التقى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، الذي اعرب عن أمله في أن يتم استثمار تلك الزيارة في تعزيز العلاقات مستقبليًا بين الجانبين المصري والإسرائيلي، وقد حظى هذا الاجتماع بتغطية واسعة في تناول الإعلام الإسرائيلي قبل وبعد واثناء لقاء الرئيس السيسي مع نفتالي بينيت،  حيث وصفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الزيارة بالتاريخية، وكذلك موقع “سروجيم” اعتبرها زيارة مهمة وجيدة بالنسبة لإسرائيل خاصة بعدما أكد بينيت على ضرورة الاستثمار في تعزيز العلاقات بين الجانبين.

تكتسب زيارة بينيت لمصر أهمية خاصة باعتبارها الزيارة الأولى من نوعها بين الرئيسين، وكذلك لأهمية الموضوعات المطروحة، مما ساهم في وجود زخم كبير في الإعلام الإسرائيلي، سواء على الجانب الخبري أو التحليلي، حيث رصدنا في يوم الزيارة واليوم التالي لها حوالي 50 عنوان في الإعلام الإسرائيلي الإلكتروني عن تلك الزيارة بين الخبر والتحليل، كما اهتم الجمهور الإسرائيلي بالتعليق على الزيارة، ولعل أهم ما تناوله الإعلام الإسرائيلي هو طلب الرئيس السيسي التوسط في حل ازمة سد النهضة، كذلك طلب مصر تغيير بعض بنود اتفاقية السلام بإدخال قوات إضافية في سيناء بحسب تقرير لموقع “إسرائيل اليوم”، كذلك ورد اسم الرئيس السيسي باللغة العبرية حوالي 55 مرة في محرك البحث جوجل خلال ساعات الزيارة.

انقسم التناول الإسرائيلي للزيارة بين التناول الخبري والتحليلي، لكن الخبري كان السائد، بيد أن الجانب التحليلي اتسم بتناول موضوعات مهمة حللت أبعاد وأهداف تلك الزيارة وما ورائها، على حد وصف صحيفة “هآرتس” في ملحقها الاقتصادي، بأن ثمة ملفات مهمة تهدف لتعزيز السلام الاقتصادي، والتبادل التجاري بين القاهرة وتل أبيب، كذلك تناولت العديد من المقالات نقاط أخرى مثل مناقشة الأوضاع في قطاع غزة وأهمية الحفاظ على السلام ووقف إطلاق النار، وأهمية تحقيق الاستقرار والدعم الاقتصادي وتحسين أحوال المواطنين في الضفة الغربية وغزة.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت – المصدر CNN عربية

سد النهضة على طاولة النقاش

كشف الرئيس السيسي بنفسه أن اللقاء شمل الحديث عن أزمة السد، وقال الرئيس السيسي: “تكلمنا عن سد النهضة ووجدت تفاهمًا مشتركًا فيما يخص هذا الموضوع، وقلت له إننا نحاول أن نعالج هذا الموضوع في إطار من التفاوض والحوار وصولا إلى اتفاق”. ووصف قضية سد النهضة بأنها “موضوع مهم بالنسبة لنا ونعتبره حياة أو موت”.

تناولت هيئة البث الإسرائيلية “كان 11” طلب الرئيس السيسي التوسط لحل ازمة سد النهضة، ويعتبر هذا الطرح هو الأكثر لفتًا وجذبًا للانتباه، حيث كتب روعي شارون تحت عنوان “طلب غير عادي واستثنائي للسيسي من بينيت- وعلاقته بالتصعيد في غزة”، ويفيد الكاتب بأن السيسي طلب المساعدة في حل أزمة المياه مع إثيوبيا، كما أفادت هيئة البث في تقريرها بأن إسرائيل نقلت للإدارة الأمريكية اهتمامها بحل أزمة السد، وأنه إذا ما قدمت إسرائيل للسيسي ما يريد، فسيكون لديه حافزا أكبرا للضغط واستخدام كل الأدوات الممكنة على (رئيس حركة حماس في غزة، يحيى) السنوار، لتنفيذ صفقة الأسرى، ومن ثم إعادة إعمار غزة وعودة الهدوء للقطاع.

