تعيش تشاد حالة اضطراب منذ الموت المفاجئ للرئيس إدريس ديبي في أبريل 2021، حيث أثارت قرارات الحوار الوطني التشادي في ٨ أكتوبر٢٠٢٢ بإرجاء الانتخابات الديمقراطية لعامين والسماح لزعيم البلاد المؤقت محمد إدريس ديبي بالبقاء في الحكم والترشح لانتخابات الرئاسة حينما تجرى، غضب قوى المعارضة، كما أنها تمثل تحدياً لتحذيرات متكررة أصدرها الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة ودول أخرى من استئثار المجلس العسكري بالسلطة من خلال تمديد الفترة الانتقالية أو تقدم مرشحين من المجلس لانتخابات الرئاسة.

واندلعت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في تشاد يوم الخميس ٢٠/١٠/٢٠٢٢ وأدت إلي مقتل 50 شخصاً بينهم حوالي 10 من عناصر الأمن، خلال مواجهات في نجامينا بين الشرطة ومتظاهرين ضد تمديد المرحلة الانتقالية السياسية في تشاد.

ماذا يحدث في تشاد؟

وعدت السلطات العسكرية في تشاد بالبدء بفترة انتقالية 18 شهراً وذلك بعدما استولى ديبي على السلطة في أبريل عام 2021 عقب مقتل والده الرئيس إدريس ديبي على جبهة القتال خلال صراع مع المتمردين.
وبمقتضى الخطة الجديدة التي أقرت، السبت الأول من أكتوبر الماضي، مددت الفترة الانتقالية التي كان مقرراً أن تنتهي الشهر الحالي عامين، بما يعني أن الانتخابات ستجرى في غضون أكتوبر عام 2024.
وتسمح الخطة أيضاً لديبي بالبقاء في الحكم لحين إجراء الانتخابات على رغم أن المجلس العسكري الانتقالي سيحل وسيكون البديل له حكومة انتقالية يشكلها ديبي.
وقال زعيم المعارضة في تشاد برايس مبيمونج جويدمبايي إن هذه القرارات فرضت خلال حوار وطني وعد خلاله المجلس العسكري الحاكم بأنه سيكون منتدى شاملاً لبحث السبيل إلى العودة للديمقراطية، وأضاف “هناك جماعات ضغط تفعل كل شيء لإبقاء المجلس العسكري في الحكم على غير إرادة الشعب”.
ومحاولة لإبداء الانفتاح على المعارضة أعلن ديبي تعيين المعارض البارز صالح كبزابو رئيسًا للوزراء يوم 12 أكتوبر 2022، ويأتي اختيار كبزابو بعد يومين من أداء ديبي اليمين الدستورية رئيسًا لمرحلة انتقالية تمتد لعامين، وتعهده بتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإجراء انتخابات حرة وشفافة خلال المدة المحددة.
يُعتبر اختيار كبزابو رئيسًا لوزراء تشاد محاولة لتسويق تمديد الفترة الانتقالية إلى أكتوبر 2024 أمام المجتمع الدولي، خاصة مع احتمال ترشح محمد إدريس ديبي لانتخابات الرئاسة.
وخرج المئات إلى الشوارع يطالبون بانتقال أسرع إلى الحكم الديمقراطي، وأغلقوا الطرق وأضرموا النار في مقر حزب رئيس الوزراء التشادي الجديد صالح كبزابو، وهاجم المتظاهرون مباني عامة، مقر المحافظة، ومقر رئيس الجمعية الوطنية.

أرشيفية

ودعت جماعات المعارضة المجتمع المدني إلى المشاركة في الاحتجاجات والذي
كان من المفترض أن يكون موعد نهاية فترة انتقالية متوافق عليها ومدتها 18 شهرا. وحظرت الحكومة منح التصاريح للاحتجاجات وذلك لأسباب أمنية.
اعتبرت العديد من قوى المعارضة أن قرارات الحوار الشامل رسخت هيمنة نظام “آل ديبي” على الحكم، بما يضمن استمرار سيطرة عرقية “الزغاوة” على المناصب العليا وقيادة الجيش، كما تعد هذه النخبة الحاكمة هي المستفيد الرئيسي من عائدات الثروة النفطية التي تمتلكها نجامينا.

انتقادات ومخاوف داخلية وخارجية
يتخوف محللون من تدهور الأوضاع في تشاد مع رفض عدد من الحركات المسلحة، التي تتجاوز 60 تنظيمًا، استمرار محمد ديبي، وخوفها من تكرار سيناريو انتخابات إبريل 2021، التي قمع خلالها والده المعارضة.
وقد تزامن تصاعد رفض الحركات المسلحة لسلطة ديبي الابن، مع إعلان “مجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية”، بقيادة محمد سليمان سنوسي، توغله في شمال البلاد، وشن هجوم على القوات النظامية، نهاية أغسطس 2022، وسط خطر انعدام الأمن الغذائي، المتصاعد بفعل التقلبات المناخية،ويهدد 2.1 مليون مواطن.
قاطع جزء كبير من قوى المعارضة السياسية والمسلحة جلسات الحوار الشامل، بما في ذلك “الإطار الدائم للتشاور”، والذي يشكل تحالفاً لنحو 20 جماعة من قوى المعارضة، وكذلك ائتلاف “واكيت تاما” المعارض، حيث نددت المعارضة بمخرجات هذا الحوار الذي اعتبروه محاولة لإضفاء الشرعية على النظام الحاكم، فضلاً عن تلويحهم برفض ترسيخ هيمنة “آل ديبي” في السلطة.

