يُعرف موقع وزارة الخارجية التركية بلاده على أنها دولة أفروآسيوية، وأن التواجد التركي في أفريقيا ما هو إلا نتاج سياسة الانفتاح التي بدأها حزب العدالة والتنمية  منذ عام 2002م، وحرص على استكمالها حتى يومنا هذا، خطة الانفتاح هذه سعت لتحقيق نقلة نوعية في العلاقات السياسية والعسكرية والثقافية والاقتصادية بين تركيا والدول الأفريقية، مستغلة خلو تاريخها المشترك مع القارة السمراء من المساوئ والمآسي التي خلفها المستعمر الأوروبي فيها.
التركي
الوجود العسكرى التركى بليبيا – أرشيفية
تمثل السعي التركي نحو المزيد من الوجود في أفريقيا خلال العِقد الأخير عبر فتح العديد من السفارات الجديدة، فبعد عام 2009م، تم فتح  27 سفارة جديدة منها 19 سفارة في دول جنوب الساحل والصحراء، بعد أن كان عدد سفارات أنقرة في أفريقيا لا يتجاوز الـ 12 سفارة، بينما وصل عدد سفارات الدول الأفريقية في أنقرة عام 2018م، إلى 34 سفارة، بينما يخلو جدول رؤساء الدول الإفريقية من أى زيارات رفيعة المستوى من أى دولة من دول العالم، نالت تركيا النصيب إن لم يكن الأوحد لهذه الزيارات، حيث تجاوزت الزيارات رفيعة المستوى بين تركيا وإفريقيا بين عامى 2015 إلى 2019، عدد 500 زيارة.
العوامل التي سهلت التوغل على تركيا هي نتاج لـ:
  • حالة التهميش الدولي التي تعاني منها القارة، في ظل معاناتها الخاصة من آثار المستعمر الأوروبي الذي تركها فريسة الجوع والفقر والديون.
  • الستغلال الذكي لحاجة الدول الأفريقية والتدخل الناعم، عبر تقديم المساعدات العينية والمادية لها، مثل المساعدات الإغاثية التي قدمتها تركيا في أفريقيا والتي بلغت حوالى 3.3 مليار دولار خلال عامي 2013- 2014م، لتصبح ثالث أكبر مانح للمساعدات للقارة السمراء، و قد بلغ  الآن عدد مكاتب وكالة “تيكا” التركية  لما يتجاوز الـ22 مكتب تدير من خلالها مشاريع  تنموية طويلة الأمد.
  • يُدير وقف المعارف التركي ما يقارب 144 مؤسسة تعليمية وحوالى17 سكناً للطلاب في جميع أنحاء إفريقيا.
  • ومن خلال المنح التعليمية التي تقدمها الحكومة التركية سنوياً للطلاب الأجانب،  تخرج آلاف الطلبة الأفارقة من حوالي54 دولة أفريقية في الجامعات التركية.
  • أفريقيا قارة خصبة غنية بالمواد الخام، وسوق مناسب لتسويق المنتجات التركية التي شهدت تراجعاً في المبيعات بعد توتر علاقاتها مع جيرانها العرب في آسيا وفي الشمال الأفريقي.
  • لدول القارة الإفريقية ثقل في التصويت يمكن أن تدعم به تركيا في المحافل الدولية.
  • أفريقيا  وخاصة منطقة الساحل والصحراء التي تتوسع فيها تركيا الآن، بما تعانيه من  ضعف أمني وتفشي لظاهرة الإرهاب والتطرف؛ سوق مناسب لتركيا التي تطور الآن العديد من الأسلحة والطائرات محلية الصنع والتي تسعى لبيعها وإيجاد سوق لها.
ليبيا … المنفذ الرئيسي
وتعتمد تركيا في توسعها نحو قلب أفريقيا عبر تواجدها في ليبيا التي تشارك حدودها مع 6 دول أفريقية أهمهم تشاد والنيجر نقطة الانطلاق التركي نحو قلب القارة، و يمتد التواجد التركي في ليبيا لما قبل اتفاقها مع حكومة “الوفاق” من خلال الهيئة الاستشارية التركية التي عملت مع بعض القوات العسكرية هناك، ليزداد التوغل  العسكري بعد طلب حكومة “الوفاق” من تركيا المزيد من التدخل كي تتمكن من تغيير مسار الحرب لصالحها.
