تهتم الدولة المصرية بمراجعة وتقييم السياسات الإقتصادية المطلوبة لتحقيق التوازن في تجارة مصر الخارجية التي تتنوع حسب تنوع مسببات البعد عن هذا التوازن، وتختلف حسب هيكل ديونه الخارجية القائمة، ولميل الإقتصاد المصري للتوسع الإستيرادي، أمام صانع سياساته الإقتصادية مهمات شاقة لترشيد الإستيراد وقصره على الواردات التي تصنع له التنمية. وإزاء هذه المشكلة الكبيرة، سيكون أمام هذا الاقتصاد طريقين رئيسيين لمقاومة تلك الضغوط:-
- فإما أن يكافح جاهدًا لزيادة حجم صادراته وضبط وترشيد وارداته.
- أو يستسلم للمسكنات الاقتصادية ويتوسع في الاستدانة من الخارج.
برغم زيادة الصادرات المصرية بالعام الماضي إلى 43.6 مليار دولار، فقد زادت أيضا قيمة الواردات إلى 83.5 مليار دولار، ليستمر الفارق بين الصادرات والواردات، وهو ما يعرف بالعجز التجاري بقيمة 39.8 مليار دولار، ولتصل نسبة تغطية الصادرات للواردات 52%.، أن قيمة العجز التجاري الكبيرة هي أكبر من قيمة الفائض بالتجارة الخدمية، المتحققة من السياحة وقناة السويس وخدمات النقل وغيرها من الخدمات، وتزيد عن تحويلات المصريين بالخارج وعن الاستثمار الأجنبي المباشر، مما يؤدي إلى الاقتراض المستمر لتغطية ذلك العجز بميزان المدفوعات. الأمر الذي يضغط على سعر صرف الجنيه المصري، مما يؤدي إلى انخفاضه أمام الدولار، ويتوقع تكراره خلال الفترة القادمة خاصة مع استمرار نقص الإيرادات السياحية ونقص الاستثمار الأجنبي المباشر.
- الصادرات المصرية
الحقيقة هنا أن قائمة الصادرات المصرية تتصدرها نوعية الصادرات قريبة الصلة بالمواد الخام والتي لا تحتاج لفنون الإنتاج المتطور أو التكنولوجيا فائقة التقدم؛ فلذلك كثيرا ما تنخفض فيها القيم المضافة المحلية. ومادام هيكل الصادرات المصرية مستمرا على وضعه ذاك، فإن السياسات الحكومية الرامية للنهوض بالصادرات يجب أن تصرف جل وقتها وأدواتها لمحاولة تعديل هذا الهيكل. وإلا، فإن جهود الدعم الكمي للصادرات، واستهداف الحكومة لتحقيق إنجاز للصادرات غير البترولية لن تسفر إلا عن نتائج محدودة على صعيد التنمية التي يحتاجها بشدة الاقتصاد المصري حاليا. ولابد هنا التأكيد على أهمية عمل استراتيجيات قطاعية على فترات زمنية قريبة لرفع معدلات التصدير، للقطاعات الإنتاجية والتدخل الفوري لتقليل تصدير المواد الخام، وضرورة عمل قيمة مضافة لها، خاصة لقطاعات مواد البناء المختلفة، وكذلك تطوير أداء الجهات العاملة في خدمات المصدرين.
- الواردات المصرية
بالنظر إلى الواردات المصرية من السلع والخدمات تتفوق باستمرار على صادراته السلعية والخدمية كما أن المكون التكنولوجي في السلع والخدمات التي يصدرها للخارج يقل كثيرا عن المكون التكنولوجي فيما يستورده، ولترشيد الاستيراد المصري فيجب الاهتمام بتشجيع القطاع الخاص والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر. وتفعيل دوره بالاستثمار مع الدولة لتقليل فاتورة الاستيراد وقصر الاستيراد على مستلزمات الانتاج والخامات الضرورية لإدارة مشروعات القطاع الخاص والمشروعات الاستثمارية للدولة. في الوقت ذاته يجب الاهتمام في المرحلة الحالية بالإنتاج وتوطين الصناعة المحلية، والعمل على تذليل العقبات أمامها في توفير مستلزمات إنتاجها، والعمل على تشجيع هذه الصناعات لتوفير الاحتياطي الاستراتيجي من منتجاتها والمساعدة على انخفاض أسعارها بزيادة المعروض منها عن الطلب، وبالتالي انخفاض اسعارها.
