إن الحكومات الأمريكية المتعاقبة دائما ما كانت تدعم إسرائيل بصور الدعم المختلفة، حيث تعتبر الولايات المتحدة إسرائيل الحليف الحقيقي في المنطقة. وفي هذا البحث، نتناول تحليل أثر المساعدات الأمريكية لإسرائيل للعام المالي 2020، وما تحمله سياسة “بايدن” تجاه إسرائيل لعام 2021.
أسباب المساعدات الأمريكية لإسرائيل
إن الإدارات الأمريكية المتعاقبة دأبت على توفير أكبر قدر من الدعم لإسرائيل منذ نشأتها عام 1948، حيث إن دعم إسرائيل لم يكن فقط دعما ماليا، وإنما وصل الأمر لحد التدخل العسكري لإنقاذ إسرائيل في حرب السادس من أكتوبر. ومن هنا نشأت علاقات وطيدة بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة وإسرائيل، تهدف لتحقيق المصالح المتبادلة بينهما، وفي المقابل ترعى إسرائيل جميع المصالح الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط.
ترجع الصداقة الوطيدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، لجماعات الضغط اليهودي الموجودة بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث تعتبر كتلة تصويتية هامة لرؤساء الولايات المتحدة. وتعتبر كذلك جماعات الضغط لليمين المسيحي الجديد أهم كتلة تصويتية بالولايات المتحدة. وتعتبر أشد وطأة من جماعات الضغط اليهودي.
الأمر الذي يجمع تلك الجماعات هو المصالح الاستراتيجية المشتركة، وكذلك المعتقدات الدينية الراسخة والمشتركة بين الجماعتين. لم تتوقف تلك الجماعات عند التأثير على صانع القرار، بل تحولت تلك الجماعات إلى صانع القرار الأمريكي بذاته، حيث وصلوا لمناصب هامة داخل البيت الأبيض والكونجرس.
إسرائيل
إنفوجراف يوضح أسباب التقارب الأمريكى الإسرائيلى
المساعدات الأمريكية في المجال العسكري
إن الولايات المتحدة الأمريكية تقدم لإسرائيل سنويا حوالي 59% من المساعدات العسكرية التي تقدمها لدعم الجيوش الأجنبية. تلك النسبة تمثل 20% من مجمل إنفاق إسرائيل العام على الجيش، أما باقي الإنفاق، فيأتي من تبرعات “اللوبي الصهيوني”، ومن ميزانية الدولة. توصيف المساعدات الأمريكية في المجال العسكري للعامين 2020-2021 على النحو التالى:
أ- مذكرة التفاهم الأمريكية لعام 2016 وفرت مبلغ 3.3 مليار دولار مساعدات في المجال العسكري خلال عام 2020. تستغلها إسرائيل في تطوير آلتها العسكرية، من خلال الحصول على أحدث المعدات العسكرية الأمريكية، وغيرها من المواد المستخدمة في تلك المعدات. وطبقا لمذكرة التفاهم ستحصل إسرائيل على نفس المبلغ لعام 2021. وقد وجه جزء من تلك المساعدات في الصفقات التي عقدتها إسرائيل لعام 2020.
ب- برنامج الدفاع الصاروخي الإسرائيلي يعد من أهم البرامج التي تحصل على المساعدات الأمريكية كل عام، حيث حصلت على 500 مليون دولار للعام المالي 2020. المنظومات التي تدعمها المساعدات الأمريكية هي: القبة الحديدية، ومقلاع داوود، ومنظومات “حيتس”.
ويرجع السبب الأساسي لدعم منظومات الدفاع ضد الصواريخ، إلى رفع كفاءة الجيش الإسرائيلي أمام الهجمات الصاروخية، سواء من حزب الله أو الصواريخ الباليستية الإيرانية، حيث تعد منظومات الصواريخ كذلك صناعة مشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
في عام 2008، رصد الكونجرس الأمريكي 1.1 مليار دولار من أجل صناعة منظومة “حيتس”، والتي أنتجت خصيصا للتصدي للصواريخ الباليستية متوسطة المدى. خرجت المنظومة للنور في منتصف 2019. في “الإنفوجراف” التالي عرض لمجموع المساعدات الأمريكية لصالح منظومات الدفاع الصاروخي الإسرائيلية منذ عام 2006 إلى 2020.
