بعد إعلان فوز “إبراهيم رئيسي” في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وتفوقه على كل منافسيه، يكون النظام الحاكم في إيران قد وضع المنطقة كلها وإسرائيل بصفة خاصة، أمام مشهد جديد، أصبحت فيه كافة مؤسسات السلطة خاضعةً للتيار المحافظ الذي يتبنى النهج المتشدد، وهذا لا يبشر بالخير بالنسبة لنظام الاحتلال في تل أبيب الذي لم يكن راضيا عن سياسة إيران حتى في ظل الرئيس الإصلاحي حسن روحاني، الذي اعتبره البعض أكثر عقلانية وموضوعية في التعامل مع القوى الإقليمية والدولية، مقارنة بالنهج المتشدد للمُرشد الإيراني علي خامنئي، وكبار قادة الحرس الثوري.
ومن خلال رصد تعليقات الكتاب والمحللين الإسرائيليين، يتبين أن الدولة العبرية التي تعتبر إيران ألد أعدائها، ستراجع المواقف وتعيد الحسابات، بعد فوز رئيسي بمنصب الرئاسة.
الإسرائيلى
الرئيس الإيرانى الأسبق “أحمدى نجاد” – أرشيفية
العالم سيتحسر على أحمدي نجاد!
يرى المحلل الاستراتيجي الإسرائيلي “إيال زيسر” أن نهاية نظام الملالي في إيران آتية لا محالة، لأن هذا من سُنن التاريخ، لكن للأسف الشديد، فإن الاتفاق النووي المُنتظر بين واشنطن وطهران سيؤجل تلك النهاية وسيمنح النظام الإيراني فرصة أخرى للبقاء. مُضيفًا أن الانتخابات الوهمية التي جرت مؤخرا في إيران قد أسفرت كما هو متوقع، عن فوز شخص متشدد للغاية، وهو إبراهيم رئيس، الذي بسبب مواقفه المتشددة وتاريخه الدموي، ودوره في إعدام آلاف المعارضين السياسيين، عندما كان مدعيا عاما في طهران خلال الثمانينات، فإن العالم قد يتحسر على أيام سابقه، محمود أحمدي نجاد، رغم أنه يُنكر الهولوكوست.
ليس مجرد رئيس!
اعتبر “زيسر” أن سبب انتخاب رئيسي – بل والسماح له بالترشح، مع استبعاد قرابة 600 مرشح آخر – يكمن في أنه يدين بالولاء المُطلق للمرشد علي خامنئي، ذلك المُسن البالغ من العمر 82 عاما، الذي لا يريد مفاجآت، خاصةً أنه قد يفارق الحياة خلال فترة حكم الرئيس المُنتخب. علمًا بأن هناك أقاويل في إيران عن أن رئيسي قد يكون خليفةً للمرشد الأعلى، ومن هنا يتبين أن المسؤولين في طهران لم يسعوا لانتخاب مجرد رئيس للبلاد وإنما أيضا لتهيئة الخليفة المُنتظر للمرشد الأعلى.
وعلى أية حال، فإن قادة النظام في طهران قد فضَّلوا إزالة الأقنعة وعدم انتخاب رئيس مبتسم وبشوش ليخدع المجتمع الدولي، كما فعلوا في السابق. ومن الآن فصاعدا ستتحدث إيران بصوت واحد، يتسم بمزيد من الحدة والشدة والوضوح.
مسرحية الانتخابات..
أشار “زيسر” إلى أن أغلب الإيرانيين فضلوا عدم المشاركة في مسرحية الانتخابات الرئاسية التي أجرتها السلطة الحاكمة، وهذا يعكس حالة الإحباط لدى المواطنين وغياب ثقتهم في النظام وانعدام قدرتهم على إحداث تغيير فيه. وهذا الإحباط يذكرنا بمشهد خروج الحشود من الشباب قبل ما يزيد عن 30 عاما، احتجاجًا على نظام حُكم الشاه، ورغبةً في إحداث تغيير من أجل ضمان مستقبل افضل للبلاد. لكن رجال الدين اختطفوا ثورة الشباب، وباتوا منذ ذلك الحين يُحكمون سيطرتهم على مفاصل الدولة.
الرئيس الإيرانى “إبراهيم رئيسى” – أرشيفية
حُكم الملالي أسوأ من حُكم الشاه!
