في زيارة هي الأولى من نوعها منذ 15 عاما، وصل رئيس الفترة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع إلى العاصمة التركية أنقرة، كثاني محطاته الخارجية منذ إعلانه رئيسا للمرحلة الانتقالية، زيارة الشرع لتركيا جاءت محملة بالعديد من الملفات والقضايا المشتركة للجارتين، وعلى رأسها ملف قوات سوريا الديموقراطية “قسد” المتواجدة شمال شرق سوريا، بالإضافة إلى ملفات أمنية وعسكرية لا تقل أهميةً عن ملف “قسد” بالنسبة لتركيا.
قضايا مشتركة:
تمتلك تركيا التي أرسلت إحدى طائراتها الرئاسية لتقل الشرع أثناء زيارته من دمشق، العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك مع النظام الجديد في سوريا، والتي يأتي في مقدمتها التالي:
1- قوات سوريا الديموقراطية “قسد”
تسعى تركيا لوضع حل نهائي لتواجد قوات سوريا الديموقراطية على الشريط الحدودي الفاصل بين الدولتين، وتتوحد رؤيتها مع رؤية الإدارة الجديدة في سوريا، والتي تسعى هي الأخرى لحل كل الفصائل المسلحة وتوحيدها ضمن قوات الجيش الوطني السوري الجديد، إلا أن فشل لقاءات الشرع ومظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديموقراطية، يرجح احتمالية العملية العسكرية التي سبق أن طرحتها تركيا كحلاً للتعامل مع هذه القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة.
2- اتفاقية الدفاع المشترك
تبحث تركيا مسألة إنشاء قواعد عسكرية تركية في سوريا، بالرغم من عدم الإعلان الرسمي عن ذلك أثناء الزيارة إلا أن العديد من المؤشرات تؤكد سعي تركيا لتحقيق ذلك منها:
– تصريحات وزير الدفاع التركي يشار جولر، والتي أكد من خلالها أن القوات المسلحة التركية “قادرة على تقديم الدعم لإنشاء جيش جديد في سوريا، إذا طلب الجانب السوري ذلك”.
– وفق التصريح الأسبوعي لوزارة الدفاع التركية، صرح المتحدث الإعلامي للوزارة أن أولوية أنقرة في سوريا هي إرساء الاستقرار والأمن وتطهير البلاد من المسلحين.
– وفق – نفس التصريح- أقر المتحدث الإعلامي باسم وزارة الدفاع التركية أن خارطة طريق مشتركة ستُوضع وفقا لمتطلبات الحكومة السورية الجديدة، مع اتخاذ خطوات ملموسة لتحسين قدرات الجيش السوري، لافتًا إلى أن أنقرة أبلغت دمشق باستعدادها لتقديم جميع أشكال الدعم في هذا المجال.
– قيام وفد من وزارة الدفاع التركية بزيارة سوريا لإجراء محادثات، وتأكيد الوفد على أن البلدين متفقان على وحدة أراضي سوريا واستقرارها، وضرورة القضاء على كل الجماعات المسلحة.
يشمل مخطط تركيا لإنشاء قواعد عسكرية في سوريا، توفير الأسلحة والعتاد العسكري، بالإضافة إلى التدريب ونقل الخبرات التكنولوجية.
3- التعاون الاقتصادى.
قد لا يحوز الملف الاقتصادي بين تركيا وسوريا نفس الأهمية التي يحوزوها الملف الأمني، إلا أن حاجة سوريا الملحة إلى تحسين أوضاعها على أصعدة مختلفة في وقت قصير، دفع الدولتين إلى التعجيل بدفع الملف الاقتصادي إلى طاولة المفاوضات والإسراع في اتخاذ قرارات من شأنها تحسين الاقتصاد السوري قدر المستطاع مثل:
– عززت سوريا تعاونها الاقتصادي مع تركيا قبل زيارة الشرع لتركيا، حيث خفضت سوريا الجمارك على حوالي 269 منتجا تركيا بنحو 70%.
– فيما رفعت تركيا الحظر عن معظم المنتجات المحظور إدخالها إلى سوريا، بالإضافة إلى إلغاء قيود التصدير (الترانزيت) من سوريا عبر الأراضي التركي.
– تدرس تركيا قرار إعادة تفعيل ومناقشة اتفاقية التجارة الحرة بين سوريا وتركيا، الموقعة عام 2007 والمعلقة منذ اشتعال الثورة السورية عام 2011، وقد أعلن وزير التجارة التركي عمر بولات أن بلاده قدمت تقييمات اقتصادية متعلقة بالتضخم إلى الحكومة السورية، واقترحت تخفيض التعريفة الجمركية على المواد الأولية التي تلبي احتياجات الشعب السوري.

ختامًا….
أولاً: تمثل سوريا بالنسبة لتركيا تحديا متعدد الأصعدة، بدءً من مخاوف التقسيم التي دفعتها لمحاولة التصالح مع نظام الأسد قبل سقوطه، مرورا بأزمة اللاجئين التي تؤرق الحكومة التركية خلال الثلاث سنوات الأخيرة، بالإضافة إلى استهداف تصدير الغاز القطري نحو أوروبا عبر الأراضي السورية، انتهاءً بإيجاد بديل لمشروع طريق التنمية العراقي بسبب بعد المسافة، عبر محاولة الاعتماد على الطريق الدولي “إم 5” الواصل بين معبر باب السلامة على الحدود التركية السورية ومعبر نصيب على الحدود الأردنية السورية، ومن المتوقع أن يسهم الشحن البري عبر سوريا في اختصار المدة وتخفيف تكاليف النقل الجوي والبحري إلى دول الخليج.
ثانيًا: نجاح المخططات الاقتصادية التركية مرهون بنجاح تركيا في الرفع الجزئى – كحد أدنى – من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على سوريا، سواء من خلال استثمار العلاقات الجيدة بين الرئيس الأميركي/ دونالد ترامب ونظيره التركي، أو من خلال دور تركيا الإقليمى والدولي في توحيد مواقف الدول في الأمم المتحدة للتصويت على رفع العقوبات.
ثالثًا: بالرغم من طرح تركيا لخيار العملية العسكرية حال رفضت قوات سوريا الديموقراطية الحل السلمي عبر حل قواتها والانضواء تحت لواء الجيش السوري الجديد، إلا أن التكلفة العالية وسعي الجبهات الداخلية في تركيا للتصالح مع حزب العمال الكردستاني والتفاوض مع عبد الله اوجلان، يقلل من جدية تركيا في الإقدام على تنفيذ ذلك الخيار.