الكاتب: أ/ محمود سامح همام (باحث سياسي متخصص في الشؤون الإفريقية)
يُعتبر التعليم في إفريقيا ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة والتقدم الاجتماعي والاقتصادي، إذ يعكس الواقع الحالي التحديات المستمرة التي تواجه القارة. في ظل وجود تفاوتات كبيرة في الحصول على تعليم جيد وتكافؤ الفرص التعليمية، أصبح من الواضح أن إفريقيا بحاجة إلى إصلاحات شاملة تدعم البنية التحتية التعليمية وتضمن توزيعًا عادلًا للموارد. وفي هذا السياق، أعلن الاتحاد الإفريقي تخصيص عام 2024 ليكون “عام التعليم”، مما يُعد فرصة مهمة لتوحيد الجهود السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية لتحقيق تغييرات ملموسة. تأتي هذه المبادرة في وقت يشهد فيه عدد الشباب في إفريقيا تزايدًا ملحوظًا، ما يبرز الحاجة إلى بناء منظومة تعليمية شاملة ومستدامة تلبي تطلعات الأجيال الجديدة.
كما تلعب اليونسكو دورًا محوريًا في هذه الجهود من خلال التزامها القوي بالقارة الإفريقية، حيث تقود مبادرات متعددة تهدف إلى ضمان توفير تعليم جيد، شامل، ومنصف للجميع. وتركز هذه المبادرات ليس فقط على تحسين فرص الوصول إلى التعليم، بل أيضًا على تعزيز جودة التعليم، تطوير بيئات تعليمية محفزة، وتوسيع فرص التعلم مدى الحياة بما يتماشى مع التغيرات العالمية. (1)
إن اختيار التعليم كأولوية لعام 2024 من قبل الاتحاد الإفريقي يُعَد خطوة مهمة لتهيئة بيئة سياسية مناسبة لإصلاحات تعليمية شاملة، وفتح آفاق التعاون الإقليمي والدولي لدعم الدول الإفريقية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. تؤكد هذه المبادرة على أن التعليم ليس فقط ضرورة ملحة لتحسين الواقع الاجتماعي والاقتصادي، بل هو استثمار استراتيجي في مستقبل القارة وازدهار شعوبها.
وسنحاول في هذة المقالة تسليط الضوء على أبرز التحديات التي تعرقل عملية التعليم في القارة الإفريقية بالإضافة الى تناول أبرز الحلول الممكنة لحل تلك المعضلة من خلال المحاور التالية:
أولًا: الواقع الحالي للتعليم في إفريقيا
إن التعليم حق أساسي من حقوق الإنسان ومكون أساسي للتنمية المستدامة. ومع ذلك، يظل الحصول على التعليم في أفريقيا يشكل تحديًا بالنسبة للعديد من الشباب.
