يتوقع المحللون الاستراتيجيون أن حربًا مؤكدةً سوف تندلع بين إسرائيل وإيران إذا ما أوشكت الأخيرة على امتلاك السلاح النووي الذي يمثل الخطر الوجودي على الدولة العبرية. فيما أدى إصرار إيران على استكمال برنامجها النووي إلى اندلاع حرب باردة بين الدولتين، كالتي شهدها العالم خلال القرن الماضي بين المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي. وتتسم الحرب الباردة بين تل أبيب وطهران بالصراع والتنافس والدعاية المضادة وتطوير الأسلحة والحرب بالوكالة.
ورغم أن تلك الحرب الباردة بين إسرائيل وإيران معروفة الأهداف، إلا أنها لا تدور بين الجيوش في جبهات مُحددة، بل عبر الوكلاء وفي جبهات غير تلقليدية بما فيها الفضاء السيبراني. ولأن مثل تلك الحرب لا يمكن أن يحسمها أحد الطرفين، فمن المتوقع أن تندلع حرب علنية ومباشرة في نهاية المطاف بين الدولتين.
كل طرف يستنزف الآخر..
تقف إسرائيل وإيران وراء العديد من العمليات التخريبية والضربات الصاروخية وعمليات القتل المتعمد، كما تتعرص سُفُن الدولتين لأعمال القرصنة والتفجير.
وبينما تقوم إسرائيل باستهداف الميليشيات الشيعية في سوريا والعراق، فضلا عن توجيه ضربات للحركات المسلحة الموالية لطهران في جنوب لبنان وقطاع غزة، فإن طهران تقوم في المقابل، بتحريض تنظيم حزب الله وحركتي حماس والجهاد الفلسطيني على إطلاق الصواريخ ضد أهداف إسرائيلية، كما تدعم طهران ميليشيات الحوثي في اليمن للهيمنة على المضيق الملاحي عند مضيق باب المندب لتهديد السُفن الإسرائيلية.
الهدف الأسمى لإيران!
تعتمد الحرب غير المُعلنة بين إسرائيل وإيران، على النفس الطويل، لاستنزاف كل منهما الآخر، إلى أن يحين وقت اندلاع الحرب المُعلنة التي تخشاها الدولتان.
ورغم أن الجيش الإسرائيلي يشن غارات شبه يومية لضرب الميليشيات المسلحة الموالية لإيران في سوريا وإلحاق الخسائر الفادحة بها، إلَّا أن طهران تلتزم الصمت ولا تُقدم على ردود عسكرية غير محسوبة. والسبب الذي يدفعها لاتخاذ ذلك الموقف السلبي هو إصرارها على تحقيق الهدف الأسمى المتمثل في استكمال برنامجها النووي، الذي تعتبره إسرائيل تهديدا وجوديا لها، رغم تأكيد طهران على أن برنامجها سلمي وليس عسكري.
حصار متبادل..
تحاول إيران محاصرة الدولة العبرية من خلال دعم الحركات المسلحة الموالية لها في لبنان وقطاع غزة، بل وحتى في جنوب البحر الأحمر. وتسعى إيران لتحقيق أقصى استفادة من سيطرتها على العراق منذ سقوط صدام، ومن هيمنتها على سوريا واليمن بعد أحداث “الربيع العربي”. ولقد توغلت إيران لاختراق أعماق الشرق الأوسط، فأصبحت موجودة بقوة في العراق واليمن وسوريا ولبنان، وباتت قادرة على نقل الميليشيات الموالية لها, من العراق إلى سوريا وصولاً إلى لبنان. وتواصل طهران تسليح “الحوثيين” في اليمن، والهدف من كل ذلك هو محاصرة إسرائيل من كل الجهات.
على الجانب الآخر، تسعى إسرائيل لمحاصرة إيران سواء بالتقارب مع دول الخليج وتطبيع العلاقات معها، أو التواجد عسكريا واستخبارتيا في أذربيجان، أو التنسيق العسكري مع روسيا في سوريا. فبعدما أعلنت الولايات المتحدة عن اعتزامها سحب قواتها من الشرق الأوسط، لجأت إسرائيل لاستغلال الخلاف بين طهران وموسكو حول فرض الهيمنة على سوريا، وبدأت تل أبيب تنسق مواقفها مع موسكو وحصلت على الضوء الأخضر لشن هجماتها العسكرية كي تمنع إيران من ترسيخ وجودها العسكري هناك. وتتم الهجمات الإسرائيلية في سوريا بموافقة موسكو، طالما أنها لا تهدد بقاء نظام بشار الأسد.
