الجزء السادس: “إستراتيجية مواجهة النفوذ الإيرانى” ..
أولا: ماهية النفوذ الإيراني
من المعروف أن إيران إذا تبنت استراتيجية للتدخل في أزمة ما، فإن استراتيجية أخرى للخروج منها تكون جاهزة لديها أيضا. وبالتالي من المفترض أن تكون لديها سيناريوهات متعددة للتعامل مع الضغوط الدولية المختلفة فيما يتعلق بنفوذها المخل بالتوازن الإقليمي، الذي لم يعد مقبولا أو السكوت عليه أو التغافل عنه؛ وإذا لم يتم تفكيك هذا النفوذ وتقويض أدواته المكونة لمحور المقاومة، فسوف تنفرد إيران بالقدرة على هيكلة المنطقة وفق تصوراتها المدمرة وبأقل كلفة سياسية أو مادية، وربما تحول محور المقاومة إلى ناتو شيعي قوامه أشرس الجماعات الإرهابية المقاتلة.
وقد أصبحت الفرصة مهيأة اليوم لتسوية القضايا الخلافية حول برنامجها النووي، وبالتبعية حل الملفات المتعلقة بنفوذها الإقليمي، بعد فوز جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة، وتوفر الرغبة الأمريكية ـ الإيرانية المتبادلة لإنهاء الافتراق السياسي بينهما، بعد مضى أكثر من أربعة عقود على ذلك. خاصة في وجود النية أمريكية المبيتة لإعادة العلاقة مع إيران إلى سابق عهدها، في إطار المجابهة المقبلة مع الصين وروسيا. في مقابل وجود النية إيرانية المبيتة للانفراد بهندسة المنطقة على المستوى الجيوسياسي وفقا لتصوراتها الاستراتيجية الخاصة.
ولم يعد خافيا أن رغبة إيران لتسوية قضاياها الخلافية مع المجتمع الدولي باتت رغبة أكيدة؛ نظرا لأنها تتطلع للقيام بدور إقليمي مهيمن، داخل الدائرة الأولى لأمنها القومي، تنفرد فيه بفرض رؤيتها لأي ترتيبات أمنية. كما تسعى أيضا للقيام بدور سياسي مؤثر، داخل الدائرة الثانية، يؤهلها في المستقبل للعب دور الوسيط بالأزمات الإقليمية الكبرى. خاصة بعد أن وضعت نفسها في قلب المشاكل البنيوية لمستقبل الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والقوقاز، وجعلت من نفسها محور ربط جيوسياسي بين الأقلية الشيعية بأفغانستان وباكستان وبين نفوذها بالشرق الأوسط. هذا إلى جانب العوامل الأخرى التي تمثل دافعا لقبول هذه التسوية.
شعار مجموعة FATF – أرشيفية
العوامل الدافعة للتسوية:
 تقلص قدرة إيران على مواصلة تقديم الدعم لمعظم المليشيات التابعة لها، أو دفع مخصصاتها المالية؛ بسبب الأزمة الاقتصادية، فضلا عن تكبد هذه المليشيات خسائر مادية كبيرة، وارتباط سمعتها بالإرهاب، سواء بالعراق أو سوريا أو اليمن.
 تزايد الانكماش في حجم الناتج القومي السنوي الإيراني، وتقلص قدرتها على الارتباط بشبكة البنوك الصينية والروسية، وحرمانها من الحصول على الخدمات البنكية، بسبب إدراجها ضمن القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي (FATF).
 تردي سمعة المؤسسات الإيرانية على المستويات كافة، وباتت تعاني من وطأة هذه السمعة؛ عقب إدراج الولايات المتحدة الحرس الثوري على لائحة المنظمات الإرهابية، وفرض عقوبات صارمة على هيئات الصناعات البحرية والجوية. إلى جانب العقوبات الصارمة التي شملت البنك المركزي، ومؤسسة المستضعفين، ومؤسسة الإمام الرضا، ولجنة تنفيذ أوامر الإمام؛ بوصفها كيانات داعمة وممولة للإرهاب وللتنظيمات الإرهابية بالمنطقة.
