نشر موقع “كالكاليست” العبري مقالا للكاتب الإسرائيلي “بئيري تاف” تناول فيه مساعي التطبيع المحتمل مع السعودية والفرص والمخاطر التي يمكن أن تعود على الدولة العبرية من ذلك.
يقول الكاتب: ” تخيلوا أن إسرائيل أقامت علاقات دبلوماسية مع إحدى أكبر وأهم وأقوى دولة إسلامية، تُعد معقلا لأكبر المذاهب الإسلامية، وتضم أهم الأماكن الدينية المقدسة، وتُعتبر أكبر دولة منتجة للنفط، يحكمها زعيم طموح ونشيط يسعى لتعزيز مكانة بلاده ولمنحها دور الريادة في الشؤون الإقليمية والدولية. كما أنها تعتبر السعي لإقامة علاقات مع الدولة اليهودية، ضمن توجهاتها الغربية.
التطبيع مجرد حلم!
يُضيف الكاتب، بأن تخيل إقامة العلاقات مع السعودية يبدو وكأنه حلم جميل لدى الإسرائيليين. غير أن مثل ذلك الحلم سبق وأن عاشه الإسرائيليون على أرض الواقع، لكنه سرعان ما تحول إلى كابوس مُرعب. فقبل عدة عقود، كان ذلك “الحلم” حقيقة بين إسرائيل وإيران، حتى اندلعت الثورة الإسلامية في عام 1979، فأصبحت إيران وما زالت، تمثل ألد أعداء إسرائيل وأشدهم خطورة. والآن يزعمون إن “التطبيع” مع السعودية سيمثل بداية عهد جديد، وسيشكل حدثا تاريخيا ليجلب مكاسب هائلة لإسرائيل. فهل هذا صحيح؟
التطبيع لن يُنهي الصراع!
وفقا للكاتب، يعتقد البعض أن التطبيع مع السعودية سيبشر بنهاية “الصراع العربي الإسرائيلي”، بل سيُنهي مشاعر العداء الإسلامي تجاه دولة اليهود. لكن ذلك الطرح غير صائب، لأن العالم الشيعي لم يتغير للحظة، وها هو “الهلال الشيعي” لا يزال يشكل التهديد الأكبر لدولة إسرائيل. والسؤال المطروح الآن: هل التطبيع مع الرياض «سيحل المشكلة الفلسطينية»؟ وهل ستنكشف الغشاوة فجأة عن أعين حركة حماس لترى النور وتسعى للتعايش السلمي؟ بالطبع لن يحدث ذلك، وستظل أسباب النزاع قائمة خاصةً حول الحرم القدسي، وممارسات إسرائيل في الضفة الغربية، ناهيك عن الأعمال الاستفزازية والتصريحات التحريضية التي يطلقها بعض وزراء الحكومة الإسرائيلية.
إسرائيل لن تحقق مكاسب اقتصادية:
يؤكد الكاتب الإسرائيلي أن التطبيع مع الرياض لن يحقق مكاسب اقتصادية كبيرة لإسرائيل، لأن الاقتصاد السعودي يعتمد بشكل أساسي على الوقود الأحفوري والعمأل الأجانب. ورغم الإنفاق السعودي الضخم على المشاريع العملاقة، إلا أن المملكة أخفقت في تنويع اقتصادها. كما أن تجارب إسرائيل الاقتصادية مع دول السلام والتطبيع لم تكن مُبشرة بالمرة، فبعد عقود من السلام بين تل أبيب وجارتيها القاهرة وعَمَّان، لم تتجاوز الصادرات الإسرائيلية لكل من مصر والأردن ما نسبته 0.1% من صادرات الدولة العبرية. وحتى حجم التجارة مع الإمارات العربية المتحدة، رغم أنه الأكبر، إلا أنه قد خيب آمال الكثيرين، ولم يتحقق آفاق الاستثمارات المتوقعة.
السعودية لا تشكل تهديدا لإسرائيل!
