تُقدم إسرائيل في الأول من نوفمبر القادم على خوض الانتخابات البرلمانية الخامسة خلال ثلاث سنوات. واستعدادا لتلك الانتخابات، يمر المشهد السياسي في الدولة العبرية بالعديد من التحولات وإعادة التوازنات، حيث تُجرى انتخابات تمهيدية داخل بعض الأحزاب لتعديل قوائم المرشحين، وتتشكل أحزاب جديدة على غرار “الروح الصهيونية” بقيادة شاكيد وهندل، بينما تتحد أحزاب أخرى فيما بينها لخوض المنافسة ضمن قوائم مشتركة، وعليه فإن الملامح النهائية للخريطة الحزبية لم تكتمل بعد، وربما ستشهد بعض المفاجآت. ولذا فإن استطلاعات الرأي الحالية هي مجرد محاولة لاستشراف مستقبل الحياة السياسية والحزبية في إسرائيل بعد فترة طويلة من عدم الاستقرار السياسي وسقوط أربع حكومات متتالية قبل إتمام مدتها.

وتشير الاستطلاعات الأخيرة إلى محاولة بعض الأحزاب تجاوز نسبة الحسم مثل “ميرتس” و”الروح الصهيونية” و”القائمة الموحدة”. بينما تكافح معظم الأحزاب لزيادة مقاعدها البرلمانية لضمان المشاركة في الائتلاف الحكومي القادم.

جولة مُختلفة!
ربما يعقد الكثيرون أن الانتخابات الخامسة في إسرائيل خلال قرابة ثلاث سنوات، والتي ستُجرى في الأول من نوفمبر القادم لن تختلف عن الجولات الانتخابية الأربع السابقة، ولن تُفضي إلى إنهاء الأزمة السياسية وتشكيل حكومة مستقرة. ولكن واقع الأمر مختلف إلى حدٍ كبير لأن المشهد السياسي في إسرائيل قد مر بمتغيرات شديدة، ستؤثر حتمًا على سير الانتخابات ونتائجها.
ولعل سبب اختلاف الجولة الانتخابية القادمة عن الجولات الأربع السابقة التي لم يحسمها اليمين أو اليسار، يكمن في انتهاء دور الأحزاب التي ستمثل رمانة الميزان، بعدما أصبح كل حزب ينتمي لأحد المعسكرين اللذين لا خيار أمامهما سوى حسم المنافسة والحصول على 61 مقعدا، لأن كل مقعد سيفقده أي معسكر سينتقل تلقائيًا للمعسكر الآخر.