 استمرار الجهود الرامية لتطويق نفوذ إيران الإقليمي، والتي أفضت إلى زيادة الوزن النسبي لتركيا وإسرائيل شمالا بمنطقة القوقاز، خصما من وزنها النسبي. وإلى إكساب إسرائيل صفة التواجد الرسمي جنوبا على سواحل الخليج العربي؛ بموجب الاتفاقات الإبراهيمية، التي عززت من فرضيات قيام ترتيبات أمنية إسرائيلي – خليجي مضادة لها، خاصة بعد ضم إسرائيل إلى قيادة المنطقة الوسطى الأمريكية سينتكوم المسئولة عن الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
المؤشرات الدالة:
توضح المؤشرات المختلفة على أن إيران والولايات المتحدة قد اتخذتا الخطوة الأولى، باتجاه التوصل إلى حلول شاملة، سواء لقضية العقوبات الاقتصادية أو الملفين النووي والصاروخي أو النفوذ الإقليمي. فدفعا، خلال الفترة الأخيرة، بالأهداف الإقليمية تباعا صوب تقريب وجهات النظر القائمة على النوايا الحسنة. ومن المرجح أن تبدأ أولى خطوات الحل السياسي من اليمن، وذلك لأسباب تتعلق بحساسية موقعه الشديدة، وبتأثيره السلبي على أمن المملكة العربية السعودية ومنطقة باب المندب، وبعده النسبي عن كتلة محور المقاومة المتماسكة (العراق وسوريا ولبنان) فضلا عن تدهور الأوضاع بالداخل اليمني للدرجة التي باتت تنذر بوقوع كارثة إنسانية به، إلى جانب العوامل الإجرائية التالية:
‌أ. تبدل الموقف الأمريكي:
الذي عبر عنه تأكيد جو بايدن، في خطاب الأول بمقر وزارة الخارجية حول سياسة إدارته الدولية، على أنها سوف “تعزز جهودها الدبلوماسية لإنهاء الحرب في اليمن”؛ التي “تسببت بكارثة إنسانية واستراتيجية”. وتشديده على أن “هذه الحرب يجب أن تنتهي”. وإعلانه أيضا عن إنهاء “كل الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة”. إضافة إلى إلغاء تصنيف الحوثيين في اليمن “منظمة إرهابية”.
‌ب. رسائل الطمأنة الإيرانية:
من خلال تأكيد الخارجية الإيرانية أن طهران مستعدة للحوار مع السعودية بشأن مخاوفها، ويمكن وفي أي وقت تريده حل الأزمة في اليمن، في حال ابتعادها عن ممارسة العنف وإهمال الأمن الإقليمي والتعاون مع القوى خارج المنطقة. وقال المتحدث باسم خارجيتها سعيد خطيب زادة: “إذا رأينا هذا التغيير في تصرفات السعوديين وخطابهم، فإن إيران بالتأكيد ستكون منفتحة على الحوار معها”.
‌ج. اكتمال الهدف الإيراني:
وقد تمثل الهدف الإيراني في غايته، تعظيم دور المكون الشيعي بالمجتمع اليمني، وخلق جماعة أنصار الله الحوثية المسلحة بوصفها ركيزة لدورها بشبه الجزيرة العربية، وأداة كبح لنفوذ السعودية الإقليمي، واستدراجها بعيدا العراق وسوريا ولبنان، عبر صراع جيوسياسي يقوض هيبتها ويستنزف قدراتها. ومن المحتمل أن تدفع إيران أنصار الله لمحاولة السيطرة على مأرب والجوف، ليكون جزءا من الوضع النهائي للحل، وفق تصوراتها الخاصة.
الاحتمالات المستقبلية
من المحتمل أن تأتي خطوات التفاهم الأهم بشأن نفوذ إيران بالعراق؛ الذي يمثل أهمية لها خاصة من حيث الحدوه الجغرافية المشتركة، وطبيعته الديمغرافية ذات الاثنية الدينية والعرقية، التي تمثل إلى حد كبير حاضنة مواتية لاستمرار نفوذها الأيديولوجي والسياسي فيه؛ بما يؤهلها لاستمرار دورها في معادلاته المستقبلية.
وربما تكو الخطوة التالية هي سوريا، التي نجحت إيران في بناء نفوذ طويل الأمد فيها، من خلال شراء العقارات والمصانع، وتأسيس الشركات، والمشاركة في المناقصات الحكومية، وتعزيز الأعمال التجارية لبناء شبكة من الانتماءات. إلى جانب أنها أعادت تنظيم قوات الشبيحة واللجان الشعبية في قوة شبه عسكرية كبيرة تعرف باسم قوات الدفاع الوطني على غرار الباسيج. وهناك اعتقاد واسع أن الحرس الثوري الإيراني هو الذي يقود هذه القوات، حتى أصبحت منافسة للجيش العربي السوري.
