تشهد الساحة الصومالية تطورات متسارعة خاصة بعد تصاعد الهجمات الإرهابية ونشاط حركة الشباب الصومالية، وسيطرة “أهل السنة والجماعة” على مدينة جرعيل وسط الصومال، وهو  ما يعني عودة التنظيم إلى نفيذ العمليات الإرهابية من جديد، و تفاقم الأزمات في البلاد مع اقتراب الانتخابات البرلمانية في ولاية جلمودج، في ظل تصاعد الخلاف بين الرئيس الصومالي المنتهية ولايته محمد عبدالله فرماجو ورئيس الوزراء محمد حسين روبلي.

ماذا يحدث في الصومال ؟

سيطر تنظيم “أهل السنة والجماعة” على مدينة جرعيل وسط الصومال يوم الأحد ٢٤/١٠/٢٠٢١، بعد استيلاء القوات الحكومية عليها، كما سيطر التنظيم على مركز الشرطة ومقر بلدية المدينة بعد انسحاب القوات الحكومية منهما، مما أدى إلى مقتل و أصابه أكثر من  20 قتيلا ومصابا.

واستبق التنظيم، موعد انطلاق الانتخابات بتهديد المشاركين بالقتل، وهو أمر اعتيادي، لكن عدم تواجد القوات الأمريكية في الصومال وانسحابها نهاية العام الماضي، يفرض تحديات غير مسبوقة على الحكومة بتأمين الانتخابات، بالنظر إلى زيادة عدد المشاركين الفعليين فيها، فمن المقرر أن يشارك فيها أكثر من 27 ألف ناخب.

و انطلقت في ولاية جنوب غرب الصومال انتخابات جزئية غير مباشرة لمجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) يوم الاثنين ٢٥/١٠/٢٠٢١، في حين أتمتها جوبالاند (جنوب)، الخميس ٢١/١٠/٢٠٢١، ومن المنتظر أن تجري الولايات الثلاث المتبقية: “هيرشبيلى” و” جلمودج” و”بونتلاند”، انتخاباتها في الأيام المقبلة، بحسب لجنة الانتخابات الفيدرالية من دون تحديد تواريخ.

وتأجلت الانتخابات البرلمانية والرئاسية أكثر من مرة؛ بسبب خلافات سياسية بين الحكومة المركزية من جهة والولايات والمعارضة من جهة ثانية بشأن كيفية إدارة مجرياتها، قبل التوصل إلى اتفاق لإنهاء الأزمة في مايو ماضي .

تجدر الإشارة إلى انتهاء ولاية فرماجو في الثامن من فبراير الماضي، من دون أن يتمكن من الاتفاق مع قادة المناطق على تنظيم الانتخابات، مما تسبب في أزمة دستورية خانقة، في نفس الوقت الذي دخلت فيه الأزمة بين الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو ورئيس وزرائه محمد روبلي مرحلة جديدة، وأثارت مخاوف من تصعيد للعنف في بلد يواجه بالأساس مأزقا انتخابيا وحركة تمرد مسلحة، حيث علق الرئيس الصومالي صلاحيات رئيس الحكومة فيما يخص عزل أو تعيين أي مسؤول، حتى استكمال الانتخابات المقررة الشهر الجاري.

واتهم بيان للرئاسة الصومالية روبلي بخرق القانون، وإصدار قرارات بالاعتداء على حقوق القوات المسلحة، ودعا فرماجو الوزراء لأداء مهامهم الدستورية، كما أوصى لجان الانتخابات الفيدرالية بالإسراع في استكمال انتخابات المجالس التشريعية والرئاسية

وتوصل محمد روبلي -الذي تم تعيينه في سبتمبر 2020 -إلى اتفاق بشأن برنامج الانتخابات على أن يتم الاقتراع الرئاسي بحلول العاشر من الشهر المقبل.

أسباب الأزمة بين الرئيس والحكومة:

 بدأت الأزمة مع تصدى “روبلي” لوكالة الاستخبارات الوطنية الواسعة النفوذ فأقال مديرها فهد ياسين المقرب من الرئيس، وذلك على خلفية موجة الاحتجاجات على نتائج تحقيق أجرته الوكالة حول اختفاء إحدى موظفاتها.

واتهم روبلي الرئيس بـ”عرقلة” التحقيق حول اختفاء موظفة شابة في جهاز الاستخبارات تدعى إكرام تهليل (25 عاما)، معتبرا أن قراراته الأخيرة تشكل “تهديدا وجوديا خطيرا لنظام الحكم في البلاد”.

ورد الرئيس على الفور فعين ياسين -وهو الصديق المقرب له الذي كان يدعمه في الانتخابات الرئاسية عام 2017- في منصب المستشار الأمني للرئاسة.

وقام روبلي بإقالة وزير الأمن حسن حندوبي جمعالي، وعين مكانه عبد الله محمد نور المعارض للرئيس، فرفض فرماجو هذا القرار، معتبرا أنه “باطل” دستوريا.

