يخوض المجتمع الإسرائيلي، إلى جانب حروبه على الأرض وفي جبهات متعددة، حربًا أخرى عكس آثارها تقرير الفقر السنوي لعام 2024م، الصادر عن جمعية “لتيت” المدنية الإسرائيلية[1] وبعض الداعمين لها والجمعيات الشريكة. لقد أظهر هذا التقريرعمق الأزمة الاقتصادية التي يواجهها رجل الشارع العادي، ولا تُشير إليها الحكومة وكأنها منفصلة عن الشارع، ولا تدرك حقيقة ما يواجهه المواطن العادي من أعباء.
نتائج واقعية بعد بدء العام الثاني من الحرب
نتيجة الواقع الاقتصادي المعقد في إسرائيل في ظل الحرب، يُعرف التقرير مؤشر الفقر باعتباره النقص الكبير في الاحتياجات وظروف المعيشة الأساسية. وجاءت النتائج صادمة في ضوء محاولة الحكومة الإسرائيلية التظاهر به في خطابها الإعلامي. فجاء في التقرير أن هناك واقعاً يومياً مريرا مغلفا بضائقة مالية ونقص في المواد الغذائية، بما يضر بقدرة المواطن المتوسط على العيش بطريقة إنسانية، من هنا أيد 62.4% تخفيض مكونات وجبات الطعام بسبب الوضع المالي للأسرة والاقتصاد بشكل عام.
ومن النتائج الواردة في التقرير:
– يعيش حوالي 200 .678 ألف أسرة في إسرائيل عام 2024م، في فقر “مدقع”، ويشكلون (22.3%) من عدد السكان، منهم حوالي 1,240,000 طفل يشكلون (39.6%)، و50% من هؤلاء الأطفال مرشحون بعدم استكمال دراستهم رغم أن الحكومة تدعمهم ماليًا. وسجل التقرير أن نسبة من تسرب فرد على الأقل من أطفالهم من المدرسة وصلت إلى (22.8%)، أو اضطر إلى الانتقال إلى مدرسة داخلية بسبب الصعوبات الاقتصادية (18.9%)، كما اضطر 85.4% إلى التخلي عن الدروس الخصوصية لمدة عام واحد على الأقل.
– تظهر بيانات التقرير أن الحد الأدنى لتكلفة المعيشة الشهرية في إسرائيل في عام 2024م كانت 5,355 شيكل للشخص الواحد، وحوالي 13,617 شيكل لأسرة مكونة من شخصين بالغين وطفلين، بزيادة قدرها 6.5% و6.9% على التوالي مقارنة بالعام الماضي؛ ما يعني زيادة النفقات الإضافية بحوالي 4000 شيكل للشخص الواحد وحوالي 10500 شيكل للأسرة. علمًا بأن متوسط تكلفة المعيشة لأسرة من الطبقة الوسطى تقدر بـحوالي8,665 شيكل للشخص الواحد و22,181 شيكل للأسرة شهريًا.
– خلفت الحرب تحديات جديدة أمام كبار السن، فبات يعاني منهم، بنسبة (34.8%)، وهم المدعومين لتوفيرالأمن الغذائي لهم، كما بات يعاني أيضا مانسبتهم 60.4% من توقف شراء الدواء[2].
إسرائيل فى المرتبة الثانية في معدل الفقر بين دول (OECD)
تحتل إسرائيل المرتبة الثانية في نسبة الفقر بين دول منظمة (OECD)[3]، بفارق ثمان نقاط عن المتوسط (11.6%)، وتتقدم عليها “كوستاريكا” وفقًا لتقرير الفقر لعام 2023م الصادر عن مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية. كما تحتل إسرائيل المركز السابع بين الدول المتقدمة في نسبة عدم المساواة بين الفئات المختلفة من المواطنين. ويظهر التقرير أن سبب اتساع نطاق الفقر في إسرائيل هو الحاجة لزيادة نفقات الرعاية الاجتماعية ودعم جزء كبير من السكان في ظل الحرب، حيث ارتفع الإنفاق العام على الرعاية الاجتماعية من 15.8% من إجمالي الناتج المحلي عام 2022م إلى 16.6% في عام 2023م، وذلك بسبب الصعوبات الاقتصادية التي واجهها بعضهم أثناء الحرب، إلا أن المساعدات التي قدمتها الدولة لم تكن كافية لتعويض الانخفاض الكلي للدخل، كما حصل أيضاً خلال أزمة كورونا.
