د/مصطفى فريد – د/ايمان سمك
شهدت العاصمة التركية أنقرة في الرابع من سبتمبر 2024 الماضي، زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي في أول زيارة له لتركيا منذ توليه الرئاسة 2014 ، تلبية لدعوة نظيره التركى ” رجب طيب أردوغان ” وذلك لاستكمال مسار المصالحة بين البلدين بعد جولات استكشافية وزيارات متبادلة امتدت منذ عام 2020 .
وحظيت هذه الزيارة بإهتمام وزخم كبير على المستوى الداخلى فى تركيا والمستوى الدولى على حد سواء حتى وصفها كثير من المحللون ” بالتاريخية ” وآخرون وصفوها بكونها “نقلة نوعية” و “تتويجًا للمصالحة” بين البلدين .
خطوات التقارب :
تأتي الزيارة التي ضمت نحو 10 وزراء وعدداً كبيراً من رجال أعمال في مجالات مختلفة، تتويجًا لجهود استمرت أكثر من ثلاث سنوات من المفاوضات واللقاءات الساعية نحو التقارب بين البلدين والتي يمكن إيجازها في النقاط التالية :
- مرحلة اللقاءات الاستكشافية على المستوى دون الرئاسى فى مايو 2021 خلال زياة وفد رسمى تركى إلى القاهرة وترأس الوفد نائب وزير خارجية تركيا الذي أجرى مباحثات مع الخارجية المصرية، ثم عقد لقاء آخر على مستوى نائبي وزيري خارجية البلدين في أنقرة في سبتمبر من العام نفسه.
- 18 من مارس 2023، زار وزير الخارجية التركي وقتها، مولود تشاووش أوغلو، القاهرة لإجراء مباحثات مع نظيره المصري، لدفع مسار التعاون الثنائي .
- 13 أبريل 2023، زار وزير الخارجية المصري أنقرة لاستكمال مباحثات دفع العلاقات الثنائية.
- وعلى المستوى الرئاسى : 20 من نوفمبر 2022، شهدت العلاقات بين البلدين نقلة نوعية، حينما صافح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، في قطر على هامش افتتاح بطولة كأس العالم لكرة القدم.
- فبراير 2023، ودعمً للشعب التركي بعد زلزال 6 فبراير، أرسلت مصر مئات الأطنان من المساعدات للشعب التركي، كما قام وزير الخارجية المصري آنذاك سامح شكري بزيارة تركيا لتقديم التضامن مع الجانب التركي.
- بمناسبة فوز الرئيسين المصري والتركي في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في البلدين، تبادل الرئيسان التهاني بمناسبة الفوز، حيث أجرى الرئيس المصري في 29 مايو 2023 اتصالاً هاتفياً بأردوغان لتقديم التهنئة بفوزه بالانتخابات الرئاسية التركية، وكذلك فعل الرئيس التركي في 20 ديسمبر 2023، بعد فوز السيسي بانتخابات الرئاسة المصرية.
- 4 يوليو 2023، تم رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي وإعلان تبادل السفراء.
- 10 سبتمبر 2023، على هامش قمة العشرين بنيودلهي، عقد لقاء قمة بين الرئيسين المصري التركي، أكد خلالها الرئيسان على أهمية العمل لدفع مسار العلاقات بين البلدين، واستئناف مختلف آليات التعاون الثنائي.
جانب من لقاءات الوفد التركي مايو 2021 في القاهرة….. ارشيفية .
- دلالة التوقيت :
تأتي الزيارة بعد سنوات من الفتور والتوتر فى العلاقات بين البلدين وفي وقت تشهد فيه المنطقة تحديات تتطلب توحيد الجهود، مما دفع الدولتين للتحرك نحو مسار جديد نحو بناء شراكة قادرة على التأثير في معادلات الإقليم؛ فتشابك الأزمات الإقليمية يتطلب تعاونًا وتنسيقًا مستمرًا بين القاهرة وأنقرة، حيث تحرص أنقرة فى بناء جسور التعاون مع مصر خلال المرحلة الراهنة فى ظل ملفات متشابكة إقليميا ودوليا ممتدة ما بين الحرب بغزة والتوتر بالبحر الأحمر، وما يجري في السودان وأزمات منطقة القرن الأفريقي وصولًا إلى ليبيا ، وهذا ما يظهر من خلال انعقاد الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجى رفيع المستوى مما يشير إلى إضفاء الطابع المؤسسى على العلاقات الثنائية بين البلدين .
لقاء الرئيسين المصري والتركي على هامش قمة ال 20 نيودلهي…… أرشيفية.