كما يُعد التعليم في إفريقيا أحد التحديات الرئيسية التي تواجه القارة في مسيرتها نحو التنمية المستدامة. على الرغم من الجهود المتواصلة من قبل الحكومات الأفريقية والمنظمات الدولية، لا يزال التعليم يعاني من العديد من المشكلات الهيكلية والتنظيمية، يظل الحصول على التعليم في أفريقيا يشكل تحديًا بالنسبة للعديد من الشباب تتنوع هذه التحديات بين ضعف البنية التحتية، ونقص المعلمين المؤهلين، بالإضافة إلى التفاوت الجغرافي والاجتماعي في الوصول إلى التعليم، لا سيما في المناطق الريفية والمهمشة. كما يواجه التعليم في إفريقيا تحديات أخرى مثل الفقر والنزاعات المسلحة التي تعرقل استمرار العملية التعليمية، ومن هنا يمكننا تسليط الضوء على الواقع الحالي للتعليم في القارة الإفريقية:
- بالنظر إلى إحدى أكثر المناطق تضررا ألا وهي منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث يوجد أكثر من طفل واحد من كل خمسة أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 و11 عاماً خارج المدرسة، وواحد من كل ثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عاماً، وتزداد المشكلة سوءاً مع تقدم الأطفال في السن، حيث أن ما يقرب من 60% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاماً خارج المدرسة. (2)
- وفقاً لتقرير منظمة اليونسيف، الإشارة بأن واحد من كل خمسة أطفال في سن الدراسة الابتدائية وأكثر من نصف المراهقين في سن الدراسة الثانوية لا يذهبون إلى المدرسة، وفي حوالي نصف البلدان الأفريقية، يقل معدل عدم الالتحاق بالمدارس بين الأطفال في سن الدراسة الابتدائية عن 10% بينما يزيد عن 50% في المدارس الثانوية. ويتزايد هذا المعدل في العديد من البلدان
- ويشير التقرير المرحلي لعام 2022م بشأن تنفيذ أجندة 2063م للاتحاد الإفريقي إلى أن إفريقيا لم تُحقّق سوى 44% من أهدافها التعليمية. ولا يزال الوصول إلى المدرسة محدودًا في المرحلة الابتدائية، والعديد من الأطفال لا يذهبون إلى المدرسة. (3)
- وعلى صعيد أخر، ارتفعت معدلات إتمام الدراسةمن عام 2000 إلى عام 2022 على جميع المستويات بداية في المرحلة الابتدائية 52% إلى 69% ، ومن 35% إلى 50% في المرحلة الإعدادية، ومن 23% إلى 33% في المرحلة الثانوية العليا تبعًا لتقرير أعلنه الإتحاد الأفريقي، ولكن هذه المكاسب لا تكفي لإعداد الأفارقة للقرن الحادي والعشرين ومشهده المهني المتغير بسرعة. وبحلول عام 2030، سوف تتطلب نحو 230 مليون وظيفة في أفريقيا مهارات رقمية. ولابد أن تتحول ممارسات الفصول الدراسية لتلبية احتياجات التوظيف المستقبلية ورعاية الإبداع والتفكير النقدي وحل المشكلات. (4)
- استكمالًا، وفي عام 2022، كان هناك ما يقرب من 105 ملايين طفل في سن الدراسة الابتدائية والثانوية خارج المدرسة في أفريقيا – وهذا يمثل 41 في المائة من العدد العالمي، وبالإضافة إلى ذلك، يترك العديد من الأطفال المدرسة دون إكمالها. فواحد من كل ثلاثة أطفال في المجموعة لا يكمل تعليمه الابتدائي. ولا يكمل سوى 41% من المجموعة التعليم الإعدادي، ولا يكمل سوى 23% التعليم الثانوي العالي
- وعلاوة على ذلك، في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، يعاني ما يقرب من 87 في المائة من الأطفال من ضعف التعلم، إذ لا يستطيعون قراءة وفهم نص بسيط في سن العاشرة، ويأتي هذا نتيجة للتأثير المشترك لنسبة كبيرة من الأطفال غير الملتحقين بالمدارس إلى جانب ضعف نتائج التعلم للأطفال الملتحقين بالمدارس.