- علاج مشكلة الاستدانة الخارجية
لضغط الحاجة للاستدانة الخارجية، تكون سياسات علاج مشكلة الاستدانة الخارجية ذات أهمية قصوى، بالطبع، ليس كل الدين سيئاً. فالاقتراض يمكنه بالفعل تمويل الاستثمارات الحيوية وفقًا لعدة محددات توضح مدى حاجة مصر للاقتراض من الخارج وهي أن هذه القروض تستخدم في تمويل مشروعات تتطلبها عملية التنمية الاقتصادية، والتي يتعين أن تتم دفعة واحدة مع عمل دراسات جدوى للمشروعات التي سوف تستخدم تلك القروض في تمويلها والتأكد أن التدفقات المستقبلية للمشروع تغطى أصل القرض وفوائده. عندما يتم ذلك بشكل سليم يتحقق دخل أعلى يمكن أن يعوض تكلفة خدمة الدين. وقد ساعد بعض الارتفاع في الدين، وخاصة في الاقتصادات المتقدمة، على دعم النمو في أعقاب الأزمة المالية العالمية وتجنب حدوث نتيجة أسوأ، وتنشأ المشكلات حين يكون الدين مرتفعاً بالفعل والموارد المستمدة من القروض الجديدة لا تُنفَق وفقا للمحددات السابق الإشارة اليها.
- استراتيجية جادة لخفض الدين العام
و لعلاج مشكلة الاستدانة الخارجية فهناك ضرورة لوضع استراتيجية جاده لخفض الدين العام على المدى المتوسط، ومد آجال استحقاق الديون ونظرا لان الاقتصاد المصري يعاني من تفوق الواردات على الصادرات، وبما يزيد حاجته للاستدانة بصفة مستمرة، فإن إصلاح هذا الخلل التجاري يعتبر هو المدخل الصحيح لعلاج مشكلة تنامى أعباء الاستدانة المصرية في الأجل الطويل.
ونؤكد انه مع ارتفاع مخاطر الديون السيادية بات اتخاذ نهج تعاوني عالمي ضرورة حتمية للتوصل الي تسوية منظمة لمشكلات الديون دون التوقف عن سدادها.
ولذلك يجب دائما تقييم اداء الاستراتيجية التي تدار بها الدين العام في مصر مع الأخذ في الاعتبار أهداف تلك الإستراتيجية المتمثلة في
(أ) تلبية التمويل المحلي بأقل تكلفة ممكنة في المدى المتوسط والطويل
(ب) الإبقاء على درجة مخاطرة أمنه أو تتسم بالاتزان في محفظة الدين العام.
وهو ما يتطلب اجراءات إصلاحية فى البنية التشريعية التي ترتكز قي مصر على قانون الموازنة العامة للدولة الذي يجب أن يحدد سقف للاستدانة الأمنه عند تحديد مقدار الاقتراض السنوي – بجانب مراعاة مخاطر السوق المتمثلة في (العملة – سعر الفائدة – نسبة الدين بالعملة الأجنبية مقابل الدين المحلي – نوع العملات المكونة للدين ذاته)
ولا شك أن التنمية الاقتصادية التي تسعى الدولة المصرية إلى تحقيقها تحتاج بجانب التمويل المحلي أيضا التمويل الخارجي وذلك لدعم القطاعات الاقتصادية والتنمية المستدامة والإصلاح الهيكلي المنشود…
وهنا واجب الوقت يفرض أنه إذا كان خيار تمويل التنمية هو الاعتماد على التمويل الخارجي بجانب التمويل المحلي فيجب إعادة النظر في هندسة الديون الخارجية
ويتحقق ذلك ببناء كيان منظومي متكامل يتسق ويرتبط بين المتغيرات والثوابت في جانبي طالب الديون ومانح الديون وتوفير تدفقات معلوماتية رقمية لدعم عملية الاقتراض والاستثمار الامثل وفقا لخطط التنمية للدولة المصرية الأولويات والحسابات القومية وجداول مدخلات ومخرجات الدولة المقترضة.
