يعتبر عام 2020 للفلسطينيين عاماً مليئاً بالأزمات، ومحاولات فرض حلول غير واقعية، لا تلائم الحد الأدنى الذى يتطلع إليه الفلسطينيون، بالإضافة إلى أزمة كورونا الصحية، والتي رافقتها أزمة اقتصادية حادة، تفاقمت بعد وقف التنسيق الأمنى ورفض استلام أموال المقاصة.
هذا العام 2020 الذى امتاز بالاجتياحات الإسرائيلية، والاستيطان والاعتقالات، وهدم المنازل وغيرها على أرضية مخطط الضم الإسرائيلي، و”صفقة القرن”، التي طرحها الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته “دونالد ترامب”، والتي تشمل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإقامة دولة فلسطينية دون سيادة، ودون حدود عام 67 مع ضم المستوطنات والأغوار لإسرائيل.
الفلسطينية
دونالد ترامب وخريطة صفقة القرن – أرشيفية
عام صعب ومصيرى
فقد شمل موجة من اتفاقيات التطبيع مع دول عربية بشكل غير مسبوق، مما أثر بالسلب على الموقف العربي والإسلامي وكذلك مبادرة السلام العربية، ووضع جامعة الدول العربية في وضع متأزم يعكس مدى حاجتها إلى الإصلاح، بحيث تتلاءم مع التحديات التي تمر بها المنطقة وتواجه مشاريع تغيير معالم المنطقة العربية.
وقد رافقت صفقة القرن تجفيف أمريكي للمساعدات المالية للفلسطينيين، وإغلاق مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، بحيث أصبح عام 2020 عام توتر العلاقات بين السلطة الفلسطينية والولايات المتحدة، حيث قطع الرئيس الفلسطيني محمود عباس علاقاته مع إدارة الرئيس ترامب، وقطع التنسيق الأمني مع إسرائيل.
وبقيت المفاوضات السياسية مجمدة، إلا أن نهاية هذا العام شهد عودة التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل، وحراك إقليمي ودولي للعودة إلى مسار المفاوضات، وحل الدولتين، وسط ارتياح فلسطيني رسمي من انتهاء فترة ولاية دونالد ترامب.
حل الدولتين واستئناف المفاوضات
في 17 نوفمبر 2020، أعلنت السلطة الفلسطينية استئناف التنسيق “الأمني والمدني” مع إسرائيل، بعد وقفه بقرار من الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) في 19 مايو 2020، احتجاجا على مخطط إسرائيلي يستهدف ضم نحو ثلث مساحة الضفة الغربية المحتلة، وبما شكل مدخلا للاقتراب من الإدارة الأمريكية الجديدة، بهدف تنفيذ خطوات تعيد العلاقات مع السلطة الفلسطينية لطبيعتها، وكذلك الجهود الدولية المبذولة لإعادة مسار حل الدولتين مرة أخرى.
ولا شك فى أن الاجتماع الذي عقد عبر “كونفرنس” هاتفي بين الممثلين الخاصين لأعضاء “اللجنة الرباعية”، قد عكس حرص القوى الدولية على استثمار الإيجابيات التي رتبها القرار الفلسطيني، حيث قدم ممثلو الرباعية الدولية، تقييماً إيجابيًا بالإجماع لقرار القيادة الفلسطينية استئناف التنسيق مع إسرائيل في المجال الأمني، فضلاً عن التعاون الاقتصادي والاجتماعي، بما في ذلك الجهود المشتركة لمحاربة فيروس “كورونا” المستجد.
وأكد ممثلو الرباعية على أن هذه الخطوة تخلق الشروط اللازمة لبناء الثقة، والعودة إلى المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المباشرة بشأن القضايا الأساسية المتعلقة بالوضع النهائي.
أنجيلا ميركل وإيمانويل ماكرون – أرشيفية
ترحيب دولى
أشادت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالخطوة الفلسطينية، وأبدت استعداد بلادها لعقد اجتماع لمجموعة ميونخ (ألمانيا وفرنسا ومصر والأردن) تشارك فيه فلسطين وإسرائيل، وهي المجموعة التي تشكلت في مؤتمر ميونخ “56”، الذي عقد في فبراير 2020.
واستطاعت مصر والأردن من خلال وزيري الخارجية طرح مبادرة لعقد مؤتمر للسلام في بداية العام 2021، بناء على قرارات الشرعية الدولية. وحظيت هذه المبادرة بتأييد ألمانيا وفرنسا، باعتبارهم يمثلون الإتحاد الأوروبي.
وربما اللقاء الذي عقد عبر “الفيديو كونفرانس” بين المستشارة الألمانية ميركل والرئيس أبو مازن، وكذلك الإتصال الذي سبق بين الرئيس الفلسطينى وبين الرئيس الفرنسى ماكرون عقب الانتخابات الأمريكية، وما تبعه من حراك على مستوى الخارجية بين مصر والأردن وفلسطين، والتنسيق ولقاءات القمة بين الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسي والعاهل الأردني والرئيس الفلسطينى أضفى حراكا وزخما لعودة المفاوضات على أساس حل الدولتين والشرعية الدولية.