- كما صرحت اليونسكو والتقرير العالمي لرصد التعليم أن حتى وقتنا الراهن العديد من الأطفال الأفارقة الذين يتلقون تعليمهم يُعانون من مشاكل كثيرة، في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، يترك ما يصل إلى 40٪ من الأطفال المدرسة الابتدائية دون تعلم المهارات الأساسية و من المرجح بشكل عام أن يكون الأطفال الذين تجاوزوا السن المُقرر في النظام خارج المدرسة. كما تُسجل الفتيات والأطفال الأشد فقرًا أسوأ النتائج في المقارنات الدولية للأداء التعليمي. على سبيل المثال، يُشير “مقياس التعلم الأفريقي” إلى أن “52٪ من الفتيات في ملاوي لا يتمتعن بالقدرات الأساسية عندما يتخرجن من المدرسة الابتدائية مقارنة بـ 44٪ للفتيان”، وأن 7٪ من الأطفال الأثرياء في بوتسوانا لا يتعلمون مقارنة بـ 30٪ من الأطفال الفقراء. (5)
ثانيًا: أبرز التحديات الرئيسية التي تواجه التعليم في القارة الإفريقية
يواجه التعليم في القارة الإفريقية مجموعة من التحديات الكبرى التي تعيق تقدمه وتؤثر سلباً على قدرة الأنظمة التعليمية في توفير تعليم شامل وجيد للجميع. وعلى الرغم من الجهود المبذولة على المستويين الوطني والدولي، فإن هناك عوامل متعددة تسهم في تعقيد مشهد التعليم في القارة، منها التحديات الاقتصادية المتمثلة في نقص التمويل، والتحديات الاجتماعية كالتفاوت بين الجنسين، إضافة إلى التحديات البنيوية المرتبطة بضعف البنية التحتية ونقص الموارد التعليمية الأساسية. كما تلعب الأزمات السياسية والنزاعات المسلحة دوراً بارزاً في تعطيل التعليم، خصوصاً في المناطق المتضررة من النزاعات، مما يفاقم من حدة الفقر والأمية.
تعتبر هذه التحديات عقبات جوهرية أمام تطوير التعليم في إفريقيا، وتتطلب استراتيجيات شاملة وسياسات مستدامة للتغلب عليها، ويمكننا تناول ابرز تلك التحديات في النقاط التالية:
- إن إحدى أهم قضايا التعليم في أفريقيا هي مسألة الوصول إلى التعليم. فالكثير من الأطفال لا يحصلون على التعليم الأساسي، وأولئك الذين يحصلون عليه قد يواجهون تحديات كبيرة في الحصول على التعليم الجيد، ورغم أن عدد الأطفال الذين يذهبون إلى المدارس قد زاد في السنوات الأخيرة، إلا أن الفوارق الكبيرة لا تزال قائمة. ففي بعض المناطق، وخاصة في المناطق الريفية أو النائية، غالبا ما تكون المدارس بعيدة، وقد يضطر الأطفال إلى السير لمسافات طويلة لحضور الدروس. وقد يشكل هذا تحديا خاصا للفتيات، اللاتي قد يواجهن مخاوف تتعلق بالسلامة في طريقهن إلى المدرسة ومنها.
- فضلاً عن ذلك، فإن العديد من الأسر غير قادرة على تحمل التكاليف المرتبطة بالتعليم، مثل الملابس المدرسية والكتب المدرسية واللوازم المدرسية. وينطبق هذا بشكل خاص على المجتمعات الفقيرة حيث قد يضطر الآباء إلى الاختيار بين دفع تكاليف تعليم أبنائهم وتلبية احتياجاتهم الأساسية، يظل الفقر أحد الأبعاد الرئيسية للاستبعاد من التعليم. فالطفل من أغنى خمس الأسر لديه احتمالات أكبر بنحو 8 مرات لإكمال التعليم الابتدائي مقارنة بالطفل من أفقر خمس الأسر. وترتفع هذه النسبة إلى 12 إذا أخذنا في الاعتبار التعليم الثانوي. (6)
- عطفًا على ما سبق ذكره، يُعتبر سوء جودة التعليم نسبة الى ما يشكله من أهمية بالغة من أبرز تحديات القارة السمراء ، ومن المؤسف المؤسف أن العديد من الأطفال في مختلف أنحاء أفريقيا الذين يحصلون على التعليم يلتحقون بمدارس ذات جودة تعليم رديئة، وقد لا يحصلون على المهارات والمعارف التي يحتاجون إليها لتحقيق النجاح. ولهذا السبب فإن التعليم الجيد يشكل بلا شك واحدة من أكثر قضايا التعليم إلحاحاً في أفريقيا، وفي سياق متصل، إن أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر على جودة التعليم هو نقص المعلمين المؤهلين. ففي العديد من المناطق، هناك نقص حاد في المعلمين، وقد لا يتمتع المتاحون منهم بالتدريب والدعم اللازمين للتدريس بشكل فعال.