- الاستفادة من تنوع الاقتصاد المصري
أن الاقتصاد المصري يعتمد بشكل رئيسي على قطاع الخدمات وعوائد قطاع النفط والإنتاج الزراعي والصناعات التحويلية، وعوائد السياحة ودخل قناة السويس، الأمر الذى يجعل الاقتصاد المصري متنوعاً، ومن المفترض أن يحمى هذا التنوع من التأثير السلبى للصدمات التي قد تصيب قطاعًا من هذه القطاعات، كما انه يتيح لمصر فرصة أكبر في المشاركة والاندماج في سلاسل الإنتاج والقيمة على المستوى العالمي، والحقيقة أن مناخ الاستثمار والتنمية في مصر يحتاج إلى الجدية والاستدامة، والقدرة على تقديم منتج منافس محليا ودوليا، ويجب على المجموعة الاقتصادية تدشين خريطة جديدة تكفل فرصا استثمارية حقيقية لرجال الأعمال والمستثمرين المصريين والعرب والأجانب، تمكنهم من خلق بيئة تنموية حقيقية قادرة على خفض معدلات البطالة، وخلق فرص عمل حقيقية، وللوقوف على ثمرات التنوع الاقتصادي ثمة حقيقة اقتصادية واضحة مفادها أن علم الاقتصاد كعلم اجتماعي أصبح غارقا في الأرقام والإحصاءات فعندما تخبرنا تلك الإحصاءات بأن معدل النمو الاقتصادي المحقق في إحدى الاقتصادات النامية قد وصل لمستوى مرتفع في فترة ما، فنحن نفهم من ذلك أن حجم الاستثمارات المنفذة قد زاد في هذا الاقتصاد في الفترات السابقة عليها، ونفهم كذلك أن القدرات الإنتاجية لهذا الاقتصاد آخذة في التوسع. ولكننا مع هذه النتائج لا نستطيع معرفة أثر هذا النمو على المجتمع من مجرد تحديدنا للمعدل الذي نما به الاقتصاد. فنحن بحاجة للعديد من الإحصاءات المكملة لإحصاء النمو الاقتصادي، كي نحسب آثاره الاقتصادية والاجتماعية.