إنفوجراف يوضح مجموع المساعدات الأمريكية لمنظومات الدفاع الصاروخي
تم رصد نفس المبلغ 500 مليون دولار، لدعم منظومات الدفاع الصاروخي الإسرائيلية للعام المالي 2021.
ج- مجال مكافحة الأنفاق: يدرس الكونجرس الأمريكى توفير دعم إضافى لإسرائيل من برنامج المساعدات الأمريكية بمبلغ 47 مليون دولار لمكافحة الأنفاق.
د- مخزون الأسلحة الأمريكي بإسرائيل من أهم أشكال الدعم غير المباشر لإسرائيل، حيث أنها طلبت استخدام المخزون الأمريكى عدة مرات. تعد آخر مرة طالبت فيها إسرائيل فتح المخزون لصالحها عام 2014، أثناء عمليات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. وافقت الإدارة الأمريكية على الطلب الإسرائيلي، على أن تسدد إسرائيل طبقا لبرنامج المساعدات الأمريكية. يقدر حجم الذخائر الأمريكية في إسرائيل بمبلغ 3.4 مليار دولار.
ه- مجال مكافحة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بالشرق الأوسط كذلك يعتبر من المجالات التى يتضمنها بروتوكول المساعدات الأمريكية مؤخرا. حيث قامت الولايات المتحدة بوضع بروتوكول دعم مع إسرائيل، من عام 2020 إلى عام 2024، بواقع 25 مليون دولار لكل عام مالي. ويهدف البروتوكول لمكافحة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بالشرق الأوسط، التي تمثل تهديدًا لإسرائيل والولايات المتحدة. مولت الولايات المتحدة إسرائيل في إطار البروتوكول، بمبلغ 13 مليون دولار للعام المالي 2020، على أن تتلقى إسرائيل دعما لذلك المجال بمبلغ 25 مليون دولار للعام المالي 2021.
المساعدات الأمريكية في المجال الاقتصادي
باعتبار إسرائيل الحليف الاستراتيجي الحقيقي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، تقوم الولايات المتحدة بتقديم العديد من المساعدات لها في الإطار الاقتصادي.
1- الهجرة واللجوء من الأمور التي تحظى بالدعم الأمريكي، حيث دعمت الولايات المتحدة إسرائيل، بمبلغ 5 مليون دولار للعام المالي 2020. يدرس الكونجرس كذلك تقديم 5 مليون دولار للعام المالي 2021، لدعم الهجرات لإسرائيل، وكذلك تقديم مبلغ 10 مليون دولار من أجل دعم يهود إثيوبيا بإسرائيل لعام 2021.
2- دعم الطاقة من المناحي التي وفرت لها المساعدات الأمريكية للعام 2020، حيث وفرت مبلغ 3 مليون دولار. سيوفر الكنيست مبلغ 8 مليون دولار لدعم مجال الطاقة في إسرائيل وشرق المتوسط للعام 2021، وذلك بزيادة دعم العلاقات الإسرائيلية مع اليونان وقبرص.
كذلك تقدم الولايات المتحدة العديد من المساعدات الاقتصادية لإسرائيل، ومنها ضمانات القروض وغيرها من جوانب الدعم التي تفتح بكل سهولة الخزينة الأمريكية أمام إسرائيل.
دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو – أرشيفية
الدعم الأمريكي في المجال السياسي 
لقد قامت إدارة “ترامب” بتقديم الكثير من الدعم لإسرائيل في المجال السياسي، حيث ألغت إدارة ترامب القيود الجغرافية من برنامج دعمها في أكتوبر 2020. دعمت الولايات المتحدة كذلك تحت إدارة ترامب صفقة القرن، والتي تعد قتلا للقضية الفلسطينية. كذلك إسرائيل دائما أول المستفيدين من البرامج الإستراتيجية الأمريكية، وكذلك البرامج السياسية. دعمت الولايات المتحدة الأمريكية كذلك مشروع التطبيع مع الدول العربية، من خلال “حل الأزمات مقابل التطبيع”.