- استكمالًا، تحتتاج العديد من البلدان الأفريقية إلى المزيد من الموارد الأساسية. حيث يساهم نقص الفصول الدراسية والكتب والتكنولوجيا الحديثة في تدهور التعليم. وكل هذه الموارد ضرورية لجودة التعليم. ومن المؤسف أن العديد من الطلاب يتعلمون في فصول دراسية مكتظة وغير مجهزة بشكل جيد. وهذا يحد من قدرتهم على الحصول على تجربة تعليمية مفيدة، كما يشهد نظام التعليم في أفريقيا معدلات مرتفعة من التسرب من المدارس. وكثيراً ما يترك الطلاب المدرسة مبكراً بسبب عوامل اقتصادية مختلفة. كما تعد الزيجات المبكرة والحاجة إلى عمالة الأطفال من الأسباب المهمة للتسرب من المدارس، بالإضافة إلى ذلك، فإن الفهم والتعلم محدودان بسبب الحواجز اللغوية. ففي أغلب البلدان، لا تكون لغة الطلاب الأم هي وسيلة التدريس.
- التعليم تحت الهجوم: الصراعات والقضايا الأمنية تمنع العديد من الأطفال من متابعة المناهج التعليمية العادية، الصراعات وانعدام الأمن يتسببان في نزوح السكان، بما في ذلك الأطفال الملتحقين بالمدارس في غرب ووسط أفريقيا، أدت الهجمات المتعمدة على الطلاب والمعلمين والمدارس، وبشكل عام، تدهور البيئة الأمنية، إلى زيادة إغلاق المدارس، ملايين الأطفال الأفارقة لا يحصلون على التعليم، في ظل كفاح المدارس للتعامل مع تأثير الصراع المسلح وانعدام الأمن. (7)
ووفقًا لتقرير أصدرته منظمة المجلس النرويجي للاجئين إنه اعتبارًا من يونيو 2024، تم إغلاق أكثر من 14300 مدرسة في 24 دولة أفريقية. وكانت الدول التي شهدت أكبر عدد من عمليات الإغلاق هي بوركينا فاسو وجمهورية الكونغو الديمقراطية والكاميرون وتشاد ونيجيريا والنيجر، بالإضافة الى أغلاق المدارس بسبب العنف أثر على ما يقدر بنحو 2.8 مليون طفل في غرب ووسط أفريقيا، هذا يعني أن هؤلاء الأطفال محرومون من التعليم، ولكنهم أيضًا أكثر عرضة لمخاطر الحماية المختلفة، وفي سياق ما ذُكر يجب الإشارة إلى إن الافتقار إلى التعليم يجعل من السهل على الجماعات المسلحة تجنيد الأطفال، مما يؤدي إلى تعطيل تعليمهم وتقليل فرصهم في حضور الفصول الدراسية على الإطلاق، ويؤدي الافتقار إلى التعليم أيضًا إلى جعل الأطفال عرضة للعنف. (8)
ثالثًا: دور التعليم في تحقيق التنمية المستدامة في إفريقيا
يُعد التعليم أحد أهم الأسس لتحقيق التنمية المستدامة في أي مجتمع، ويتجلى هذا الدور بشكل خاص في إفريقيا التي تواجه تحديات متعددة على الصعد الاقتصادية، الاجتماعية، والبيئية. إذ يمثل توفير تعليم شامل، جيد، وعادل حجر الزاوية في بناء أجيال قادرة على قيادة التغيير الإيجابي وتحقيق الاستدامة في مختلف المجالات. من خلال التعليم، يمكن تطوير القدرات البشرية، الحد من الفقر، وزيادة الوعي بالقضايا البيئية، مما يسهم بشكل مباشر في تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة. في هذا الإطار، يمثل التعليم أداة أساسية تمكّن إفريقيا من التصدي لتحدياتها وتحقيق تقدم مستدام على المدى البعيد، ويمكننا تسليط الضوء على دور التعليم في تحقيق التنمية المستدامة في إفريقيا في النقاط التالية :
- أولاً: ” القضاء على الفقر وتعزيز النمو الاقتصاد “، حيث يعتبر التعليم أحد أهم الأدوات للحد من الفقر، حيث يتيح للأفراد فرصًا أكبر للوصول إلى وظائف جيدة ومستدامة. من خلال تعزيز المهارات والكفاءات، يمكن للأفراد تحقيق استقلالهم المالي والمساهمة في النمو الاقتصادي لمجتمعاتهم. وفي إفريقيا، حيث تشكل نسبة كبيرة من السكان من الشباب، فإن توفير تعليم جيد يمكن أن يساعد في تحويل هذا الكم الهائل من الطاقة البشرية إلى قوة اقتصادية فعّالة.