أو بمفهوم اخر لثمرات النمو الاقتصادي نقصد بتلك الثمرات الوظائف المنتجة التي يخلقها النمو الاقتصادي، والاستقرار الذي يحدث في المستوى العام للأسعار نتيجة لهذا النمو والتحسن الذي يصيب الخدمات العامة والاجتماعية، كما نقصد بها أن يقطع الاقتصاد خطوات جديدة في طريق الاعتماد على الذات. فكل نمو اقتصادي يتمخض عنه زيادة الطلب على العمالة الوطنية الماهرة، ويزيد من متوسط الأجر الحقيقي لهذه العمالة، ويكسبها مهارات إنتاجية جديدة، ويكبح جماح الغلاء في الاقتصاد، ويقضى على المسببات الداخلية والخارجية لهذا الغلاء، ويحافظ على علاقة مستقرة بين الأجور والأسعار، ويحسن من مستوى الخدمات العامة والاجتماعية التي ينتجها الجهاز الحكومي، ويعين الاقتصاد على السير بخطى حثيثة في طريق الاعتماد على الذات، هي عين ما نقصده بثمار شجرة النمو. ولا شك لدينا في أن كل شجرة نمو اقتصادي تظهر على أغصانها تلك الثمرات، تندرج ضمن أشجار النمو المثمرة، ولتحقيق معدلات نمو اقتصادي جيدة تحقق عدالة اجتماعية في المجتمع فعلينا السعي نحو تحقيق هدف ذو أهمية كبيرة وهو تشجيع الاستثمارات المحلية وتحفيزها ” القطاع الزراعي والصناعي تحديدا ” وفى سبيل ذلك، نثمن اقتراح انه يمكن للدولة أن تطور سياسات الاستثمار بما يجعل هذه السياسات شريكة للمؤسسات المالية الوسيطة في تعبئة المدخرات المحلية، وفى توجيه هذه المدخرات مباشرة للاستثمار الإنتاجي. كأن تنشئ الدولة مثلا جهازا مستقلا لتلقى اكتتابات صغار ومتوسطي المدخرين، ثم تستخدم هذه الاكتتابات في تأسيس مشروعات إنتاجية تُختار بعناية تنموية فائقة. وعند اضطلاع أجهزة الدولة بهذا الدور، ستكون كالحاضنة التي تأخذ، مؤقتا، بيد صغار المدخرين والمستثمرين، كي يستطيعوا السير بمفردهم على الطريق الصحيح للاستثمار التنموي. وعلى الجانب الاخر وبهدف تحقيق التوازن الاقتصادي الخارجي، يقع على الدولة عبء تشجيع الصادرات، مثلما يقع عليها عبء الوقوف أمام تغول أنشطة الاستيراد، وخصوصا الترفي منها.
وكخطوة لتشجيع الاستثمارات المحلية وتشجيع الصادرات فالحكومة عليها أن تقود تأسيس المناخ للقطاع الخاص وإذا فعلت ذلك سنجد أن القطاع الخاص يتبع استثمار أكثر وتشغيل أكثر ولن يقتصر ذلك على القطاع الخاص المصري فقط بل سيمتد إلى القطاع الخاص الخارجي، والذى سيضخ استثمارات، وهذا يدفعنا لتوضيح “الأسس العلمية لتدخل الدولة في الاقتصاد”، فتدخل الدولة في الاقتصاد لا يمكن الاستغناء عنه، لأنه في ظل غيابها ستحصل الفوضى والأزمات الاقتصادية التي أثبتتها التجارب، وهذا ما لا يقبله منطق، وعليه لابد من وجود تدخل للدولة بشرط أن يكون هذا التدخل مبني على أسس علمية، حيث أن الأصل في العلاقة هو التكامل والمشاركة وليس التنافس، ويُكمن التحدي الحقيقي في إيجاد التوازن المعقول بين دور الدولة في مقابل آليات السوق وبين النشاط الحكومي وغير الحكومي ، حتى يتم ضمان استمرار سير النظام الاقتصادي إذ إن استمرار التدخل دون مراعاة المنافسة سيشوه آليه سير النظام الاقتصادي.
كما تتدخل الدولة لمحاربة الاحتكار خاصة أن الاحتكار تعاظم خلال السنوات الأخيرة لبعض السلع ما أدي إلى انخفاض جودة هذه السلع وزيادة أسعارها بشكل غير مبرر، ولان هذا الاحتكار سيشوه آلية سير النظام الاقتصادي ايضاً ويفضي إلى ما يعرف بـ “اخفاق السوق” في حال لم تتدخل الدولة لإنهائه. ويمكن القول إن حدود التدخل ينبغي ان تكون مقصورة على مناطق الاخفاق وليس الاقتصاد برمته لأنه في حال إطلاق حدود التدخل سيؤدي إلى تعميم الاخفاق في الاقتصاد، وعليه لابد أن تلتزم الدولة بحدود التدخل طبقاً للمطلوب وليس لما ترغب.