ويخشى أن يؤدي المأزق الانتخابي والصراع في أعلى هرم السلطة إلى عودة المواجهات المسلحة على خلفية الانقسامات السياسية والقبلية، وهو ما يعيد إلى الذاكرة عقود الحرب الأهلية التي اجتاحت البلاد بعد عام 1991.

تصاعد التهديد الجهادي :

 ظهور الإرهاب في أفريقيا بدأ بشكل كبير في فترة تسعينات القرن الماضي، لا سيما الإرهاب بشكله الحالي، وقد بدأ في الصومال من خلال إنشاء الاتحاد الإسلامي (جماعة مسلحة تأسست في الصومال في العام 1984)، وقد خرجت منه بعد ذلك حركة الشباب الصومالية شديدة الخطورة، والتي تنتمي إلى تنظيم القاعدة.

و الإرهاب نشأ نتيجة تعقد في البيئة الداخلية، وقد شهد الصومال حرباً أهلية منذ بداية التسعينات، وبالتالي كان هناك غياب للسلطة المركزية وللدولة، ودخل الصومال في مرحلة الدولة الفاشلة ولم تكن هناك سيطرة، ومن ثمّ أخذ المنحنى العام يتصاعد؛ ذلك أن هذا الجو العام يمثل حاضنة طبيعية لانتشار الجماعات  المتطرفة في ظل غياب القانون وغياب ردع هذه الجماعات.

وقد شكل إعلان بعض  المنتمين لحركة الشباب في عام  2015 و2016  ولاءهم لتنظيم داعش، و الوصول إلى العاصمة الصومالية مقديشو، وتنفيذ عدد من العمليات الإرهابية داخلها؛ لإحراج الحكومة، وكذلك كسب تأييد وتعاطف الجماعات المتشددة أو الخلايا النائمة التي تتبنى فكر الحركة من الصوماليين المتواجدين في الخارج.

وشهد الصومال تصاعداً لافتاً بوتيرة الهجمات الإرهابية في الفترة الأخيرة، حيث أثبتت التطورات الميدانية التي حصلت داخل الصومال منذ إتمام الانسحاب الأمريكي في 18 يناير 2021 أن رهان الولايات المتحدة على حلفائها المحليين (الحكومة والجيش الصومالي) يبقى رهانًا خاسرًا، إذ استغلت «الشباب» حالة الضعف والوهن التي تعيشها الحكومة وحلفاؤها، والتناحر السياسي الداخلي في البلاد، لتوسيع مناطق سيطرتها وتعزيز مواردها المالية عبر زيادة حجم الأموال والضرائب المفروضة على السكان المحليين، ليصبح إجمالي ما تجمعه الحركة نحو 15 مليون دولار شهريًّا، أي ما يضاهي حجم الإيرادات الحكومية تقريبًا.

كما شهدت القدرات العملياتية لحركة الشباب تعافيًا واضحًا خلال الأشهر الستة التي أعقبت الانسحاب الأمريكي، وارتفعت وتيرة هجمات الحركة خلال يوليو الماضي لتصل لـ83 هجومًا إرهابيًّا، بزيادة قدرها 20% مقارنة بالهجمات في الشهر السابق (يونيو 2021)، وركزت تلك الهجمات على استهداف القوات الحكومية الصومالية والميليشيات الموالية لها في المقام الأول، وكذلك القوات التابعة لبعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام «أميصوم» الموجودة في البلاد منذ عام 2007 (يصل عددها حاليًّا إلى 18 ألف جندي تقريبًا من دول أوغندا، وإثيوبيا، وجيبوتي، وكينيا، وبوروندي، ونيجيريا، وسيراليون، وغانا)، ونفَّذ مقاتلو الحركة 5 هجمات داخل كينيا المجاورة التي تنخرط بشكل مباشر في الحرب ضد «الشباب».

وتنتهج حركة الشباب أسلوب حرب العصابات في مواجهة القوات الصومالية الحكومية، وتعتمد على استخدام السيارات المفخخة والعبوات الناسفة، وهجمات الكر والفر، والكمائن، بجانب عملها على فرض السيطرة على قرى ومدن داخل البلاد، وإقامة حكم تابع للحركة فيها.

و اللافت للنظر في هجمات الحركة هو تركيزها على أهداف عالية القيمة، سواء داخل العاصمة مقديشو أو غيرها من المدن الصومالية المهمة، وهو ما يكشف عن وجود نشاط قوي لجهاز «الشباب» الاستخباري والمعروف باسم «أَمنيات»؛ لأن هذه النوعية من الهجمات تتطلب إعدادًا ورصدًا خاصًّا، فضلًا عن تجهيزات استثنائية لإيصال منفذي الهجمات إلى الأهداف المرصودة.