- ثانياً: ” تعزيز المساواة والعدالة الاجتماعية “، يلعب التعليم دورًا محوريًا في تعزيز المساواة بين الجنسين وتقليص الفجوات الاجتماعية. من خلال توفير فرص تعليمية متساوية للجميع، بما في ذلك الفتيات والأطفال من الفئات المهمشة، يمكن تقليل التمييز الاجتماعي والاقتصادي. كما أن التعليم يمكن أن يفتح المجال أمام فئات المجتمع المهمشة للمشاركة بفعالية في صنع القرارات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
- ثالثاً: ” تعزيز الوعي البيئي والاستدامة البيئية “، يساهم التعليم في زيادة الوعي بالقضايا البيئية والتحديات التي تواجه إفريقيا، مثل التغير المناخي، وندرة المياه، وفقدان التنوع البيولوجي. من خلال المناهج التعليمية التي تركز على الاستدامة، يمكن للمتعلمين فهم أهمية حماية الموارد الطبيعية واستخدامها بشكل مستدام. كما يمكنهم المشاركة في أنشطة تساهم في الحفاظ على البيئة وتطوير حلول مبتكرة للمشاكل البيئية.
- رابعاً: ” تمكين المرأة وتوسيع دورها في التنمية “، وفي سياق متصل يعتبر تمكين المرأة من خلال التعليم من الركائز الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة في إفريقيا. فالتعليم يتيح للنساء فرصًا أكبر للمشاركة في سوق العمل، كما يعزز قدراتهن على تحسين الظروف الصحية والتعليمية لعائلاتهن. وعندما تتلقى المرأة التعليم الجيد، فإنها تساهم بشكل مباشر في بناء مجتمعات أكثر استدامة وازدهارًا.
- خامساً: ” تعزيز السلام والاستقرار الاجتماعي ” ، كما يساهم التعليم في تعزيز قيم التسامح والحوار والتعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع. في القارة الإفريقية، التي تعاني من صراعات سياسية وإثنية، يلعب التعليم دورًا رئيسيًا في تعزيز الوحدة الوطنية وبناء مجتمع أكثر استقرارًا. كما أن التعليم يمكن أن يكون وسيلة لتقليل التوترات والصراعات من خلال نشر ثقافة السلام وحل النزاعات بطرق سلمية. (8)
- سادساً: ” تنمية المهارات والابتكار التكنولوجي “، وعطفاً على ما سبق ذكره التعليم يعزز الابتكار وريادة الأعمال، وهو أمر بالغ الأهمية لتحقيق التنمية المستدامة. في عالم يعتمد بشكل متزايد على التكنولوجيا، يحتاج الشباب في إفريقيا إلى مهارات تكنولوجية حديثة تؤهلهم للمنافسة في السوق العالمية. الاستثمار في التعليم التقني والمهني يعزز قدرات الأفراد على تطوير تقنيات محلية ومستدامة لحل مشكلات مجتمعاتهم.