- محددات سياسية و قضايا مشتركة :
أوضحت اللقاءات التي جرت بين الرئيسين تقارب وجهات النظر في العديد من القضايا الإقليمية المشتركة ، وقد أكدت اللقاءات تقارب الرؤى حول السياسات الخارجية للبلدين ووجود توجه لإيجاد حلول لبعض القضايا المشتركة ومنها :
- القضية الفلسطينية : أكد الرئيس السيسى ونظيره التركى خلال المؤتمر الصحفى المشترك على ضرورة إنهاء الحرب فى غزة وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع ، وحرص الرئيس التركى ” رجب طيب أردوغان ” خلال كلمته على الإشادة بدور الدولة المصرية نحو القضية الفلسطينية والحرب فى غزة والتنسيق المشترك بين المؤسسات المصرية و التركية لاستقبال المساعدات الإنسانية المقدمة من تركيا كى تصل إلى القطاع ، كما أصدرت الخارجية التركية بياناً رسميا قبيل زيارة الرئيس السيسيى إلى أنقرة تندد فيه بالأوضاع فى غزة وتؤكد على دعمها الكامل لدور للدولة المصرية نحو القضية الفلسطينية .
- السودان والصومال: تناولت المباحثات عرض الجهود التي تبذلها مصر بالتعاون مع مختلف الأطراف لوقف إطلاق النار وتغليب الحل السياسي، كما تناولت بحث الأوضاع في القرن الأفريقي، وقد اتفق الرئيسان على ضرورة الحفاظ على وحدة الصومال وسيادته وسلامة أراضيه ضد التحديات التي تواجهه.
- شرق المتوسط : أشار الرئيس السيسى إلى ضرورة الحوار لتصفية الخلافات بشكل سلمى بين الدول المتشاطئة لاسيما مع توتر العلاقات التركية اليونانية بالإضافة إلى الأزمة القبرصية ، يأتى ذلك فى إطار رغبة تركيا لتعزيز التعاون المشترك مع مصر فى مجالات الطاقة .
- ليبيا: اتفق الطرفان على ضرورة التنسيق والتشاور المستمر من أجل ليبيا والتأكيد على أهمية طي صفحة تلك الأزمة الممتدة عبر عقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية بالتزامن مع خروج القوات الأجنبية غير المشروعة والمرتزقة من البلاد، وإنهاء ظاهرة الميليشيات المسلحة حتى يتسنى لليبيا إنهاء مظاهر الانقسام وتحقيق الأمن والاستقرار.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان….. أرشيفية
- ملفات اقتصادية :
تم التركيز على الشأن الاقتصادى خلال الزيارة ويتضح ذلك من خلال الوقوف على حجم الاتفاقيات الموقعة بين البلدين خلال الزيارة فى إطار الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجى رفيع المستوى وحجم الوفد المصرى المرافق للرئيس خلال الزيارة يمكن أن نراها ” زيارة اقتصادية ” فى المقام الأول ، حيث يعانى الاقتصاد التركى من أزمات متتالية نتيجة لعوامل مختلفة ولذلك هناك رغبة تركية لتعظيم والاستفادة من فرص الاستثمار فى مصر . ويبلغ حجم التبادل التجارى بين البلدين قرابة 7 مليار دولار لهذا العام وتعد مصر أكبر شريك تجاري لتركيا في القارة الإفريقية.
وقد تم خلال الزيارة توقيع 17 مذكرة تفاهم في مجالات التعليم العالي، والسكك الحديد، والطيران المدني، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتعاون العلمي والاقتصادي والفني في الزراعة، والصحة والعلوم الطبية، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتطويرها، والسياحة والثقافة، والمواضيع المالية والاقتصادية، والعمل والتوظيف، وحماية البيئة، والتطوير العمراني. كما تم التأكيد على التالي:
- أهمية تيسير حركة التجارة البينية.
- توسيع نطاق اتفاقية التجارة الحرة بين مصر وتركيا، بهدف رفع التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار خلال السنوات المقبلة.
- تعزيز الاستثمارات المشتركة بين البلدين، ومنح التسهيلات الممكنة لرجال الأعمال الأتراك.
ختامًا….. من المؤكد أن زيارة الرئيس السيسى إلى تركيا تعد مؤشراً إيجابياً نحو تحسن ملحوظ فى العلاقات الثنائية بين البلدين وأنه يمكن استثمار هذه الزيارة ومن قبلها زيارة الرئيس التركى إلى القاهرة لإيجاد إطار عمل مشترك تتلاقى فيه مصالح الطرفان إلا أنه من غير المرجح أن تكون نواة لبناء تحالف استراتيجيى أو تكوين رؤية مصرية تركية خالصة نحو مختلف الملفات السياسية والاقتصادية ، بل يمكن وصفها بمرحلة متطورة فى العلاقات الثنائية قائمة على التعاون والتنسيق والتركيز على المصالح العليا للبلدين وإستمرار السعى نحو إيجاد حل فاعل ومشترك حول القضايا الخلافية من أجل الحفاظ على ما تم تحقيقه من تقدم في العلاقات بين البلدين .