 فمثلاً تتيح اتفاقية التعاون الأمني والعسكري الموقعة بين تركيا و ليبيا،  واتفاقية التفويض التي صدق عليها مجلس الأمة التركي تُتيحان لأنقرة إمكانية تقديم كل أنواع الدعم العسكري والأمني لحكومة “الوفاق” بما فيه بناء قواعد عسكرية فوق الأراضي الليبية.
التساؤل الملح الآن: هل تضمن تركيا بقاءها في ليبيا بعد اتفاق المصالحة الوطنية، ووصول عبدالحميد الدبيبة لرئاسة  الحكومة في ليبيا؟!
عبدالحميد الدبيبة – أرشيفية
لا تضمن تركيا اليوم  بقاء قواتها في ليبيا، فبيان الرئاسة التركية الذي  لم ينسى التأكيد على أن “تركيا ستواصل المساهمة في تحقيق الاستقرار في ليبيا عبر الحفاظ على وحدتها السياسية وسلامة أراضيها، وأمن ورفاهية الليبيين” خير دليل على المخاوف التركية من تباعد الحكومة الجديدة عنها وتبنيها سياسة مغايرة للمصالح التركية عكس ما كانت عليه  حكومة السراج السابقة لها.
لتأتي بعد ذلك تصريحات مستشار الرئيس التركي ياسين أقطاي؛  لتؤكد حقيقة المخاوف التركية والتي جعلتها تستبق قرارات الحكومة الجديدة من خلال تصريح آقطاي “أن الحكومة الليبية تدعم الدور التركي في بلادها، زاعماً أن الاتفاقيات التي عقدتها أنقرة مع حكومة الوفاق السابقة لن تتأثر بانتخاب الحكومة المؤقتة الجديدة، وأن وجود تركيا في ليبيا قد جاء بدعوة من شعبها وحكومتها السابقة وأن الحكومة الجديدة لا تعارض الاتفاقيات ولكنها علي العكس تدعم الدور التركي هناك”.
أقطاي ليس المسئول التركي الوحيد الذي تجاهل الدعوات الليبية والدولية لإنهاء الوجود الأجنبي في ليبيا، وفتح المجال أمام التوافقات الليبية التي ساهمت خلال الأشهر القليلة الماضية في وقف صوت الرصاص وفتح المجال أمام لغة الحوار التي كانت نتائجها إيجابية بإجماع كافة القوى الإقليمية والدولية.
الخلاصة
سيناريوهات البقاء التركي في  ليبيا خاصة و أفريقيا عامة محدودة، فحتى لو خرجت تركيا عسكرياً من القارة وهو احتمال ضعيف فى الفترة الراهنة، بسبب تنوع وجودها العسكري الممتد بين تزويد المنطقة بفرق مشاركة في قوات حفظ السلام التابعة للأمة المتحدة والتي أقر مجلس الأمة التركي استمرارية وجودها عام إضافي في أكتوبر 2020م الماضي، وبين قواعدها العسكرية في الصومال وليبيا والقاعدة الجديدة المرتقب إنشاءها في النيجر، بالإضافة لعمليات توريد المرتزقة السوريين إلى ليبيا ومالي التي تؤمنها شركة “صادات” التركية الأمنية المملوكة لعدنان تانري ڤردي المستشار السابق لأردوغان، وإستغلال الغياب الأمني ودعم المتطرفين هناك بالسلاح المهرب.
 الأهم من ذلك أن بقاءها الاقتصادي ومشروعاتها التنموية والخدمية التي تقدمها عبر جمعياتها  التي تتستر بالعمل الاجتماعي، ستظل قائمة كما هي، لأنها لم تحصر وجودها في الجانب العسكري فقط.
شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version