- سابعاً: ” تحسين الصحة العامة والرفاهية الاجتماعية ” ، يرتبط التعليم ارتباطًا وثيقًا بتحسين الصحة العامة، فالتعليم يعزز الوعي الصحي ويشجع على اتباع أنماط حياة صحية، مما يؤدي إلى تقليل معدلات الأمراض والوفيات. كما أن الأفراد المتعلمين يميلون إلى الحصول على خدمات رعاية صحية أفضل ويكونون أكثر وعيًا بأهمية النظافة والتغذية. (9)
رابعًا: آفاق التعليم في إفريقيا: الرؤية المستقبلية والحلول المقترحة
تواجه إفريقيا تحديات كبيرة في مجال التعليم، تتراوح بين نقص البنية التحتية التعليمية ووجود فجوات في الوصول إلى التعليم الجيد. ورغم هذه الصعوبات، تبرز فرص هائلة لتحسين التعليم في القارة، خاصة مع تزايد الوعي العالمي بدور التعليم المحوري في تحقيق التنمية المستدامة. ويعزز هذا التوجه اختيار التعليم كموضوع رئيسي للاتحاد الإفريقي لعام 2024، مما دفع مكتب المستشار الخاص للأمم المتحدة إلى إطلاق “سلسلة حوار أفريقيا الرائدة 2024″، بالتعاون مع بعثة الاتحاد الإفريقي لدى الأمم المتحدة، تحت شعار “التعليم من خلال العلم والتكنولوجيا والابتكار نحو أفريقيا التي نريدها، وإن الرؤية المستقبلية لتطوير التعليم في إفريقيا تستدعي تبني استراتيجيات مبتكرة وحلول شاملة تُحسن جودة التعليم وتزيد من فرص الوصول إليه. ومن خلال الاستثمار في التكنولوجيا، تحسين المناهج الدراسية، وتدريب المعلمين، يمكن لإفريقيا أن تحقق تقدمًا كبيرًا نحو بناء نظام تعليمي مستدام يلبي احتياجات الأجيال الحالية والمستقبلية، وفي سياق ما ذُكر يمكننا أن نقترح بعض الحلول والرؤية المستقبلية للتعليم في القارة الأفريقية كالآتي:
- يتعين على أصحاب السلطة، مثل الحكومات والمنظمات، أن يشرعوا في تخصيص جزء أكبر من ميزانياتهم للتعليم. ويشكل الحصول على وسائل النقل والمواد المناسبة للتعلم جزءاً بالغ الأهمية من الميزانية.
- التدريب الجيد للمعلمين يمكن أن يساهم بشكل كبير في حل هذه المشكلة. ويتعين على المعلمين خلق جو شامل يراعي الفوارق بين الجنسين. فالأولاد والبنات يستحقون بيئة تعليمية مشرقة وآمنة، بالإضافة إلى إشراك الآباء والمجتمعات المحلية يشكل أيضاً خطوة جيدة نحو خلق فرص تعليمية متساوية. فعندما يدرك الناس الفوائد المترتبة على تعليم الجنسين على قدم المساواة، يصبحون أكثر ميلاً إلى دعم تعليم أطفالهم. وحتى البلدان الأكثر تعليماً في أفريقيا كان عليها أن تبدأ من مكان ما
- زيادة فرص الحصول على التعليم، ويمكننا تحقيق ذلك من خلال بناء المزيد من المدارس في المناطق الريفية والمناطق المحرومة من الخدمات، وتوفير المنح الدراسية والمساعدة المالية للطلاب، وتنفيذ نماذج تعليمية بديلة مثل المدارس المجتمعية وبرامج التعلم عن بعد. (10)
- تعزيز تدريب المعلمين، و لتحقيق هذا الهدف، يجب على قارتنا الاستثمار في برامج تدريبية شاملة تعمل على زيادة عدد المعلمين مع تعزيز جودة مهاراتهم، بما في ذلك محو الأمية الرقمية والقدرة على التدريس في الفصول الدراسية الرقمية بشكل متزايد.
