يمر اقتصاد إسرائيل بفترة وصفها الخبراء بأنها الأسوأ منذ إعلان قيام الدولة، من حيث تدنى معدلات الإنتاج وارتفاع العجز وتنامى أعداد العاطلين عن العمل بصورة غير مسبوقة، في ظل انتشار وباء “كورونا”، وقرار الحكومة الإسرائيلية بفرض إغلاق شامل في البلاد _هو الثالث لها_ على مدار العام الحالى.
تزامنت هذه الأزمة مع عدم استقرار سياسى وصراع بين الأحزاب فى إسرائيل ورغبة نتنياهو في انقاذ مسيرته السياسية على حساب الدولة، الأمر الذي أثر سلبًا على سياسات الحكومة تجاه الأزمة، ودفع خبراء الاقتصاد بوصفها بالـ “الحكومة الفاشلة”، لأنها لم تُحسن إدارة الأزمة.
حيث سجلت بيانات وزارة المالية عجزًا تراكميًا فى ميزانية العام الماضى تخطى 151 مليار شيكل، بنسبة بلغت 11,1٪ من الناتج المحلى الإجمالى الذى انخفض بدوره بنسبة 1.4٪، بالإضافة إلى انخفاض الناتج التجارى بنسبة 2.3٪، وكذلك انخفض الاستهلاك الخاص بنسبة 9.7٪، مما يشير إلى ركود وانخفاض مستوى المعيشة.
إسرائيل
اتفاق التطبيع بين تل أبيب وأبو ظبى برعاية أمريكية – أرشيفية
التعاون الدولى
شهد العام المنصرم “2020”، توقيع إسرائيل سلسة من الاتفاقيات هى الأخطر في تاريخ علاقتها الدولية مع عدد من الدول العربية. وتعد هذه الاتفاقيات فضًلا عن أهميتها السياسية بمثابة طوق نجاة للاقتصاد الإسرائيلى للخروج من أزمته الحالية، فهى تمثل قيمة كبيرة للاقتصاد الإسرائيلى، ولاسيما في مجال الصادرات.
فالإمارات العربية على سبيل المثال، تستورد سلعًا وخدمات بقيمة 264 مليار دولار سنويًا، وجزء كبير من وارداتها من المواد الكيميائية والمواد الغذائية، وهى مناطق تتمتع فيها الصادرات الإسرائيلية بميزة نسبية. هذا فضًلا عن التعاون في المجال المصرفى، ومجالات التكنولوجيا الفائقة، والصناعات العسكرية فى ظل الرغبة الإسرائيلية فى السيطرة على مبيعات الأسلحة فى منطقة الخليج مع الولايات المتحدة وضمان عدم سيطرة روسيا والصين عليها، ولضمان التفوق النوعى أيضًا، بالإضافة إلى تحقيق أرباح طائلة تدعم الاقتصاد.
الرئيس الصينى أثناء إستقباله لنتنياهو – أرشيفية
أثرت هذه الاتفاقيات على طبيعة التعاون الدولى في المنطقة؛ حيث أعلنت كوريا الجنوبية مؤخرًا عن عقد اتفاق للتجارة الحرة بينها وبين إسرائيل، بعد مناقشات استمرت عدة سنوات وتأخر توقيعها حتى الآن لاعتبارات وصفتها إسرائيل بالـ “سياسية”. ويُرجع المحللون الاقتصاديون في إسرائيل التغيير فى الموقف الكورى الجنوبى إلى توقيع إسرائيل لاتفاقية تعاون مع الإمارات العربية المتحدة.
وفي المقابل حذرت ورقة بحثية صادرة عن مركز أبحاث الأمن القومى من رد فعل الصين الفاتر تجاه اتفاقيات إسرائيل الأخيرة مع الدول العربية؛ وأنها قد تتبع نهجًا جديدًا تجاه إسرائيل، وذلك على خلفية الآمال الإسرائيلية فى أن تحل الإمارات محل الصين في المشروعات الاستثمارية، بعد التحذيرات الأمريكية من التوسع فى مشروعات التعاون الصينية خاصة فى مجال البنية التحتية، وإنشاء المدن الذكية، لاعتبارات تمس الأمن القومى الأمريكى والإسرائيلى.
وأوصت الورقة بضرورة أن تحرص إسرائيل على توازنها فيما أسمته بـ “مثلث العلاقات” بين إسرائيل والصين والولايات المتحدة، وأن تحرص على مصالحها معهما دون خسارة أى منهما.
