدوست أول وزير للحرس الثوري، والتي انتهت بصدور حكم بالإعدام على موظف بسيط على الدرجة الثانية بالبنك يدعى فاضل خداد بتهمة “الإفساد في الأرض”.
تولى قضية فساد شركة الخدمات البحرية الإيرانية (شركت ایران مارین سرویس) في عام 1998، والتي كشفت ملابسات التحقيق فيها عن شبكة مافيا داخلية متخصصة في تهريب النفط.
تولى قضية الأخوين افراشتهپور، صاحبا شركة تطوير عقاري، التي اختلف فيها الأخوان افراشتهپور مع شركائهما حول صفقة استيراد الهواتف المحمولة من الخارج، وانتقل الخلافات بين الشركاء إلى ساحات المحاكم، التي كشفت بدورها أن القضية متورط فيها أبناء مسئولين كبار في الدولة من أمثال أبناء آية الله ناصر مكارم شيرازي (المعروف بملك السكر) وابن الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني (المعروف بالقرش) إلى جانب بعض عناصر الاستخبارات بوزارة الاتصالات.
تولى قضية عرفت إعلاميا بقضية الفساد الكبرى التي تورط فيها أكبر طبري وغلامرضا منصوري، العام الماضي 2020م.
مواقفه
لا يؤمن محسنی اژهای كثيرا بحرية الرأي، فمن المعروف أنه كان وراء إغلاق جريدتي خرداد وسلام، الإصلاحيتين، ومصادرتهما نهائيا، وسجن عبد الله نوري وتهميش موسوي خويني.
كما أنه كان يقف وراء قرار محمود واعظي وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بفرض قيود على الإنترنت، وبعض منصات التواصل الاجتماعي وبرامج الاتصال مثل فايبر، وواتساب، وتانجو، والشبكات الاجتماعية الأخرى؛ الأمر الذي أحدث العديد من ردود الفعل داخل المجتمع الإيراني.
تمسك محسنی اژهای بإقالة إسفنديار رحيم مشائي، والد زوجة ابن أحمدي نجاد، حتى أقاله أحمدي نجاد من منصبه وزيرا للاستخبارات، في 24 أغسطس 2009م، إثر مشادة كلامية بينهما أثناء اجتماع مجلس الوزراء، وانسحابه مع عدد آخر من الوزراء من الاجتماع؛ بسبب تباطؤ أحمدي نجاد في إقالة زوج ابنته.
كما أنه يعترض على بث اعترافات المحتجزين على زمة أي قضية عبر شاشات التليفزيون الرسمي قبل محاكمتهم؛ استنادا إلى أن ذلك يقلل من مصداقية القضاء لدى الرأي العام وهيبته، فضلا عن أنه يعزز الانقسام داخل المجتمع. خاصة بعد أن أصبح ذلك يكرس في ظاهره الصراع بين المحافظين والاصلاحيين، بينما هو في الحقيقة، كان يستخدم في تسخين الاجواء الداخلية ضمانا لاستمرار التفاف الرأي العام بجناحيه الإصلاحي والمحافظ حول النظام. على اعتبار أن كليهما كانا يعملان داخل دائرة النظام.
وعلى الرغم مما سبق فإن محسنی اژهای لا يتمتع بمكانة طيبة في المخيلة الشعبية الإيرانية؛ إذ يعد لدى معارضي النظام نموذجا للجلاد الذي يحفل تاريخه بالبطش والقمع وانتهاك حقوق الانسان، والحكم بإعدام الكثير من الأبرياء.
صورته الدولية
يقع محسنی اژهای، شأنه شأن كثير من المسئولين الإيرانيين، تحت طائلة العقوبات الأمريكية والأوربية، منذ أكثر من عقد من الزمن:
إذ عاقبته وزارة الخزانة الأمريكية، في 28 أكتوبر 2010 م، بمصادرة الأصول المحتملة له في الولايات المتحدة ومُنعه من دخول البلاد، ومنعت أي مواطن أمريكي من التعامل معه؛ نظرا لارتكابه انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وأصدر الاتحاد الأوروبي قرارا، في 13 أبريل 2011م؛ منعه من دخول دول الاتحاد ضمن 32 مسؤولاً إيرانيًا، ومصادرة جميع أصولهم المالية المحتملة في أوروبا؛ نظرا لدورهم في ممارسة انتهاكات واسعة النطاق لحقوق المواطنين الإيرانيين.
دلالة تنصيبه
يحمل تنصيب محسنی اژهای الأصولي المتشدد رئيسا للسلطة القضائية عددا من الدلالات السياسية، أهما:
أولا: أن النظام الإيراني لا يأبه كثيرا، لدى خياراته الداخلية، بقائمة الاتهامات أو العقوبات الأوربية والأمريكية التي توجه إلى بعض رجالاته؛ إدراكا منه أن هذه الاتهامات أو تلك العقوبات ما هي إلا وسائل ابتزاز عرفها جيدا، وأصبح معتادا عليها من هؤلاء، أو إنها تدخل أحيانا في باب إرضاء تيارات سياسية داخلية بعينها، أو حتى أطراف إقليمية ودولية دفعت الثمن مسبقا.
