أكدت أمريكا على نيتها للإنسحاب من النيجر وذلك بعد أسابيع من قرار المجلس الإنتقالي في النيجر إلغاء اتفاقية التعاون العسكري معها ودعوتها لمغادرة البلاد. فهل قرار الانسحاب متوقع أم مفاجئ؟ وما مظاهر الوجود العسكري الأمريكي في النيجر؟ وما هي تداعيات الإنسحاب خاصة بعد خروج الجيش الفرنسي منذ أشهر؟ وكيف ستتعامل حكومة النيجر وحكومات أفريقيا مع القرار؟
هل قرار انسحاب القوات الأمريكية من النيجر متوقع أم مفاجئ؟
أعلنت النيجر سبب إلغاء قرار الاتفاقية العسكرية مع الولايات المتحدة يرجع إلي الزيارة الأخيرة التي قام بها وفد أمريكي رفيع المستوى إلى نيامي (بقيادة مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية، السيد مولي في، ورئيس القيادة الأمريكية في إفريقيا، الجنرال مايكل لانجلي، ومساعد وزير الدفاع الأمريكي، سيليست فالاندر، في 12 مارس 2024 وعلي الرغم من استمرار هذه الزيارة لمدة ثلاثة أيام، إلا أن رئيس المجلس العسكري النيجري، الجنرال عبدالرحمن تشياني، رفض مقابلة الوفد الأمريكي؛ إذ اعتبر المتحدث باسم المجلس، السيد أمادو عبدالرحمن، أن الوفد الأمريكي لم يلتزم بالبروتوكول الدبلوماسي؛ إذ لم يتم إبلاغ نيامي عن تشكيل الوفد وموعد وصوله أو حتى جدول أعماله.
أرشيفية
كما اعتبرت النيجر أن اتفاقية التعاون العسكري مع واشنطن غير متوازنة، وأن واشنطن فشلت في تبادل المعلومات الاستخباراتية التي يتم جمعها باستخدام أسطول الطائرات من دون طيار، بالإضافة إلي إجبار النيجر على دفع التكلفة الباهظة لصيانة هذه الطائرات.
في المقابل، كشفت بعض التقارير عن توجيه الوفد الأمريكي تُهماً للمجلس العسكري الحاكم في النيجر بعقد صفقة سرية مع روسيا وإيران لتعزيز التعاون والشراكة معهما، مشيرًا بإمكانية اتخاذ إجراءات أكثر صرامة من قبل الولايات المتحدة حال استمرار نيامي في التقارب مع موسكو وطهران. ولعل هذا ما يُفسر تصريحات المتحدث الرسمي باسم المجلس العسكري الحاكم في نيامي، الذي كشف عن تهديدات وجهها الوفد الأمريكي للسلطات النيجرية، وذلك يوضح أن قرار الانسحاب وإلغاء الاتفاقية غير مفاجئ بل متوقع لوجود العديد من الاتهامات المتبادلة فيما بينهم بالإضافة إلي ذلك احتقان الشارع في النيجر ضد الوجود الأمريكي والمطالبة برحيل القوات الأمريكية من البلاد.
مظاهر الوجود العسكري الأمريكي في النيجر:
في البداية ارتكز التعاون العسكري بين البلدين علي مكافحة الإرهاب في المنطقة فقط، وبعد ذلك توسع ليشمل التدريب العسكري، وإنشاء قواعد عسكرية أمريكية في النيجر، وتبادل المعلومات، وتقديم المساعدات العسكرية، ولعل من أهم مظاهر التعاون بينهم هي كالآتي:
مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل
تدعم واشنطن النيجر في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، حيث تستخدم واشنطن طائرات بدون طيار لمراقبة أنشطة الجماعات الإرهابية في النيجر من قاعدة ٢٠١ الجوية، كما تقدم المساعدات والتدريبات العسكرية للقوات النيجرية في مجالات مختلفة كحفظ السلام والأمن الداخلي، وبرامج تمويل التعاون الأمني ومبادرة مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل.
إنشاء قواعد عسكرية أمريكية في النيجر
أنشئت الولايات المتحدة قواعد عسكرية لمواجهة الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل، ومنها قاعدة 201 الجوية التي تقع في مدينة أجاديز، وتُعد أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في إفريقيا، حيث تضم طائرات بدون طيار من طراز MQ-9 Reaper، وطائرات نقل C-17، وطائرات هليكوبتر، بالإضافة إلى قاعدة نيامي الجوية التي تقع في العاصمة نيامي، وتستخدم لدعم العمليات العسكرية الأمريكية في النيجر ومنطقة الساحل.