كما توقع التقرير أن ينتشر الفقر في إسرائيل مستقبلًا بناء على المعطيات السابقة قبل الحرب، على النحو التالي:
– عاش في إسرائيل 1.98 مليون تحت خط الفقر، من بينهم 872.4 ألف طفل. بين عامي 2021م-2023م، وظل معدل الفقر بين الأفراد دون تغيير تقريبًا مع انخفاض طفيف، من 20.8% في عام 2022م إلى 20.7% في عام 2023م، وعل مستوى الأسر من 20.3% إلى 20.1%، وعلى مستوى الأطفال من 28.1% في عام 2022م إلى 27.9% 2023م.
– انخفاض طفيف في معدل انتشار الفقر بين القطاعين الأكثر فقرًا، القطاع الفلسطيني في الداخل الإسرائيلي من 38.9% في عام 2022م إلى 38.4% في عام 2023م، والقطاع الحريدي من 33.9% إلى 33.0%، وبلغت نسبة الفقر بين اليهود غير المتدينيين 14٪ في عام 2023م. ومن الشائع أن الأكثر فقرًا في إسرائيل هما القطاعين ذاتهما، ولكن سجلات التأمين الوطني في 2023م تشير إلى أن غالبية الفقراء بنسبة 51% من اليهود غير المتدينيين، و36% من فلسطينيين الداخل، و13% من اليهود المتشددين دينيًا.
– تُشير نتائج توزيع الفقر الجغرافي في إسرائيل إلى أن أبعاد الفقر في محافظات القدس والشمال والجنوب أعلى من المتوسط، فيصل معدل الفقر للأسرة إلى 36.1% و22.9% و22.5% على التوالي. وكانت المعدلات أقل من المتوسط في مناطق تل أبيب والمركز، وأفقر عشر مدن في المستوطنات التي يزيد عدد سكانها عن 80 ألف نسمة هي: “موديعين عيليت” و”القدس” و”بيت شيمش” و”بني براك” و”نتانيا” و”اللد” و”أشدود” و”بئر سبع” و”حيفا” و”بَت يِم”[4].
الطبقة الوسطى تنهار في إسرائيل
بعد مرور أكثر سنة على الحرب شهدت الطبقة الوسطى في إسرائيل انهيارًا اقتصاديًا واضحًا، وزادت نسبة طلبات الإعانة الاجتماعية بنسبة 23% خلال عام 2024م؛ ما يعني أنه مقابل كل خمس عائلات تلقت واحدة منهم هذه الإعانة. ويعني هذا المزيد من الأسر التي ستدخل دائرة الفقر. من هنا تشير نيتسا قصير، نائبة مدير البحث والتخطيط في التأمين الوطني، إلى أن: “العبء الاقتصادي أعمق وأكثر صعوبة لدى السكان الذين يعانون من حالة اقتصادية صعبة. يجب تقديم المساعدات والبدلات ليس فقط في أوقات “الأزمة”، ولكن كجزء من معالجة شاملة من شأنها أن تضع إسرائيل في مكانة مناسبة أمام دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تستثمر أكثر في الخدمات الاجتماعية”.
وأكد تقرير التأمين الوطني بوضوح على ضرورة تقديم الأعانات لقطاعات تعيش تحت خط الفقر، خاصة وأن خط الفقر ارتفع ليحدد الدخل الذي يعتبر الشخص دونه “فقيراً” من 2,892 شيكل في عام 2021م إلى 3,076 شيكل عام 2022م، بزيادة بنسبة 1.9٪ من متوسط الدخل. ومن الواضح بالفعل أن التأثير الاقتصادي للحرب سيستمر لسنوات قادمة، وهذا يتطلب مناقشة وضع المواطن المتضرر اقتصاديًا على أي مستجدات قانونية في المرحلة المقبلة، وتعزيز المبادرة الوطنية للأمن الغذائي، ليتنازل 5٪ من المواطنين عن وجباتهم بسبب وضعهم الاقتصادي، ومضاعفة ميزانيات الدولة في هذا الإطار اعتبارا من عام 2025م[5].
