لواء طارق جمعة
في السنوات الأخيرة، أصبحت إفريقيا نقطة جذب رئيسية لتنظيم “داعش” بعد تراجعه في الشرق الأوسط. التنظيم، الذي خسر معظم معاقله في العراق وسوريا، نقل استراتيجيته إلى إفريقيا مستغلًا هشاشة الدول الأفريقية، والنزاعات الداخلية، والفقر المستشري، وغياب الأمن في بعض المناطق.
يمثل انتشار داعش في القارة تهديدًا متزايدًا للأمن المحلي والإقليمي، حيث أنشأ التنظيم عدة “ولايات” على امتداد القارة، مستخدمًا استراتيجيات متنوعة مثل التغلغل في النزاعات المحلية، التحالف مع الجماعات المسلحة المحلية، والسيطرة على الموارد الاقتصادية.
الولايات التابعة لداعش في إفريقيا
داعش، في إطار استراتيجيته التوسعية، أنشأ عددًا من الولايات التابعة له في إفريقيا، أبرزها:
- ولاية غرب إفريقيا
- ظهرت ولاية غرب إفريقيا عندما أعلنت جماعة “بوكو حرام” في نيجيريا مبايعتها لداعش في عام 2015.
- تتمركز هذه الولاية في شمال شرق نيجيريا، لكنها وسعت نطاق عملياتها إلى الدول المجاورة مثل النيجر، تشاد، والكاميرون.
- التنظيم ينفذ عمليات واسعة النطاق ضد الجيش والمدنيين، ويستغل الفقر والتوترات الطائفية لتجنيد الأفراد.
- ولاية وسط إفريقيا
- تشمل هذه الولاية نشاط داعش في موزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
- في موزمبيق، يتركز التنظيم في إقليم كابو ديلغادو الغني بالغاز الطبيعي، حيث يشن هجمات مروعة ضد السكان المحليين والقوات الحكومية.
- في الكونغو الديمقراطية، يستهدف التنظيم المدنيين والقرى في المناطق الشرقية المهملة.
- ولاية الساحل
- تنشط في منطقة الساحل الإفريقي، وتشمل مالي، النيجر، وبوركينا فاسو.
- تعتمد هذه الولاية على التحالف مع الجماعات المحلية المسلحة واستغلال النزاعات القبلية.
- رغم المنافسة مع جماعات متشددة أخرى مثل “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، استطاع داعش ترسيخ وجوده في المنطقة عبر تنفيذ عمليات نوعية.
- ولاية ليبيا
- برزت ولاية داعش في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي في 2011، حيث استفاد التنظيم من الفوضى السياسية.
- سيطر داعش على مدينة سرت وجعلها معقله الرئيسي لفترة، قبل أن يُطرد منها في 2016 بعد تدخل عسكري دولي.
- رغم ذلك، لا تزال خلاياه تنشط في الصحراء الليبية ومناطق الجنوب.
- ولاية سيناء
- تشمل هذه الولاية نشاط داعش في شمال سيناء بمصر، ورغم كونها تقع في شمال شرق القارة، إلا أن نشاطها له انعكاسات على أمن إفريقيا ككل.
ديناميات التمدد الجيوسياسي لداعش في إفريقيا
تمدد داعش في إفريقيا لم يأتِ صدفة، بل كان نتيجة تفاعل عوامل محلية ودولية ساعدت التنظيم على تعزيز وجوده. يمكن تحليل ديناميات التمدد الجيوسياسي للتنظيم من خلال عدد من المحاور:
أولًا: هشاشة الدول الأفريقية
تعاني العديد من الدول الإفريقية من ضعف المؤسسات الحكومية وانتشار الفساد وانعدام الأمن. هذه العوامل خلقت “مناطق رمادية” خارج سيطرة الحكومات، مثل شمال نيجيريا، والصحراء الكبرى، وأجزاء من الساحل. داعش استغل هذه الفراغات لتعزيز وجوده، وتحويل بعض المناطق إلى معاقل لأنشطته.
ثانيًا: استغلال النزاعات المحلية والطائفية
إفريقيا، بتنوعها العرقي والديني، تعاني من نزاعات مستمرة بين المجموعات المختلفة. داعش استغل هذه النزاعات لتعزيز نفوذه. في نيجيريا، استغل التنظيم الصراعات بين المزارعين والرعاة في الشمال. وفي الساحل، لعب على وتر التوترات بين الطوارق والسكان المحليين.
ثالثًا: غياب التنمية الاقتصادية
يعاني ملايين الشباب في إفريقيا من البطالة والفقر، وهو ما يوفر للتنظيم أرضًا خصبة للتجنيد. يقدم داعش وعودًا للشباب بالمال والسلطة، خاصة في المناطق الريفية التي تعاني من التهميش الاقتصادي والاجتماعي.
رابعًا: الاقتصاد الأسود
استفاد داعش من شبكات التهريب غير الشرعية المنتشرة في إفريقيا. تشمل هذه الأنشطة تهريب الأسلحة، والبشر، والمخدرات، فضلًا عن سرقة الموارد الطبيعية مثل الذهب والغاز. على سبيل المثال، في موزمبيق، يسيطر داعش على أجزاء من إقليم كابو ديلغادو، حيث يستفيد من الثروات الغازية لتمويل عملياته.