أرشيفية
تداعيات قرار الانسحاب
يحمل قرار سحب القوات العسكرية الأمريكية من النيجر، تداعيات مختلفة، يمكن إجمالها في:
مستقبل الإرهاب في المنطقة
تُعد النيجر منطقة استراتيجية لمكافحة الإرهاب في غرب أفريقيا، ولذلك فإن القرار الإمريكي بالانسحاب، خطأ سياسي وأمني مخيف للغاية، لأنه سوف يزيد من تصاعد الإرهاب في المنطقة وسيتيح الفرصة للجماعات المتطرفة بالأخص تنظيم داعش للتوغل، خاصة في ظل زيادة قوة داعش في غرب أفريقيا، وسيؤثر ذلك بالسلب على أمن المنطقة العربية، لأن النيجر والتشاد قريبتين للغاية من ليبيا والانفلات الأمني في منطقة غرب أفريقيا، سيؤدي بالتبعية إلي اتجاه عدد كبير من العناصر الإرهابية للأراضي الليبية ومنها إلى المنطقة العربية وشمال إفريقيا.
ويظل مصير جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة غامضًا بعد الانسحاب الأمريكي، مع تساؤلات حول قدرة الدول الإقليمية على التصدي للجماعات الإرهابية بشكل فعال.
ومن المؤكد أن قرار الانسحاب الأمريكي سيؤدي إلي تغيير التوازنات والتحالفات في منطقة غرب إفريقيا، وقد نري في الفترة المقبلة تحالفات جديدة مع روسيا أو دول أخرى لمكافحة الإرهاب، وستكون روسيا في المنطقة بدون أي منافس.
البحث عن شركاء جدد
قد يؤدي الانسحاب الأمريكي من النيجر إلى تغيير ميزان القوى في المنطقة، خاصةً مع تنامي النفوذ الروسي في النيجر. وتتخوف واشنطن من توسُّع روسيا في إفريقيا، فقد أدى صعود الانقلابات المناهضة لفرنسا في غرب إفريقيا إلى النظر إلى روسيا على أنها البديل لملئ الفراغ الأمني الذي خلّفته الجيوش الفرنسية المنسحبة. فقد أصبحت النيجر، إلى جانب مالي وبوركينا فاسو المجاورتين -اللتين يقودهما المجلس العسكري أيضًا – على نحو متزايد على علاقة وثيقة مع روسيا، التي بذلت جهودًا متضافرة في السنوات الأخيرة لتوسيع نفوذها في المنطقة، وخاصةً عبر الشركات الأمنية. وفي ديسمبر 2023م، أعلنت روسيا والنيجر أنهما وقّعتا اتفاقيات أمنية جديدة، لمنع انتشار التهديدات الإرهابية ومحاربة الإرهاب المتنامي في القارة، في حين قرار السلطات التيجيرية بإلغاء التعاون العسكري مع أمريكا ورفض الشارع النيجيري للوجود الأمريكي، ومن المحتمل أن تدرس روسيا بناء قواعد عسكرية في غرب إفريقيا.
من المحتمل أن يعيد الانسحاب الأمريكي من النيجر ترتيب أوراق الدول الأخرى والعلاقات الخارجية للنيجر، فعلى الرغم من الموقف الواضح والصريح للعلاقات النيجرية الأمريكية والفرنسية، إلا أن الصين تحافظ على هدوئها حتى الآن، فالمؤكد أن الانسحاب الأمريكي من النيجر يضر بالمصالح الصينية على المستوى الأمني، لكن على الصعيد السياسي يأتي الانسحاب في صالح الصين؛ نظرًا لإتاحة الفرصة لاستغلال الثروات الاقتصادية في النيجر لصالح بكين، ومن ثم المضي قدمًا لتكثيف التعاون الدبلوماسي مع النيجر.
كيف ستتعامل حكومة النيجر وحكومات أفريقيا مع القرار؟
يعتبر قرار الانسحاب دليل علي فقدان أمريكا لنفوذها في المنطقة ، كما أن القرار سيجعل النيجر مسئولة عن أمنها بشكل كامل، في حين أنها تفتقر للإمكانات الأمنية اللازمة التي تجعلها تحمي نفسها، ولذلك نجد حكومات النيجر و دول غرب إفريقيا، شكلوا تحالف قوي بينهم و بين بعضهم، وتعاونوا مع روسيا بشكل كبير لحماية أنفسهم ولذلك هم لا يخشون انسحابها.
في الختام، يمكننا القول إن التراجع الغربي المتصاعد في المنطقة، سيؤثر على إفريقيا بشكل كبير وسيجعلها مهيأة لخوض مستقبل معقد، حيث تواجه فكرة تحقيق التوازن بين الشراكات التقليدية التي اعتادت عليها دول إفريقيا العديد من العراقيل التي يسببها النفوذ الروسي المتصاعد في المنطقة، بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه المنظمات الإرهابية والميليشيات المحلية والمجالس الانتقالية بالدول التي شهدت اضطرابًا عسكريًا. وبالنسبة للوضع في النيجر، يبدو أن الوضع في النيجر له ديناميكيات مختلفة معقدة ومتطورة، فسيمثل التراجع الغربي الأخير بالمنطقة عصر جديد تتولى فيها النخب الإفريقية مسؤولية الشؤون الإفريقية، ولكن لا تزال تداعيات الانسحاب الأمريكي غير مؤكدة وستحتاج متابعة دقيقة لمعرفة مدي تأثيره على أمن المنطقة.