تعد الأزمة الروسية الأوكرانية هى الأبرز على الساحة الدولية وذلك بعد اعتراف الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بانفصال ” دونيتسك ولوغانسك ” عن أوكرانيا ونشر الجيش الروسى فى المنطقتين ، وسارعت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية فى فرض حزمة عقوبات اقتصادية على روسيا شملت عدة مؤسسات مالية وشركات روسية وتعليق العمل بخط إمداد الطاقة ” نورد ستريم 2 ” ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع حلف الناتو بتعزيز القوات العسكرية على الحدود الأوكرانية .

  • محددات الدور التركى

حاولت تركيا فى وقت سابق عرض الوساطة بين الدولتين لحل الأزمة للحيلولة دون تفاقمها ورحب الجانب الأوكرانى بمبادرة تركيا للوساطة إلا أن الجانب الروسى لم يبد استعدادً لقبول تركيا – الدولة العضو فى حلف الناتو – طرفاً فى حل النزاع ومع اعتراف بوتين بالمنطقتين الجديدتين سارعت تركيا فى رفض القرار الروسى ووصفته “بغير المقبول” ودعا أردوغان حلف الناتو لاتخاذ “إجراء فعلىِ” وفى الوقت جدد مبادرته للوساطة بين الدولتين وصرح بأن تركيا ستبذل قصارى جهدها لتجنب مواجهة مباشرة بين موسكو وكييف .

أولًا: حسابات الخسارة

  • العلاقات الروسية الأوكرانية

تتمتع تركيا بعلاقات استراتيجية مع أوكرانيا فيبلغ حجم التبادل التجارى بين البلدين قرابة 8 مليار دولار ومستهدف رفعه إلى 10 مليار دولار بعد توقيع اتفاقية التجارة الحرة بينهما وبالتالى فإن أى نزاع مسلح سيؤثر بالسلب على الاقتصاد التركى وتدفقات الدولار .

  •  العلاقات الروسية التركية

تخشى تركيا من تداعيات تدهور علاقتها مع روسيا حيث تعتمد تركيا على الغاز الروسى لتوفير احتياجتها من الطاقة وكذلك التأثير على حجم التبادل التجارى بين البلدين الذى يبلغ 20 مليار دولار وتدفقات السياح الروس لتركيا وتأثير ذلك على قطاع العقارات حيث تشير البيانات أن الروسيين يأتون فى المرتبة الثانية فى شراء العقار بتركيا حيث تشير البيانات الدولية إلى خسارة تركيا قرابة 5 مليار دولارفى حال غزت روسيا أوكرانيا ، وعسكرياً تخشى تركيا تعليق صفقات منظومة الصواريخ الروسية S400 فضلاً على انعكاس ذلك على التنسيق الروسى التركى فى مناطق النزاعات المهمة للعمق الاستراتيجى التركى فى سوريا والعراق وآسيا الوسطى .

  • الغذاء والطاقة وأسواق المال

تستورد تركيا القمح بما يقارب 7 مليون دولار من روسيا  بالإضافة إلى الأسمدة ومحاصيل زراعية آخرى مثل الشعير والذرة والزيوت أيضاً وتخشى تركيا من توقف إمدادات القمح والمحاصيل خاصة مع ارتفاع أسعارها بسبب ارتفاع أسعار الطاقة وتدهور الليرة التركية أمام العملات الأجنبية ، حيث ارتفع سعر برميل النفط إلى 100 دولار وهو ما سيتسبب فى ارتفاع أسعار الغذاء مع ارتفاع تكاليف النقل والشحن خاصة مع معدل التضخم المرتفع الذى وصل قرابة 50% فى تركيا ، وقد قفزت أسعار العقود الآجلة للقمح بأكثر من 2% وهو ما سيشكل تحدياً أمام حكومة أردوغان فى ظل أزمة اقتصادية ومالية موجودة بالفعل ، وكذلك تزايد الضغط على مؤشرات البورصة التركية بسبب سحب المستثمرين لأموالهم من أسواق المال وتراجع مؤشر البنوك التركية بنسبة 1.5% وتراجعت الليرة التركية بنسبة 4% لتهبط إلى مستوى 14.15 ليرة لكل دولار

