عبدالله فارس القزاز .. باحث بوحدة الدراسات الإفريقية
تشهد السياسة الخارجية المصرية منذ عام 2025م مرحلة إعادة تموضع استراتيجية تعكس تحوّل القاهرة من فاعل إقليمي تقليدي إلى محور توازن واستقرار في الشرق الأوسط وإفريقيا. هذا التحول لم يأت بمعزل عن التغيرات المتسارعة في البيئة الإقليمية، بل جاء استجابة لحاجة ملحة لإعادة تعريف الدور المصري في ظل تعدد الأزمات وتشابك التحديات الأمنية والتنموية في الإقليم. وقد مثّلت قمة شرم الشيخ للسلام نقطة تحول جوهرية في مسار هذا التحول، إذ أعادت صياغة مفهوم القيادة المصرية بوصفها قوة دبلوماسية وتنموية تمتلك رؤية شاملة تربط بين الأمن والتنمية والسلام، وتعمل على توظيف أدواتها السياسية والاقتصادية لبناء مسارات استقرار طويلة المدى.
وفي هذا السياق، برز الملف السوداني كأحد أهم اختبارات الدور المصري الجديد، ليس فقط بحكم الجوار الجغرافي والروابط التاريخية، بل لكونه يعكس مدى قدرة القاهرة على تحويل نفوذها السياسي إلى حضور تنموي فعّال. فالسودان يمثل امتدادًا طبيعيًا للأمن القومي المصري، ومنصة استراتيجية لتوسيع دوائر النفوذ المصري في القارة الإفريقية، بما يتجاوز الدور التقليدي القائم على الوساطة إلى دور أكثر شمولًا يدمج بين الأمن الإقليمي والتنمية الاقتصادية.
تهدف هذه القراءة إلى تحليل أبعاد الدور المصري المتجدد في محيطه الإقليمي، من خلال تناول ثلاثة محاور رئيسة: قمة شرم الشيخ بوصفها منصة لإعادة تموضع الدبلوماسية المصرية، وإعادة إعمار السودان يوصفها فرصة للانتقال من الوساطة إلى النفوذ عبر تفعيل أدوات القوة الناعمة، وتحديات استدامة الدور المصري في ظل التنافس الإقليمي والقيود الاقتصادية والأمنية.
اولا : شرم الشيخ كمنصة لإعادة تموضع الدور المصري
شهد عام 2025م تبلور معادلة دبلوماسية مصرية جديدة جمعت بين أدوات القوة الناعمة والدبلوماسية التقليدية في إطار رؤية تهدف إلى الحفاظ على استقرار الإقليم وصون سيادة الدول وفقًا للقانون الدولي. وقد شكلت قمة شرم الشيخ للسلام التي انعقدت في أكتوبر 2025م نقطة تحوّل استراتيجية في مسار السياسة الخارجية المصرية، حيث تحولت شرم الشيخ إلى منصة دائمة للسلام، بعد أن نجحت القاهرة في التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب في غزة ، وتوقيع الإتفاق بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ما أعاد رسم ملامح الدور المصري في إدارة أزمات المنطقة.
لم تكن القمة مجرد حدث سياسي عابر، بل جسدت تحولًا في مفهوم القيادة المصرية من إدارة الأزمات المؤقتة إلى هندسة النظام الإقليمي. إذ سعت القاهرة عبر هذه القمة إلى الجمع بين الوساطة السياسية متعددة الأطراف والتحرك الدبلوماسي الفاعل وإطلاق مسارات للتنمية الاقتصادية، بما يعزز قدرتها على التأثير في ملفات مترابطة تشمل غزة والسودان ومياه النيل ضمن إطار متكامل يكرّس مكانتها وسيطا موثوقا وقوة دبلوماسية وتنموية فاعلة في الشرق الأوسط. وقد جاء خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال القمة ليؤكد على هذا التحول، مشددًا على أن السلام يمثل ضرورة إنسانية واستراتيجية في الوقت ذاته، وأن مصر تتحرك انطلاقًا من رؤية شاملة تربط الأمن بالتنمية كمدخل لتحقيق الاستقرار الإقليمي.