في تشكيل ما يشبه “الترويكا” بين فلسطين ومصر والأردن، ما يوضح شكل المرحلة القادمة، والخطوات المنسقة، لحماية القضية الفلسطينية من محاولات دفنها وتحويلها إلى سلام مقابل سلام، وفقا لرؤية رئيس الوزارء الإسرائيلي “نتنياهو” المدعوم من إدارة ترامب.
الرئيس الأمريكى المنتخب “جو بايدن” – أرشيفية
إدارة بايدن
وفي التقدير، محاولة الإدارة الأمريكية الجديدة إرضاء الفلسطينيين عن طريق إعادة المساعدات، واستئناف عمل مكتب منظمة التحرير الفلسطينية، وفتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية للفلسطينين، لإعادة مسار المفاوضات الثنائية بالرعاية الأمريكية.
ومن المرجح أن يتمسك الجانب الفلسطيني بالإطار الدولي الجامع للمفاوضات. لكن في النهاية سنجد أنفسنا أمام إطار ثلاثي: (فلسطيني- أمريكي- إسرائيلي)، إضافة لمصر والأردن، مع وجود الرباعية الدولية والإتحاد الأوروبي دون الانخراط الكامل بسبب المعارضة الأمريكية.
ولكن من المؤكد أن أية مفاوضات قادمة، ستكون أكثر وضوحا وتحديدا، خصوصا لعنصر الزمن الذي سيحكم هذه المفاوضات. فقد ثبت فعليا للإسرائيليين والأمريكيين أنه بالرغم من الاختراق الذي حصل في الموقف العربي تجاه التطبيع، إلا أن استقرار المنطقة يستلزم حلا عادلا للقضية الفلسطينية، في ظل تشابك القضايا في المنطقة، وتداخل قوى أخرى لها مصالحها ولها وجودها العسكري مثل روسيا وإيران وتركيا.
المصالحة
شهدت الأوضاع على الساحة الفلسطينية خلال عام 2020 تنسيقا بين القوى في الفصائل الفلسطينية في أعقاب الأزمة السياسية التي مر بها الفلسطينيون منذ طرح خطة ترامب (صفقة القرن)، حيث أعادت الكرة إلى الوضع الداخلي، مما أسفر عن محادثات ثنائية وجماعية بين الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها فتح وحماس في عدة عواصم (أنقرة – الدوحة – بيروت – دمشق).
وأخيرا القاهرة، التي استضافت عدة محادثات طوال الـــ 13 سنة الماضية، آخرها “اتفاق 2017″، إلا أن استئناف العلاقات مع الجانب الاسرائيلي، كانت مبرراً لعدد من الفصائل للتراجع وتوجيه الاتهامات للسلطة، وحركة فتح بالرغم من أن انتخابات 2006 كانت في ظل هذه الاتفاقيات، وبوجود التنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي، وقد شاركت فيها معظم الفصائل، ومنهم حماس، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .
نشير إلى أن هناك أسبابا داخلية كثيرة قد تعرقل مسار محادثات المصالحة التي وصلت لاتفاق على نقاط هامة، ومنها: الانتخابات بالتمثيل النسبي، وبدء مسار ديمقراطي للمؤسسات الفلسطينية، حيث أن المعارضة الداخلية في حماس تخشى من هذا المسار خوفا من خسارة المكاسب التي حققتها، عبر سيطرتها على غزة.
بالإضافة إلى المصالح التي تكونت طوال الفترة الماضية، وكذلك الضغوط التي تمارسها إيران وقطر وتركيا على أجنحة محددة داخل حماس للتحكم في قراراتها، وقد تكون الانتخابات الداخلية لحماس، والتي تجري وجرت في عدة مناطق، لإعلان رئيس مكتب سياسي، وأعضاء جدد في مارس 2021 أحد الاسباب في تعطيل قرار أو تأخير مسار، في إطار المنافسات الداخلية بينهم، والتي تنعكس على معظم القرارات.
العاهل الأردنى والرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى – أرشيفية
عام 2021
سيشهد حراكا دوليا أكثر كثافة، للمساعدة على استئناف العملية السلمية، وبناء علاقات أكثر استقرارا مع الولايات المتحدة، وسيعود الدور المصري أكثر تأثيرا بعد انتهاء مشروع ترامب، والذي أعطى دورا لبعض القوى الإقليمية، لممارسة أدوارا سلبية في الساحة الفلسطينية، تحقيقا لأهداف إسرائيلية تخدم صفقة القرن.
وعلى صعيد الوضع الداخلي، من المرجح أن مسار الانتخابات سيكون هو المسار الحاكم والخيار الدولى لإعادة قطاع غزة جزءا أساسيا تحكمه سلطة فلسطينية منتخبة، وستضطر حماس إلى إعادة تنظيم رؤيتها في إطار أي مشروع جديد متفق عليه دولياً، خصوصاً أنها قد تشهد انحسارا في تركيا، في ظل مساعي أردوغان لإعادة العلاقات مع إسرائيل.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version