لقد أصبحت أوضاع المواطنين الإيرانيين أسوا مما كانت عليه إبَّان عهد الشاه، لأن حُكم الملالي يتسم بالفشل والفساد،  لذا فقد جلب على الإيرانيين الفقر والجوع، وازداد الوضع سوءًا بالعقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. ورغم أن تلك العقوبات الأمريكية لم تُسقط النظام إلَّا أنها كانت ستؤدي إلى التعجيل بإسقاطه، كما حدث بالضبط  خلال القرن الماضي، عندما تصدى الرئيس ريجان للاتحاد السوفييتي وأدى إلى إسقاطه. 
فيما يزعم المحلل الإسرائيلي أن انتخاب رئيسي ومنح الإيرانيين أصواتهم له، يُعدُّ أقل خطورة من إقدام إدارة بايدن على إحراز اتفاق نووي مع إيران، إذ من المُفاجئ في كل مرة، أن نجد مَن يمد يده لإنقاذ تلك الدولة الشريرة والمتطرفة، بعدما باتت على وشك الانهيار. لكن لا غرابة، فهذا ما فعلته إسرائيل عام 1992، عندما وقَّعت على اتفاقية أوسلو، التي أنقذت ياسر عرفات من أزمته الصعبة، وهذا ما يفعله الأمريكيون الآن بإنقاذهم للنظام الإيراني.
لا يبشر بالخير!
أما المحلل الإسرائيلي “رون بن يشاي”، فيرى أن الرئيس الإيراني الجديد لن يتعجل بالتوصل إلى اتفاق نووي مع الولايات المتحدة أو رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، وربما لن يقبل فرض قيود على برنامج إيران الصاروخي. وعليه، فإن انتخاب رئيسي لا يبشر بالخير بالنسبة للمواطنين الإيرانيين، ولا يبعث على التفاؤل بالنسبة لمواطني الشرق الأوسط، والإسرائيليين على وجه الخصوص.
إن رئيسي، الذي سيكون في المرتبة الثانية ضمن هرم السلطة الدينية والسياسية في إيران، بل والمُرشح لخلاف خامنئي بعد رحيله، قد أثبت أنه رجل دين متشدد ومتسلط، يضع حماية النظام على رأس أولوياته السياسية. وهو من الناحية الأيديولوجية، يعتبر الثقافة الغربية عموما، والأمريكية والإسرائيلية خصوصا، من ألد أعداء إيران ومن أشدها خطورةً على ثورتها الإسلامية.
يتبنى اقتصاد “المقاومة”..
يتوقع “بن يشاي” أنه بمجرد تولي “رئيسي” منصب الرئاسة في إيران، ستتبدد فُرص توصل الولايات المتحدة والقوى العظمى، لحلول مقبولة مع إيران، سواء حول برنامجها النووي العسكري، أو صواريخها الباليستية أو تدخلاتها لبسط النفوذ الشيعي في المنطقة.  
ومن المعلوم أن رئيسي يؤيد فكرة “اقتصاد المقاومة” التي تبناها خامنئي، وهي تعني أن إيران ليست في حاجة لموارد أو استثمارات خارجية، وإنما في حاجة لبنية تحتية، تمكنها من توفير احتياجاتها بنفسها، دون الاعتماد على تصدير النفط الذي يمثل ثروة إيران. وبناءً على ذلك يرى رئيسي أنه لا ينبغي الإسراع لتوقيع اتفاق مع إدارة بايدن بشأن رفع العقوبات الأمريكية أو السماح بتصدير النفط الإيراني. كما أنه غير واثق بالمرة من أن الإدارة الأمريكية ستُسقط العقوبات التي فرضتها واشنطن عليه شخصيا، بعد انتهاك حقوق الإنسان في نهاية الثمانينات.
جو بايدن – صورة أرشيفية
إدارة بايدن في وضع المُضطر!
لكن “بن يشاي”، لا يستبعد أن تُسفر المفاوضات غير المباشرة التي تجري حاليا في فيينا بين إيران والولايات المتحدة عن إبرام اتفاق في عهد رئيسي، حيث ترى مصادر أوروبية وأمريكية أن مثل ذلك الاتفاق ربما سيتم في أغسطس المقبل حينما سيتولي رئيسي منصبه كرئيس لإيران. ولكن من المتوقع أن يكون مثل ذلك الاتفاق – في حال أقرَّه رئيسي – جزئيا ولا يرقى لسقف الطموحات الأمريكية، وأن إيران ستكون هي المستفيد الأكبر منه.