- سد الفجوة الرقمية، ولكي نحقق ذلك يجب وضع المبادرات اللازمة لتوسيع نطاق الوصول إلى الإنترنت بشكل سريع وتوافر الأدوات الرقمية في المدارس، والاستفادة من الشراكات مع شركات التكنولوجيا والاستثمارات في البنية الأساسية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
- معالجة الأسباب الجذرية للأزمات ، يعد هذا العنصر ضروريًا لخلق بيئة من الاستقرار والسلام الدائم حيث يزدهر التعليم، ويشمل ذلك معالجة عدم الاستقرار السياسي والصراعات لحماية الحق في التعليم وتعزيز التقدم المستدام في أفريقيا. (11)
- ومن الأهمية بمكان أن تحرص الحكومات على تحقيق التوازن في الاستثمار القطاعي على كافة مستويات التعليم. ومن الممكن أن يستفيد صناع السياسات الأفارقة من تخصيص المزيد من التمويل للقطاعات المهملة ولكن الحيوية، مثل التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، حيث تؤتي الاستثمارات المبكرة ثمارها في الأمد البعيد، ونظراً للدور المتنامي للقطاع الخاص، فإن هذا من شأنه أن يفرض المزيد من القيود على الاستثمار في التعليم.
- استكمالاً، إن تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في تمويل التعليم، والذي يمكن أن يجلب مساهمات مالية ويجعل أنظمة التعليم أكثر كفاءة، و يمكن للحكومات الأفريقية أن تفكر في تنويع أنواع الشراكة التي تربطها بالقطاع الخاص.
- وينبغي للحكومات الأفريقية أن تهدف إلى تعزيز قنوات الاتصال و أنظمة التنسيق، بحيث يكون التعليم يمكن لأصحاب المصلحة مشاركة الملاحظات والاقتراحات و التحسينات. وهذا يعني أن اللاعبين الرئيسيين في المستويات البلدية ودون الوطنية والوطنية فنحن بحاجة إلى العمل معًا في عملية مبسطة. والاستثمار في تحسين بيانات التعليم وأنظمة معلومات إدارة التعليم حيث إن الحصول على معلومات مبنية على الأدلة هو مفتاح التقدم، وهناك عقبات كبيرة أمام القياس مثل نقص البيانات الهامة، مثل البيانات المتعلقة بمؤشرات نتائج التعلم. لذلك يساعد إنتاج بيانات عالية الجودة في دعم البرمجة القائمة على الأدلة، يسمح بمراقبة تقدم الدولة مع الأهداف الوطنية والإقليمية والقارية، وهناك حاجة ملحة للدول الأفريقية الاستثمار في الموارد المالية والبشرية في بيانات البنية التحتية للإدارة، حتى يتمكنوا من التقاط الأدلة وقياس التقدم على المستوى القاري، ومن المهم أيضًا ضمان أن هناك انسجام بين مختلف منتجي ومصادر بيانات التعليم، من خلال إنشاء آليات تنسيق فعالة ومستودعات البيانات الوظيفية على مستويات الجماعة الاقتصادية الإقليمية (REC) و الإتحاد الأفريقي. (12)
إن ازدواجية التحديات التعليمية التي تواجه أفريقيا تتطلب مزيجاً من السياسات التي تتسم بالتطلع إلى المستقبل، وهذا نهج مختلف يهدف إلى معالجة الأسباب الجذرية للقضايا الأساسية، وهو نهج يعمل على إدارة التنمية بدلاً من تنفيذ الحلول المؤقتة والمشاريع التي تعمل على إدارة الفقر، وعلى هذا فإن أحد أهدافنا الرئيسية في سلسلة الحوار الأفريقي هذا العام يتلخص في تعزيز التبادل الذي يفضي إلى توصيات سياسية مبتكرة وقابلة للتنفيذ تركز على التقدم الذي تحرزه أفريقيا في الأمد البعيد.