استراتيجيات داعش في إفريقيا
لتوسيع نفوذه في إفريقيا، اعتمد داعش على استراتيجيات متنوعة، تشمل:
- التحالف مع الجماعات المسلحة المحلية
بدلًا من محاولة فرض نفوذه بالقوة، اعتمد التنظيم على إقامة تحالفات مع الجماعات المسلحة الموجودة بالفعل. على سبيل المثال، تحالفه مع “بوكو حرام” في نيجيريا، ومع جماعات محلية في الساحل.
- المرونة في التعامل مع البيئات المحلية
يتكيف داعش مع السياقات المحلية المختلفة في إفريقيا. في بعض المناطق، يعتمد على القوة العسكرية المباشرة، بينما في مناطق أخرى، يقدم نفسه كبديل للحكومة، من خلال توفير الأمن والخدمات الأساسية.
- التمدد عبر الحدود
يركز داعش في إفريقيا على المناطق الحدودية الهشة بين الدول، حيث يسهل الانتقال وتنفيذ العمليات دون رقابة. هذا واضح في منطقة الساحل حيث تنشط الجماعات الإرهابية بين مالي، النيجر، وبوركينا فاسو.
- الدعاية الإعلامية
اعتمد التنظيم على منصات التواصل الاجتماعي لتوسيع تأثيره، مستغلًا ضعف التعليم الديني والتوترات الاجتماعية لنشر أيديولوجيته المتطرفة.
التحديات التي يفرضها داعش في إفريقيا
- زعزعة الأمن الإقليمي
يمثل تمدد داعش تهديدًا مباشرًا للأمن الإقليمي، حيث يؤدي إلى تصاعد العنف والنزاعات المسلحة.
- عرقلة التنمية الاقتصادية
النشاط الإرهابي يهدد الاستثمارات الأجنبية في إفريقيا، خاصة في المناطق الغنية بالموارد الطبيعية.
- استنزاف الموارد الأمنية
تكافح الحكومات الإفريقية لتخصيص موارد كافية لمواجهة التحدي الإرهابي، مما يؤثر على قدراتها في مجالات أخرى مثل التعليم والصحة.
البعد الاجتماعي والثقافي لانتشار داعش
إلى جانب العوامل الجيوسياسية، يعتمد داعش في إفريقيا على استغلال البنية الاجتماعية والثقافية للمجتمعات المحلية لتعزيز وجوده.
- استغلال التوترات الطائفية والعرقية
في مناطق مثل نيجيريا والساحل، يستغل التنظيم التوترات العرقية والدينية لزيادة نفوذه، وتحويل النزاعات المحلية إلى صراعات أكبر تخدم أجندته.
- تجنيد الشباب والنساء
يستهدف التنظيم الشباب العاطلين عن العمل والنساء المهمشات، مستغلًا شعورهم بالإحباط من الحكومات.
- الاعتماد على الأدوار البديلة
في المناطق التي تغيب عنها الحكومة، يقدم داعش نفسه كبديل، حيث يوفر الأمن والخدمات، مما يساعده على كسب تأييد محدود من السكان المحليين.
التأثيرات الجيوسياسية لانتشار داعش في إفريقيا
- التدخل الدولي
وجود داعش في إفريقيا جذب اهتمام القوى الدولية مثل الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا.
- الولايات المتحدة تنفذ عمليات جوية ضد التنظيم.
- فرنسا تعتمد على وجود عسكري مكثف في منطقة الساحل.
- روسيا تسعى لتعزيز نفوذها عبر تقديم الدعم العسكري لبعض الدول.
- التنافس على الموارد الطبيعية
يسيطر داعش على مناطق غنية بالموارد مثل الذهب والغاز، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني والاقتصادي في هذه المناطق.
تحديات مواجهة داعش في إفريقيا
- ضعف التنسيق الإقليمي
الدول الإفريقية تفتقر إلى التنسيق الفعّال في مواجهة التنظيم، حيث تعتمد غالبًا على جهود فردية أو دعم خارجي.
- غياب الحلول التنموية
تقتصر الجهود الحالية على الحلول الأمنية، دون معالجة الأسباب الجذرية للإرهاب، مثل الفقر والتهميش.
- التنافس الدولي
التنافس بين القوى الكبرى مثل فرنسا وروسيا والولايات المتحدة يؤدي أحيانًا إلى عرقلة الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب.
الخاتمة
يشكل تمدد داعش في إفريقيا تحديًا معقدًا للأمن المحلي والإقليمي. التنظيم يستغل هشاشة الدول الإفريقية، والنزاعات الطائفية، والفقر، والفراغ الأمني لتعزيز وجوده. ومع ذلك، فإن مواجهته تتطلب نهجًا شاملًا لا يقتصر على الحلول العسكرية، بل يشمل تعزيز التنمية الاقتصادية، وبناء مؤسسات قوية، وتحقيق التعاون