منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية في يونيو من العام الماضي 2021، ظن الكثيرون أنها لن تُكمل مدتها القانونية، نظرًا لكونها تضم أحزاباً متباينة من حيث التوجهات السياسية والأيديولوجية. إذ تضم تلك الحكومة التي يقودها نفتالي بينيت، كلًا من التيار اليميني، متمثلًا في أحزاب “يمينا” و”الأمل الجديد” و “إسرائيل بيتنا”، والتيار اليساري متمثلا في حزبي العمل و”ميرتس”، ويمكن أن ينضم إليهما حزب القائمة العربية الموحدة. كما يشارك أيضا في تلك الحكومة تيار الوسط، متمثلًا في حزبي المستقبل و”أزرق- أبيض”.

التباين السياسي سر البقاء!

غير أن ذلك التباين الواضح في توجهات الأحزاب الائتلافية هو الذي يمنح الحكومة القدرة على الصمود والبقاء، نظرًا لأن المصلحة العليا لكل مكونات الائتلاف تتمثل في ضرورة البقاء في السلطة وعدم تمكين بنيامين نتنياهو وحزب الليكود من العودة مرة أخرى للحكومة.

وإذا رجعنا للوراء قليلًا، عندما جرت مفاوضات تشكيل ائتلاف حكومة بينيت، سنجد أنه لم يكن من السهل على معسكري اليمين واليسار أن يشاركا في حكومة واحدة، فضلًا عن قبول أول حزب عربي ضمن ذلك الائتلاف. وسنجد أيضًا أن تيار اليمين كان صاحب الكلمة العليا في عملية تشكيل الائتلاف، مقارنةً بتيار اليسار الذي لم يكن يحلم بالعودة إلى سدة الحكم، في ظل استمرار النزعة اليمينية لدى الناخبين الإسرائيليين ولا سيما لدى جيل الشباب الذي لم يعاصر أي حكومة غير يمينية.

سيطرة اليمين..

في ظل تلك الظروف، رضخ تيار اليسار لمطالب اليمينيين وسمح لهم بتولي أغلب المناصب الوزارية المهمة. وحتى المنصب الوزاري المهم – وهو منصب وزير التعاون الإقليمي  الذي حصل عليه عيساوي فريج من حزب “ميرتس” اليساري، قد فقد أهميته، لأن ذلك الوزير لا يُسمح له بمرافقة رئيس الوزراء أو وزير الخارجية خلال سفرياتهما إلى دول الجوار التي يجب إبرام اتفاقيات تعاون معها.

الحفاظ على الوضع الراهن!

حتى لا تسيطر التوجهات اليمينية على حكومة بينيت جرَّاء كثرة وزرائها اليمينيين، فقد نصَّت الاتفاقيات الائتلافية على ضرورة الحفاظ على ما يُسمى بـ “الوضع الراهن”، أي عدم إحراز أي تقدم في القضايا الخلافية، وعدم السماح لمعسكر اليسار بإجراء مفاوضات سياسية مع الفلسطينيين، وعدم تمكين معسكر اليمين من التوسع الاستيطاني.

التمسك بالمبادئ الحزبية..

رغم الحرص على تحقيق التوازن السياسي لدى مكونات الائتلاف الحكومي، إلا أن كل حزب، سواء من اليمين أو اليسار، يحاول أن يُثبت أنه ما زال متمسكًا بمبادئه وأجندته السياسية. إذ يسعى معسكر اليمين في حكومة بينيت إلى التأكيد بأن تعاونه مع اليسار والعرب داخل الحكومة لا يعني أنه تنازل عن المبادئ اليمينية، ولتأكيد ذلك يحرص الوزراء اليمينيون على دعم الاستيطان ورفض التفاوض مع الفلسطينيين.