من الناحية العسكرية، لن تحقق تل أبيب فائدة كبيرة من التطبيع مع الرياض، لأن المملكة العربية السعودية لم تشكل يومًا أي تهديد لإسرائيل، بل إنها أقل من أن تدافع عن نفسها. وعلى الرغم من أن السعودية كانت أكبر مستورد للأسلحة على مستوى العالم بين عامي 2016 و2020، ورغم إنفاقها الدفاعي الذي يتجاوز ثلاثة أضعاف ما تنفقه إسرائيل، إلا أن قواتها المسلحة لا تتسم بالكفاءة. والدليل أن المملكة واجهت صعوبة جمَّة في التصدي لميليشيات الحوثي في اليمن. وعندما تتعرض منشآتها النفطية ومطاراتها وسفنها للهجوم، فليس بوسعها سوى طلب النجدة من الولايات المتحدة الأمريكية.
وعن الثمن الذي يمكن أن تدفعه إسرائيل مقابل التطبيع يقول الكاتب الإسرائيلي: من البديهي أن إسرائيل ستضطر لتقديم تنازلات من أجل التطبيع، وربما تكون هناك تنازلات مُجدية للدولة العبرية، لكن من الأفضل لإسرائيل أن تتحرك انطلاقا من مواقفها الخاصة، بدلاً من أن تضطر لتقديم تنازلات ضمن صفقة ثلاثية تحمل تداعيات وخيمة العاقبة.
مخاوف إسرائيل!
كما يرى الكاتب أن التطبيع مع السعودية يحمل عدة مخاطر لإسرائيل، لأن المملكة السعودية تطلب الحصول على برنامج نووي مدني مع سيطرة محلية على المواد الانشطارية، وذلك المطلب السعودي يكشف نواياها المفضوحة والمُثيرة للسخرية. فضلا عن أن مطالب السعودية بالحصول على أسلحة ومنظومات دفاعية أمريكية متطورة تبعث على القلق والمخاوف لدى الإسرائيليين.
تساؤلات إسرائيلية!
بحسب الكاتب، فلا بد أن يسأل الإسرائيليون أنفسهم: هل التطبيع مع السعودية يعد مكسبا كبيرًا لهم؟ زاعما أن السعودية دولة غير ديمقراطية ويرأسها نظام استبدادي طموح وديكتاتوري، فهل يمكن لتلك الدولة أن تكون شريكا مستقرا ومحل ثقة بالنسبة لإسرائيل؟، وهل يمكن لإسرائيل أن تعوِّل على السعودية في الوفاء بالتزاماتها؟ وهل يمكن للسعودية أن تتحول فجأة إلى عدوٍ لدودٍ يمتلك قدرات نووية، كما حدث لإيران عام 1979؟
أهداف نتنياهو!
ثم يختم الكاتب مقاله بالتساؤل: لماذا بات التطبيع مع السعودية يمثل بشكل مفاجئ خطوةً مهمة لإسرائيل؟ مُضيفا أن الجواب على ذلك واضح ومخيف. لأنه يتمثل فقط في الترويج الإعلامي والتقاط الصور ونشر العناوين. فيما يتمثل هدف نتنياهو في الترويج لـ “إنجاز” وهمي، لإلهاء الرأي العام الداخلي عن إخفاقات حكومته وعن الأزمات التي خلفتها، والتي بدت واضحة في تراجع “الديمقراطية” والانقسام المجتمعي، وتفجر الوضع الأمني، واستشراء الفساد والعنف، والتعدي على سيادة القانون، فضلا عن إخفاقات السياسة الخارجية، مما أدى لجفوة الحلفاء الأوروبيين. وفي ظل تلك الظروف الإسرائيلية البائسة، لم يعد أمام نتنياهو سوى الحديث عن تطبيع جديد وعقد مراسم مصافحة ثلاثية أخرى في البيت الأبيض، وكأنه “إنجاز” تاريخي يبشر بحلول عهد جديد”.
يخلص الكاتب إلى فحوى الحملة الإعلامية الأخيرة فيقول:” في حقيقة الأمر، إن كل ما يهم نتنياهو الآن هو تحقيق مكاسب سياسية أنيية وقصيرة الأمد، للنجاة من المحاكمة والإفلات من عقوبة السجن. ولأجل ذلك يتفرغ نتنياهو الآن لحملة الترويج الإعلامي ونشر الصور والعناوين البراقة، متجاهلا العواقب الوخيمة التي ستحل على إسرائيل في المدى البعيد.