وعلى الرغم من ذلك، يمكن القول إن إيران لن تستطيع استنساخ تجربتها بالعراق في سوريا؛ نظرا لأن زيادة نفوذها أو استمراره على النحو القائم في سوريا يمثل في حد ذاته تهديدا لن تقبل به إسرائيل على الإطلاق، كما لن تقبل به تركيا، أو ترضى عنه روسيا لأن سوريا هي الحليف الاستراتيجي العربي لها بالشرق الأوسط. والأهم من ذلك أنها دولة علمانية معظم سكانها من السنة الذين شهدوا على بشاعة الممارسات الإيرانية بحق بلدهم، ناهيك عن أن الثقافة العربية السورية قادرة على حصر النفوذ الإيراني داخل أماكن تغلغله فقط، مثلما فعل المجتمع اللبناني الذي نجح في حصر نفوذ حزب الله بالجنوب.
وبناء عليه، من المحتمل أن تتحرك إيران، خلال المرحلة القادمة، في جميع الاتجاهات للتعامل مع أي مستجدات تتعلق بالخلاف بينها وبين المجتمع الدولي، انطلاقا من الواقع الجيوسياسي الذي فرضته بالمنطقة؛ ولاستخلاص أفضل النتائج والغايات. التي يأتي على رأسها التوصل لاتفاق مع الولايات المتحدة؛ نظرا لأن ذلك سوف يضمن لها الاعتراف بمركزها الإقليمي المتفوق؛ انطلاقا من أن أي تحسن في علاقاتها مع واشنطن والمجتمع الدولي، سوف يؤدي بدوره إلى تحسن علاقاتها بدول المنطقة، بما فيها السعودية وإسرائيل نفسها، أو على الأقل يدرأ عنها شرورها.
وبعد أن استعرضنا بإيجاز ماهية النفوذ الإيراني، نعرض على النحو التالي تصورا مبدئيا مقترحا لمواجهة هذا النفوذ، وهو الأمر الذي يجب أن تقوم به مراكز الدراسات والبحوث العلمية المتخصصة بالوطن العربي، في إطار استراتيجية عربية متكاملة. خاصة أن مواجهة نفوذ إيران المدمر بالمنطقة، يتطلب استراتيجية عربية تتكامل فيها الأدوار وتتنوع لها مقومات النجاح، ليس لاحتواء أو إضعاف هذا النفوذ في كل ركيزة من ركائزه وحسب، بل ولإيجاد بدائلا وحلولا تنال ثقة الشعوب العربية، وتخلق فرصا جديدة لإعادة التماسك للبنية العربية، وتحول دون تسللها مرة أخرى، تقف، وفي نفس الوقت حائلا دون هيمنة إسرائيل أو تركيا على المنطقة، خاصة في ظل المتغيرات الراهنة.
الرئيس السيسى والأمير تميم بن حمد – أرشيفية
ثانيا: استراتيجية المواجهة
وتتلخص هذه الاستراتيجية أو هذا التصور المقترح في النقاط العامة التالية:
1. التضامن العربي:
 بناء تكتل اقتصادي عربي (6+6) يضم دول مجلس التعاون الخليجي الست ومصر والسودان والأردن والعراق وسوريا ولبنان.
 الحرص على استرجاع العراق وسوريا لحاضنتهما العربية مرة أخرى، وتضميد جراح شعبهما العربي العظيم.
 عرقلة مشروعات الربط البري بين إيران وسوريا، لاسيما مشروع الربط الحديدي الذي سيربط طهران بدمشق مرورا ببغداد.
 العمل على تعزيز المواطنة ومشاعر الولاء والانتماء الوطني لدى جميع المواطنين الشيعة بدول الخليج العربي.
 تقديم المساعد لهده الدول في إعادة تأهيل مؤسساتها وبنيتها التحتية.
 العمل في رفع كفاءة وقدرة الجيوش العربية بالعراق وسوريا واليمن.
 إعادة بناء العقيدة العسكرية والأمنية العراقية على أسس الانتماء للدولة وليس على أسس طائفية أو حزبية أو عشائرية.
 المساعدة في رفع كفاء الأجهزة الأمنية بكل من سوريا والعراق واليمن؛ لمجابهة التحديات المحتملة، أثناء فرض هيبة الدولة.
 تقديم الدعم والمساندة لإعادة الإعمار في كل من سوريا والعراق واليمن (شركات مصرية ودعم مالي خليجي).
 دراسة مدى إمكانية ضم اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي.
 تحسين العلاقات العربية التركية بوصفها المنافس الإقليمي الأكثر تأثيرا على إيران في الوقت الراهن لأسباب معلومة.