ثانيا: أن النظام الإيراني بدأ فعليا الترتيب لانتقال منصب الولي الفقيه انتقالا دستوريا سلسا في حال وفاة المرشد الأعلى سيد علي خامنئي، بما يضمن استمرار جمهورية النظام، وإسلامية الحكم قائما على نظرية ولاية الفقيه، مع إدخال تغييرات دستورية تقلص من صلاحياته المرشد القادم. وهذا من شأنه أن يرضي التيار الديني المعارض لولاية الفقيه السياسية، ويحفظ الدولة من مخاطر تولي رجل قد لا يحسن استخدام هذه السلطات والصلاحيات الجسيمة التي يتمتع بها المرشد، بموجب الدستور. صحيح أن منصب المرشد أصبح عبارة عن مؤسسة ضخمة قوية الأركان داخل الدولة، إلا أن مجرد ولاية فقيه بمفرده لهذا المنصب لم تعد مقبولة في ظل المتغيرات الداخلية أو الخارجية المتلاحقة.
ثالثا: أنه قد أصبحت هناك إرادة سياسية جادة، ترغب في مواصلة إصلاح وتطوير أداء الجهاز القضائي بالكامل، وتقليص الثغرات التي أدت إلى استشراء الفساد في كل جنباته، من ناحية. والمساهمة بتخفيف حالة الاحتقان الداخلي من ناحية أخرى، وذلك من خلال فتح بعض ملفات الفساد الكبيرة التي ترتبط ببعض العائلات والشخصيات النافذة التي ينوي النظام التضحية بها، والافراج عن بعض معتقلي الرأي وخاصة الذين ينتمون إلى القوميات المختلفة.
رابعا: أن هناك رغبة ملحة في استرداد إيران عافيتها الداخلية واستعادة قوتها الخارجية، وأن استرداد هذه العافية واستعادة تلك القوة منوط بالتحالف القائم بين فقهاء المؤسسة الدينية وقادة المؤسسة العسكرية، الذي سوف يقود الدولة في هذا الاتجاه، حتى عام 2030م، خاصة بعد سيطرة هذا التحالف مؤخرا على سلطات الدولة الثلاث بفوز رئيسي برئاسة الجمهورية، وتنصيب محسنی اژهای رئيسا للسلطة القضائية. ومن المحتمل أن يسعى هذا التحالف نحو تحقيق عدد من الأهداف العاجلة، منها:
العمل بجدية على إعادة التماسك بين المؤسسات وتنسيق العمل بينهما بما لا يكرر الأخطاء الحالية.
العمل على تعزيز تماسك الجبهة الداخلية لتقليل عمليات الاختراق الأمني، الذي يمثل ضغطا على النظام، خاصة بالمناطق الرخوة التي تقطنها الاقليات العرقية. لا سيما في ظل تزايد المخاوف من أن تصبح التطورات الجارية في افغانستان رافدا لتحول قبائل البلوش للعمل المسلح، أو تصبح غطاء لتسلل العناصر الاستخباراتية الأجنبية الى الداخل على غرار ما يحدث حاليا في منطقة كردستان الجبلية.
التعامل بحزم مع ملفات الفساد الذي استشرى في الطبقة السياسية والعسكرية المتوسطة والصغيرة، بما يسهم في تخفيف حالة الاحتقان الداخلي.
من المستبعد، أن يخرج محسنی اژهای ملفات الفساد الخاصة بالعائلات الكبرى خلال المرحلة الراهنة، لأن من شأن ذلك أن يحدث هزة عنيفة للنظام، وربما تأتي بنتائج معاكسة، خاصة أن شبهات الفساد باتت تطول صادق لاريجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، وأشِقّائه: علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى السابق والذي رفض مجلس صيانة الدستور منحه أهلية خوض الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ومحمد جواد لاريجاني أمين عام لجنة حقوق الإنسان في إيران، والدكتور باقر لاريجاني، مستشار جامعة طهران للعلوم الطبية، وفاضل لاريجاني الموظف بوزارة الشئون الخارجية الإيرانية.
من المحتمل أن يقود النظام حملة للتطهر من تهمة إقصاء الآخر، بحيث يقوم برفع القيود التي سبق فرضها على كثير من الرموز المنتمية للتيارات السياسية والأحزاب المعتدلة، من أمثال محمد خاتمي، ومهدي كروبي، ومير حسين موسوي.
العمل على وضع حلول عملية ناجعة لمعضلة الاقتصاد الإيراني، والتي ربما يتم فيها اللجوء إلى اتخاذ قرارات صعبة.
قيادة انفتاح نسبي خارجي تتم حساباته وفق مخرجات التفاوض الجاري الان مع إيران.