تعتبر حكومة بينيت من أكثر الحكومات التى يشملها ائتلاف متناقض أيدلوجيا وفكريا، إلا أن ما جمع هذا الائتلاف هو الرغبة في الخلاص من نتنياهو يدعمها رغبة الإدارة الأمريكية والتي ساهمت في هذا الاتجاه، إلا أن أهم ما يشغل مراكز الدراسات والباحثين في الشأن الاسرائيلي هو توقع ما يمكن أن تكون عليه سياسات هذه الحكومة وكيف ستتعامل داخليا وخارجيا بعد سنوات نتنياهو التي أثرت بشكل كبير على عملية السلام وموازين القوى في المنطقة، لاسيما وأن بينيت رئيسا للوزراء بست مقاعد إلا أن ائتلافه حتى هذه اللحظة متماسك ولا يبدو عليه أي بوادر للتفكك قريبا، ربما بسبب أن نتنياهو مازال على رأس الليكود وهو ينتظر فرصة للعودة مرة أخرى وربما أن مكونات الائتلاف تحتاج إلى مزيد من الوقت لتحقق جزءا من وعودها لناخبيها.
منذ اليوم الأول لهذه الحكومة اختبرت عدة أزمات واتخذت مجموعة من القرارات داخليا وخارجيا يمكن أن تعطينا صورة أكثر وضوحا عن السياسة المرتقبة لهذه الحكومة.
داخليــــــاً:
1- إسقاط قانون لم الشمل
إسقاط تمديد سريان قانون حرمان العائلات الفلسطينية من لم الشمل كان المعركة التي تجند فيها اليمين ضد قانون يميني وعنصري وأساسي للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وهذا ينم عن حجم التعقيدات التي ستواجه الكنيست الحالي مع التركيبة الحكومية في تمرير قرارات، وهذا سيعطي كتلة القائمة المشتركة قوة وأهمية عند حاجة الحكومة لتمرير قوانين، وقد يشكل هذا نقطة قوة للقائمة المشتركة.
2- الحريديم
ربما سيكون أكثر المتضررين من هذه الحكومة هم الحريديم، حيث سيكون لليبرمان وبينيت دورا في تقليص نفوذ هذه الأحزاب ويبدو أن هذه الخطوات بدأت بإستخدام ليبرمان لصلاحياته، فمنع الدعم عن الحضانات لأطفال الحريديم والذى يبلغ 400 مليون شيكل سنويا، إضافة إلى القانون الأخطر، وهو الاستعداد لطرح قانون التسويات الاقتصادية، والتي تشمل شهادات الحلال والتي يذهب ريعها إلى خزينة الحاخامية العليا بحيث يبقى دورها رقابي عبر تفويض جهات أخرى لمنح هذه الشهادة، وهذا سيمس العصب الاقتصادي للحريديم.
بينيت
بنيامين نتنياهو – صورة أرشيفية
3- قانون نتنياهو
يسعى ساعر حسب مقابلته مع “يديعوت” إلى سن قانون يمنع من يواجه لائحة اتهام أمام المحاكم من تكليفه بتشكيل حكومة جديدة، ويستهدف من وراء هذا القانون منع نتنياهو، إلا أن بينيت صرح أن هذا القانون لا يوجد عليه إجماع داخل الحكومة مما يشير إلى أطراف في يمينا ترفضه وهذا يعني أن سن القانون سيتأجل إلى بعد إقرار الموازنة، وكذلك على طبيعة الخلاف المكتوم داخل الائتلاف.
فلسطينيــــــا:
4- البؤر الاستيطانية
تعمد نتنياهو قبل مغادرته منصبه أن يترك ملفات مفتوحة دون أن يتخذ فيها اي قرار بهدف أن يضع الحكومة الجديدة في مأزق، حيث ترك ملف 70 بؤرة استيطانية تحتاج إلى اعتماد من قبل الحكومة الإسرائيلية لتتحول إلى مستوطنات، ومن أهمها البؤرة الاستيطانية “أفيتار” والتي تقع في إطار بلدة بيتا في محافظة نابلس على جبل صبيح، ويعتبر تعامل هذه الحكومة مع أزمة بيتا مثالا لإرضاء الإدارة الأمريكية، وعدم التصعيد مع الفلسطينيين وإرضاء جمهور المستوطنين، فمع استمرار المقاومة الشعبية في بلدة بيتا اتخذت هذه الحكومة قرارا وكأنها تمسك العصا من المنتصف عبر إخلاء البؤرة الاستيطانية وإحلال قوات إسرائيلية وخروج المستوطنين من المنازل الموجودة مع إبقاء المدرسة الدينية كمبنى، ورغم أن هذا التراجع حدث تحت ضغط المقاومة الشعبية الفلسطينية، إلا أن هذا انتصارا جزئيا لأن هذا المكان مازال فيه مبنى مدرسة وتحول إلى موقع عسكري، ومن جانب آخر، هذا القرار ربما أرضى الإدارة الأمريكية وكأنها رسالة بهدف تخفيف الاستيطان وعدم خلق أزمات جديدة تعيق المسار الذي ترغب به الإدارة الأمريكية.
