قام رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت بزيارة رسمية إلى روسيا يوم الجمعة الـ 24 من أكتوبر 2021م، التقى خلالها للمرة الأولى بالرئيس فلاديمير بوتين. حيث تحتل العلاقات مع روسيا مكانة خاصة لدى الإسرائيليين، لأنها لا تزال دولةً عظمى، تتدخل عسكريًا في أماكن عدة مثل شبه جزيرة القرم وسوريا وليبيا، وهي تُثبت للجميع أنها لا تتخلى عن حلفائها، بعكس الولايات المتحدة الأمريكية. كما تحاول روسيا الحفاظ على علاقات جيدة مع جميع اللاعبين في الشرق الأوسط، بما فيهم مصر وإيران وإسرائيل وتركيا والعراق والسلطة الفلسطينية وحركة حماس.
بينيت ملأ الفراغ!
مقارنةً بأجواء اللقاء الذي أجراه بينيت مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، حيث كان واضحا منذ البداية مدى ترحيب الإدارة الأمريكية برئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد الذي أسقط بنيامين نتنياهو، فإن أجواء لقاء بينيت بالرئيس الروسي بوتين في مُنتجع سوتشي لم تكن واضحة مُسبقًا، نظرا لعلاقات الصداقة القديمة بين الرئيس بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نتنياهو. ولعل ذلك كان سبب قيام الفريق المصاحب لبينيت بإطلاع وسائل الإعلام على أجواء الترحيب الشديد برئيس الوزراء الإسرائيلي.
ويعني ذلك الترحيب أن بينيت نجح في أول لقاءٍ له مع بوتين، كما أنه أحسن صنعًا حينما اصطحب وزير الإسكان الإسرائيلي زئيف إلكين، الذي حضر لقاءات عديدة بين نتنياهو والرئيس الروسي. ومن الآن فصاعدًا، سيكون بينيت قد ملأ الفراغ الذي تركه نتنياهو خاصة أنه عمل معه في الحكومة السابقة.
اللقاء كان جيدًا..
بحسب رئيس الوزراء الإسرائيلي، فقد كان اللقاء جيدا ومُستفيضا للغاية، حيث تمت مناقشة الأوضاع الأمنية في سوريا. وفي ظل الوجود العسكري الروسي في الجبهة الشمالية للدولة العبرية، فمن المهم لإسرائيل التنسيق مع القيادة الروسية حول الأوضاع الحساسة والمعقدة في الأراضي السورية. ولقد توصل الطرفان الإسرائيلي والروسي إلى تفاهمات تضمن للجيش الإسرائيلي حرية توجيه الضربات العسكرية للقوات الموالية لإيران داخل سوريا.
كما بحث الطرفان تعزيز آفاق التعاون الاقتصادي والثقافي والعلمي والتكنولوجي، علما بأن هناك قرابة مليون إسرائيلي يتحدثون اللغة الروسية وهم يمثلون همزة الوصل الثقافية والعلمية بين الدولتين.
بوتين في حاجة لإسرائيل!
رغم أن الدولة العبرية تعتمد بشكل حصري علي حليفها الأمريكي القوي، إلا أنها في حاجة ماسة للتعاون مع روسيا التي تُسيطر عسكريًا على سوريا. لكن روسيا تحقق هي الأخرى، مصالح من خلال تعاونها مع إسرائيل، ولعل ذلك سبب الترحيب الشديد برئيس الوزراء بينيت. غير أن ذلك الترحيب لا يتعلق بشخصية بينيت وإنما بمكانة إسرائيل الإقليمية والدولية. لذا، فإن روسيا بحاجة ماسة إلى إسرائيل، بنفس قدر احتياج إسرائيل إليها.
ويزعم محللون إسرائيليون أن مصلحة بوتين تكمن في استمرار تعاونه مع حكومة تل أبيب، لأن ذلك يمنحه الشرعية، بعدما قاطعه العالم جراء ما فعله في شبه جزيرة القرم. وحين لم يشارك أحد من الزعماء في مراسم الاحتفال الأخير بذكرى الانتصار على ألمانيا النازية، فإن بنيامين نتنياهو كان هو مَن وقف إلى جوار بوتين في الميدان الأحمر للاحتفال بتلك المناسبة. واليوم أيضا لا يزال بوتين في حاجة لإسرائيل، لأن معظم العالم في خصومة معه ويفرض عليه العقوبات.
مجالات التعاون..
يوجد في إسرائيل أكبر جالية تتحدث اللغة الروسية على مستوى العالم، وهي تشكل قاعدة لتعزيز علاقات التعاون بين الدولتين، خاصة أن موسكو تتعامل بود مع أبناء تلك الجالية. وهناك علاقات اقتصادية جيدة بين الدولتين رغم كونها محدودة حتى الآن. فيما شهدت السبعة أشهر الأولى من العام الحالى زيادة كبيرة في حجم التبادل التجاري بلغت نسبتها 50٪ رغم القيود التي فرضها الوباء العالمي.
وبالطبع هناك مجالات أخرى للتعاون المشترك لا سيما في مجال التكنولوجيا المتقدمة. كما أن هناك إمكانية للتعاون بين موسكو وتل أبيب فيما يُسمى بمكافحة الإرهاب فضلا عن التعاون الأمني غير المُعلن بين الطرفين.
المصلحة المشتركة..
