العلاقات الإثيوبية – الصومالية
وقعت الحكومة الإثيوبية مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال “صومالي لاند” غير المُعترف بها دوليًا في يناير الماضي للحصول على حق انتفاع لمدة 50 عامًا لإقامة قاعدة بحرية تجارية إثيوبية بالقرب من ميناء بربرة على البحر الأحمر، وذلك مقابل الاعتراف بأحقية إقليم أرض الصومال بالحصول على استقلالها كدولة، وربما تشهد الأيام القادمة توقيع اتفاق قانوني رسمي بين الطرفين، وفي السابق قامت إثيوبيا بغزو الصومال عام 2006، بعد سيطرة التنظيمات الدينية المتطرفة على جنوب البلاد، ومطالبتها الانضمام لتنظيم القاعدة، حيث قننت أديس أبابا تواجدها في الأراضي الصومالية بعد انطلاق الدعوة للجهاد ضد احتلالها للصومال، وتواجد ما يقرب من 3 آلاف جندي ضمن قوات حفظ السلام الأفريقية والتي تنتهي مُهمتها بنهاية العام الجاري، وكذا ما يقرب من 5 آلاف جندي بموجب اتفاقيات ثنائية والتي فقدت مبرر تواجدها باتفاق أرض الصومال الأخير، وليست إثيوبيا وحدها من تتطلع للتواجد في تلك المنطقة فحسب، بل تتنافس عديد من القوى الإقليمية والدولية سواء بشكل مباشر أو بدعم إثيوبيا بصورة غير مباشرة لتحقيق أهداف ومصالح جمة، ورغم أن إثيوبيا تحفظت على الاعتراف بإقليم أرض الصومال في عهد “زيناوي”، إلا أن التحرك الأخير من قِبل “آبي أحمد” رغم خطورته ينبع من الإدراك الإثيوبي لأهمية البحر الأحمر بالنسبة لها، والتي تعتبره يمثل حدودها الطبيعية واعتباره قضية وجود.
الأبعاد والمبررات الإثيوبية
أرشيفية
صدرت إثيوبيا للمجتمع الدولي دومًا أنها تتعرض لظلم كونها دولة حبيسة لا تمتلك منفذًا بحريًا منذ استقلال إريتريا عام 1993، لذا وضعت مبررات تواجدها في تلك البقعة وإبرام اتفاق مع أرض الصومال تمثلت في الضرورة الاقتصادية لإيجاد منفذ بحري لتصدير تجارتها للعالم، بجانب التخوف من تقلبات الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي قبالة سواحل البحر الأحمر، الأمر الذي يتطلب ضرورة توسيع بدائلها الاستراتيجية من الموانئ البحرية في دول المنطقة، في حين نفت إثيوبيا وجود أطماع توسعية أو السعي للسيطرة على الموانئ البحرية بدول المنطقة، كما وظفت ذلك التحرك لتعزيز شعبية “آبي أحمد” وتحسين صورته لدى الرأي العام الداخلي في ظل واقع مضطرب أمنيًا وسياسيًا يتسم بالتعقيد من النزاعات والصراعات العرقية والسياسية، كما تروج إثيوبيا أن هذه الخطوة تُسهم في تقليل الاعتماد على ميناء جيبوتي، وتخفيف الأعباء الاقتصادية التي شكلت عبئًا على ميزانية الحكومة، وتُزيد من حجم التجارة الخارجية الإثيوبية، وتدعم جهود استعادة نفوذها في منطقة البحر الأحمر، بما يفتح المجال للانخراط في المعادلة الإقليمية وإعادة تشكيل العلاقات الإقليمية في القرن الأفريقي، كما يُعزز الدور الإثيوبي الإقليمي في ضوء ترويجها للاستخدام المشترك للبحر الأحمر من شأنه تعزيز السلام والوحدة الإقليمية، ويسهم في الدفع نحو التكامل الاقتصادي الإقليمي في المنطقة.
التحركات الإثيوبية في الصومال
حاولت إثيوبيا توسيع بؤر الصراع ضد الحكومة الصومالية والقوى الخارجية الداعمة لها، فقد دعمت إثيوبيا مساعي ولاية الجنوب الغربي الرامية لإعلان الحكم الذاتي أسوةً بصومالي لاند، بعد أن أعلنت سلطاتها في يناير الماضي أنها ستتصرف كدولة مستقلة على آثر خلافات مع الحكومة الفيدرالية بشأن التعديلات الدستورية التي اقترحها الرئيس الصومالي، حيث استقبلت أديس أبابا وزير مالية الولاية في أبريل الماضي بهدف تنمية التعاون في مجالات الأمن والتعليم والتجارة والاستثمار والطاقة والبنية التحتية، وبذلك تقوم إثيوبيا بدعم فكرة انفصال للأقاليم الصومالية بحجة التحرر والاستقلال، كما زودت ولايتي “جلمدج وبونتلاند” بشحنات من الأسلحة، في حين قامت الأخيرة مؤخرًا بتوجيه صفعة قوية لأديس أبابا قد تجهض مخططاتها لتفكيك الصومال، حين أعربت عن رغبتها في الحوار مع الحكومة الفيدرالية الصومالية لحل مشاكل الأقاليم وتقريب الرؤى بشأن العملية السياسة والانتخابات والقبائل، وذلك تحسبًا من تفكك الصومال حال عدم تسوية تلك الإشكاليات، كما نشرت إثيوبيا أعدادًا كبيرة من الجيش بإقليم أوجادين بطول الحدود مع الصومال، مع التركيز على المناطق المقرر انتشار القوات المصرية فيها، ومن منظور أخر، اتهمت الصومال القوات الإثيوبية التابعة لقوات حفظ السلام الأفريقية بعدم تحقيق الأمن في المحافظات الأربعة التي تواجدت فيها بسبب ممارستها سياسة الاحتواء وتكوين مناطق معزولة، وحذرتها من أي مماطلة في الانسحاب بحلول العام المقبل.
