تجنيد الحريديم في الجيش الإسرائيلي أصبح من القضايا الحساسة والمعقدة بشكل لا مثيل له، خاصة منذ السابع من أكتوبر الماضي، حيث ازدادت الحاجة في صفوف الجيش إلى ما يقرب من 20 ألف جندي إضافي في الحرب المستمرة على قطاع غزة، ويعد أيضا من اهم القضايا التي تسبب انقسام داخلي في المجتمع الإسرائيلي، إذ يعارض العلمانيون إعفاء الحريديم من التجنيد واكتسابهم ميزات أكثر من غيرهم، بينما يرفض اليمين المتشدد والحريديم التجنيد الاجباري في الجيش الإسرائيلي.
وقد حظيت بظهور كبير في الآونة الأخيرة على الساحة الإسرائيلية، أما عن الانقسامات الداخلية التي احدثتها تلك القضية، هي تلك الانقسامات والتوترات بين التيار الديني المتشدد والتيار العلماني، وأيضا بين الجبهة السياسية والجبهة القانونية، ولكن يبقى الوضع من الحريديم على ما هو عليه من رفضهم الشديد للتجنيد الإجباري في الجيش، وتساعدهم على ذلك موازنات السياسة الحاكمة والأحزاب التي تشكل وزناً مؤثراً في الكنيست.
ولكن نتيجة لهذا الرفض غير المبرر؛ أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية في مارس الماضي، أمرا مؤقتا يقضي بعدم إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، كما قضت بتجميد أموال المعاهد الدينية اليهودية في حال عدم توجه طلابها للتجنيد في الجيش، ثم صدقت الحكومة في مايو الماضي، على قانون تقدم به رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعدم فرض تجنيدهم.
وعليه ردت المحكمة العليا بالإجماع، يوم الثلاثاء الموافق 25 يونيو 2024، بإنتفاء وجود سند قانوني يسمح بتمييز الحريديم وإعفائهم من الخدمة بالجيش، ومن ثم ازدادت وتيرة القلق في الشارع الإسرائيلي بين احتجاجات الحريديم واقتحامهم للقواعد العسكرية وتكرار مواجهاتهم مع الشرطة الإسرائيلية خلال المظاهرات الرافضة لتجنيدهم في الجيش، حاملين شعارات بعنوان” لن نخدم الصهيونية “، ” خذونا إلى السجن وليس إلى الجيش “، ” نموت ولا نتجند “.
وننطلق من هنا لأسباب رفضهم للتجنيد وهي: –
- معارضة أيديولوجية الدولة، حيث لديهم عقيدة دينية راسخة وهي أن الدولة اليهودية لا يمكن أن تقوم إلا بعد ظهور المسيح المنتظر ولذلك لا يعتبرون إسرائيل دولة شرعية.
- تمييز لهم عن باقي المجتمع، من حيث حصولهم على مخصصات شهرية من التأمين الوطني لأنهم يدرسون في المدارس الدينية.
- يحثهم الحاخامات على ان يكرسوا حياتهم لدراسة التوراة والتفرغ لدراسة التعاليم اليهودية وان هذا لا يقل أهمية عن الخدمة العسكرية.
- صعوبة الحفاظ على التدين والتعاليم اليهودية بسبب مبدأ الاختلاط في الجيش وهذا أمر مخالف لأوامر الرب، خصوصاً انهم ملتزمون بنصوص توراتية تخص الفصل بين الجنسين، وأيضا صعوبة الحفاظ على قدسية يوم السبت.
- يعتبرون ان الاندماج في العالم العلماني يهدد هويتهم الدينية واستمرارية مجتمعهم.
- يعتقدون أن دراسة التوراة والصلاة هي الضمان الوحيد للحفاظ على بقاء الدولة اليهودية، لأنها هي السلاح الروحاني لحمياتهم.
- يعارضون من الأساس مبدأ الاعتماد على النظام العسكري كأساس للحفاظ على الحياة السياسية والاجتماعية، لأنه يأخذ مكان الشريعة اليهودية التي تعد مصدراً وحيداً للتشريع وإدارة الحياة العامة لهم.
لذا يتضح لنا ان الأسباب ليست مجرد تهرب من الخدمة العسكرية او لكونها أسباب عقائدية فقط، بل انها ترتبط بالمصلحة والتعاليم الدينية وٍمشكلتهم الكامنة مع فلسفة الدولة الإسرائيلية.
وبالتالي أصبحت الساحة مليئة بالتوترات بين رفض الحريديم وحاجة الجيش مع استمرار الحرب، إسرائيل تواجه عقبه التجنيد من جديد.