إن نقطة الالتقاء الرئيسة بين المصالح الروسية والإسرائيلية تكمن في سوريا، لأن موسكو تريد استقرار نظام بشار الأسد، وهي في الوقت نفسه تدرك مدى قدرة إسرائيل على تهديد نظام حُكمه، لذلك فإن الطيران الإسرائيلي يلقى الضوء الأخضر من موسكو لشن غارات جوية في سوريا لإحباط محاولات طهران ترسيخ وجودها العسكري في سوريا. وعلى الجانب الآخر، لا تود موسكو أن تصبح سوريا خاضعة للهيمنة العسكرية الإيرانية، وهنا يكمن سر التعاون والتنسيق بين موسكو وتل أبيب، لإنهاء الوجود العسكري الإيراني في سوريا.
أبعاد التعاون الروسي الإسرائيلي في سوريا..
لا شك أن هناك تنسيق مستمر بين موسكو وتل أبيب لضرب المواقع الإيرانية في سوريا، وهذا التنسيق يمثل مصلحة مشتركة للطرفين، لأن موسكو تريد استقرار نظام الأسد، وعدم تمكين إيران من ترسيخ وجودها العسكري في سوريا. لذا فإن القيادة الروسية تمنح الضوء الأخضر للجيش الإسرائيلي لضرب الأهداف الإيرانية في سوريا، طالما أنها لن تستهدف البنى التحتية أو رموز النظام الحاكم في دمشق.
ورغم سقوط طائرة استطلاع روسية في سبتمبر 2018، إلا أن ذلك لم يعرقل عمليات التنسيق العسكري بين البلدين، كما أن موسكو تحجم عن تفعيل منظومات الدفاع الجوي الروسية في مواجهة سلاح الطيران الإسرائيلي. وفي حين تُعرب روسيا عن معارضتها للغارات الإسرائيلية، إلا أنها تُبدي في الوقت نفسه تمسكها بأمن تل أبيب.
ورغم عدم وجود اتفاقات علنية بين موسكو وتل أبيب حول التنسيق العسكري المشترك في سوريا، إلَّا أن ما يجري على أرض الواقع يؤكد أن:
- هناك تعهد إسرائيلي بإبلاغ موسكو قبيل شن أي عملية هجومية إسرائيلية على الأراضي السورية، ومن ثم إعادة رسم قواعد الاشتباك على الساحة السورية.
- هناك توافق بشأن ضرورة عدم تمكين إيران والميليشيات التابعة لها من ترسيخ وجودها في سوريا ولا سيما في المناطق القريبة من الحدود الإسرائيلية.
- هناك التزام روسي بعدم التدخل العسكري لصد أي هجوم إسرائيلي، طالما أنه لا يستهدف نظام الأسد أو البنية التحتية السورية.
نقطة الخلاف..
لا يمكن التقليل من الإنجاز الذي حققه بينيت بعد لقائه بالرئيس بوتين، لكن ذلك الإنجاز لا يتعلق بالملف النووي الإيراني، فرغم استمرار التنسيق بين موسكو وتل أبيب لضرب المواقع الإيرانية في سوريا إلا أن الملف النووي الإيراني، سيظل يمثل نقطة الخلاف بين الطرفين، لأن موسكو ترى أن امتلاك طهران للقدرات النووية سيصب في صالح روسيا لأنه يهدد مصالح الغرب في المنطقة.
صحيح أن التنسيق بين موسكو وتل أبيب حول الأوضاع الأمنية في سوريا يتم بشكل جيد، إلا أن الوضع مختلف بالنسبة للملف النووي الإيراني الذي يُقلق إسرائيل، لأن الرئيس بوتين هو الذي يزود طهران بالأسلحة والعتاد العسكري، وهو أكبر داعم لطهران في ملفها النووي. لذا فلا يمكن لإسرائيل أن تستعين بالرئيس الروسي لإنهاء ذلك التهديد الوجودي.
وتعلم القيادة الإسرائيلية أنها لن يمكنها تغيير الموقف الروسي الداعم للملف النووي الإيراني، لكنها ستظل تحاول إقناع روسيا بأن القدرات النووية الإيرانية تمثل تهديدا وجوديا لإسرائيل، مما قد يضطر الجيش الإسرائيلي لشن هجوم عسكري لضرب المنشآت النووية الإيرانية.
وإذا خُير بوتين بين إسرائيل وإيران فإنه سيختار إيران لا محالة، لأن مصالحه الاستراتيجية ترتبط بالمحور الممتد بين بشار الأسد وإبراهيم رئيسي، وليس بالمحور الممتد بين إسرائيل وحليفتها الكبرى الولايات المتحدة. وعليه فإن إسرائيل ستحافظ على مصالحها مع روسيا، رغم أن الرئيس بوتين لن يخلِّصها من التهديد النووي الإيراني.
خلاصة القول، إن المصالح القومية هي التي تحرك القادة السياسيين لاتخاذ المواقف المناسبة لخدمة أوطانهم، لذا يجب على الدول العربية التنسيق مع موسكو للحفاظ على علاقات التعاون المشترك، بحيث لا يأتي التعاون الروسي الإسرائيلي على حساب المصالح العربية.
ومن المعلوم أن مصر في عهد الرئيس السيسي باتت ترتبط بعلاقات اقتصادية وعسكرية قوية مع روسيا، حيث أبرمت القاهرة صفقات عسكرية مع موسكو فضلا عن التعاقد على بناء محطتين نوويتين روسيتين في منطقة الضبعة. فلا بد من تعزيز ذلك التعاون لخدمة المصالح المصرية وفق مرتكزات الأمن القومي المصري والعربي.
كما يجب مراقبة أُفُق التعاون الأمني والعسكري بين موسكو وتل أبيب، لأن ذلك التعاون قد يُهدد الأمن القومي المصري إذا امتد لأماكن أخرى تتواجد فيها القوات الروسية مثل ليبيا وسوريا والسودان.