اتخذ الرئيس الأمريكي جو بايدن في الأيام السابقة عدة قرارات تحت ما أسماه الخطوط العريضة للدبلوماسية الأمريكية الجديدة، حيث أعلن الرئيس الأمريكي في أول لقاء جمعه مع موظفي وزارة الخارجية الأمريكية، إنهاء الدعم الأمريكي للحرب التي تشنها المملكة العربية السعودية في اليمن(1)، ووقف التبادل الاستخباراتي مع المملكة العربية السعودية فيما عدا ما يتعلق بتنظيم القاعدة والتنظيمات الإرهابية(2).
كما أشارت العديد من التقارير إلى اعتزام إدارة الرئيس الأمريكي تجميد صفقة أسلحة تقدر قيمتها بـ760 مليون دولار من المقذوفات عالية الدقة، كانت قد وُقِّعت في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب(3). كما تحدثت مصادر أخرى عن اعتزام الرئيس الأمريكي عدم تصنيف جماعة أنصار الله الحوثي كجماعة إرهابية. فيما أعلن بايدن إلتزام بلاده بأمن وحماية المملكة العربية السعودية من التهديدات الإيرانية، إلا أنه طالب بتوقف الحرب في اليمن واصفاً إياها بالكارثة الإنسانية. وكان بايدن قد أشار عدة مرات خلال حملته الانتخابية، إلى أنه سيعتزم وقف الدعم الأمريكي للحرب في اليمن فور انتخابه رئيساً للولايات المتحدة.
يطرح هذا التغير الدراماتيكي للسياسة الخارجية الأمريكية عدة تساؤلات حول علاقة ذلك بإيران والمنطقة، وهل يعد هذا التغير في السياسة الأمريكية مقدمة لتغيرات أعمق ستشهدها المنطقة في الأيام المقبلة؟ أم أنه مجرد عودة للسياسة الخارجية الأمريكية التقليدية في المنطقة؟
الأمريكية
ولى العهد السعودى – أرشيفية
السياسة الخارجية الأمريكية
بدايةً، يرتبط هذا التغير الواضح في السياسة الأمريكية تجاه السعودية بعاملين أساسيين أحداهما مرتبط بالمملكة العربية السعودية والآخر مرتبط بإيران، فعلي صعيد العامل الأول المتعلق بالمملكة العربية السعودية نجد أن الرئيس الأمريكي الجديد حرص منذ يومه الأول في المكتب البيضاوي، على إلغاء جميع السياسات التي اتخذها سابقه ترامب وخاصةً فيما يتعلق بحقل السياسة الخارجية الأمريكية، وخصوصاً العلاقات الأمريكية الخليجية.
حيث كان من الممكن تلخيص العلاقات الأمريكية الخليجية في عهد ترامب في جملة من المعاملات المالية، أي بذل الأموال مقابل الدعم الأمريكي غير المشروط والتغاضي عن ملفات كانت تعتبر سابقاً من صميم السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة، مثل حقوق الإنسان والديمقراطية، وقد تم انتقاد هذه السياسة التي تبناها الرئيس الأمريكي السابق ترامب، لكونها تمثل تخليًا عن القيم التقليدية الأمريكية في مجال السياسية الخارجية.
التخلص من إرث ترامب
وقد اعتزم بايدن عند توليه رئاسة الولايات المتحدة الرجوع إلي السياسة الخارجية التقليدية للولايات المتحدة، التي لا تقبل التنازل عن مبادئها مقابل الأموال. وبالقرارات الأخيرة بعث الرئيس الأمريكي الحالي رسالة إلي دول الخليج وخصوصاً المملكة العربية السعودية، مفادها أن الولايات المتحدة لم تعد تقبل بأن تغض الطرف عن المعاناة الإنسانية التي تسببها الحرب في اليمن، أو عن ملفات حقوق الإنسان مقابل الأموال كما كان في السابق. وبالتالي يجب على المملكة السعودية أن تبذل مزيدًا من الجهد في الملفات السابقة، خاصةً وأن الدعم الأمريكي لها لم يعد غير مشروط كما كان في السابق.