ثانيًّا: حسابات المكسب

  • سياسة الأمر الواقع

أدان مجلس الأمن الدولى  سابقًا موقف أردوغان عقب إعلانه فتح مدينة ” فاروشا ” شمال قبرص وتشييد مجمع رئاسى وسعيه لاعتراف دولى بها ، وقدم ” حسن أونال ” أحد الأساتذة الجامعيين فى تركيا أطروحة حول إبرام صفقة بين موسكو وأنقرة تقوم على اعتراف روسيا بشمال قبرص التركية مقابل اعتراف تركيا بشبه جزيرة القرم وذلك أثناء زيارة أردوغان لشمال قبرص وبعدها صرح المتحدث بإسم الرئاسة الروسية ” ديمترى بيسكوف ” برفض المقترح وقال أن المناطق الروسية لن تكون موضع صفقات على طاولة المفاوضات ، ومن هنا ربما يلجأ أردوغان إلى سياسة الأمر الواقع مع أوروبا كما فعل بوتين .

  • صادرات السلاح

تسعى تركيا لتعزيز قدراتها العسكرية وتصديرها إلى الخارج حيث قامت بتصدير طائرات بدون طيار إلى العديد من الدول مثل أوكرانيا وبولندا وألبانيا وأذربيجان والعراق وقطر والسعودية واثيوبيا وغيرها من الدول بالإضافة إلى العديد من المعدات العسكرية البرية والبحرية ، وتستهدف تركيا زيادة تصدير الصناعات العسكرية لتبلغ 4 مليارت دولار ، ومع تزايد التوترات سيؤدى ذلك إلى سباق تسلح وبالتالى تحقق تركيا مكسباً خاصة مع رخص أسعار الصناعات العسكرية التركية مقارنة بنظيرتها الأمريكية و الأوروبية .

  • انشغال دولى عن قضايا تركيا الداخلية

تمر تركيا بأزمة سياسية داخلية خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات القادمة وزيادة الضغط السياسى الداخلى وتكوين تحالفات حزبية جديدة للإطاحة بأردوغان فى الانتخابات المقبلة وتغيير النظام الرئاسى وتفوق تلك التحالفات فى استطلاعات الرأى خاصة مع التقارير الدولية التى تشير إلى عمليات القمع وملف حقوق الإنسان وبالتالى تصاعد الأزمة سيمكن الحزب الحاكم من الانفراد بالمعارضة وتقليص دورها فى ظل غياب دولى كامل وتصاعد مخاوف المواطن التركى من تغير الحكومة فى ظل اضطرابات وتحديات دولية وتداعيتها خاصة وأن المعارضة التركية لم تقدم خريطة واضحة للإصلاح الاقتصادى .

  • ملف الهجرة وموجات النزوح

تستخدم تركيا دائما ملف الهجرة كورقة ضغط فى المفاوضات مع الدول الأوروبية حيث تشير دائماً بأنها تشكل جداراً لمنع تسلل المهاجرين من مناطق النزاعات إلى أوروبا ، لذلك استقبلت تركيا موجات النزوح من سوريا والعراق وليبيا وأفغانستان ، ومع تصاعد وتيرة الأحداث ستزداد أعداد النازحين من أوكرانيا والمناطق المجاورة لها إلى أوروبا وستعمل تركيا على استقبالهم واستغلال تلك الورقة ضد أوروبا .

تشكل الأزمة الأوكرانية تحدياً أمام تركيا فإن العمل العسكرى سيضع تركيا أمام خياران كلاهما صعب ، إما الإنحياز لأوكرانيا والغرب وحلف الناتو وخسارة روسيا والتى لن تتحمل تركيا تبعات هذا القرار أو الوقوف على الحياد وخسارة الغرب فى مرحلة فاصلة من عمر تركيا فالحكومة التركية بين المطرقة والسندان .

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version