أثر المساعدات والدعم الأمريكي
في المجال العسكري ضمنت المساعدات الأمريكية لإسرائيل، التفوق العسكري في الشرق الأوسط. على سبيل المثال، طائرات F-35A يمكنها ضرب أهداف في معظم دول الخليج ودول “الهلال الخصيب”. الأمر الذي أدى إلى تقوية مشروع التطبيع مع دول الخليج.
تحولت إسرائيل كذلك بفضل المساعدات الأمريكية من تابع لشريك إستراتيجي. إسرائيل تعتبر من أكثر الدول تصديرا للتكنولوجيا العسكرية في العالم، حيث تصدر التكنولوجيا العسكرية لعدة دول كبرى ومنها الولايات المتحدة نفسها.
نظرا للدعم الأمريكي العسكري لإسرائيل، فقد حقق الجيش الإسرائيلي نوعًا من التفرد والاستقلالية عن أحداث إسرائيل السياسية، حيث قام وزير الدفاع الإسرائيلي “نفتالي بينيت” في مطلع هذا العام، مع رئيس الأركان “أفيف كوخافي”، بإعلان إطلاق خطة “تنوفا”. حدث الأمر دون أي بروتوكول سياسي أو حتى اتفاق مع وزارة المالية، نظرا لعدم تمرير الميزانية نتيجة الأزمة السياسية الراهنة فى إسرائيل.
في المجال السياسي، أدى دعم الولايات المتحدة للعلاقات الخارجية لإسرائيل، لتوطيد علاقاتها مع دول شرق المتوسط بشكل أكبر. ساهم أيضا الدعم الأمريكي فى ترسيخ مشروع التطبيع الإسرائيلي مع الدول العربية. أدت ممارسات إدارة ترامب حتى نهاية عام 2020، إلى إيجاد مجموعة من أوراق الضغط في الأيادي الإسرائيلية، حيث تستغل القدس والضفة في الضغط على العرب تارة، ويستخدمها الساسة الإسرائيليون في لعبة الانتخابات تارة أخرى.
في مجال الاقتصاد، على الرغم من أن المساعدات الاقتصادية هي الأقل لعام 2020, إلا أنها تساعد في تهدئة الوضع الداخلي في إسرائيل. في أكثر الأحوال سوء، تستطيع إسرائيل الحصول على قرض مدعوم بقيمة 3.8 مليار دولار لحل الأزمة الاقتصادية. الأمر الذي يؤمن ظهر إسرائيل من أي أزمة اقتصادية مرتقبة.
جو بايدن – صورة أرشيفية
الدعم الأمريكي لإسرائيل تحت إدارة “بايدن”
رغم مساعى بعض أعضاء الحزب الديموقراطي بالكونجرس بالخطابات المتعاقبة، لوضع مشروطية للمساعدات الأمريكية لإسرائيل بعام 2020، إلا أنه من غير المنتظر أن تتعامل إدارة “بايدن” مع إسرائيل بسياسة تختلف عن الإدارات السابقة إن لم تكن أفضل.
 حيث يتضح أن المساعدات الأمريكية التي يدرسها الكونجرس لإسرائيل لعام 2021، أكبر من التي حصلت عليها لعام 2020، خصوصا في المجال العسكري. كذلك من أهم أسباب ثبات سياسة الدعم الأمريكي لإسرائيل في عهد بايدن، اعتماده على كتلة اليهود التصويتية.
من أهم خطط بايدن لعام 2021 تجاه إسرائيل، هي إعادة الاستقرار للسياسة الداخلية الإسرائيلية. يتضح ذلك من توفير الدعم للمجتمعات اليهودية كيهود “الفلاشا” في إسرائيل. من المتوقع إعادة إحياء المفاوضات خاصة “حل الدولتين” بهدف تهدئة للأوضاع، كذلك الضغط على إسرائيل، لتحسين سياستها تجاه الشعب الفلسطيني.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version