ختامًا، يُعَدُّ التعليم في إفريقيا مفتاحًا لتحقيق التنمية المستدامة والتغلب على التحديات التي تواجه القارة. ورغم أن هناك عقبات كبيرة، مثل نقص التمويل، وضعف البنية التحتية، وتفاوت فرص الوصول إلى التعليم، فإن الفرص المستقبلية تظل واعدة. من خلال تعزيز التعاون بين الحكومات، القطاع الخاص، والمجتمع الدولي، يمكن تحسين جودة التعليم وتوسيعه ليشمل جميع الفئات، مما يمهد الطريق لإفريقيا نحو مستقبل أكثر ازدهارًا واستدامة. إن الاستثمار في التعليم ليس مجرد استثمار في الأفراد فحسب، بل هو استثمار في مستقبل القارة بأكملها، وهو السبيل لتحقيق تغيير جذري على المستويات الاجتماعية، الاقتصادية، والبيئية.
المراجع
1) Education in Africa, Article published on UNESCO website, 10 Sep 2024, viewed through this link: https://www.unesco.org/en/africa/education
2) Education in Africa, Article published on UNESCO website,10 Sep 2024, viewed through this link: https://uis.unesco.org/en/topic/education-africa
3) Quality education delivers growth – but Africa’s scorecard remains poor, Article published on INSTITUTE FOR SECURITY STUDIES website, 10 Sep 2024, viewed through this link: https://issafrica.org/iss-today/quality-education-delivers-growth-but-africa-s-scorecard-remains-poor
4) Making education in Africa fit for the 21st century, Article published on GPE website, 9 Sep 2024, viewed through this link: https://www.globalpartnership.org/blog/making-education-africa-fit-21st-century
5) Education in Sub-Saharan Africa, Article published on THE WORL BANK website, 11 Sep 2024, viewed through this link: https://documents1.worldbank.org/curated/en/892631468003571777/pdf/709790PUB0EPI0067926B09780821388891.pdf
6) Poorer children’s educational attainment: how important are attitudes and behavior?, Article published on JOSEPH ROWNTREE FOUNDATION website, 10 Sep 2024, viewed through this link: https://web.archive.org/web/20150513080414id_/http:/www.jrf.org.uk:80/sites/files/jrf/poorer-children-education-full.pdf
7) Education under threat in West and Central Africa, Article published on UNICEF website, 12 Sep 2024, viewed through this link: https://www.unicef.org/child-alert/education-threat-west-central-africa
8) Conflicts have closed 14,300 schools in 24 African countries, study finds, Article published on VOAAFRICA website, 10 Sep 2024, viewed through this link: https://www.voanews.com/a/conflicts-have-closed-14-300-schools-in-24-african-countries-study-finds/7780241.html
9) Impact of Education Quality on Sustainable Development in Africa, Article published on ResearchGate website, 9 Sep 2024, viewed through this link: https://www.researchgate.net/publication/313585651_Impact_of_Education_Quality_on_Sustainable_Development_in_Africa
10) Access to Education for the Most Deprived, Article published on UNICEF website, 12 Sep 2024, viewed through this link: https://www.unicef.org/egypt/stories/access-education-most-deprived
11) Promotion of durable peace and sustainable in Africa, Article published on United Nations website,12 Sep 2024, viewed this link: https://www.un.org/osaa/sites/www.un.org.osaa/files/docs/2109875_osaa_sg_report_web_new.pdf
12) TRANSFORMING EDUCATION IN AFRICA, Article published on UNICEF website, 13 Sep 2024, viewed through this link: https://www.unicef.org/media/106686/file/Transforming%20Education%20in%20Africa.pdf