أرشيفية

موقف الإتحاد الأفريقي

قاطع الاتحاد الأفريقي مؤتمر تنصيب محمد ديبي رئيساً انتقالياً للبلاد، نظراً لعدم التزام المجلس العسكري بالوعود التي قطعها سابقاً بشأن مدة المرحلة الانتقالية وعدم الترشح للرئاسة المقبلة.
ووجهت انتقادات في السابق للاتحاد لعدم فرض عقوبات على نجامينا بعد سيطرة المجلس العسكري على الحكم بعد مقتل رئيسها السابق إدريس ديبي، مما عكس حالة من الازدواجية في التعاطي مع التغيرات غير الدستورية في الدول الأفريقية، خاصة أن الاتحاد قد سبق وفرض عقوبات على حالات أخرى، على غرار مالي وبوركينا فاسو، بعد الانقلابات العسكرية هناك.
وكان الاتحاد الأفريقي قد وجه دعوة إلى السلطات التشادية، في 19 سبتمبر الماضي، حث خلالها المجلس العسكري الحاكم على عدم تمديد المرحلة الانتقالية والالتزام بعدم ترشح أعضاء المجلس في الانتخابات المقبلة.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك بعض التقديرات ربطت بين موقف الاتحاد الأفريقي وطموحات رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، السياسي التشادي، موسى فقي محمد، حيث ألمحت هذه التقديرات إلى أن الأخير، والذي يعد حليفاً قوياً للرئيس السابق إدريس ديبي، وهو ينتمي أيضاً لعرقية “الزغاوة”، لديه طموحات واسعة للترشح للانتخابات المقبلة.

موقف القوي الإقليمية والدولية

شهد المؤتمر الختامي للحوار الوطني الشامل حضور كل من الرئيس النيجيري، محمد بخاري، ووزراء عن النيجر وجمهورية أفريقيا الوسطى والكونغو الديموقراطية، فضلاً عن سفيري الاتحاد الأوروبي وفرنسا، وهو ما عكس موافقة ضمنية من بروكسل وفرنسا على هذه القرارات، وذلك على الرغم من إصدار الاتحاد الأوروبي لاحقاً بياناً أعرب فيه عن أسفه إزاء عدم التزام المجلس العسكري التشادي بالمدة الزمنية المحددة سلفاً للفترة الانتقالية.
ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة للولايات المتحدة، فقد أصدرت الخارجية الأمريكية مطلع أكتوبر الجاري بياناً عبرت خلاله عن قلقها العميق إزاء الحديث عن سماح أعضاء المجلس العسكري الحاكم في نجامينا بالترشح للانتخابات المقبلة وتمديد المرحلة الانتقالية، داعيةً المجلس العسكري إلى ضرورة الالتزام بعدم الترشح للانتخابات المقبلة، بيد أن واشنطن لم تعلق حتى الآن، على قرار تمديد المرحلة الانتقالية وتعيين ديبي رئيساً انتقالياً في تشاد، مما عكس تأييداً ضمنياً من قبل واشنطن لهذه الخطوة.
وتعكس المواقف الغربية السابقة وجود ازدواجية واضحة في تعاطي الغرب مع التغيرات غير الدستورية في أفريقيا، ففي حين شهدت الفترة الماضية انتقادات حادة للانقلابات العسكرية التي شهدتها مالي وبوركينا فاسو وغينيا، لم تبد واشنطن والقوى الأوروبية، خاصةً فرنسا، الموقف نفسه إزاء التطورات الراهنة في تشاد، على الرغم من سيطرة الجيش على السلطة هناك.

ما السيناريوهات المتوقعة ؟

1. تزايد الاحتقان الداخلي: ترفض قوى المعارضة مخرجات الحوار الشامل وقرار تمديد الفترة الانتقالية لديبي، والذي كان قد شهد مقاطعة وانسحاباً من جانب العديد من قوى المعارضة السياسية والمسلحة، ولذلك قد تشهد الفترة المقبلة تصعيداً من قبل المعارضة ضد نظام ديبي، الأمر الذي قد تتمخض عنه توترات سياسية تهدد حالة الاستقرار الهش في البلاد.
وربما يدعم هذا الطرح دعوة مجموعات من المعارضة السياسية، بما في ذلك ائتلاف “واكيت تاما”، للعصيان المدني وتنظيم تظاهرات واسعة والتي بدأت يوم 20 أكتوبر واستمرارها بشكل أقوي وأكبر، اوما يزيد من احتمال ذلك السيناريو بتأجيج المشهد السياسي في البلاد بالأوضاع المأزومة التي تشهدها تشاد والمتعلقة بمخاطر الأمن الغذائي، في ظل التغيرات المناخية التي تعانيها البلاد، حيث بات نحو 2.1 مليون نسمة تعانون تداعيات موجات الجفاف الحادة والفيضانات الواسعة النطاق.
2. احتمالية حدوث انقلاب عسكري: قد تشهد نجامينا خلال الفترة المقبلة انقلاباً عسكرياً، في ظل تعدد تجارب الانقلابات العسكرية في غرب أفريقيا خلال الأشهر الأخيرة، وربما تزداد هذه الاحتمالية في ظل الانقسامات القائمة داخل المؤسسة العسكرية في تشاد.
3. احتمالية تجدد الهجمات المسلحة: أصدرت نحو 18 جماعة من قوى المعارضة المسلحة بياناً مشتركاً حذرت فيه النظام الحاكم في نجامينا من العواقب التي ستترتب على سياسته الخادعة التي تبناها خلال الفترة الماضية، وربما يزيد من خطورة هذا البيان أنه تضمن “جبهة الوفاق من أجل التغيير” (فاكت)، والتي كانت قد قادت الهجمات التي أدت إلى مقتل إدريس ديبي في أبريل 2021.

 

 

شاركها.

اترك تعليقاً

Exit mobile version