وعلاوة على الهجمات داخل الصومال، شنت الحركة، في أوقات سابقة، هجمات دامية في بلدان أفريقية، منها أوغندا وكينيا، كما هاجمت، في يناير 2020، قاعدة مشتركة للقوات الأمريكية والكينية تعرف بقاعدة/معسكر سيمبا (كامب سيمبا) في خليج ماندا، قرب جزيرة لامو السياحية الكينية، وخططت لشن هجمات بطائرات مدنية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، على غرار 11 سبتمبر 2001، انتقامًا من مشاركتها في الحرب على الحركة داخل الصومال.

وبعودة تنظيم “أهل السنة والجماعة” إلي الساحة الإرهابية من جديد مما يشكل خطراً علي مستقبل الوضع الأمني في الصومال خاصة مع تزايد المشكلات بين الجماعات الإرهابية .

حركة الشباب فى الصومال – أرشيفية

ما هو تنظيم أهل السنة والجماعة؟

و”أهل السنة والجماعة” هو تنظيم مسلح يتبع الطرق الصوفية، لمع نجمه في المشهد الصومالي عام 2008، وكان يسيطر على مناطق وسط البلاد كما يقاتل حركة الشباب في الأقاليم الوسطى.

وكان مقاتلو تنظيم أهل السنة والجماعة قد سيطروا على جوريسيل ثاني أكبر مدينة في جلمودج، في وقت سابق هذا الشهر، بعد معركة قصيرة، وسبق أن سيطرت الجماعة الصوفية خلال العقد الماضي على العديد من المدن الرئيسية في جلمودج، ولم تنجح الجهود في إيجاد تسوية عسكرية وسياسية مع السلطات الإقليمية.

وتأتي عودة التنظيم إلى حمل السلاح، والسيطرة على مدينة جرعيل، في سياق محاربة “حركة الشباب” التي يصفها التنظيم بـ “الخوارج” والتي تحكم مدنا مهمة في ولاية جلمودج.

دور المجتمع الدولي :

أضحت الأوضاع السياسية والأمنية في الصومال مرشحة لمزيدٍ من التردي في المستقبل المنظور، في ظل تضاؤل احتمالات إيقاف هجمات الشباب المجاهدين، و أهل السنة والجماعة، بالإضافة إلى نقص عدد أفراد الجيش الصومالي، مقارنة بمساحة الدولة، وامتداد سواحلها، والقصور التدريبي والتسليحي الذي يُعانيه الجيش .

ورغم حالة الفتور التي سيطرة علي استراتيجية «الاقتراب الحذر» من الصراع في الصومال ، دون التورط المباشر فيه، إلا أن هناك واجب على المجتمع الدولي تحويل الصومال إلى دولة مستقرة، وذلك بعدم الاكتفاء بتقديم الدعم الإنساني والإغاثي فحسب، والعمل أيضاً على محاور عدة أهمها:

– دعم تحقيق التسوية السياسية الشاملة، والتوفيق بين الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية، بشأن الإطار الدستوري، ونظام الحكم، ودور الجيش وقوات الأمن، وآليات إدماج الجماعات المسلحة في الجيش الوطني، وضبط الحدود.

– بناء الجيش وقوات الأمن الصومالية، وتقديم الدعم للحكومة في بناء الأجهزة والقطاعات المسؤولة عن إدارة ومواجهة الكوارث والحالات الطارئة، وتدريب المتطوعين من المدنيين، واستحداث أساليب لتحذير السكان في حالات الطوارئ، وتوفير أجهزة لرصد الأخطار والإنذار المبكر.

– دعم الاقتصاد الصومالي، وجهود إعادة الإعمار، ومحاربة الفساد السياسي والمالي المسيطر علي البلاد، ما أدى إلى تردي مستوى معيشة معظم المواطنين، وصولاً إلى حد المجاعة.

-تحرير إقليمي شبيلي السفلى والوسطى بالكامل من عناصر الشباب المجاهدين، وذلك لحرمان الحركة من المناطق التي تستخدمها في تدريب المقاتلين وإعداد الانتحاريين.

-تقديم التعويضات اللازمة للمتضررين من الصراع، وإعادة توطين أكثر من نصف مليون من اللاجئين الذين لايزالون يعانون في الشتات، خصوصاً في كينيا وإثيوبيا واليمن

ختاما أن الصومال تمر بمنعطف سياسي و أمني حرج واستثناني، سواء من خلال إتمام الانتخابات البرلمانية والرئاسية وحدوث تسوية سياسية لإنهاء تلك الأزمة ، وبين محاولة حركة الشباب، من خلال الهجمات النوعية والدقيقة التي شنتها مؤخرا، إثبات أنها ما زالت قوة فاعلة على الأرض، وتستطيع مهاجمة كل مدينة صومالية في التوقيت الذي تحدده وتراه مناسبا.

ومثل هذه المجموعات الإرهابية تستفيد من الخلافات والصراعات المشتعلة، وقد تلجأ إلى أسوأ من ذلك لتغذية الخلاف ودق الأسافين بين الساسة، لذلك ينبغي علي الساسة فض تلك النزاعات وتغليب مصلحة الدولة وتسريع وتيرة التقارب لبدء العملية الانتخابية لإسكات صوت الإرهاب والتخريب

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version