وبالطبع فإن تلك الهجمات الإسرائيلية تحقق مصالح روسيا التي تود إنهاء الوجود العسكري الإيراني، بعدما تم التخلص من تهديدات تنظيم (داعش) الإرهابي وعودة سيطرة نظام بشار الأسد على غالبية الأراضي السورية.
وحتى تستكمل إسرائيل حصارها لسوريا، فقد استغلت التوتر بين باكو وطهران – في أعقاب الحرب الأخيرة في إقليم ناغورني قرة باغ- للتقارب مع أذربيجان وإبرام صفقات عسكرية معها، وهو ما أثار قلق طهران التي ترى أن إسرائيل هي من تقف وراء الهجمات السرية التي استهدفت عُلمائها وبرنامجها النووي.
فشل استغلال المحور السُني..
في إطار الحرب الباردة بين إسرائيل وإيران، حاولت تل أبيب استغلال فترة حُكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فطلبت منه تشكيل تحالف عسكري، يضم دولًا عربية سُنية، لمواجهة إيران؛ لكن تلك الفكرة لم تتحقق لأسباب عديدة، منها الخلاف بين الدول السُنية وتخوفها من فرض الهيمنة الصهيونية على المنطقة، مما أفشل المخطط الإسرائيلي لإيقاع المعسكر السُني في صدام عسكري مع المعسكر الشيعي لحماية الدولة العبرية على حساب سفك دماء الجيوش العربية.
وسبق لإسرائيل أن عرضت ذلك المُخطط الخبيث على الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، لكنه فضل الاستمرار في إجراء المفاوضات مع إيران لإبرام الاتفاقية النووية معها.
حرب حتمية!
يبدو أن الصراع بين تل أبيب وطهران لن ينتهى إلا بالحرب التقليدية المباشرة وذلك للأسباب التالية:
1- أن إيران لم ولن تتراجع عن طموحاتها لامتلاك القنبلة النووية، التي قد لا تكون موجهةً في الأساس ضد إسرائيل، بل ضد السعودية ودول الخليج من أجل فرض النفوذ الشيعي على دول المنطقة.
2- أن إيران لن يمكنها الحفاظ على مكتسباتها الاستراتيجية في منطقة الهلال الشيعي، حيث تحتاج سلاحًا رادعا، يجعلها تضمن تفوقها على دول الخليج والمحور السُني بعدما باتت تسيطر على أربع عواصم عربية وهي بغداد وسوريا وبيروت وصنعاء.
3- حرص إسرائيل على منع إيران من امتلاك القدرات النووية، حتى لو كلفها ذلك شن غارات عسكرية لضرب المنشآت النووية الإيرانية.
4- غياب أفق المصالحة بين إيران زعيمة المحور الشيعي والسعودية زعيمة المحور السُني، وهو ما يدفع إيران لامتلاك القدرات النووية حتى تتمكن من حماية نفسها وحلفائها في مواجهة دول المحور السُني. ورغم وجود محاولات للتقارب بين طهران والرياض بوساطة بغداد، إلا أن إيران تدرك استحالة المصالحة بين المذهبين السُني والشيعي، الأمر الذي يدفعها لاستكمال برنامجها النووي.
***
ختامًا، فإن استمرار الحرب الباردة بين إسرائيل وطهران طيلة السنوات الماضية، يؤكد مخاوف الدولتين من اندلاع الحرب المباشرة بينهما. فإسرائيل من جانبها، ترى أنها عاجزة بمفردها عن شن هجوم عسكري ضد إيران لتدمير منشآتها النووية.
أما إيران فتتخوف من شن حرب عسكرية ضد إسرائيل، أولا لأنها عاجزة عن ذلك ومتخوفة من رد الفعل الأمريكي، وثانيا لأنها تود استمرار حالة اللا حرب بينهما، حتى تتمكن من تحقيق هدفها الأسمى الذي كلفها الكثير من النفقات والتضحيات، وهو امتلاك القدرة النووية.
ولأن إيران ستصر على استكمال برنامجها النووي وتحقيق تفوقها على الدول العربية، لذا ينبغي على دول الخليج ومصر الاستعداد من الآن لتلافي ذلك الخطر الإيراني المُنتظر، وسيكون ذلك عبر:
- التنسيق مع الدول العظمى والمجتمع الدولي لإحباط أي محاولات إيرانية لامتلاك قدرات نووية عسكرية.
- 2- اتخاذ التدابير اللازمة لامتلاك التفوق العسكري للدول العربية او امتلاك القدرة النووية لردع إيران أو إسرائيل أو أي قوة إقليمية أخرى.
- 3- ضرورة إقامة تحالف عربي سُني يمنع إيران من بسط نفوذها الشيعي على المنطقة، ويمنع إسرائيل من التحكم في مقدرات الدول العربية عبر مواصلة معاهدات التطبيع غير المنضبط مع الدول العربية.