أنهت إسرائيل مناورات عسكرية أسمتها “عربات النار”، وهي مناورات واسعة النطاق استمرت أربعة أسابيع متواصلة، وشاركت فيها مختلف التشكيلات من القوات النظامية والاحتياط من كافة المناطق والأذرع والوحدات العسكرية. وتهدف تلك المناورات إلى رفع مستوى جاهزية الجيش الإسرائيلي لشن معارك طويلة الأمد على عدة جبهات، ضمن سيناريوهات الحرب البرية والبحرية والجوية والسيبرانية.

 وتبريرًا لإجراء مناورات “عربات النار”، قال رئيس أركان الجيش الاسرائيلي الفريق أفيف كوخافي – الذي التقى مؤخرا بالجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم” – إن إسرائيل تواجه العديد من المخاطر والتهديدات في مختلف الجبهات.

خطة مُسبقة!

كان الجيش الإسرائيلي قد بدأ الاستعدات لتلك المناورات الضخمة قبل عام ونصف تقريبا، حيث كان من المُقرر أن تُجرى في مايو 2021، ولكنها تعطلت بسبب اندلاع الحرب على غزة، وهي الحرب التي أسمتها إسرائيل “عملية حارس الأسوار”، وأسمتها حركات المقاومة الفلسطينية “معركة سيف القدس”.

أرشيفية

وتستهدف المناورات الإسرائيلية الحالية حماية الجبهة الداخلية، والاستعداد لمواجهة السيناريوهات الطارئة وغير المتوقعة، كما تستهدف تعزيز الأنشطة اللوجيستية ونشر القوات القتالية والدفاعات الجوية، فضلا عن حماية الحدود الشمالية مع حزب الله والجنوبية مع قطاع غزة.

وهناك أهداف أخرى لتلك المناورات مثل معالجة القصور والأخطاء التي اقترفتها المؤسسة الأمنية والعسكرية خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في مايو 2021.

أصل التسمية..

استوحى الجيش الإسرائيلي اسم هذه المناورات الحالية من العهد القديم. فالحديث عما يُسمى بـ”عربات النار” أو “مركبات النار”، قد ورد ذكره على لسان النبي إلياهو في التوراة (الملوك الثاني 2:11). وتعني تلك التسمية التوراتية أن الفكر العسكري الإسرائيلي يؤكد على مرجعيته الدينية والتاريخية لإقناع الجنود بأن الجيش الإسرائيلي يسير على نهج الأولين، وأن ما يقوم به من معارك يأتي ضمن الحروب الدينية المقدسة.

سيناريوهات مُتوقعة..

رغم أن “عربات النار” تعد من أضخم المناورات العسكرية التي أجرتها إسرائيل منذ قيامها، إلا أنها تعكس مدى قلق الإسرائيليين من الأحداث المستقبلية، حيث تُحاكي سيناريوهات مُتوقعة، مثل قيام الجيش بخوض معارك قتالية على الجبهة الشمالية في مواجهة مقاتلي حزب الله اللبناني، وعلى الجبهة الجنوبية في مواجهة مسلحي حركتي حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة، فضلا عن التصدي للحراك الشعبي الفلسطيني في باحات المسجد الأقصى والقدس الشرقية وجنين وداخل حدود الـ48. كما سيعمل الجيش الإسرائيلي على حماية الجبهة الداخلية مستفيدا من أخطاء الماضي.

وهناك خصوصية لتلك المناورات العسكرية لأنها تحاكي شن هجوم جوي لتدمير المنشآت النووية الإسرائيلية، وهذا يُقلق الإسرائيليين أيضا لأن ردود الفعل الإيرانية قد تكون عواقبها وخيمة.

الرسالة والتوقيت..

تهدف إسرائيل من إجراء تلك المناوارات العسكرية الضخمة إلى توجيه رسالة ردع لكل من النظام الإيراني وتنظيم حزب الله اللبناني والحركات الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة، وكذلك للميليشيات الشيعية الموالية لإيران في سوريا والعراق واليمن.

كما أن التعاون الأميركي الإسرائيلي في تلك المناورات ربما يحمل رسالة ضمنية لإيران في ظل تراجع المحادثات حول إبرام الاتفاق النووي الجديد مع طهران.

الجيش الاسرائيلي- ارشيفية

لكن إسرائيل تريد أيضا – عبر تلك المناورات – توجيه رسالة ضمنية إلى الدول العربية والإقليمية، بأنها بعد 74 عاما من تأسيسها باتت دولة قوية عسكريا ولايمكن استبعادها من أي تحالفات إقليمية، وأنها بفضل قدراتها العسكرية أصبحت قادرة على “حماية” الدول الخليجية من التهديد النووي الإيراني.