وتتدخل الدولة أيضا لإقامة المشروعات الضخمة ذات المخاطر العالية التي لا يستطيع القطاع الخاص القيام بها. وضرورة أن تتدخل الدولة لحماية الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة.
- الاحتكار وغياب المنافسة
إن الاحتكار يعني غياب المنافسة وانعدامها ومن ثم السيطرة على السوق وبسط الهيمنة التي تحاول الحكومات مقاومتها حيث يمكن القول أن أي تعاون بين المنتجين أو المستوردين ينتج عنه ضررا بمنتجين آخرين أو بالمستهلكين في السوق، و/أو يترتب عليه تقييدا لهدف زيادة القيمة المضافة الوطنية في الأنشطة الاقتصادية ، أو يضعف من نسبة المكون المحلى في تلك الأنشطة يُعد احتكارا يستوجب المواجهة والعقاب وعلى ذلك سعت الحكومات لإنشاء سوق موازية تضخ من خلالها جميع السلع الأساسية لمحاربة جشع التجار ومحتكري السلع الغذائية وعدم ترك المواطن فريسة لمثل هؤلاء الذين تسببوا في خلق عدد من الأزمات وكانوا سببا قويا في زيادة الأسعار في الفترة الأخيرة حيث أن التوسع في توزيع السلع الغذائية عبر المنافذ الحكومية على مستوى الجمهورية من أهم الآليات لمواجهة الاحتكار وجشع التجار لخلق بديل لهم.
ولابد من أن تتدخل الدولة لمحاربة الاحتكار بأن تعمل على سد الفجوة بين المعروض في الأسواق، لسد احتياجات المواطنين الضرورية للسيطرة على الأسواق ومواجهة عمليات احتكار التجار للسلع المختلفة، بتشديد الرقابة على الأسواق وعمل حملات مستمرة وتطبيق القانون وإقامة المعارض السلعية، لتخفيف الضغط على الأسواق لتلبية احتياجات المواطنين، وتفعيل دور جهاز حماية المستهلك، وإنفاذ القانون وتغلظ العقوبات على محتكري السلع واستمرار المبادرات الحكومية التي تساعد على إحكام السيطرة على الأسعار خاصة أن الاحتكار تعاظم خلال السنوات الأخيرة لبعض السلع ما أدي إلى انخفاض جودة هذه السلع وزيادة أسعارها بشكل غير مبرر، ، ولا يجوز اعتبار بعض الأنشطة الاستراتيجية للحكومة من قبيل الاحتكار المعادي للمنافسة العادلة فالاحتكار في نشاط تصنيع سيارة مصرية «خالصة» مثلا، لا يجوز اعتباره احتكارا من الأساس، والذي يستدعى المواجهة. وفى حين أن هناك من يحتكر العرض وآخر يحتكر الطلب، فاحتكار العرض أو البيع يعني سيطرة من قبل شركة أو شخص أو مجموعة على انتاج سلعة ومن ثم التحكم في حركة سعرها في مواجهة المشترين، والعكس تماما فيما يخص احتكار البيع أو الطلب حيث ينفرد مشتري واحد فقط في مواجهة البائعين في طلب السلعة.وبشيوع الاحتكارات في أسواق السلع والخدمات، تأثرت الجودة والإنتاجية في الأنشطة الاقتصادية المختلفة في السوق المصرية؛ ذلك لأن المحتكر لا يعاني كثيرا من مخاطر تصريف إنتاجه الرديء، ولن يكترث بوجود أنظمة ضعيفة للرقابة على الجودة. فسيطرته الكلية أو الجزئية على سوقه، ستتكفل بهذه الأمور دون عناء يذكر. ولما كانت المنافسة هي نقيض الاحتكار حيث تساعد تلك الممارسات الاحتكارية على نمو الأنشطة غير المفيدة للتنمية الاقتصادية، وتشوه، بسبب ذلك، البنيان القطاعي للاقتصاد المصري، وتركز في القطاعات سريعة دوران رأس المال. أي أن هذه الاحتكارات قد لعبت دورا في تعثر خطوات الاقتصاد المصري في طريق التنمية.