مسيرة الأعلام فى القدس المحتلة – أرشيفية
5- مسيرة الأعلام في القدس
لم تلغ الحكومة الإسرائيلية هذه المسيرة ولكن حددت خط سيرها حتى لا تشعل المنطقة وتتسبب بتصعيد في المسجد الأقصى وحاولت أن تلجم المستوطنين في هذا اليوم.
6- حي الشيخ جراح
لم تقم هذه الحكومة بأي إجراء لإخلاء المنازل في الشيخ جراح وقامت بتأجيل المحكمة عدة مرات، نظرا لتأثيرهذه الخطوة على التصعيد، وكذلك بسبب ضغط الولايات المتحدة و الأوروبي لعدم إخلاء هذه المنازل عبرعدة تصريحات واضحة ومحددة.
7- إطلاق البالونات الحارقة من قطاع غزة والمنحة القطرية
تعاملت الحكومة الجديدة بطريقة مختلفة عن سابقاتها كما وعدت ناخبيها بأن إطلاق البالونات سيتم التعامل معه على أنه إطلاق صواريخ، والرد سيكون صاروخ مقابل أي بالون، وتهدف من ذلك أن ترسل رسالة لحماس والفصائل الفلسطينية أن الحكومة الجديدة ستتخذ منحى مختلف عن سابقاتها ولن تتردد في اتخاذ خطوات أشد وربما يكون من ملامح ذلك تغيير طريقة وصول المنحة القطرية لحماس، والتي تصر الحكومة الجديدة على آلية تضمن عدم وصولها لأيدي حماس، وكذلك التشدد في ملف الإعمار مع التركيز على ربط الإعمار بمصير الجنود الموجودين لدى حماس.
8- خصم أموال المقاصة
اتخذت حكومة بينيت قرارا بخصم 597 مليون شيكل (182 مليون دولار) وهي قيمة ما تدفعه السلطة الفلسطينية لأسر الشهداء والأسرى وهذا الإجراء استكمالا لخطوات اتخذتها حكومة نتنياهو سابقا، بالرغم من التوصيات من أجهزة الامن والجيش بعدم تفعيل هذا الخصم لما له من أضرار على الوضع الاقتصادي للسلطة الفلسطينية وكذلك معارضة أطراف من الحكومة لهذا الإجراء، إلا أن هذا يؤشر إلى أن بينيت يحكمه فكره اليميني، ومازال يريد إعطاء هذه الصبغة لحكومته، ورغم أن كثيرمن التقديرات أن هذا الإجراء لن يستمر طويلا لأسباب كثيرة، أهمها أن السلطة تعاني من أزمة مالية وأن الإدارة الأمريكية تريد أن يكون هناك دعما للسلطة للإبقاء على حل الدولتين، وعدم الانزلاق إلى التصعيد أو تضرر استقرار السلطة الفلسطينية.
العلاقـــــات العربيــــــة والإقليميــــة:
9- بيع كمية مياه إضافية للأردن
صدق رئيس الوزارء الإسرائيلي على بيع كميات من المياه للأردن بحيث لا تتجاوز الكمية السنوية 50 مليون متر مكعب، وذلك حتى نهاية 2022، وهو بذلك يسعى إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات مع الأردن، والتي كانت متوترة مع رئيس الحكومة السابق نتنياهو، والتي وصلت إلى أدنى مستوياتها في تاريخ العلاقات بين الأردن وإسرائيل.
10- إيقاف الاتفاق المبرم مع الإمارات
قامت الوزيرة زندبرغ بإيقاف العمل باتفاقية نقل النفط الإماراتي المبرمة في شهر أكتوبر 2020 بين شركة خطوط الأنابيب الأوروبية الآسيوية الحكومية الإسرائيلية وشركة ميد –رد لاند بريدج الإماراتية تمهيدا لإلغاء هذه الاتفاقية.
11- الاتفاق مع البحرين
وقعت إسرائيل عدة اتفاقات اقتصادية على عدة مستويات مع المملكة البحرينية ومن ضمنها اتفاق حول تبادل المعلومات والتعاون المعلوماتي فيما يتعلق بإيران.