 تنشيط حركة التجارة البينية العربية وخاصة مع كل من العراق وسوريا والأردن واليمن ولبنان.
 العمل على سحب السلاح من الجماعات والمليشيات المسلحة وحصره بالمؤسسات التابعة للدولة.
2. المواجهة الناعمة:
تستهدف المواجهة الناعمة مع إيران، خلال هذه المرحلة، تحقيق مجموعة من الأهداف، عبر الامتثال لحكمة أشهر شعراء الدولة العباسية أبو نواس، الذي ولد بالأهواز لأب عربي وأم فارسية، التي عبر فيها عما نقصده، بقوله في مطلع إحدى قصائده:
                          .. دع عنك لومي فإن اللوم إغراء ** وداوني بالتي كانت هي الداء ..
أي أن ما نقصده هو أن هذه المواجهة تستهدف كل ركيزة من ركائز النفوذ الإيراني بالأدوات التي تناسبه، ونقترح النقاط التالية بهذا الشأن:
 مواجهة الوعي الزائف الذي نشرته الأجهزة الإيرانية وروجت له طيلة العقود الماضية بين الجماهير العربية؛ وتحصد ثماره الآن.
 بناء وعي صحيح لدى الجماهير العربية، وتكوني إدراك عميق لديها لخطورة ما يحاك لهم من مؤامرات ودسائس.
 مجابهة المنظومة القيمية المضللة التي استخدمتها في بناء صورتها الذهنية لدى هذه الجماهير.
 تعريف الجماهير العربية بطائفية المنظومة القيمية الإيرانية تعريفا كاشفا لمدى خداعها وتضليلها.
 التعريف بمحور المقاومة تعريفا كاشفا لخطورة مكوناته وحقيقة أهدافه. وهل كان، بحساب المكسب والخسارة، جادا في حل القضية الفلسطينية، أم اتخذها منطلقا لتحقيق المصالح الإيرانية، واختراق المجتمعات العربية وبث الفرقة والانقسام فيها.
 إماطة اللثام عن الدور الخبيث الذي لعبه محور المقاومة في إطالة أمد الصراع بالمنطقة وإضاعة فرص الحل السلمي، بما منح إسرائيل الفرصة المواتية لالتهام ما تبقى من الأراضي الفلسطينية.
ثالثا: آليات المواجهة
1ـ تفكيك ولاية الفقيه:
بوصفها القوة الروحية، والمنطلق العقائدي الحاسم لاستراتيجية إيران في تصدير المذهب الشيعي وفق قراءتها الراديكالية، وجعلت منها ركيزة جوهرية لدورها ولحجم نفوذها الخارجي. خاصة أنها استخدمت ولاية الفقيه في تكوين انتماءات فقهية ضمنت من خلالها الريادة المرجعية لفقهاء قم ومشهد، ومن ثم ضمنت تدفق مئات المليارات من أموال الخمس لـ السيد المرجع، فضلا عن النذور والتبرعات والصدقات التي يؤديها كل من يحج لضريح الإمام الرضا بمشهد. كما ضمنت استمرار ولاء الفصائل والجماعات والأحزاب السياسية، بعد أن استخدمتها في تنفيذ استراتيجية بناء العمق الجيوسياسي بمنطقة الشرق الأوسط.
 تفكيك المكونات المعرفية والوجدانية المتعلقة بولاية الفقيه لدى شيعة العراق ولبنان واليمن وسوريا، استنادا إلى فتاوى وآراء كبار فقهاء الشيعة أنفسهم الذين عارضوا نظرية ولاية الفقيه لإيمانهم بأن الولاية تنحصر في الولاية الأخلاقية وليست السياسية، التي اتخذتها إيران مدخلا للهيمنة عليهم والسطو على خيرات بلدانهم.
 فك الارتباط التنظيمي والسياسي بين الجماعات والفصائل المرتبطة بالولي الفقيه، بوصفه ولي أمر الإسلام والمسلمين؛ والتي نجحت إيران تحويلهم إلى ظهير شعبي مساند لمواقفها السياسة، ودرعا حيويا لحماية أمنها القومي. والأخطر من ذلك أنها نجحت في توفير المبرر الكافي أمام محور المقاومة لممارسة أقسى أنواع العنف والإرهاب، القائم على المخزون المتراكم من الكراهية لأهل السنة.