ومن ناحية أخرى فإن اتجاه المواطنين إلى فكرة تخزين السلع مع كل ارتفاع للأسعار يؤدي إلى تفاقم المشكلة، ويجب التعويل على وعي المواطن، وإسداء النصح بشراء الاحتياجات الضرورية اليومية.
والحقيقة أن المشروع القومي للمستودعات الاستراتيجية والمتمثل في تكوين وتخزين مخزون استراتيجي من السلع الأساسية والمنتجات الغذائية على مدار العام يمثل خطوة جادة في سبيل تحقيق الأمن الغذائي وتوفير السلع الغذائية الأساسية وهي فكرة تتبعها الدول المتقدمة لتكوين مخازن احتياطية لحين الأزمات أو لسد فجوة في نقص سلعه ما. وذلك لتقضى على جشع التجار واحتكار السلع بحيث لن يكون هناك احتياج لتخزين السلع واحتكارها.
- الاستثمار في التعليم
هناك قدرة للاقتصاد في التغلب على الصعاب التي تواجهه، مادام قد وضع إصلاح التعليم على رأس أولوياته. حيث أن الاستثمار في المورد البشري ببرامج تأهيل تعتمد على الأساليب العلمية والخبرات العملية تكفل المشاركة الإيجابية في المستقبل، وبناء مستقبل أفضل للدولة
ويُعد العنصر البشرى من أهم العناصر الإنتاجية التي يمكن أن تساهم في تحقيق التنمية، لكن لن يؤدى هذا العنصر دوره دون تعليم، وتشير نظريات النمو الاقتصادي إلى أن التقدم التقني يزيد من معدل النمو الاقتصادي في الآجل الطويل ويزداد التقدم التقني سرعة عندما تكون قوة العمل أكثر تعليمًا لذا أصبحت العديد من الدول تخصص مبالغ كبيرة من ميزانيتها لصالح التعليم، وأصبح الإنفاق على التعليم صفة أساسية يشترك فيها الدول الغنية والفقيرة على حد سواء. وللنهوض بالعملية التعلمية يجب زيادة الانفاق على التعليم وهو أحد أكبر التحديات لكونه تمويلًا حكوميًا بجانب إنفاق الدولة على بنود أخرى بخلاف التعليم في نطاق محدودية موازنة الدولة ككل. وهنا يجب الحرص على زيادة تمويل الدولة للعملية التعليمية وربطها بمعايير الأداء، بحيث تزيد المخصصات المالية للمؤسسات التي تظهر مؤشرات لجودة التعليم بنسب أعلى وتعمل على الاستدامة في تنفيذ الخطط التعليمية، بجانب الاهتمام بالبحث العلمي وتمويله وربطه بخطط التنمية.
و هنا يجب أن يكون لدينا خطط طموحة للاستثمار في العنصر البشرى، ويكون هناك اهتمام واضح بالتعليم التكنولوجي لكونه الركيزة الأساسية في تحقيق التنمية الاقتصادية المرجوة، حيث أن خريجي التعليم التكنولوجي هم الثروة القومية التي ينبغي الاستفادة منها لقيادة قاطرة التنمية ، وتَعد إنشاء الجامعات التكنولوجية الجديدة أول خطوة في مسار إصلاح التعليم الفني في مصر وتتجلى أهمية تلك الجامعات في تغير ثقافة المجتمع اتجاه التعليم الفني ويرجي ان تعمل تلك الجامعات على رفع قدرات الخريجين بما يتوافق مع متطلبات سوق العمل المحلية والدولية في حال تبنيها لبرامج وتخصصات جديدة، وذلك بجانب ربط منظومة البحث العلمي باحتياجات الدولة وخاصة فيما يتعلق بالصناعة والمجالات التكنولوجية؛ لزيادة مردود التعليم على المجتمع العلمي، بما يسهم في خلق اقتصاد قائم على المعرفة.