توازى هذا الزخم الدبلوماسي مع نشاط مكثف في السياسة الخارجية المصرية خلال الربع الأخير من عام 2025م، إذ عززت القاهرة حضورها في الساحة الإفريقية والعربية عبر سلسلة لقاءات ثنائية متعددة المستويات. ويبرز الملف السوداني في هذا السياق بوصفه أحد أعمدة هذا التوجه الجديد، حيث كثّفت مصر اتصالاتها مع الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة السودانية لتأكيد دعمها لوحدة الدولة السودانية ومؤسساتها الوطنية. ففي 22 سبتمبر 2025م، بحث وزير الخارجية الدكتور بدر عبد العاطي مع مستشار الرئيس الأمريكي مسعد بولس المستشار الرفيع للشؤون الإفريقية تطورات الأزمة السودانية وجهود وقف الحرب والحفاظ على وحدة السودان.
وفي أكتوبر من العام نفسه، استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني، حيث جرى التأكيد على ثوابت الموقف المصري الرافض لأي محاولات لتفكيك الدولة السودانية أو إنشاء كيانات موازية، مشددا على الدعم الكامل لوحدة السودان، مع التركيز على التنسيق الأمني في ملفات المياه بالسد الإثيوبي وحماية المصالح المشتركة ورفض أي تصرف أحادي لاثيوبيا .
كما التقى رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي نظيره السوداني الدكتور كامل إدريس على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، حيث تناول اللقاء خطط إعادة الإعمار في السودان، ودعم المشروعات التنموية في مجالات الكهرباء والمياه والصحة والتعليم. وأكد مدبولي خلال اللقاء على موقف مصر الثابت والراسخ، الذي عبّر عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي، بدعم مؤسسات الدولة السودانية، وفي مقدمتها القوات المسلحة، وجهود الحكومة السودانية للحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه. وتم الاتفاق على تشكيل فريق عمل مشترك لمتابعة مشروعات إعادة الإعمار، وإنشاء كونسورتيوم لجنة مصري–سوداني ويضم مؤسسات وشركات من البلدين للمشاركة في تنفيذ المشروعات الكبرى، إلى جانب الإعداد لعقد ملتقى الأعمال المصري-السوداني الثاني قبل نهاية هذا العام لتعزيز الشراكة الاقتصادية والتجارية بين الجانبين. كما شدد رئيس الوزراء المصري على حرص القاهرة على دعم السودان في مختلف المحافل الدولية، وفي إطار الاتصالات مع أطراف الرباعية بالوضع في السودان.
وهكذا استطاعت القاهرة- عبر قمة شرم الشيخ وما تبعها من لقاءات وتحركات دبلوماسية ومبادرات لإعادة الإعمار- أن تقدم نموذجًا متكاملًا لإعادة تموضعها الإقليمي، يقوم على الدمج بين الوساطة السياسية والقيادة الرمزية والحضور التنموي الفعّال. لقد أصبحت شرم الشيخ عنوانًا لاستراتيجية مصرية جديدة تسعى لتحويل الزخم الدبلوماسي إلى نفوذ مستدام، يقوم على توازن العلاقات الإقليمية والدولية، ويعزز من قدرة الدولة المصرية على لعب دور محوري في مرحلة ما بعد الحرب وإعادة الإعمار في السودان والمنطقة ككل.
ثانيا: من الوساطة إلى النفوذ: فرص مصر في ملف إعادة الإعمار
انتقلت السياسة المصرية- مع النجاح الذي حققته قمة شرم الشيخ للسلام- من مرحلة الوساطة التقليدية إلى مرحلة أكثر عمقًا، قوامها النفوذ التنموي والاقتصادي. فقد أدركت القاهرة أن تحقيق السلام لا يمكن أن يترسخ دون بناء قواعد التنمية المستدامة، وأن دورها كوسيط في النزاعات الإقليمية ينبغي أن يمتد إلى المشاركة الفعالة في إعادة الإعمار وصياغة بنية الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في الدول المتأثرة بالأزمات، وعلى رأسها السودان.
يُعد الملف السوداني نموذجًا عمليًا لتجسيد هذه الاستراتيجية الجديدة. فمنذ اندلاع النزاع في أبريل 2023م، واجه السودان انهيارًا شاملًا في مؤسساته وبناه التحتية، حيث طالت الأضرار العاصمة الخرطوم ومناطق دارفور وكردفان، ما أدى إلى شلل شبه كامل في الخدمات العامة وتوقف ما بين 70- 80% من المرافق الصحية. كما شهدت البلاد موجات نزوح غير مسبوقة تجاوزت 12 مليون شخص، بينهم نحو 7.7 مليون نازح داخلي وفق تقديرات الأمم المتحدة. ومع ذلك، يظل السودان بلدًا غنيًا بالموارد الطبيعية.