المجالس الشيغية – صورة أرشيفية
2ـ تفكيك المنظومة القيمية:
بغرض الكشف عن مدى زيف المنظومة القيمية التي قدمتها إيران للبيئة العربية، وجعلت منها معياراً للحكم على مدى الولاء لها والاستجابة لأهدافها، واتخذتها غطاء لتمدده الخارجي. خاصة أن هذه القيم تميزت بالشحن المعنوي الذي يستهدف التأثير في وجدان الجماهير، واستثارة انفعالاتها بالدرجة التي تحقق لإيران أهدافها، ونذكر من بين هذه القيم الزائفة:
 نُصرة المُستضعفين في الأرض: التي اتخذتها إيران واجهة إنسانية لثورتها؛ لإخفاءً لأهدافها الحقيقية الرامية لتغيير انتماءات المسلمين المذهبية، لإعادة ترتيب أولوياتهم واهتماماتهم وفق استراتيجيتها هي. فضلا عن استخدامهم وقودا لصراعاتها، بدليل أن معظم من يَقتلون ويُقتلون بمحور المقاومة في سبيل تحقيق الأهداف الإيرانية هم من هؤلاء المستضعفين. بعد أن نجحت في خلق انطباعات وأحكام لديهم، أسسوا من خلالها معان وأنساق معرفية مشتركة مع أهدافها. كان مؤداها النهائي إما الاندماج في ثقافتها السياسية، أو الانتماء لوليها الفقيه. وعلى هذا، يجب الكشف عن حقيقة تحول هؤلاء المُستضعفين إلى مستكبرين في الأرض، وحقيقة تضخم ثرواتهم وممتلكاتهم، فضلا عن فضح دورهم في إفساد المؤسسات الحكومية بدولهم.
 المظلومية المذهبية، التي صاغت منها إيران استراتيجية لحشد الأقليات الشيعية في العالم نحو الظهور الاجتماعي والسياسي؛ بدعوى استعادة حقوقهم الدينية، عبر مواجهة أحفاد من ظلموهم. ومن هنا اتخذت إيران هذه المظلومية مبررا للانتقام ونشر الكراهية داخل البنية الاجتماعية العربية، بغرض إثارة الفتن والانقسامات، ومن ثم تدمير المجتمعات العربية من الداخل.
 الوحدة الإسلامية، والتقريب بين المذاهب؛ الذين استخدمتهما إيران لاستقطاب الرأي العام الإسلامي واستدراجه إلى نقطة الاندماج مع أهدافها السياسية وتصوراتها الاستراتيجية، وتجاوز حاجز الرفض الإقليمي المحيط بإيران، بعد أن أدركت أنها دولة طائفية. فضلا عن محاولة الالتفاف على أنظمة الحكم والتأثير على الشعوب العربية، والانفراد بتقديم تعريفاتها الخاصة لجميع المفاهيم السياسية والدينية وفق منهجها المذهبي، بما أدى إلى تغيير انتمائها السياسي أو المذهبي وهو الأهم. ومن ثم تقديم البديل السياسي لهذه الشعوب بما يسهم في تنمية قدرتها على تغيير المعادلة في أوطانهم لصالح إيران.
3ـ دحض الشعارات الإيرانية:
التي عملت إيران من خلالها على دفق شحنةً الانفعالات العقائدية لدى جموع الشيعة واستدراجهم إلى نقطة التوحد مع أهدافها السياسية وتصوراتها الاستراتيجية. وهنا يتعين الكشف عن مدى انتهازية إيران في استخدام هذه الشعارات التصادمية، مثل: “الله أكبر .. الموت لأمريكا .. الموت لإسرائيل .. اللعنة على اليهود”، لمجرد صناعة وعي سياسي زائف لدى المحرومين والمهمشين، لأن لسان حال التوجهات الإيرانية، على المستوى العملي، لم تكن تعنى سوى الموت للعراق الموت لسوريا اللعنة على العرب (ويشار إلى العلاقة السرية بين إيران وأمريكا وإسرائيل وتآمرها معهما لتدمير العراق).
رابعا: الأهداف المرجوة
من المهم أن تفضي عملية تفكيك النفوذ الإيراني المشار إليها سلفا، إلى إحداث فجوة بين إيران ومكونات محور المقاومة، من حيث:
أ‌- إضعاف الروابط الأيديولوجية
 تعميق الفجوة بين الحوزة العلمية بالنجف، بوصفها الحوزة الرائدة لدى أتباع المذهب الشيعي، وبين نظيرتها بقم ومشهد، خاصة أنه يوجد بإيران من هو متفق مع حوزة النجف في رفض الولاية السياسية للفقيه، وحصرها في الولاية الأخلاقية.
 التأكيد على أن ولاية الفقيه بإيران غير قابلة للتطبيق في المجتمعات الشيعية الأخرى؛ وخاصة بالعراق التي تحتضن الحوزة الأم.