ولعل ما سيجعل واشنطن تقبل باتفاق منقوص مع إيران هو رغبة إدارة بايدن في التفرغ لمواجهة خطر الصين وروسيا، فضلا عن التصدي للمشاكل الداخلية. لذا من المتوقع أن تقبل إدارة بايدن بإحراز اتفاق سيئ في فيينا، وهي ستُفضِّله على استمرار الوضع الحالي، الذي يشهد استفزازات إيرانية للولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط.
ستعود هيمنة المحافظين..
أما الكاتب “راز تسيمت” المتخصص في الشؤون الإيرانية والخبير في مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، فقد أكد أن فوز إبراهيم رئيسي في الانتخابات الأخيرة لم يكن غير متوقع، وحتى إذا اعتبرناه يمثل مفاجاة، فهو ليس نتيجة للانتخابات، بل نتيجة متوقعة لقرار “مجلس صيانة الدستور” الذي استبعد كثيرا من السياسيين البارزين وعلى رأسهم رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني. مُشيرا إلى أنه بانتخاب رئيسي ستعود هيمنة المحافظين على جميع السلطات الثلاث.
غير أن رئيسي سيواجه العديد من الصعوبات والتحديات، وفي مقدمتها تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد. وإذا نجح رئيسي في مهامه فإنه سيمهد الطرق لنفسه لتولي منصب المرشد الأعلى خلفا لخامنئي، أما إذا فشل فسيزداد الشعور بالإحباط لدى الجماهير، وعندئذ سوف تُثار الشكوك في قدرة النظام على مواجهة التحديات المستقبلية.
خلاصة القول، إن المحللين الإسرائيليين يتابعون بمزيد من القلق، تداعيات فوز إبراهيم رئيسي في الانتخابات الأخيرة، لاستشراف سياسة إيران الجديدة تجاه إسرائيل ودول الجوار. وتشكل إيران تهديدا استراتيجيا لإسرائيل، نظرا لسعيها لامتلاك قدرات نووية، وتعزيز وجودها العسكري في سوريا والعراق. فضلًا عن دعمها لتنظيم حزب الله في لبنان، وحركتي حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة.
ولعل أكثر ما يُخيف إسرائيل حاليًا، هو أن الرئيس الجديد ينتمي لمعسكر المحافظين، ما يعني أنه سيُعزز نفوذ التيار المتشدد الذي يسعى لامتلاك قنبلة نووية. لذا فإن الآلة الإعلامية الإسرائيلية لن توقف حملة التنديد بانتخاب رئيسي، وهي تُطلق عليه: “عشماوي طهران” و”السفاح”، حتى تُرَوِّج له صورة ذهنية سيئه لدى الرأي العام الإسرائيلي والإقليمي والدولي.
والآن، فإن الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة نفتالي بينيت، تنتظر عودة رئيس الأركان أفيف كوخافي بعد انتهاء زيارته للولايات المتحدة، وهي الزيارة المُخصصة لبحث خطورة التهديد النووي الإيراني وعودة واشنطن للاتفاق السابق مع طهران. وكان بينيت قد أكد في جلسة الحكومة أن تل أبيب لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي.
وفي سياق مُتصل، قال مسؤولون أمنيون إسرائيليون إنه لا مناص من تأهب الجيش الإسرائيلي لشن عملية عسكرية لضرب المنشآت النووية الإيرانية، في ظل اعتزام إدارة بايدن العودة للاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس ترامب عام 2018. لكن هذا التأهب يستوجب قيام بينيت برصد الميزانية الكافية والموارد اللازمة لشن الهجوم. وكانت الحكومة السابقة قد رصدت ما قيمته 11 مليار شيكل لتأهيل الجيش الإسرائيلي لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية، غير أن المتغيرات الحالية تتطلب تخصيص ميزانية أكبر لشن الهجوم، فضلا عن التعقيدات الفنية واللوجستية والعملياتية التي تحد من فرص قيام إسرائيل بتنفيذ عمليات عسكرية مباشرة ضد إيران ، الأمر الذي يرجح استمرار تنفيذ عمليات سرية منتقاه ضد الأهداف الحيوية الإيرانية ( علماء ، منشآت ، مواقع نووية) لتعطيل البرنامج النووي الإيراني.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version