وقد تنعكس التحركات الإثيوبية في الصومال على دول منطقة القرن الأفريقي، وذلك في إطار أبعاد المخطط الإثيوبيي لتقسيم والاستيلاء على أراضي في الصومال وإريتريا والسودان وطموحاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبطبيعة الحال لها من التأثيرات المُحتملة على دول المنطقة، وقد يؤدي تنفيذ إثيوبيا لمخططاتها التوسعية في دول القرن الأفريقي التي تعاني بالأساس من تحديات داخلية كبرى إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي بشكل كبير، وإشعال مزيد من الصراعات الحدودية والنزاعات المسلحة، فتريد إثيوبيا إنشاء منطقة عازلة داخل الصومال والاستيلاء على أراضٍ بها، ودربت آلاف الانفصاليين الصوماليين كأحد الأدوات التي ستساعدها في سيناريو فرض الأمر الواقع، وربما قد تطال تلك التأثيرات السلبية للمخطط الإثيوبي بعض دول الجوار مثل السودان على سبيل المثال.
ردود الفعل الإثيوبية
تستغل إثيوبيا توتر الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي للإيحاء بأنها دومًا في حالة تهديد، لاسيما بعد طلب مصر المشاركة في بعثة الدعم التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال (AUSSOM)، والتي من المقرر أن تحل محل البعثة الحالية (ATMIS) يناير 2025، بقوة قوامها 5 آلاف جندي، فضلًا عن 5 آلاف آخرين على آثر اتفاقية ثنائية بين القاهرة ومقديشو، حيث أدركت أديس أبابا فقدان نفوذها في القرن الأفريقي لحساب مصر، وقد جاءت ردود الفعل الإثيوبية أولًا بتحركات غير عسكرية مُدركةً خطورة المواجهة مع مصر، خاصةً مع رئاسة مصر لمجلس السلم الأمن الأفريقي في أكتوبر 2024، حيث ترى أن سرعة التدخل المصري في الصومال تعبيرًا عن رغبة القاهرة في الثأر منها بسبب تدخلاتها في الأزمة السودانية ودعمها لمليشيات قوات الدعم السريع، وأيضًا إصرارها على استكمال بناء سد النهضة والملئ الخامس دون النظر للمطالب المصرية، حيث بدأت أديس أبابا بتعيين سفير لها في أرض الصومال كخطوة للاعتراف الكامل بها، كما انتقدت خارجيتها الدعم العسكري المصري مُتهمةً مقديشو بالتواطؤ مع جهات خارجية تستهدف زعزعة استقرار إثيوبيا، وكذا أطلقت تصريحات رسمية حكومية”مُهددة بعدم الوقوف مكتوفة الأيدي تجاه ما تتخذه الجهات الفاعلة الأخرى من تدابير تهدد أمنها القومي”، وطالبت الصومال “بوقف تحركاتها مع جهات تسعى لاستهداف مصالح إثيوبيا”، وعبرت عن “الموقف الإثيوبي بشأن البعثة الجديدة لقوات حفظ السلام في الصومال وطالبت بألا تكون بها قوات تُشكّل تهديدًا لأمنها القومي.
وبالتوازي مع تلك الإجراءات، اتخذت إثيوبيا مسارًا ثانيًا وهو تعزيز التعاون مع قوى إقليمية أخرى، ربما تكون ليست لها أي علاقة بالأزمة الحالية أو لا تمتلك حدودًا معها، ولعل زيارة رئيس أركان الجيش الإثيوبي الرسمية للمغرب نهاية شهر أغسطس الماضي دلالة على ذلك التوجه الإثيوبي، ورجحت تلك الزيارة ما تردد حول تنسيق وصول دعم من تل أبيب لأديس أبابا عبر الرباط، في ظل تقارب العلاقات بين البلدين مؤخرًا خاصةً في الشأن العسكري الذي كان الهدف الرئيس في مناقشات تلك الزيارة، وأيضًا ما تفرضه التوترات بين القاهرة وأديس أبابا في ملفات سد النهضة والتدخل الإثيوبي في الشأن السوداني ومؤخرًا التحرك المصري تجاه الصومال، حيث يأتي التحرك الإثيوبي في إطار البحث عن حلفاء جُدد لحشد الدعم الإقليمي في المجال العسكري والسياسي لكسب التأييد في مواقفها في منطقة القرن الأفريقي، وإيجاد مبررًا طبيعيًا لأي فعل يصدر من قياداتها، واستكمالًا لتحركات إثيوبيا السالف ذكرها، نقلت قواعد عسكرية إلى إقليم أوجادين الحدودي مع الصومال شرق البلاد عقب حصولها مؤخرًا على دعم عسكري من دولة الإمارات، سعيًا لمواجهة لقوات الأمهرة والأورومو والجبهة الشعبية لتحرير التيجراي.