 العمل على تغذية الاتجاهات العراقية العامة الرامية إلى استعادة الحوزة العلمية بالنجف مكانتها الرائدة لدى شيعة العالم.
 التأكيد على أن معظم فقهاء حوزة النجف، وبعضا من فقهاء حوزة قم، يرفضون ولاية الفقيه ولديهم الحجة على ذلك.
 إلقاء الضوء على الرشاوى التي تلقاها بعض المعممين العراقيين من إيران والولايات المتحدة لتمرير أهدافها بالعراق.
ب‌- فضح الممارسات الإيرانية:
 التأكيد على أن استخدام المذهب الشيعي وتوظيف الطائفية في تحقيق الأهداف السياسية قد جلب المضار أكثر مما جلب المنافع، بدليل الاتجاه المتزايد لدى الشباب الشيعة للإلحاد والكفر بكل ما هو إسلامي، وللإدمان والشذوذ والانحرافات السلوكية المختلفة التي تعبر عن مدى رفضهم لممارسة الفقهاء والمعممين للسياسة من منطلق الحض على كراهية الآخر.
 أن المليشيات التابعة لإيران مارست كل أنواع العنف والقتل والإرهاب، ونهب أموال الناس بالباطل، دون مراعاة لحرمة أو دين أو قربى أو وطن (مثل العمليات التي نفذتها فرق الموت التابعة للحرس الثوري بكل بقعة طالتها أياديهم الآثمة).
 أن إيران استخدمت فرق الموت؛ بغرض فرض الإرادة الإيرانية على الشعب العراقي وهذا ما يتنافى مع الحمية الوطنية العراقية.
 أن إيران تستخدم المقدرات العربية لتحقيق أهدافها فقط، حتى ولو جاءت على حساب الأهداف العربية وتدمير مجتمعاتها.
 إلقاء الضوء على الثروات الضخمة التي استطاع قادة الفصائل التابعة لإيران جمعها نظير ترويع الآمنين العراقيين لصالح إيران.
ج‌- تعزيز الانتماءات الوطنية لدى الشباب:
 حث الشباب خاصة والجماهيرية العربية عامة لتغليب الانتماء الوطني على الانتماء الطائفي.
 استدعاء مفاخر الشخصية العراقية وأمجادها التاريخية التي تعزز مشاعر الاعتزاز بعروبته.
 التذكير بالشعراء والكتاب والأدباء التي تعزز بواعث التماسك العروبي، خاصة أنه لا تزال قائمة منذ البعث العربي الاشتراكي.
 إحياء الأمل في الغد الذي سيكون مشرقا بجهدهم وإيمانهم بوطنهم، بعيدا عن الطائفية المقيتة التي زرعتها إيران بينهم.
 أن بلادهم أبدا لم ولن تكون رديفا أو تابعا لعدو تاريخي لوطنهم، وتسبب في خرابها.
 أن إيران أبدا لم ولن تكن يوما قوة مضافة للعرب على النحو الذي روجت له، وإنما أرادت تقسيم العرب واتخاذ عملاء لها ليكونوا قوة مضافة إليها.
خامسا: مسارات المواجهة
نعلم أن إيران، كما سبقت الإشارة، لديها القدرة على رسم أجندة ثقافية أسهمت في تحويل طهران إلى مركز لتغيير الانتماءات الأيديولوجية لدى شعوب العالم الإسلامي لصالح تعزيز نفوذها ومكانة وليها الفقيه. مستخدمة في ذلك أدوات قوتها الناعمة، التي وصفها جوزيف ناي في كتابه القوة الناعمة بأنها:”القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية، أو الاستمالة بالمساعدات بدلا من الإرغام. بما يعني أن تجعل الآخرين يعجبون بك ويتطلعون إلى ما تقوم به فيتخذون موقفًا إيجابيًا من قِيَمك وأفكارك وبالتالي تتفق رغبتهم مع رغبتك.
وعلى هذا، يتعين أن تتبلور الجهود العربية الرامية لمواجهة النفوذ الإيراني بالمنطقة، في عدة مسارات مقترحة، تستهدف بالدرجة الأولى إعادة بناء الوعي العربي بناءً يوصد كل أبواب التغلغل إيراني، هي:
شيخ الأزهر الشريف الإمام الأكبر أحمد الطيب – أرشيفية
1ـ المسار العلمي والتعليمي:
الذي يسهم ‌بناء معاني ومفاهيم وحقائق علمية وثقافية؛ من شأنها تعزيز الانتماء للأوطان والإيمان بالعروبة. على تنهض بهذا المحافل العلمية والثقافية العربية والجامعات والمعاهد والمؤسسات والمراكز المعنية؛ لمحو أي أثر للنفوذ الإيراني، من خلال:
 الوقوف على الأبعاد الدينية والمذهبية والفكرية للمجتمعات الواقعة في دائرة الاهتمام الإيرانية، ومن ثم تحديد المناطق التي استهدفتها بنشر المذهب الشيعي، ومن ثم اقتراح الآليات المناسبة لتفكيك البؤر الشيعية التي زرعتها داخل بعض الدول.