ومن أبرز متغيرات المشهد السياسي الإسرائيلي :
1- اختلاف الدور السياسي للأحزاب العربية: فمنذ تشكيل الأحزاب العربية المناهضة للصهيونية، لم يلعب أي منها دورًا في الائتلافات الحكومية الإسرائيلية. وحتى حكومة رابين لم تسمح بضم أي حزب عربي للائتلاف الحاكم، رغم استعانتها بأصوات أعضاء الكنيست العرب من أجل تمرير الموافقة على إبرام اتفاقية أوسلو الثانية، بعد استقالة حزب شاس من الحكومة. ناهيك عن أن الحزبين العربيين اللذين دعما الائتلاف الحكومي من الخارج، هما الحزب العربي الديمقراطي بزعامة عبد الوهاب دراوشة الذي استقال من تكتل الـ”معراخ”، والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة التي لم تكن تمثل جبهة قومية فلسطينية، وحتى رغم ذلك تعرض الحزبان لانتقادات من كل الأطراف. وأيضا عندما اعتزم قادة حزب “أزرق أبيض” خلال انتخابات عام 2019 تشكيل حكومة أقلية بدعم خارجي من قِبل القائمة المشتركة، أحجموا عن الفكرة وسارعوا بالتراجع عنها. لكن الآن، اختلف الدور السياسي للأحزاب العربية بعد تجربة حكومة بينيت المنتهية ولايتها، ولأول مرة في تاريخ الدولة العبرية، يتم إضفاء الشرعية على الشراكة السياسية الكاملة مع حزب عربي وهو القائمة الموحدة بقيادة منصور عباس. ولم يقتصر الأمر على الشراكة مع القائمة الموحدة، بل إن حكومة بينيت استعانت في كثير من الأحيان بحزب القائمة المشتركة. ولم تكن الامتيازات التي قدمتها حكومة بينيت- لبيد لكل من منصور عباس وأحمد طيبي تهدف فقط لتحقيق الاستقرار لحكومة بينيت في أيامها الأخيرة، بل كانت تهدف أيضًا لإرساء مشروع سياسي مستقبلي جديد، يتمثل في اعتماد معسكر اليسار على دعم الأحزاب العربية. وبذلك بات معسكر اليسار يمتلك من الآن حصيلة من المقاعد العربية، تتراوح ما بين 10 إلى 15 مقعدًا، يمكنه إشراكها في أي ائتلاف حكومي برئاسته.
2- تجربة غير مسبوقة: إن ما فعله حزب يمينا بعد الانتخابات الماضية، وإقدامه على ترأس الحكومة بقيادة نفتالي بينيت، يعُدُّ سلوكًا غير مسبوق في الساحة السياسية، وسيؤدي لإنهاء الدور الذي كانت تلعبه أحزاب ما يُسمى بـ “رمانة الميزان”. إذ لم يحدث من قبل أن ادعى أي حزب بأنه أشد تمسكًا بمبادئ أحد طرفي الخريطة السياسية، ثم انتقل بشكل كامل بعد الانتخابات للتحالف مع الطرف الآخر. صحيح أن هناك حالات سابقة ارتكبتها مثل تلك الأحزاب فأسقطت حكومات يمينية، جرَّاء إصرارها على التمسك بمواقف يمينية أكثر تشددًا، ولكن لم يحدث من قبل أن أقدم حزب يميني على مساعدة معسكر اليسار لتشكيل حكومة مناوئة لتوجهاته، بل وتوليه رئاسة تلك الحكومة!. ولا شك أن ذلك المتغير الأيديولوجي – السياسي الذي تشهده الدولة العبرية، سيُؤدي إلى إضعاف مكانة الأحزاب التي تزعم أنها تلعب دور رمانة الميزان، كما سيُؤدي لكشف زيف الأحزاب التي تزعم أنها “لا ترفض أي طرف”، لكنها في النهاية لا تخدم سوى طرف واحد. ففي الانتخابات السابقة، حصلت تلك الأحزاب – “إسرائيل بيتنا” و”الأمل الجديد” و”يمينا”- على مقاعدها البرلمانية بفضل أصوات ناخبي اليمين، لكنها استغلت مقاعدها لخدمة كتلة اليسار. وبعد هذا الخيانة للناخبين، سيكون من الصعب على أي حزب في الجولة القادمة، أن يحتال على الناخبين لاستغلال أصواتهم في تشكيل ائتلاف مناوئ.
3- ثنائية المعركة الانتخابية: إن المعركة الانتخابية الخامسة المقرر لها الأول من نوفمبر القادم، ستشتعل بين معسكرين شبه متكافئين. فرغم تراجع نسبة التأييد لمعسكر اليسار في الجولات الأربع السابقة، إلا أنه استطاع خلق حالة سياسية جديدة، أدت في نهاية الأمر إلى تولي لبيد مهمة تشكيل الائتلاف ثم اعتلائه منصب رئيس الحكومة الانتقالية. ويعني ذلك أن كتلة اليسار تتسع وتتنامى رغم تراجع التصويت الأيديولوجي لصالحها، وتلك من مفارقات المشهد السياسي في الدولة العبرية. ورغم كثرة الأحزاب في إسرائيل إلا أن نظامها السياسي، بات يتسم للمرة الأولى بالثنائية القطبية التي تقوم على معسكرين لا ثالث لهما. وتلك الحقيقة التي تؤكدها الأرقام والإحصائيات، سيترتب عليها غياب الأحزاب التي يمكن أن تلعب دور رمانة الميزان، لأن أي حزب سينتمي لكتلة واحدة فقط، وسيكون الخيار الوحيد لكل كتلة هو الحصول على 61 مقعدا. مع إدراك أن أي مقعد ستفقده إحدى الكتلتين سينتقل تلقائيًا للكتلة المناوئة.

خلاصة القول، إنه في ظل المتغيرات الجديدة على المشهد السياسي الإسرائيلي:
أ- سيكون الناخب أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما حكومة يمينية يتزعمها نتنياهو وتضم أحزاب الليكود والصهيونية الدينية وشاس ويهدوت هتوراه، وإما حكومة يسارية يقودها لبيد وتضم أحزاب الائتلاف الحالي وهي: “يش عتيد” و”يمينا” و”تكفا حداشا” و”يسرائيل بيتينو” و”العمل” و”ميرتس” والقائمتين العربيتين. ويعني ذلك أن الجولة الانتخابية القادمة في إسرائيل ستمر لأول مرة بتجربة المعادلة الصفرية، فإما اليمين بقيادة نتنياهو وإما اليسار بقيادة لبيد.
ب- يجب على القائمتين العربيتين في أرض الـ 48، استغلال المتغيرات الجديدة في المشهد السياسي، والاستفادة من أخطاء الماضي وتنسيق الأدوار وحشد الأصوات، للحصول على أكبر عدد من القاعد البرلمانية حتى يمكن التأثير في أي حكومة جديدة، سواء من خلال البقاء في خندق المعارضة أو المشاركة الحذرة والمحسوبة في أي ائتلاف لتحقيق مصالح المواطن العربي، شريطة ألا يكون ذلك على حساب الانتماء القومي أو عبر التفريط في الحقوق الفلسطينية.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version