في هذا الإطار، تملك مصر مقومات فريدة تؤهلها لقيادة جهود الإعمار، مستندة إلى خبراتها الواسعة في تنفيذ المشروعات القومية الكبرى عبر شركاتها الوطنية والقطاع الخاص، وقربها الجغرافي وصلاتها التاريخية والثقافية العميقة مع السودان، ما يسهم في تسهيل تنفيذ المشروعات بكفاءة عالية. كما تمتلك القاهرة أدوات نفوذ ميدانية ناعمة تمتد من المنطقة اللوجستية الحدودية إلى شبكة علاقاتها مع النخب السودانية التقليدية، مرورًا بالتنسيق الأمني مع وحدات الجيش السوداني، والوجود التنموي الفعلي لشركات مصرية تعمل في قطاعات الزراعة والري والطاقة. وتكمن أهمية هذه الأدوات في قدرتها على الدمج بين الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية في مسار واحد يخدم مصالح البلدين الشقيقين .
تتنوع فرص الاستثمار المصري في السودان بين قطاعات استراتيجية عدة، تشمل البنية التحتية والزراعة والطاقة والصحة والاتصالات. وتمثل مشروعات الطرق والربط الكهربائي والطاقة الشمسية أولوية لتعزيز الترابط الإقليمي، فيما تتيح الأراضي السودانية الخصبة الشاسعة والثروة الحيوانية فرصًا لتوسيع الإنتاج الزراعي والصناعات الغذائية. كما يشكل تطوير الخدمات الصحية والبنية اللوجستية خطوة أساسية لدعم الاستقرار والتنمية المشتركة. وقد أثبتت مصر قدرتها على تحقيق إنجازات كبيرة في هذه المجالات خلال السنوات الماضية، من خلال تنفيذ شبكة ضخمة من الطرق والكباري ومشروعات قومية كبرى في الطاقة والزراعة والإسكان، ما يعكس خبرة تراكمية يمكن توظيفها في عملية إعادة إعمار السودان. كما أن نجاح التجربة المصرية في تحقيق معدلات نمو وبناء بنية تحتية حديثة يمنحها ميزة تنافسية لقيادة جهود التنمية في محيطها الإقليمي.
إن ما تفعله مصر في هذا السياق لا يمثل مجرد سياسة خارجية أو مساعدة إنسانية، بل نموذج استراتيجي متكامل يجمع بين السياسة والاقتصاد والأمن، ويجعل من عملية إعادة الإعمار أداة لتعزيز النفوذ الإقليمي واستدامة الاستقرار. فاستثمار القاهرة في السودان لا يعزز فقط أمنها القومي واستقرار جوارها الجنوبي، بل يفتح أمامها آفاقًا اقتصادية جديدة، ويضع الأساس لتكرار التجربة في مناطق أخرى من الإقليم، بما يرسخ موقعها كقوة تنموية ودبلوماسية قائدة في الشرق الأوسط وإفريقيا.
ثالثا: تحديات استدامة الدور المصري ومعادلة التنافس الإقليمي
رغم نجاح القاهرة في تثبيت حضورها الدبلوماسي خلال عام 2025م عبر اتفاق غزة ومبادرات إعمار السودان، فإن هذا الدور يواجه اختبارًا حاسمًا على مستوى الاستدامة والتوازن الإقليمي. فالمرحلة الراهنة لا تُقاس بقدرة الدول على إدارة الأزمات فقط، بل بتحويل النفوذ المؤقت إلى تأثير مستدام داخل بيئة شديدة التنافس. تتحرك مصر اليوم في فضاء مزدحم بالتحالفات والمنافسات، حيث تتقاطع مشاريع الخليج وتركيا مع توازنات القوى الدولية في إفريقيا والشرق الأوسط. وفي هذا السياق، تصبح استدامة الدور المصري مرهونة بقدرته على إدارة معادلة دقيقة تجمع بين إعمارٍ تكاملي يعزز التنمية ويوازن التنافس الإقليمي.