 إجراء الدراسات العلمية حول أسباب تحول بعض الأفراد إلى المذهب الشيعي في العالم الإسلامي عامة والعربي خاصة؛ ودراسة سبل المعالجة العلمية لهذه الأسباب، منعا لانتشارها أو توسعها في المستقبل.
 العمل على إنشاء فرع لجامعة الأزهر باليمن وسوريا، وفرع لجامعة القاهرة بالعراق.
 زيادة المنح العلمية لأبناء العراق وسوريا واليمن، من خلال مسابقات عامة بالجامعات العربية.
 تخصيص مصر لعدد من المنح الدراسية في المجالات المختلفة لأبناء زعماء القبائل والعشائر ولذوي النفوذ المحليين.
 إنشاء عدد من المعاهد الأزهرية الكافية باليمن؛ نظرا لانتشار الجهل والخرافات بين أهله، وللمكانة التي يحظى بها بينهم.
 تعزيز العلاقات الثقافية والعلمية بين المؤسسات التعليمية العربية، وبين نظيرتها بالمناطق التي يتواجد به النشاط التعليمي الإيراني.
 بناء قاعد معلومات علمية دقيقة لشيعة اليمن وسوريا، وتحديد سبل منعهم بأي دور دعوي لمذهبهم داخل المجتمع.
 إعداد كوادر علمية خلاقة تضطلع بالتواصل الفعال والمؤثر مع الأقليات الشيعية والدينية بالعالم العربي والإسلامي.
 استكتاب الباحثين العرب حول موضوعات محددة بعينها، تسهم في كشف الممارسات العدوانية الإيرانية بالمجتمعات العربية.
 تقليص أقسام اللغات الشرقية التي تقوم بتدريس اللغة الفارسية بالجامعات المصرية، وقصرها على ثلاث جامعات، مع ربطها باحتياجات سوق العمل.
2ـ مسار الأنشطة الثقافية:
مسار استراتيجي، يسهم في إبراز قيم العروبة ثقافياً وفكريًا وسياسيا، وإعادة تقدير الذات لدى المواطنين العرب، وتعزيز إدراكهم بعراقة تاريخهم وعظمة حضارتهم وثراء ثقافتهم. على أن تتضافر في ذلك جهود الجهات المعنية بتخطيط وهندسة ونشر الثقافية العربية عامة والمصرية خاصة. ونقترح في هذا الصدد بعض الأنشطة التالية:
 إنشاء مراكز تنمية بشرية تقدم دورات تدريبية لتنمية المهارات المختلفة وإكساب المعارف المتنوعة بالمناطق اليمنية والعراقية والسورية المستهدف محو النفوذ أو الأثر الإيراني منها. (ولنبدأ بأوائل الطلبة الدارسين بالجامعات والمعاهد المختلفة).
 إقامة الورش الفنية والأشغال اليدوية والمهارات اللازمة لكل فئة اجتماعية يتم استهدافها.
 الاهتمام بتعليم مهارات الحاسب الآلي، لتكوين عناصر يمكن أن تنشط على وسائل التواصل الاجتماعي.
 إقامة الندوات والفعاليات الثقافية المختلفة، مثل فنون الرسم، فنون الخط، والنحت التصوير الضوئي …. الخ.
 إقامة المهرجانات الثقافية، مثل الأسابيع الثقافية التي تروج للثقافة والفنون والآداب العربية.
 إجراء المسابقات الأدبية والثقافية والفنية العربية، واستقطاب المواهب البارزة، والدفع بها للواجهة بوصفها نماذج تحتذى.
 عمل معسكرات للشباب، معد لها إعدادا ثقافية وفكريا محكما، واستقطاب المتميزين والفعالين منهم لمواصلة أداء المهام.
 إنشاء شبكة من المراكز الثقافية المصرية والتابعة للجامعة العربية بدولة شرق ووسط وغرب أفريقية.
 تقديم الدعم والمساندة اللازمة للتيارات وللرموز الثقافية والفكرية والسياسية المعادية لإيران.