ختامًا؛ يُعد معدل الفقر في إسرائيل من بين أعلى المعدلات بين الدول المتقدمة، وأجمع الخبراء والمسؤولون (من غير أعضاء الحكومة اليمينية المتطرفة) على أن “الإجراءات الاقتصادية المعلنة، بما في ذلك زيادة ضريبة القيمة المضافة، ومدفوعات التأمين الاجتماعي والرسوم الصحية، من المتوقع أن تؤدي إلى ارتفاع آخر في أسعار الكهرباء والمياه والضرائب العقارية مما سيؤدي إلى تفاقم المشكلة لسنوات مُقبلة، وستكون عملية التدهور الاقتصادي تدريجية خاصة مع استنفاد المدخرات، ومن ثمّ الاقتراض والاستدانة، في ظل الميزانية العامة التي أقرتها الحكومة، وتداعيات الحرب واحتياجات إعادة الإعمار، وزيادة التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، كل هذا سيؤدي إلى انضمام الآلاف من العائلات إلى قائمة الفقراء غير القادرين.
وبناء على ما سبق يجب على الحكومة الاضطلاع بمسؤولياتها نحو المواطن، والتصرف بطريقة منهجية وحازمة للحد من الفقر، بدلًا من العمل على تعزيز الفجوات الاجتماعية التي تزداد عمقا؛ ومن ذلك تنفيذ سياسة اقتصادية- اجتماعية عامة تشمل كافة قطاعات المجتمع، والتوقف عن الخطاب الذي يتمسك بسياسة الرفاهية الإسرائيلية التي فشلت في إنقاذ الناس من الفقر، وتخفيض ضريبة القيمة المضافة على السلع الأساسية، وتوسيع سلة المنتجات الخاضعة للرقابة التي ستمنع الزيادات التعسفية في الأسعار، وتوسيع المستفيدين من الإعفاء والأدوية والعلاج الطبي المدعوم، وإنشاء هيئة لمكافحة الفقر، وخطة طوارئ وطنية فورية تجمع كل هذا ويتم العمل في كل منها على التوازي.
[1] “לתת” منظمة “العطاء”: أسسها عام 1996م جيل دارمون. إحدى منظمات المساعدات الإنسانية غير الربحية، تعمل على الحد من الفقر في المجتمع. يتبعها بنك طعام، لها شراكة مع 210 جمعية ومنظمة محلية أخرى، ويعمل بها حوالي 30.000 متطوع سنويًا في إسرائيل وقطاعات المجتمع، وتدعم بشكل منتظم عشرات الآلاف من العائلات على مدار العام. يتم تمويلها من التبرعات ودعم المجتمع المدني.
2 لمزيد من التفاصيل، والاطلاع على التقرير كاملًا؛ https://www.latet.org.il/worlds/latet cited in, 23-12-2024,10am.
[3]– OECD منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي: منظمة دولية تجمع الدول المتقدمة التي تتبنى مبادئ الليبرالية والديمقراطية وحرية السوق، وتضم 38 دولة تنتج أكثر من 60% من الناتج العالمي، وتعود أصولها إلى منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي، التي تأسست كمنظمة اقتصادية موازية لحلف شمال الأطلسي، وفي عام 1961 تم تحديد اسمها الحالي. https://www.oecd.org/en.html cited in, 23-12-2024,10am.
[4] ישראל במקום השני בשיעור העוני ב-OECD – כמעט 900 אלף ילדים עניים, https://www.calcal ist.co.il/local_news/article/h1bmrdjb1l, cited in, 222-12-2024,11am../
5 مؤسسة التأمين الوطني، هي المؤسسة المسؤولة عن معظم الحقوق الاجتماعية ، ويتم تنظيم أنشطتها بموجب قانون أساس: التأمين الوطني لعام 1953م؛
https://www.btl.gov.il/Publications/Pages/Indexdohot.aspx cited in, 222-12-2024,10am.