القيود الاقتصادية
تواجه مصر تحديًا اقتصاديًا مركّبًا في سعيها للمشاركة الفاعلة في إعادة إعمار السودان بعد سنوات الحرب. فرغم أن هذا الدور يعكس عمق الروابط التاريخية والاستراتيجية بين البلدين ويمثل فرصة لتعزيز الأمن الإقليمي وتوسيع المجال الاقتصادي المصري في إفريقيا، إلا أن الأزمات الاقتصادية المحلية تفرض قيودًا واضحة على حرية الحركة المصرية في هذا الملف، وهو ما يجعل أي التزام مالي واسع النطاق تجاه السودان رهينًا بإيجاد حلول تمويلية مبتكرة وشراكات دولية موسعة، إلا أن القاهرة تمتلك الآليات الاستراتيجية التي تمكنها من ذلك،. وتُقدَّر تكلفة إعادة الإعمار بمبالغ تفوق قدرات التمويل المحلي لكل من السودان ومصر، خاصة وأن تاهيل البنية التحتية تقدر تكلفته بـ26.3 مليار دولار وفقا لبعض التقارير والتقديرات، ما يفرض تحديًا ماليًا كبيرًا أمام القاهرة للتعامل مع هذه المعضلة. تتبنى مصر رؤية تقوم على التمويل متعدد الأطراف من خلال الشراكة مع مؤسسات التمويل الدولية مثل البنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية، إضافة إلى الصناديق العربية والخليجية، بما يتيح تقاسم الأعباء وضمان استدامة التمويل. وفي هذا السياق طرحت القاهرة والخرطوم تشكيل فريق مصري للإعمار لتنسيق الجهود وتحديد أولويات القطاعات الحيوية، وعلى رأسها الطاقة والمياه والموانئ. وقد جاء نظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص ليشكل أداة رئيسة لتقليل الأعباء وتمكين الشركات المصرية من المشاركة الفاعلة في الإعمار. ورغم التحديات الاقتصادية والسياسية المحيطة، تبقى المشاركة المصرية في إعمار السودان فرصة استراتيجية طويلة المدى، تسهم في ترسيخ النفوذ الاقتصادي المصري داخل القارة الإفريقية، وفتح أسواق جديدة أمام الشركات الوطنية، فضلًا عن تعزيز أمن الحدود الجنوبية ودعم الاستقرار الإقليمي بما يخدم الأمن القومي المصري. إن نجاح مصر في تجاوز هذا التحدي يرتبط بقدرتها على بناء تحالفات مالية قوية وإدارة المخاطر السياسية بفاعلية وتطبيق خطة إعمار تدريجية تبدأ بالمشروعات ذات العائد السريع .
هشاشة البيئة الأمنية في السودان
تُعد هشاشة البيئة الأمنية أحد أبرز التحديات أمام استدامة الدور المصري، إذ تتصاعد النزاعات المحلية وتنتشر الفصائل المسلحة، بما يهدد استقرار المشروعات التنموية ويشكل خطرًا مباشرًا على المصالح المصرية. وفي هذا السياق يشار إلى ما شهدته الأزمة في عام 2025م من تحولات عسكرية وسياسية حادة، مع صعود محمد حمدان دقلو (حميدتي) وتوسيع نفوذ ميليشيات الدعم السريع بإنشاء حكومة موازية في مقابل انسحاب الجيش النظامي من الفاشر، ما أدى إلى ازدواجية في مراكز السلطة وتشتت القرار السياسي والعسكري. وقد أدى هذا الانقسام إلى تفاقم العنف وتراجع السيطرة الأمنية بما أعاق جهود الإعمار. ورغم هذه التعقيدات، تعتمد مصر نهجًا تدريجيًا يوازن بين الأمن والتنمية، مستفيدة من علاقاتها مع النخب القبلية والقيادات المحلية لتوفير غطاء سياسي وأمني لجهود الإعمار والتنسيق مع القوى الإقليمية والدولية لإنهاء الأزمة السودانية بصورة مستدامة.
معادلة التنافس الإقليمي
يشهد السودان في مرحلة ما بعد الحرب سباقًا إقليميًا محتدمًا بين قوى تتنافس على تثبيت نفوذها السياسي والاقتصادي في واحدة من أكثر مناطق إفريقيا حساسية. هذا الفراغ المؤسسي والأمني أفسح المجال أمام مبادرات متعددة تتباين في أهدافها وأدواتها. وبينما تتحرك مصر استنادًا إلى روابطها التاريخية والجغرافية مع السودان وضمن الآلية الرباعية (مصر، والسعودية، والإمارات، والولايات المتحدة)، تسعى أطراف إقليمية أخرى إلى تعزيز حضورها عبر استثمارات مباشرة ومبادرات تنموية في مجالات الموانئ والزراعة والطاقة. تتخذ أدوات النفوذ الإقليمي في السودان صورًا متعددة، أبرزها الاستثمار في الموانئ والبنية التحتية، وتقديم المساعدات الإنسانية كأداة للنفاذ السياسي. فتركيا سعت إلى تعزيز وجودها في البحر الأحمر عبر ميناء سواكن منذ عام 2017م، قبل أن تتراجع خططها لأسباب سياسية. في المقابل، ركزت الإمارات والسعودية على مشروعات الأمن الغذائي والطاقة، بما يتقاطع مع الاستراتيجية المصرية في تأمين البحر الأحمر والممرات التجارية.