 الاهتمام بتوعية الجماعات الصوفية وتعليم أبنائهم تعليما عاليا. (هناك محاولات اختراق القبائل العربية والجماعات الصوفية).
 عقد دورات مستمرة لتأهيل الدعاة اليمنيين بوزارة الأوقاف.
3ـ مسار الأنشطة الإعلامية:
الذي يلعب دورا مهما في بلورة الأنساق المعرفية والمفاهيم المكونة للوطنية لدى المتلقي؛ بما يفضي إلى استنهاض المخزون المعرفي المتراكم لدية تجاه وطنه ودينه ومجتمعه. وذلك من خلال:
 التوظيف الأمثل لتقنيات الاتصالات والبث الفضائي، التي تتجاوز بدورها حدود الجغرافيا والمستوى التعليمي.
 وضع خطوط عامة للخطاب الإعلامي العربي تكشف مدى تعارض دور إيران ومواقفها السياسية مع المصالح العربية العليا.
 إنشاء المواقع المتخصصة على شبكة المعلومات الدولية للارتقاء بالمستوى الثقافي والمعرفي لدى الشباب العربي.
 القضاء التدريجي على الخرافات المحلية المنتشرة بين المسلمين، مثل السحر والشعوذة وخزعبلات بعض الطرق الصوفية.
 إنشاء منصات افتراضية ومواقع اليكترونية تستهدف التجمعات العرقية والسورية واليمنية، واستقطاب الشباب للتفاعل معها.
 العمل على تكوين جيش اليكتروني عربي من العراقيين واليمنيين والسوريين.
 استقطاب أشهر الشباب اليوتيوبر العراقي والسوري واليمني؛ لرفع مستويات الانتماء للأوطان وبخطورة النفوذ الإيراني.
 التأكيد على قيم الانتماء للأوطان، احترام الآخر، مهما كانت طائفته أو عشيرته أو جنسيته، ومهما كانت عقيدته.
 إنشاء قنوات فضائية مخصصة لمخاطبة الوعي الجمعي العربي في العراق وسوريا واليمن.
 استهداف الشيعة المستبصره، الذين تم تحويلهم إلى المذهب الشيعي، وذلك من خلال المعالجة العلمية والمحاجة الفكرية، ويمكن أيضا إلقاء الضوء على من تحولوا من المذهب الشيعي إلى المذهب السني، أو حتى ترك الإسلام من شيعة العراق.
 استهداف شيعية التمويل، وهم تحديدا من الكويت والإمارات، الذين يتكفلون بدعم الفعاليات والأنشطة الشيعية داخل الدول الأخرى، سواء بالهبات والتبرعات، أو يدفع الخُمس للمرجعيات الإيرانية؛ من منطلق أن أموالهم التي يدفعونها شرعا تستخدم في خراب الديار وقتل الأبرياء، وليس لأعمال البر والإحسان كما يعتقدون.
 استهداف الشيعية المُعبأة طائفيا، من شيعة البحرين والمملكة العربية السعودية تحديدا، والعمل على تعزيز مفهوم المواطنة لديهم.
4ـ مسار الأنشطة الخدمية:
الذي تتكامل فيه جهود المؤسسات العربية لتقديم أنشطة خدمية منوعة بالمناطق العربية المتضررة من الصراع بالعراق وسوريا واليمن، فضلا عن رعاية الذين أجبروا على ترك أوطانهم وهاجروا إلى الدول العربية، وذلك من خلال بعض النقاط المقترحة التالية:
 إقامة المستشفيات الميدانية لتقديم الخدمات الطبية باليمن والعراق وسوريا.
 تأسيس المستوصفات والمراكز والعيادات الطبية المتخصصة بالمناطق الأكثر تضررا وفقرا.
 استقطاب الأطباء من الدول الثلاث لتلقي الدورات التدريبية المختلفة.
 إرسال شحنات الأدوية والمساعدات الطبية اللازمة.
 فتح مراكز إرشاد زراعي لتقديم الخدمات الزراعية المتنوعة للفلاحين.
 حفر آبار مياه الشرب وإقامة محطات تحليه بالقرى الأكثر احتياجا والارتقاء بالصناعات القروية.
 تقديم التسهيلات للشباب لتأسيس شركات محلية تستورد المنتجات وآلات ووسائل الزراعة الحديثة المصرية.
 استقطاب الشباب النابه من المقيمين بمصر وإعدادهم وتأهيلهم فكريا وثقافيا استعدادا لعودتهم إلى أوطانهم يوما ما
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version