أما العامل الآخر فهو مرتبط بإيران، حيث انتقد بايدن الرئيس الأمريكي السابق ترامب لانسحابه من الاتفاق النووي. وكان بايدن قد وعد بأنه أنه في حال انتخابه سيتخذ خطوات جادة لإعادة الولايات المتحدة للاتفاق النووي. غير أن الولايات المتحدة لا تسعي فقط إلى العودة إلي الاتفاق النووي بل أيضاً إلى تعزيزه، وهو ما يعني بالنسبة للولايات المتحدة، إعادة التفاوض علي عدد من المحاور غفل عنها اتفاق 2015 بما في ذلك البرنامج الصاروخي الإيراني ودور إيران السلبي في المنطقة ونطاق وصلاحية التفتيش الدولي على المنشئات النووية الإيرانية.
الرئيس الإيرانى – صورة أرشيفية
ما يتعلق بإيران
أما بالنسبة لإيران، فقد صرحت عدة مرات أنها لا تنوي العودة للتفاوض علي البرنامج النووي، لذلك قد تأتي التحركات الأمريكية الجديدة تجاه المملكة العربية السعودية بمثابة بادرة حسن نية تجاه إيران لدفعها نحو المفاوضات وفق الشروط الجديدة. فيما رحبت جماعة الحوثي بالقرارات الأمريكية الجديدة آملةً أن تكون مقدمة لاتخاذ قرار لوقف الحرب على اليمن(4)، وقد رحبت ايضاً وزارة الخارجية الإيرانية بالقرار الأمريكي حيث صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده أن قرار وقف الدعم للتحالف السعودي، إن لم يكن مناورة سياسية، يمكن أن يكون خطوة نحو تصحيح أخطاء الماضي(5).
الخلاصة
ختاماً، قد تكون القرارات الأمريكية الأخيرة مناورة سياسية تعمل من خلالها الولايات المتحدة على تهيئة الأوضاع في المنطقة من أجل الدخول في مفاوضات مع إيران، حيث تسعى الإدارة الأمريكية إلى خفض التصعيد مع إيران في المنطقة ضمن استراتيجيتها الجديدة، من خلال العمل على إنهاء الحرب في اليمن، ومنع مزيد من التصعيد بين إيران والمملكة العربية السعودية وحلفائها، حيث تكون الولايات المتحدة قد ضربت بذلك عصفورين بحجر واحد. فمن ناحية، لم تخسر الولايات المتحدة حليفها السعودي في المنطقة وساعدت في خفض التصعيد السعودي الإيراني.
ومن ناحية أخري، يكون الرئيس الأمريكي قد قدم بادرة حسن نية إلي ايران من أجل إعادة التفاوض على الاتفاق النووي. وقد يلحق بتلك البادرة بوادر أخري من قبيل رفع بعض العقوبات الأمريكية في مجالات غير مؤثرة حتى تُعطي انطباعًا لطهران بأن واشنطن مستعدة للتفاوض الجاد القائم علي النوايا الحسنة.
(1) https://www.theguardian.com/world/2021/feb/0a4/us-end-support-saudi-led-operations-yemen-humanitarian-crisis
(2) https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2021/02/06/us-limit-intel-sharing-saudi-arabia-yemen
(3) https://arabic.rt.com/middle_east/1199833-%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%8A-%D8%A5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%8A%D8%AF%D9%86-%D8%AA%D8%AC%D9%85%D8%AF-%D8%B5%D9%81%D9%82%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D8%A3%D8%B3%D9%84%D8%AD%D8%A9-%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%82%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9/
(4) https://www.france24.com/ar/%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%A7/20210205-%D8%A8%D8%A7%D9%8A%D8%AF%D9%86-%D9%8A%D8%B1%D8%B3%D9%85-%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A8%D9%84%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D9%88%D9%84-%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8-%D9%84%D9%87?fbclid=IwAR1vEeTptTKTtpvZbWBWX6mDsqaERNSSjbHSZO5X5MIiDD2eYGvfZVtxhe4&ref=fb_i
(5) https://www.france24.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B3%D8%B7/20210206-%D9%88%D8%B2%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%8A%D8%AD%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%8A-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%88%D8%AF%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%88%D9%88%D9%8A
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version