وفي سياق متصل طرحت هيئة البث الإسرائيلية سؤالًا على تويتر للجمهور مفاده حول إمكانية أن يكون توسط إسرائيل سببًا في إحلال الهدوء في غزة؟

كما طرحت هيئة البث الإسرائيلية سؤالًأ على الجمهور بإمكانية تقبل فكرة ان حماس ستهادن مع الجانب الإسرائيلي، كان الغالب هو عدم ثقة الإسرائيليين في هذا الطرح، او تقبل فكرة ان حماس لن تطلق صواريخها مجددا على مستوطنات الجنوب، ، وحول هذا أورد موقع القناة الثانية الإسرائيلية خبرًا حول غضب بينيت خلال لقائه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من تصرفات الفلسطينيين، وطلب نفتالي بينيت وبشكل واضح من الرئيس السيسي فرض مزيد من الرقابة على معبر رفح لمنع وصول الأسلحة أو مواد تفيد في تصنيعها، إلى حركة حماس. كما لفتت القناة إلى أن البيانين الرسميين الصادرين عن الجانبين المصري والإسرائيلي تجنبا ذكر وجود منسق شؤون الأسرى والمفقودين في الحكومة الإسرائيلية، يارون بلوم، مع الوفد الإسرائيلي الذي رافق بينيت إلى شرم الشيخ، في حين ركز الرئيس السيسي على مناقشة ملف إعادة الاعمار في قطاع غزة، والخلاف بين إسرائيل ومصر حول المواد التي سيتم إحضارها. عبر معبر رفح خوفا من استخدامها في الإرهاب.

أسئلة حرجة حول الزيارة

حاولنا رصد وتحليل بعض التعليقات الإسرائيلية على الزيارة، لمعرفة اتجاهات الفكر لدى الجمهور، ويبدو أن البعض رفع سقف التحدي لرئيس الوزراء الإسرائيلي، حيث طلب احد الإسرائيليين توجيه نفس الدعوة للرئيس المصري بزيارة إسرائيل، حيث يعتقد البعض أن هناك أمور أخرى خلف تلك الزيارة لكنها غير معلنة، مثل طلب مصر تعزيز تواجدها وقواتها داخل سيناء، خاصة على منطقة الحدود الإسرائيلية المصرية، وهو ما يخالف اتفاق السلام على حد تعبير بعض المواطنين الإسرائيليين وقد عكس التناول الإعلامي لهذا الموضوع تخوف بعض الإسرائيليين من الطلب المصري بنشر قوات على الحدود المصرية الإسرائيلية وفي سيناء، تحسبا من قيام مصر بالهجوم على إسرائيل “حرب أكتوبر ثانية” لذلك حذر من فكرة قبول نشر مزيد من القوات المصرية على الحدود خلافا لاتفاق السلام المبرم بين الطرفين.

جاءتناول الصحف مثل هآرتس، وتعليقات الإسرائيليين كانت كثيرة للغاية، والتي اتسم معظمها بالهجوم على شخص نفتالي بينيت، واستغلال هذا الحدث للهجوم عليه، وأنه شخص ضعيف ومحتال، وكان أنصار الليكود الإسرائيلي يحتشدون لتوجيه دفة الرأي العام الإسرائيلي ضد بينيت، خاصة في صحف كانت موالية لنتنياهو مثل يديعوت أحرونوت وإسرائيل اليوم، ولم يترك أنصار نتنياهو الصحف الأخرى مثل صحيفة هآرتس التي تتسم بالاتجاه اليساري وإتاحة حرية الرأي والتعبير في بعض المقالات للكتاب، لذلك تترك الساحة للجمهور للتعليق، وهو ما استغله أنصار الليكود ونتنياهو لاسقاط الحكومة الحالية، وأنها لا تحسن إدارة الملفات الخارجية، وأن بينيت شخص ضعيف ومهتز، ولا يجب أن يمثل إسرائيل ، وبما يفيد ان مؤيديه أقل من معارضيه، البعض وصفه بالمخادع والغشاش وضعيف الشخصية، حيث اتضح من التعليقات وجود حشد ضد بينيت في معظم توجهاته وسياساته، خاصة من أنصار حزب الليكود الذي يقود المعارضة الآن في إسرائيل بزعامة نتنياهو، ويتحين الليكود أي فرصة للهجوم على بينيت وحكومته، أملًا في اسقاطها.

رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت – أرشيفية

 ما وراء الزيارة

اهتم الملحق الاقتصادي لصحيفة هآرتس الإسرائيلي بهذه الزيارة وخصص لها تقريرًا بعنوان “ما وراء لقاء السيسي وبينيت”، حيث أكد التقرير على أن اتفاقات السلام التي وقعتها إسرائيل في العام الماضي، سهلت على الجانب المصري، التمهيد لتلك الزيارة فسمح لوسائل الإعلام بتناولها، ويرى التقرير أن مصر قلقة بشأن موقف الولايات المتحدة الأمريكية من بعض القضايا المشتركة معها، لذلك تسعى وبقوة لايجاد حليف قوي قد يؤثر على الولايات المتحدة في بعض القضايا المثارة بين الطرفين، كما لفت التقرير إلى أن هناك قضايا أخرى ساخنة منها الوضع في غزة، حيث تدرك إسرائيل أهمية الدور المصري في الوضع الملتهب داخل القطاع، والجهد المبذول من مصر في عملية إعادة الإعمار، لذلك تم التطرق للحديث عن حل الدولتين، في إشارة مهمة من الجانب المصري إلى عدم جواز تهميش دور السلطة الفلسطينية في الفترة المقبلة.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي – أرشيفية

كما زعم الموقع بأن الزيارة تهدف لتعزيز السلام الاقتصادي، واستشهد بصفقة توريد الغاز من مصر لإسرائيل بقيمة 15 مليار دولار، ويرى التقرير أن مصر تعيد حساباتها فيما يتعلق بتعزيز تواجد قطاع الأعمال المصري داخل السوق الإسرائيلي، خاصة بعدما رحبت دول خليجية بالأمر بعد اتفاق السلام.

الخلاصة

لا شك أن تلك الزيارة لها أهمية كبرى بالنسبة لمصر، حيث تؤكد الدور المصري القوي لعمل تفاهمات بين الحكومة الإسرائيلية وحماس من جانب، والسعي لحل الدولتين بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية من جانب اخر، ومن ثم فتلك الزيارة تمثل اعتراف من إسرائيل بأهمية هذا الدور خاصة بعد التطرق لكل ما يتعلق بقطاع غزة، وسعي الجانب الإسرائيلي لتعزيز الدور المصري للتأثير على حماس، لعمل صفقات مستقبلية، وحل أزمات تؤرق الحكومة الإسرائيلية السابقة والحالية، حيث يهم الحكومة اليمينية الحالية بقيادة بينيت حل أزمة استعادة جثامين بعض جنودها في غزة، او عمل صفقات تبادل أسرى بجنود إسرائيليين مختطفين لدى حماس كما تشير بعض التقارير.

تعزز الزيارة واللقاء الأخير المصلحة الاقتصادية لمصر، كما تمهد للإعلان عن مسار اقتصادي جديد في المستقبل القريب، حيث تسعى الحكومة الحالية لحث مسار السلام البارد مع مصر، ويساعدها في ذلك التمهيد السابق من اتفاقات السلام المبرمة مع عدة دول عربية، وهو ما يرفع الحرج عن الحكومة المصرية في السعي لعقد اتفاقات معلنة أو غير معلنة تخدم الجانب المصري.

قد تشكل الزيارة واللقاء عامل ضغط من جانب إسرائيل على الإدارة الأمريكية بقيادة جو بايدن، خاصة بعد قرار الحكومة الأمريكية الأخير بخفض المساعدات العسكرية لمصر، حيث يهم إسرائيل أن تمارس مصر مزيد من الضغوط على حماس، مقابل مساعدة إسرائيل لمصر في خفض التوتر مع الإدارة الأمريكية، وكسب مساندتها لاستمرار المساعدات الأمريكية لمصر بشقيها العسكري والاقتصادي، فضلا عن التدخل  للضغط على إثيوبيا في ملف سد النهضة.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version