أما معسكر اليسار – ومعه الوزير بيني جانتس، الذي يحاول السير على نهج رابين- فيسعى لفتح قنوات للحوار مع الجانب الفلسطيني، وإن كان ذلك قاصرًا حتى الآن على الجانب الأمني والتجاري. ويُبدي معسكر اليسار من حين لآخر، اعتراضه على المواقف اليمينية المتشددة. وفي هذا الإطار أيضا، يسعى المعسكر لأن يُثبت لجمهور ناخبيه أن تعاونه مع اليمين في حكومة بينيت لا يأتي على حساب المبادئ اليسارية، وأن عدم انشغاله باهتمامات معسكر اليسار لا يعدو أن يكون أمرًا مؤقتًا لظروف اضطرارية.

أما حزب القائمة العربية الموحدة، الذي لم يحظى انضمامه للحكومة الإسرائيلية بإجماع كل ناخبيه، فهو في حاجة ماسَّة لتحقيق إنجازات ملموسة مثل تمرير قانون الكهرباء، مع حرصه على إبداء معارضته التامة لمشاريع القوانين التي يطرحها اليمينيون. كما أن إحباطه لمحاولات السلطات الإسرائيلية الاعتداء على ممتلكات البدو في الجنوب، تُعدُّ دليلًا واضحًا على أن أعضاء القائمة العربية الموحدة باتوا قادرين على تحقيق إنجازات غير مسبوقة، بفضل مشاركتهم في ائتلاف الحكومة الإسرائيلية.

الحكومة ستُكمل مدتها..

صحيح أن أداء أحزاب الائتلاف على اختلاف توجهاتها، كثيرا ما يُحدث مشاكل وأزمات داخل الائتلاف، مثل مقاطعة التصويت داخل الكنيست من جانب هذا الحزب أو ذاك، أو الفشل في تمرير بعض القوانين. وكل ذلك يُشعر أحزاب المعارضة بالسعادة وبقرب سقوط الحكومة، ومن ثَمَّ العودة مرة أخرى لتولي زمام السلطة. لكن الواقع غير ذلك، لأن ما يتعرض له الائتلاف الحكومي من أزمات ومشاكل، لا يمثل خطرًا على بقائه. وبالتالي فإن حكومة بينيت التي تمكنت من تمرير الميزانية ستحرص على استكمال مدتها، بما في ذلك إجراء التناوب على منصب رئيس الحكومة المُقرر العام المُقبل. 

صفقة الادعاء تؤكد استمرار الحكومة!

إن مصلحة كل طرف من أطراف الائتلاف الحكومي تثمثل في عدم إعادة نتنياهو أو حزب الليكود لسدة الحُكم مرةً أخرى. وكل الأزمات التي تتعرض لها الحكومة دون أن تمثل خطرًا عليها ستشكل مصدرًا لقوتها، وأكبر دليل على استقرار حكومة بينيت هو ما يجرى حاليًا من تفاوض بين محاميي نتنياهو والمستشار القضائي للحكومة حول إبرام صفقة إدعاء لإنقاذ نتنياهو من السجن. فإذا كان نتنياهو على يقين من إمكانية عودته للسلطة، لما أجرى مثل ذلك التفاوض. والحقيقة هي أن ذلك التفاوض حول صفقة الادعاء يؤكد أن نتنياهو على يقين تام بأن حكومة بينيت مستقرة وستظل كذلك حتى تُكمل مدتها القانونية.

أرشيفية

ونخلص مما سبق إلى أن:

  1.  حكومة بينيت ربما ستكون قادرة على البقاء والصمود حتى تنتهي مدتها القانونية رغم ما تواجهه من أزمات، لأن المصلحة العليا لكل أحزاب التحالف تتمثل في التمسك بالسلطة وعدم تمكين نتنياهو من العودة للحكم مرة أخرى.
  2. 2-  الحكومة الإسرائيلية الحالية ستكون عاجزة عن اتخاذ قرارات مصيرية لأنها تتكون من أحزاب ذات توجهات مختلفة ومتباية.
  3. 3-  طالما ظل نتنياهو زعيمًا للمعارضة ستكون فرص حكومة بينيت قوية في البقاء والصمود رغم الأزمات. أما إذا حوكم نتنياهو وتم استبعاده عن المشهد السياسي، سيتتفكك حكومة بينيت وأول المتضررين والمستبعدين منها ستكون القائمة العربية الموحدة، ثم الأحزاب اليسارية مثل العمل وميرتس.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version