ضمن هذا المشهد المتشابك، تتحرك مصر بوصفها فاعلًا يحقق التوازن ويسعى إلى إدارة المنافسة الإقليمية دون الدخول في صراعات. إذ يمنحها وجودها داخل الآلية الرباعية قوة تفاوضية تمكّنها من جذب الاستثمارات الدولية وتوجيه مسار الإعمار بما يحقق الاستقرار ويحد من النفوذ الخارجي غير المتسق مع المصالح العربية. كما تستفيد القاهرة من قدرتها على التعرف على الرؤية الحقيقية لتوجهات وأهداف الرياض وأبوظبي لتنسيق المواقف وتوحيد الرؤى فيما يتعلق بإعادة الإعمار، الأمر الذي يعزز موقعها كقوة إقليمية توازن بين التعاون والتنافس. بالتالي، تمثل معادلة التنافس الإقليمي أحد أهم محددات استدامة الدور المصري في السودان، إذ يرتبط نجاح القاهرة بقدرتها على الحفاظ على هذا التوازن الحرج بين الدبلوماسية التنموية من جهة وإدارة المصالح الإقليمية المتشابكة من جهة أخرى، بما يضمن بقاء السودان مجالًا حيويًا للنفوذ المصري وركيزة للاستقرار الإقليمي في البحر الأحمر والقرن الإفريقي.
ختاما
يتضح أن مصر خلال عام 2025م نجحت في إعادة صياغة حضورها الإقليمي، لتتحول من دور وساطة تقليدي إلى قوة فاعلة تجمع بين السياسة والتنمية والاقتصاد. فقد شكّلت قمة شرم الشيخ للسلام منصة لإطلاق هذا التحوّل، فيما يمثل ملف إعادة إعمار السودان مثالًا عمليًا لقدرة القاهرة على تحويل النفوذ السياسي إلى حضور تنموي فاعل، مستفيدة من خبرتها المتراكمة وروابطها التاريخية والجغرافية العميقة مع الخرطوم. ومع ذلك، تبقى استدامة هذا الدور مرهونة بإدارة دقيقة للتحديات الاقتصادية والأمنية، وفي ظل التنافس الإقليمي، بما يضمن تعزيز مكانة مصر دون المساس بتوازن القوى في المنطقة. حيث يبقى السؤال: هل ستتمكن مصر من تحويل هذا النفوذ الحالي إلى تأثير طويل الأمد يحافظ على الاستقرار والتنمية المستدامة في السودان والمنطقة ككل؟
المصادر
1.اية حمدي ،” تفاقم المشكلات: التداعيات الاقتصادية للتوترات في السودان”، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية ، 17فبراير 2024. https://ecss.com.eg/43540/
2. د.حسن أبوطالب ، “القاهرة وأولوية المستقبل الآمن للسودان’ ، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ، 17 مايو 2025. https://acpss.ahram.org.eg/News/21421.aspx
3.عبدالله فارس القزاز ، “المعادلة العسكرية والسياسية بعد صعود حميدتي في 2025م: التحديات والآفاق” ، مركز الدراسات الإستراتيجية وتنمية القيم ، 20اكتوبر 2025.
4. د محمد ابراهيم حسن، “استراتيجية الوساطة المركبة.. كيف أعادت قمة شرم الشيخ تشكيل معادلة الردع والتسوية في الشرق الأوسط” ، مجلة السياسة الدولية ، 15اكتوبر 2025.
5. ريهام محمد ، “مصر وإعادة الإعمار.. حضورٌ فعَّالٌ في المشهد العربي “، مركـز شــــاف للدراسات المستقبلية وتحليل الأزمات والصراعات ، 23فبراير 2025 .
6.علي فوزي ،” مصر والسودان يعززان الشراكة الاستراتيجية خلال اجتماع آلية التشاور السياسي بالقاهرة” ،مركز العرب للأبحاث والدراسات ، 24 فبراير 2025.
7.د.جوزيف مجدي ،” قراءة في دلالات قمة شرم الشيخ والدور المصري في هندسة التوازن “، مجلة السياسة الدولية ، 27 أكتوبر 2025.