12- تركيا أردوغان
تلقى الرئيس الإسرائيلي الجديد هرتسوغ مكالمة هاتفية من نظيره التركي أردوغان وهي أول مكالمة منذ 2017 مع مسؤول إسرائيلي، وكان الحديث عن تحسين العلاقات والتعاون خصوصا في مجال الطاقة.
13- إيران
أكثر الملفات إلحاحا لدى إسرائيل وربما كان من الممكن أن يصبح هذا الملف سببا في أكبر أزمة بين إسرائيل والولايات المتحدة بعد تصريح نتنياهو المثير للجدل، لكن بينيت استطاع أن يتوصل إلى تفاهمات مع الإدارة الأمريكية تسمح لها بالتفاوض مع إيران، وعدم الاعتراض على العودة للاتفاق النووي في ظل مراعاة الولايات المتحدة لأمن اسرائيل، وهذا أمر تعهد به بايدن منذ اليوم الأول لحكمه. أعتقد أن الملف الإيراني سيكون متحكما به أمريكيا مع تنسيق مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة، ورغم حرب السفن الدائرة بين إيران وإسرائيل، وكذلك استهداف المصالح الإيرانية في سوريا وحرب المخابرات الخفية إلا أن هذا الاحتكاك حتى الآن مازال في مستوى متحكم فيه ولم يصل إلى نقطة اللاعودة.
الخلاصــــــة:
عكست محددات الخط السياسى الذى تنتهجه حكومة بينيت الملامح التالية:-
‌أ- السعى للحفاظ على تماسك الحكومة داخليًا، مع استمرار تبنيها للمواقف والسياسات اليمينية حتى إقرار الموازنة العامة، مع الحفاظ على الحيلولة دون انهيارها، لأنه لن يكون في صالح بينيت ولا القائمة العربية الموحدة قبل تحقيق لإنجازات هامة لجمهورهم خصوصا بعد الثمن الذي دفعوه لتشكيل هذه الحكومة، مع تقليص نفوذ الحريديم، وسيكون لليبرمان دورًا مهمًا في هذا الإطار.
وزير الخارجية الإماراتى ونظيره الإسرائيلى – أرشيفية
‌ب- محاولة ترميم العلاقات مع المواطنين الفلسطينيين في الداخل،التى تاثرت بالمواجهات الأخيرة عبر تمرير إمتيازات ملموسة للقائمة العربية الموحدة والتي تتناغم مع اليمين الإسرائيلي بشكل ملفت بحجة حماية مصالح المواطنين العرب.
‌ج- العمل على تقليص الصراع مع الفلسطينيين كمفهوم تبناه بينيت بحيث يتجنب اتخاذ خطوات أحادية الجانب من طرف إسرائيل تتسبب بتأجيج الخلاف مع الإدارة الأمريكية واللاعبين الدوليين، مع تقليل الاحتكاكات ومزيد من التسهيلات الاقتصادية، ودعم نفوذ السلطة والتخلي عن إدارة الانقسام كجزء من الرغبة الأمريكية والتي تضمنتها زيارة هادي عمرو إلى إسرائيل ورام الله.
‌د- الإمتناع عن الإنخراط بأي مسارات سياسية، فى ظل انشغال الطرف الأمريكي في الملف الإيراني وهذا كان في إطار رسالة من الإدارة الأمريكية إلى إسرائيل أنها لن تزعج الحكومة الإسرائيلية الجديدة بشأن القضية الفلسطينية حتى يتم إقرار الميزانية.
‌ه- مواصلة مسار التطبيع مع الدول الخليجية والعربية التي وقعت اتفاقات مؤخرا مع إسرائيل، مع سعى الحكومة إلى تطويرها ولكن دون الإضرار بمصالح المملكة الأردنية ومصر في أي من المشاريع المشتركة بين إسرائيل ودول التطبيع.
‌و- حرص الحكومة على التنسيق الكامل مع الإدارة الأمريكية في حال اتخاذ أية خطوات تجاه إيران والملف النووى الإيرانى، مع مواصلة هجماتها العسكرية في سوريا وسوف تطال شريان المواصلات الذي يصل إيران بسوريا مرورا بالعراق.
‌ز- تعزيز العلاقة مع كلٍ من مصر والأردن، مع الحفاظ على الدور المصري في التعاطي مع ملف التهدئة في غزة، ومحاولة التأثير على القيادة الفلسطينية لقبول الإنخراط فى اتصالات سياسية دون إلزام الحكومة الإسرائيلية بأية تنازلات جوهرية فى عملية السلام.
شاركها.

تعليق واحد

  1. تنبيه: حلف "الشام الجديد" .. بين الآمال والتحديات! - مقالات رأي - N.V.D

اترك تعليقاً

Exit mobile version