وإجمالا نثمن القول إن العالم وفي القلب منه مصر يواجه أزمة اقتصادية كبيرة ومتتالية، بداية من تداعيات أزمة كورونا وصولا إلى الحرب الروسية الأوكرانية، ورفع الفيدرالي الأمريكي لسعر الفائدة، ولذلك يجب على صانع السياسة المصرية الاهتمام بمجموعة من المحاور، نوضحها فيما يلي :
المحور الاول: التوازن بين الاقتصاد العيني والقطاع الماليفيما يتعلق بالقطاع المالي ، فهو يتطلب ما يلى :-
1) السيطرة على حجم التوسع في الائتمان المصرفي في نمط توزيع محفظة القروض المصرفية.
2) متابعة تحركات راس المال الاجنبي قصيرة الاجل الداخلة للسوق المصري.
3) الرقابة المستمرة لمديونيات القطاع المصرفي بالعملات الأجنبية،
أما فيما يخص الاقتصاد العيني ، فهو في حاجة لتدعيمه من خلال التالى :
1) تطوير هياكل الانتاج نحو الصناعات والخدمات.
2) التوسع في الطاقة التصديرية.
3) التوزيع الرشيد للمدخرات والاستثمارات بين القطاعات ذات العائد الانمائي الكبير.
المحور الثاني: الاستثمارات ينبغي التركيز على اهمية الاستثمارات المباشرة في المشروعات الانتاجية باعتبارها أكثر الاستثمارات اماناً ومن ثم تشجيع جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وليس الهدف من سياسة الاستثمار هو الاختيار بين الاستثمار المحلي والأجنبي، وإنما الربط بينهما عن طريق سلسلة القيمة المضافة على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية. ويعني هذا أنه يجب ألا يقتصر تركيز الإصلاح التنظيمي على القوانين المحلية، ولكن ينبغي أن يسعى أيضاً لتحقيق الترابط بين هذه القوانين واتفاقيات الاستثمار الدولية التي تحكم على نحو متزايد الإنتاج على المستويين المحلي والدول فالاستثمار ليس صفقة، وإنما هو علاقة من الضروري أن تتجاوز استراتيجية سياسات الاستثمار مسألة جذب الاستثمارات المبدئية – فهذا مجرد جزء ضئيل من الأمر برمته. وتأتي الفوائد الحقيقية التي تتحقق للدولة في مرحلة تالية في العلاقة، عندما ينجح البلد المعني في الاحتفاظ بالاستثمار وبناء علاقات قوية مع أنشطة الأعمال المحلية.
المحور الثالث: التوجه نحو الاقليمية في ظل ما افرزته البيئة الحالية من التوجه المتنامي نحو التكتلات الاقليمية في صورتها الجديدة التي تؤمن بآلية السوق والتوجه للخارج والقائمة على المزيد من المنافسة والتعاون متعدد الاطراف.
المحور الرابع: نظام معلومات اقتصادي كامل هنا تبرز اهمية وجود نظام معلومات كامل اقتصادي يبرز كافة المؤشرات الاقتصادية الكلية وتطورها وان يكون نظام ذو شفافية عالية. مع مراقبة تطور هذه المؤشرات باعتبارها تمثل ترمومتر الاقتصاد الذي يبرز مدى خطورة او بساطة الموقف، ومن ثم استخدام ما يعرف بآلية الكشف والانذار المبكر.
وأخيرًا نثمن أن مناخ الاستثمار والتنمية في مصر يحتاج إلى الجدية والاستدامة، والقدرة على تقديم منتج منافس محليا ودوليا، ويجب على المجموعة الاقتصادية تدشين خريطة جديدة تكفل فرصا استثمارية حقيقية لرجال الأعمال والمستثمرين المصريين والعرب والأجانب، تمكنهم من خلق بيئة تنموية حقيقية قادرة على خفض معدلات البطالة، وخلق فرص عمل حقيقية تناسب الشباب.