بورصة تل أبيب – صورة أرشيفية
البورصة وسوق المال
قدر البنك المركزى فى إسرائيل أن تأثير أزمة كورونا على النظام المصرفى ستظهر من خلال حدوث خسارة إجمالية فى القطاع المصرفى فى عام 2021، وذلك بعد تسجيل النظام المصرفى عائدًا سلبيًا على رأس المال يقارب 1٪، مع توقعات بتسجيل عائدًا صفريًا على رأس المال.
وعلى الرغم من ذلك، يُرجع العديد من المحللين عدم انهيار الشيكل إلى قرار البنك المركزى، تخفيف نسبة الرافعة المالية للبنوك، الأمر الذى من شأنه أن يساعد البنوك على ضخ الائتمان في الاقتصاد.
تأتى توقعات البنك المركزى فى إسرائيل على الرغم من تسجيل البورصة عائدات فى النصف الثانى من عام 2020، بلغت نحو 73.5 مليون شيكل، بزيادة قدرها 17٪ مقارنة بإيرادات 62.9 مليون شيكل فى الفترة المقابلة من العام الماضى.
وتعزى معظم الزيادة فى الإيرادات إلى زيادة أحجام التداول بالبورصة عقب تفشى فيروس كورونا، إضافة إلى زيادة الإيرادات من خدمات توزيع المعلومات والربط. في المحصلة النهائية، سجلت البورصة ربحًا صافيًا بلغ حوالى 10 ملايين شيكل، أى قفزة بنحو 300٪ مقارنة بأرباح بنحو 2.5 مليون شيكل فى 2019.
ويُرجع العديد من المحللين أيضًا عدم انهيار الشيكل خلال هذه الأزمة إلى تدخل البنك المركزى، واستجابته للتطورات المتوقعة والمناسبة لتوقعات المستثمرين.
الخلاصة
على الصعيد الداخلى؛ فشلت الحكومة الإسرائيلية فى احتواء الأزمة الناجمة عن تفشى وباء كورونا لعدة أسباب أهمها: تغليب المصلحة السياسية، وعدم الأخذ بتوصيات الخبراء الاقتصاديين. كما أنها أغدقت فى الوعود بحزم ومساعدات مالية عريضة للجمهور، الأمر الذي تسبب فى حالة من الغضب الجماهيرى، عندما فشلت الحكومة فى الوفاء بوعودها.
كذلك عدم الاهتمام بالأمن العذائى، وإعطاء أولوية للاستيراد مقابل التصنيع والزراعة، وفى هذا الإطار، أوصت الحكومة بوضع خطط لزيادة الإنتاج الغذائى وتحقيق الاكتفاء الذاتى في ظل حدوث أى أزمة جديدة. وفى المقابل، دعمت هذه الأزمة اتجاه الحكومة بالاهتمام بالبنية التحتية للاتصالات وضرورة الانتهاء من تركيب وتشغيل شبكات “G5”.
وعلى الرغم من هذا الأداء السىء، إلا أن الحكومة اتخذت قرارًا باستمرار العمل بموازنة عام 2019 خلال العام الحالى أيضًا؛ وذلك لحماية أداء الجهاز الحكومى، وضمان استمرارية العمل في حال حل الحكومة والاتجاه إلى انتخابات جديدة، وعدم الوصول إلى حالة من الفشل الإدارى نتيجة التخبط السياسي.
 وهو الأهم بالنسبة لها في ظل عدم قدرة الاقتصاد على التعافى سريعًا، فقد يشهد الاقتصاد انتعاشًا تدريجيًا خاصة مع ظهور اللقاح وبدء حملات التطعيم، إلا أن الأمر يحتاج إلى عدة سنوات لعودة المؤشرات إلى معدلاتها ما قبل 2020.   
على صعيد التعاون الدولى؛ يطمح الخبراء فى إسرائيل من خلال الاتفاقيات الأخيرة مع دول الخليج فى أن يساهم موقع إسرائيل كحلقة وصل بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط فى أن تكون بديلاً لقناة السويس فى نقل النفط، وذلك عن طريق ربط خط أنابيب النفط الممتد من إيلات إلى عسقلان فى الجنوب بالمملكة العربية السعودية، وهكذا يتسنى لهم نقل النفط عبر إسرائيل إلى أوروبا وآسيا.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version