 وفيما يتعلق بتوقيت المناورات، فإنها تأتي مع تعثر المفاوضات حول الاتفاق النووي بين طهران والدول العظمى، وهذا بالطبع يصب في صالح إسرائيل التي تحاول إقناع الإدارة الأمريكية بعدم إبرام مثل ذلك الاتفاق الذي سيعزز من قدرات إيران الاقتصادية والعسكرية. كما تأتي المناورات في ظل أزمة سياسية داخلية تهدد استقرار الائتلاف الحاكم في إسرائيل بقيادة نفتالي بينيت، ولعله قد اختار هذا التوقيت لترسيخ أقدامه، وتقليل فرص المعارضة اليمينية الدينية بقيادة نتنياهو من العودة لسدة الحكم مرة أخرى.

الدور الأمريكي..

بحسب مسؤولين إسرائيليين، فإن سلاح الطيران الأمريكي له دور مهم في مناورات “عربات النار”، ولا سيما في التدريب الخاص بمحاكاة شن الهجوم الواسع على المنشآت النووية الإيرانية.

ورغم تأكيد المسؤولين الإسرائيليين على أن مناورات “عربات النار” تستهدف التصدي للتهديد النووي الإيراني في المقام الأول، إلا أن المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية قد أوضح أن تلك المناورات التي يشارك فيها سلاحا الطيران الأمريكي ونظيره الإسرائيلي لا تستهدف إيران، وأن سلاح الطيران الأمريكي شارك بالفعل في مناورة تزويد الطائرات الإسرائيلية بالوقود دون وجود علاقة مباشرة بمناورات “عربات النار” التي يجريها الجيش الإسرائيلي.

وتُعدُّ عملية التزود بالوقود جوًا، مهمة للغاية بالنسبة لإسرائيل؛ لأنها رغم قدراتها العسكرية الفائقة، ليس لديها القدرة على تزويد طائراتها بالوقود اللازم لقطع مسافات طويلة إذا قررت شن هجوم على إيران. وحتى الآن ترفض واشنطن تلبية مطلب إسرائيل بإمدادها بطائرات حديثة للتزويد بالوقود، حتى تتمكن من الإغارة على الأهداف الإيرانية البعيدة عن الحدود الإسرائيلية.

يتبين من خلال ما سبق:

1- رغم التكلفة الباهظة لمناورات “عربات النار”، بما تتضمن من سيناريوهات الحرب في معظم الجبهات، إلا أنه من غير المتوقع أن يشن الجيش الإسرائيلي في المرحلة الحالية حروبا ضد قطاع غزة أو جنوب لبنان؛ لأن الولايات المتحدة– الداعم الأكبر لإسرائيل– باتت مُنشغلة بالغزو الروسي لأوكرانيا وخطر التمدد الصيني. كما أن إسرائيل مُنشغلة هي الأخرى بتوسيع دائرة التطبيع مع المزيد من الدول العربية.

2- لن تسمح إدارة الرئيس بايدن لإسرائيل بزعزعة الأوضاع في الشرق الأوسط أو إحداث المزيد من التوترات في المنطقة؛ لأن واشنطن تسعى حاليا لتحسين علاقاتها مع السعودية والإمارات وربما مع مصر بعد أزمة الطاقة التي أحدثتها الحرب في أوكرانيا.

3- تأتي مناورات “عربات النار” بعد مرور عام على انتهاك إسرائيل لحرمة المسجد الأقصى وما أعقبه من إطلاق صواريخ حماس والجهاد الإسلامي لاستهداف العُمق الإسرائيلي، وهو ما أُطلق عليه  “معركة سيف القدس”. وفي ذكرى تلك المعركة يوجه الجيش الإسرائيلي رسالة تهديد لقطاع غزة حتى لا يتكرر “سيف القدس” مرة أخرى.

4- يتمثل السيناريو الأخطر بالنسبة لإسرائيل في إمكانية تعرضها لهجوم شامل إذا اندلعت حرب جديدة، سواء على الجبهة الشمالية أو الجنوبية، أو حتى في أعقاب شن غارة جوية لضرب المنشآت النووية الإيرانية. ولذا فإن مناورات “عربات النار” التي تحاكي الحروب على كل الجبهات، تهدف في الأساس لردع كل الأعداء، إلى جانب الاستعداد الفعلي لسيناريوهات مشابهة.

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version